من الهدوء إلى العاصفة.. ماذا تغير في أول 100 يوم من ولايتي ترمب؟

حين أدى دونالد ترمب اليمين الدستورية في 20 يناير 2017، دخل البيت الأبيض مدفوعاً بوعدٍ بإعادة بناء الاقتصاد الأميركي، وسط أجواء من النمو المستقر نسبياً والتضخم المنخفض.
وخلال الـ100 يوم الأولى، ورغم الحماسة الشعبية، لم تهب عاصفة اقتصادية عاتية؛ بل بدأ كل شيء بخطوات محسوبة ومبنية على التمهيد والتفاوض.
أما في يناير 2025، في ولايته الثانية، كان من المُتخيَّل أن يعود ترمب إلى المكتب البيضاوي لقيادة اقتصادٍ يتعافى ببطء من آثار الجائحة، في ظل تضخمٍ آخذٍ في الانحسار مقترباً من 2.4%، ونموٍّ اقتصاديٍّ تقديريٍّ يتراوح بين 2% و3% غير أن هذه العودة المفترضة لم تكن لتتسم بالصبر نفسه الذي ميّز أيامه الأولى في 2017؛ فقد أتى هذه المرة وهو يحمل أجندة صدامية، عازماً على إحداث صدمة اقتصادية فورية.
الفصل الأول 2017: بناء التوقعات على أرض صلبة
في بداية عام 2017، كان الاقتصاد الأميركي يسير بوتيرة معتدلة. فقد سجل الناتج المحلي الإجمالي نمواً سنوياً متواضعاً بلغ نحو 1% في الربع الأول، بينما ظل التضخم تحت السيطرة عند حوالي 2.2% إلى 2.4%.
عصر ترمب الذهبي في أول 100 يوم.. مشرق للذهب وقاتم للأسهم والدولار.. معلومات أكثر
كانت الأسواق مفعمة بالتفاؤل، إذ رحبت بما بدا أنه حقبة جديدة من تخفيف القيود وتخفيض الضرائب. حققت مؤشرات داو جونز وستاندرد آند بورز وناسداك مكاسب ملحوظة، مدفوعة بالآمال لا بالحقائق التشريعية بعد.
اقتصادياً، لم تكن هناك هيمنة واضحة لعدد قليل من الشركات. كانت التكنولوجيا تنمو، لكن لم تبرز بعد سيطرة “السبعة الكبار” (مثل إنفيديا، وأبل، ومايكروسوفت، وشركات الذكاء الاصطناعي) التي نعرفها اليوم. كانت السوق أكثر توازنا بين القطاعات.
تحرك ترمب بخطى محسوبة: انسحب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، وأصدر أوامر تنفيذية لتقليل اللوائح التنظيمية عبر مبدأ “إلغاء لائحتين مقابل كل لائحة جديدة”، وأطلق خططاً لإصلاح شامل للضرائب.
رغم حماسته الخطابية، فإن الإجراءات الكبرى، كخفض الضرائب أو إصلاح الرعاية الصحية، بقيت بحاجة إلى موافقة الكونغرس. لقد فضّل الاعتماد على المؤسسات الدستورية التقليدية لتحقيق تحولاته الاقتصادية.
الفصل الثاني 2025: الهجوم الخاطف
مع عودته في عام 2025، بدا أن ترمب قد تخلى عن سياسة التمهل. ففي مئة يوم فقط، انطلق يوقع أوامر تنفيذية تُحدث اضطراباً كبيراً.
تفرض الإدارة رسوماً جمركية فورية وشاملة: 25% على الواردات الكندية والمكسيكية، و10% على الواردات من الصين، ورسوماً إضافية على قطاعات حيوية كالألمنيوم والسيارات والصلب. يتم الإعلان عن “يوم التحرير التجاري” الذي يفرض ضرائب جمركية عالمية بنسبة 10%، وتُستهدف الصين برسوم قد تصل إلى 145% على بعض السلع.
أما في مجال الطاقة، فيتم تفكيك التزامات المناخ، والانسحاب رسمياً من اتفاقية باريس، وتشجيع التنقيب عن النفط والغاز والفحم عبر كامل الأراضي الأميركية، حتى في البيئات الحساسة.
تسونامي التريليونات: كيف أعاد ترمب رسم خريطة الاستثمار في أميركا خلال 100 يوم؟
يتعرض الهيكل الحكومي نفسه لإعادة صياغة عبر تأسيس “إدارة كفاءة الحكومة” بقيادة إيلون ماسك، بهدف تقليص النفقات الحكومية وإلغاء القيود البيروقراطية.
غير أن هذه التحركات العنيفة لم تمر دون عواقب وخيمة؛ حيث دخلت الأسواق مرحلة اضطراب قاسية: انخفض مؤشر S&P 500 بأكثر من 15% خلال المئة يوم الأولى، وهبطت مؤشرات ناسداك وراسل 2000 إلى مناطق السوق الهابطة (Bear Market)، وتراجع الدولار بشكل حاد، وارتفعت أسعار الذهب مع تصاعد المخاوف من ركود اقتصادي، وأثار الضغط العلني على الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة قلقاً واسعاً حول استقلاليته.
وبينما كان النمو الاقتصادي لا يزال يتراوح بين 2% و3% ، بدأ الخوف من دخول الاقتصاد في حالة ركود بسبب الارتباك التجاري والتقلبات الهائلة في الأسواق.
ماذا كتب ترمب في تغريداته خلال أول 100 يوم رئاسة؟.. الإجابة هنا
وعلى عكس عام 2017، لم يعد المشهد التكنولوجي متوازناً؛ فقد أصبحت الأسواق أكثر تركيزاً حول “السبعة الكبار” الذين كانوا يقودون مكاسب الأسواق: شركات مثل إنفيديا، وأبل، ومايكروسوفت، وأخواتها، مما جعل الأسواق أكثر هشاشة أمام التقلبات.
الفصل الثالث: 100 يوم… ووجهان لترمب
تُبرز المقارنة بين المئة يوم الأولى في كلتا الفترتين اختلافات جوهرية في أولويات ترمب وأسلوبه وتأثير سياساته، كما يوضح الجدول التالي:
البُعد | 2017 | 2025 |
الأولوية | إصلاح ضريبي وتخفيف للقيود | رسوم جمركية وهيمنة للطاقة الأحفورية |
الأسلوب | اعتماد على الكونغرس | أوامر تنفيذية وإعلانات للطوارئ |
رد فعل السوق | تفاؤل وصعود المؤشرات | هبوط حاد واضطرابات |
العلاقة مع الفيدرالي | انسجام نسبي | صدام وضغوط |
يوضح الجدول أعلاه التحول من نهج يعتمد على العمل المؤسسي والتشريعي في 2017 إلى نهج أكثر تصادمية ويعتمد على السلطة التنفيذية بشكل مكثف في السيناريو المفترض لعام 2025. كما يعكس التباين الحاد في ردود فعل الأسواق المالية، من التفاؤل إلى الاضطراب، والتغير في طبيعة العلاقة مع الاحتياطي الفيدرالي والشركاء الدوليين، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط.
دروس مستقبلية لقادة الأعمال
تُظهر مقارنة المئة يوم الأولى بين ولايتي ترمب تحولات جوهرية لا يمكن تجاهلها. فقد أصبح الاعتماد على الأوامر التنفيذية أداة أساسية لإحداث تغييرات اقتصادية جذرية، بعيداً عن الطرق التقليدية البطيئة التي كانت تعتمد على التشريع والمفاوضات الطويلة.
ومع تصاعد هذا النمط من القرارات الأحادية، ازدادت أهمية إدماج المخاطر السياسية والاقتصادية في الخطط الاستثمارية لكل من يسعى إلى فهم المشهد الاقتصادي الجديد والتعامل معه بمرونة وحذر.
وبينما تتقدم الولايات المتحدة بثقلها نحو سياسات أكثر حمائية، يبقى التوتر بين الانعزالية الاقتصادية والعولمة تحدياً مستمراً، يحكم على العالم بأن يظل يقظاً أمام هذه التحولات العميقة والمتسارعة.