مطار هونغ القديم تحول إلى مشروع عقاري خيب أحلام سكانه
كان الطيارون يعتبرون مطار “كاي تاك” في هونغ كونغ اسطورةً، فقد كان يجبرهم على التحليق بين ناطحات السحاب فيما تهبط طائراتهم نحو مدرجه فيما يحبس الركاب أنفاسهم ويحكمون قبضاتهم على مساند أيديهم خوفاً وهم ينظرون إلى نوافذ الشقق المحيطة بالطائرة تمر بهم.
بعد افتتاح المطار الجديد في “تشيك لاب كوك” عام 1998، آل المطار القديم إلى مطوّرين عقاريين يخططون لتحويل المنشأة ومدرّجها السابق الممتد حتى خليج كاولون إلى شقق سكنية قيمة كل منها مليون دولار ومراكز تسوق فاخرة.
رهون عقارية أغلى من قيمة العقار
سجلت المنطقة على مدى معظم العقد الماضي، مبيعات قياسية في مزادات الأراضي وجذبت كثيراً من المشترين المتحمسين. كما شهدت بناء حوالي 14 ألف وحدة سكنية، أي أكثر من 8% من إجمالي الوحدات الجديدة في المدينة منذ عام 2014، وفقاً لشركة الوساطة “جونز لانغ لاسال” (Jones Lang LaSalle).
لكن في ظل انخفاض أسعار المنازل في جميع أنحاء هونغ كونغ اليوم، يعاني عدد متزايد من مالكي المساكن في منطقة “كاي تاك” من رهون عقارية تفوق مديونيتهم منها ما يمكنهم تحصيله لو باعوا العقار. في يوليو، عرضت شركتان شققاً للبيع بسعر متوسط بلغ 183000 دولار هونغ كونغ (23700 دولار) للمتر المربع، وهو أدنى سعر يُسجل في الحي منذ عام 2016 وأقل بنسبة 25% مقارنة بأسعار المشاريع المشابهة قبل ثلاث سنوات.
في حين شهدت أحياء أخرى انخفاضات أكثر حدة في الأسعار، يتزايد عدد الرهون العقارية التي تفوق سعر بيع العقار في منطقة المطار السابق، لأن غالبية العقارات هناك اشتُريت منذ فترة وجيزة نسبياً. قال إريك تسو، نائب الرئيس التنفيذي لشركة “أم ريفيرال” (mReferral) لخدمات الوساطة العقارية: “تتركّز الرهون العقارية ذات القيمة السالبة في (كاي تاك) لأنه كان مركزاً للمشاريع الجديدة خلال العقد الماضي”.
تأخر في في مشاريع التطوير
وفقاً للبيانات الحكومية، بلغ عدد الرهون العقارية في هونغ كونغ التي تفوق أحجامها قيمة أسعار بيع العقارات حوالي 30 ألفاً في الربع الثاني، بقيمة إجمالية تصل إلى 155 مليار دولار هونغ كونغ. مع أن هذا الرقم تحسن قليلاً عن الربع الأول حين بلغ أعلى مستوى له في عقدين، تتوقع “جونز لانغ لاسال” أن يتجاوز الرقم 100 ألف بحلول نهاية العام إن استمرت الأسعار في مسارها الهابط الحالي.
كتب محللا بلومبرغ إنتليجنس باتريك وونغ ويان تشي جون وونغ في يوليو أن “المطورين الذين يعانون من نقص السيولة سيتخلون عن الوحدات الفارغة بأثمانٍ بخسةٍ” نظراً للأزمات التي يواجهها القطاع العقاري في المدينة.
عندما بدأت الحكومة بيع الأراضي عبر مزادات قبل عشر سنوات، كان بيع “كاي تاك” أمراً سهلاً، فهو حيّ جديد يجاور قلب مدينة تعاني من شحّ في الأراضي. وعدت المنطقة بإطلالات مائية ومساحات خضراء وملعب رياضي متطور، وكل ذلك على مرمى حجر من ناطحات السحاب في وسط المدينة. وكان يُفترض أن تستقطب حركة الزبائن المتوقعة في محطة الرحلات البحرية الجديدة عدداً كبيراً من المطاعم والمتاجر وأماكن الترفيه. وقد طُرحت أولى المساكن للبيع في 2016، بالتزامن مع بداية الارتفاع الحاد في الأسعار في هونغ كونغ، إذ ارتفعت قيمتها بنسبة 50% خلال السنوات الثلاث التالية.
لكن عثرات في التطوير حالت دون تحقيق المخطط، فقد كان مقرراً أن يكتمل منتزه “كاي تاك” الرياضي، أكبر ملعب رياضي في المدينة ويضم ستاداً سعته 50 ألف مشاهد، بحلول 2023، لكنه تأجل حتى العام المقبل. كما أُجّل مشروع قطار السكة الأحادية الذي كان مقرراً افتتاحه العام الماضي.
ويُرجح أن يتأخر حتى أواخر العقد المقبل افتتاح وصلة سكة حديدة بديلة تربط مع أقرب محطة مترو، وهي تبعد 45 دقيقة سيراً على الأقدام من الأبراج في منطقة المدرج السابق، حيث تتركز معظم المشاريع. وقد رفع السكان لافتات في الشوارع مطالبين بنظام نقل إلى”كاي تاك” ومعترضين على خطة لبناء مساكن شعبية في المنطقة.
وعود لم تتحقق
ماذا عن المرافق التي وُعد بها السكان؟ في الواقع، لا تضم المنطقة سوى عدد قليل من محلات السوبرماركت التي يقصدها عشرات الآلاف من السكان، فيما المحطة البحرية شبه مهجورة، ولم تستقبل أكثر من ثلاث سفن أسبوعياً في العام الماضي.
كما تخلو المنطقة من المقاهي والحانات، باستثناء مطعم واحد فقط في المحطة يخدم مجموعات السياح الصينيين. قال دانيال يب الذي يملك شقة بغرفتي نوم في مشروع “موناكو ون” السكني القريب من الملعب غير المكتمل: “ثمة نقص في المرافق العامة مثل المتاحف والمكتبات والأسواق”.
حتى الآن، ما يزال تهديد مشكلات الرهن العقاري للنظام المصرفي محدوداً. ومع أن حالات التأخر في السداد تضاعفت تقريباً لتصل إلى 0.11% في نهاية يونيو من الربع السابق، لكنها ما تزال أقل بكثير من 1.42% وهو الرقم القياسي المسجّل عام 2001، عندما كانت سوق العقارات في مرحلة التعافي من الأزمة المالية الآسيوية.
وقالت آيفي وونغ، المديرة الإدارية في شركة “سينتالاين” (Centaline) للوساطة العقارية “ما تزال حالات التأخر في السداد نادرة، وما تزال المخاطر على البنوك منخفضة، رغم أن ذلك قد يتغير إن تباطأ الاقتصاد وارتفعت معدلات البطالة”.
في 2017، اشترى ألفريد تسوي، مالك صالون تجميل سنه 38 عاماً، شقة بثلاث غرف نوم في مشروع “كي سيتي” (K. City)، وهو أحد أولى مشاريع التطوير العقاري في المنطقة. لكنه عمد قبل أربعة أشهر إلى عرض شقته للبيع بسعر أقل بنسبة 5% مما دفعه. وبرغم تلقّيه بعض العروض المبكرة عندما ألغت الحكومة الضرائب على شراء المنازل الثانية، إلا أنه لم يبع الشقة بعد. مع ذلك، يعتبر نفسه في وضع أفضل من كثير من مالكي المنازل الآخرين في “كاي تاك”. وقال: “أنا في الواقع محظوظ جداً، فكل من اشترى في ذروة الأسعار في 2019 يعاني بشكل أسوأ بكثير”.