من اللحوم إلى الخضراوات.. تراجع بأسعار السلع الغذائية في مصر

“يا ما أنت كريم يا رب.. الأسعار أخيراً نزلت”، تقولها سميرة علي، عاملة بإحدى شركات القطاع الخاص في غرب القاهرة، بينما تقلب أكياس الخضراوات بين يديها داخل أحد الأسواق الشعبية، معبرة عن فرحتها بانخفاض ملحوظ طال بعض السلع الأساسية التي أثقلت ميزانية بيتها لشهور طويلة.
بهذه الكلمات البسيطة، تختصر سميرة وهي ربة أسرة تعول 3 بنات حالة الارتياح السائدة في الأسواق، بعد أشهر من ضغوط الأسعار التي عانى منها محدودو الدخل.
شهدت الأسواق المصرية تراجعاً حاداً لأسعار السلع الأساسية خلال نوفمبر، نتيجة استقرار مدخلات الإنتاج وزيادة الإنتاج المحلي وتفاقم فائض المعروض مع ضعف الطلب، بحسب 7 أشخاص تحدثوا مع “الشرق”.
هبطت أسعار البيض بنحو 28.5% إلى 105 جنيهات للطبق الواحد بنهاية نوفمبر بدلاً من 147 جنيها في أكتوبر تسليم أرض المزرعة، كما تراجعت أسعار الدواجن بنسبة تقترب من 20%، بعدما سجلت 54 جنيهاً للكيلو حالياً، والحال ذاته في الطماطم التي تراجعت بنسبة 80% بعدما انخفضت لـ5 جنيهات للكيلو حالياً مقابل نحو 30 جنيهاً.
رغم أن التأثيرات السابقة أثرت بالإيجاب على المواطن إلا أن انخفاض الأسعار لهذا الحد هدد بعزوف المزارعين والمنتجين عن الزراعة والإنتاج نتيجة تعرضهم للخسائر.
أحمد نبيل، رئيس شعبة بيض المائدة في اتحاد منتجي الدواجن بمصر، قال لـ”الشرق” إن زيادة المعروض بنسبة 25% مع استقرار أسعار الأعلاف وسعر الدولار خلال الأشهر الماضية، أدى ذلك لحدوث فائض في الإنتاج وانخفاض الأسعار للمستويات الحالية.
التصدير لتعويض الخسائر
نبيل أضاف في حديثه مع “الشرق” أن تكلفة إنتاج طبق البيض 135 جنيهاً، ويُباع بنحو 105 جنيهات، وتحمّل المنتجون الخسارة طوال الأسابيع الماضية، ونتيجة لذلك عقد اتحاد منتجي الدواجن، اجتماعاً موسعاً مع وزارة الزراعة لإيجاد حلول قبل اضطرار المنتجين للتوقف عن الإنتاج وتم التوصل لفتح باب التصدير للفوائض.
وقع عدد من الشركات اتفاقات مع قطر وعُمان والإمارات والكويت لتصدير نحو 300 ألف طبق من البيض أسبوعياً لمدة عام، حيث إن السوق المصرية تنتج يوميا 1.1 مليون طبق بيض يومياً الآن، وفقاً لرئيس الشعبة.
أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر ارتفاع معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن بأعلى من المتوقع إلى 12.5% في أكتوبر من 11.7% في سبتمبر، وذلك بعد تراجع استمر لأربعة أشهر.
بيانات التضخم، أشارت إلى انخفاض أسعار مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 4.5، والخضراوات 13.1%.
طالع أيضاً: التضخم في مدن مصر يتسارع لأول مرة منذ 4 أشهر بعد زيادة أسعار الوقود
رئيس شعبة الدواجن في اتحاد الغرف التجارية المصرية، عبد العزيز السيد قال لـ”الشرق”، إن سعر كيلو الدواجن كان يُباع بـ54 جنيها طوال نوفمبر تسليم المزرعة، بعدما كان بـ67 جنيهاً مطلع أكتوبر الماضي، مما كبد المنتجين خسائر قوية، نظراً لتكلفة المنتج المقدرة بـ65 إلى 67 جنيهاً للكيلو، وهو السعر العادل الذي يجب أن تُباع به.
أوضح أن تراجع أسعار الدواجن نتيجة وجود فائض كبير في السوق واستقرار الإنتاج وأسعار مدخلات الإنتاج وتراجع القوى الشرائية للمستهلك في مصر، وأن الفائض الحالي في الإنتاج يُقدّر بـ25%، مما تطلّب فتح باب التصدير أمام القطاع، وأن انخفاض الأسعار أكثر من ذلك قد يؤدي لخروج المربين من سوق الدواجن.
فيما يتعلق بالأسعار في شهر رمضان المقبل، كشف السيد، أنه لا يمكن تحديد توقعات بسبب عدم وضوح الأسس والمعايير وعدم وجود معادلة سعرية كفيلة ولا سعر جبري، لافتاً إلى أن التكلفة ترتفع في الشتاء بسبب التدفئة وارتفاع أسعار السولار والكهرباء، وأن المربين يأملون في توقف خسائرهم مع دخول شهر رمضان الذي يزيد فيه الإقبال على الشراء.
لم يتوقف الانخفاض عند قطاع الدواجن، بل امتد إلى الخضراوات والتي تراجعت بنحو 80%، بحسب حاتم النجيب، نائب رئيس شعبة الخضراوات والفاكهة في اتحاد الغرف التجارية. مرجعاً لـ”الشرق” ذلك إلى فائض الإنتاج واستقرار السوق، حيث هبط سعر كيلو الطماطم لنحو 5 جنيهات بعدما وصل 25 و30 جنيهاً في أكتوبر، فيما هبط سعر كيلو البطاطس لحوالي 4 جنيهات.
ارتفعت صادرات مصر الزراعية بنسبة 9% على أساس سنوي إلى 8.5 مليون طن خلال 2025.بحسب بيانات وزارة الزراعة.
التوسع في مساحات الزراعة
زيادة أسعار المحاصيل الاستراتيجية دفعت العديد من المزارعين للتوسع في زراعة تلك المحاصيل وزيادة مساحات الزراعة الخاصة بها وهو ما نتج عنها حدوث إنتاجية كبيرة، وسط طلب ضعيف، وبالتالي انخفضت الأسعار لمستويات غير مسبوقة، بحسب مسؤول حكومي، قال لـ”الشرق”.
المسؤول أوضح في حديثه مع “الشرق”، أن حجم المزروع من البطاطس وصل إلى نحو 600 ألف فدان العام الجاري، بزيادة بنحو 10% عن العام الماضي، وأن 80% من إنتاجية تلك المساحة هي المتوفرة بالأسواق حالياً، بجانب زراعة 500 ألف فدان من الطماطم العام الجاري، بزيادة أيضاً بنحو 10%، لكن صاحب زيادة المساحة، ارتفاع في الإنتاجية، مما ضاعف المعروض من الخضروات بشكل كبير.
تراجع أيضا متوسط أسعار اللحوم في مصر بنحو 11.6% خلال نوفمبر مقارنة مع الشهر السابق، وسط حالة ركود واضحة جراء تأجيل المستهلكين للشراء مع استمرار ظهور إصابات متفرقة بمرض الحمى القلاعية. ليسجل سعر الكيلوغرام نحو 380 جنيهاً (8 دولارات تقريباً) مقابل 430 جنيهاً في أكتوبر الماضي.
طالع أيضًا: تراجع أسعار اللحوم في مصر وسط مخاوف من مرض الحمى القلاعية
توقع المسؤول الحكومي الذي تحدث مع “الشرق” ارتفاعاً طفيفاً في الأسعار خلال الفترة المقبلة وتزامنا مع دخول شهر رمضان المبارك، يعوض المنتج ولا يشعر به المستهلك، وذلك عقب زيادة الإقبال على الشراء من الشهر المقبل.
تأمل مصر مضاعفة الصادرات الزراعية بداية من 2026، بدعم من زيادة المساحات المزروعة، وفق وزير الزراعة علاء فاروق. وبموجب وثيقة سابقة حصلت عليها “الشرق” تستهدف البلاد زيادة المساحة المزروعة بنحو 10% إلى 11 مليون فدان في السنة المالية 2026-2027، من نحو 10 ملايين فدان حالياً.
نقيب الفلاحين في مصر، حسين عبدالرحمن، أوضح أن انخفاض أسعار الدواجن والبيض والخضراوات خاصة الطماطم والبطاطس، هو أمر جيد بالنسبة للمستهلكين من المواطنين، لكن يتسبب في خسائر كبيرة للمنتج سواء كان فلاحاً أو مربياً، وأن هذه الخسارة تدفع بعضهم للعزوف عن الزراعة الموسم المقبل، مما يؤدي لتراجع المعروض، الذي قد يتزامن مع دخول شهر رمضان وزيادة الطلب.



