اخر الاخبار

مصر مرشحة لتكون بطليعة المستفيدين اقتصادياً من وقف النار في غزة

أرسى الاتفاق المبدئي لوقف إطلاق النار في غزة خطوةً طال انتظارها لإنهاء معاناة الفلسطينيين بالدرجة الأولى، بعد أكثر من سنة على الحرب المدمرة التي خلّفت عشرات آلاف الضحايا ودمّرت القطاع بشكلٍ شبه كامل. أما على الضفة الاقتصادية، فتحتل عملية إعادة الأعمار صدارة الأولويات، بينما تحظى حركة الشحن البحري بالاهتمام الرئيسي إقليمياً. وكِلا الملفين رهينة صمود الاتفاق، ويقودان إلى وجهة أساسية واحدة؛ مصر.

كان اقتصاد مصر، صاحبة الحدود العربية الوحيدة مع غزة، الأكثر تأثراً بخلاف جهات الصراع المباشرة، إسرائيل والأراضي الفلسطينية ولبنان. وتمثل الأثر الأكبر في خسارة قناة السويس، أحد أهم المصادر الدولارية للبلاد، ما لا يقل عن 7 مليارات دولار من إيراداتها العام الماضي، بحسب الرئاسة المصرية.

منذ نوفمبر 2023، بدأت جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران، استهداف سفن حربية وتجارية في البحر الأحمر، وتحديداً تلك المارة عبر مضيق باب المندب الذي يلبّي 15% من التجارة العالمية المنقولة بحراً. وطال أثر ذلك، بشكل أساسي، قناة السويس المصرية، بعدما تجنبت السفن هذا المسار، ولجأت إلى رحلة أطول حول أفريقيا للوصول إلى وجهاتها.

العودة إلى قناة السويس

يَعتبر هومايون فلكشاهي، محلل أول للنفط والغاز في “كبلر” (KPLER)، أن التوصل لاتفاق في غزة من شأنه أن ينهي مبرر جماعة الحوثي في اليمن لاستهداف السفن التجارية وتعطيل الملاحة في البحر الأحمر، ما يعني عودة حركة الشحن في المنطقة إلى مساراتها التقليدية.

عودة مسار البحر الأحمر التجاري -على افتراض أن الحوثي سيوقف هجماته- من شأنه أن يخفف من كلفة الشحن، خصوصاً أن السفن التي كانت تعتمد هذا المسار قبل الأزمة، لم تعد مضطرة لقطع آلاف الأميال الإضافية للالتفاف حول القرن الأفريقي. و”رفعت هذه الأميال الإضافية فاتورة الشحن بنحو 50% مقارنةً بمسار قناة السويس التقليدي قبل الأزمة”؛بحسب فلكشاهي لـ”الشرق”.

ارتفاع التكاليف بدأ يترسّخ منذ منتصف العام الماضي. فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة “سي إم إيه سي جي إم” (CMA CGM)، ومقرها بمدينة مرسيليا الفرنسية وتحتل المرتبة الثالثة عالمياً بين أكبر شركات الشحن، عن تحديد سعر 7 آلاف دولار للحاوية البالغ طولها 40 قدماً في النصف الثاني من يونيو للبضائع المتجهة من آسيا إلى شمال أوروبا، ارتفاعاً من متوسط 6250 دولاراً.

وفي أكتوبر الماضي، رفعت شركة “إيه بي مولر-ميرسك” (والتي تعد بمثابة مؤشر رئيسي لحركة التجارة العالمية) توقعاتها السنوية للأرباح للمرة الرابعة في أقل من 6 أشهر، مستندةً إلى ارتفاع الطلب وزيادة أسعار الشحن نتيجة اضطرابات سلاسل التوريد الناجمة عن الهجمات في البحر الأحمر.

لا تختلف وجهة أسامة رضوي، محلل الطاقة والاقتصاد في “برايمري فيجين” (Primary Vision)، كثيراً عن رأي فلكشاهي، إذ اعتبر في تصريح لـ”الشرق” أن الاتفاق يُعدُّ “تطوراً واعداً للغاية في بيئة جيوسياسية مشحونة.. وسيؤمن حدّاً ضابطاً لتقلبات الأسعار، التي كانت من أبرز سمات سوق الشحن مؤخراً”.

لكن الخبيرة في مجال النفط ومؤسسة “زيمبا إنسايتس” الاستشارية راشيل زيمبا نبّهت إلى أن ما يهم فعلياً هو “صمود الاتفاق، وما إذا كان سيؤدي إلى وقف إطلاق نار أوسع مع الحوثيين”. منبهةً في تصريح لـ”الشرق”، إلى أن الصراع في غزة كان مبرر جماعة الحوثي لاستهداف السفن التجارية، ولكن “قد يكون من الصعب إعادة المارد إلى قمقمه”. 

دعم الاقتصاد المصري

يتوقّع جو يرق، رئيس قسم الأسواق العالمية في “سيدرا ماركتس” (Cedra Markets)، أن يؤدي اتفاق غزة لعودة النشاط إلى مسار البحر الأحمر الحيوي، ما من شأنه أن يدعم حتماً إيرادات قناة السويس، وبالتالي الاقتصاد المصري.

وهو ما تؤيده الخبيرة الاقتصادية منى بدير، مشيرةً في حديث لـ”الشرق” إلى أن “أحد الافتراضات الرئيسية بالنسبة للاقتصاد المصري، كان يقوم على بدء تراجع الضغوط عن قناة السويس في الربع الثاني من السنة الحالية على أقرب تقدير، ما يعني أن إقرار الاتفاق قد يوصل إلى تحقيق هذا السيناريو قبل الفترة الزمنية المزمعة، ما من شأنه أن ينعكس تحسناً في الإيرادات الدولارية للقناة، ويُسهم باستقرار أسعار الصرف، ويدعم الموازين الخارجية”.

هذه الظروف قد تشكل “فرصة” أمام مصر، إذ “يُمكن أن تسهم بتحسين توقعات نمو اقتصاد البلاد، إضافةً إلى تخفيف حدّة التضخم والمخاطر المرتبطة به، بما يتيح للبنك المركزي تخفيض أسعار الفائدة بوتيرة أسرع.. كافة هذه التطورات قد تدفع وكالات الائتمان الدولية لرفع تصنيف مصر”، وفق بدير.

الشركات وإعادة الإعمار

لا تقتصر آثار اتفاق وقف النار في غزة على تحسين إيرادات قناة السويس، أو دعم الاقتصاد الكلّّي للبلاد، بل يُرجّح أن تطال الشركات المصرية بشكلٍ مباشر، لاسيما المقاولات ومواد البناء، في حال صمود الاتفاق وتنفيذ بنوده.

وفق نص الاتفاق القائم على 3 مراحل، والذي حصلت “الشرق” على نسخة منه، فإن المرحلة الأخيرة ستشهد “عملية إعادة إعمار قطاع غزة لمدة 3 إلى 5 سنوات، بما يشمل البيوت والمنشآت المدنية والبنية التحتية، تحت إشراف عدد من الدول والمنظمات، بما في ذلك مصر وقطر والأمم المتحدة”. كما ستشهد أيضاً فتح المعابر الحدودية لتسهيل حركة السكان ونقل البضائع.

“من شأن عملية إعادة الإعمار أن تدعم الشركات العاملة في مصر، وخصوصاً تلك العاملة في مجاليّ الإنشاءات وتصنيع مواد البناء، لكونها الأقرب جغرافياً ولديها خبرات في هذا المجال، وسبق أن عملت بمجال إعادة الإعمار في عدة دول”.

يشير بحث أعده محمد عز العرب، رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية في “مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية”، إلى أن مصر ساهمت في عمليات إعادة الإعمار في العراق وسوريا وليبيا ولبنان خلال السنوات الماضية. لافتاً، كنموذج، إلى الاتفاق بين القاهرة وبغداد عام 2019 بهدف إعادة إعمار العراق بعد حرب مدمرة مع “داعش”، حيث تُصدّر مصر بموجبه مواد بناء إلى العراق بنحو مليار دولار سنوياً. كما تعمل الشركات المصرية في مشاريع بمناطق مثل صلاح الدين، والأنبار، ونينوى، وسامراء. 

تقدّر الأمم المتحدة أن هناك أكثر من 42 مليون طن من الركام في غزة، مشيرةً في تقرير أن هذا يعادل 14 مثل كمية الأنقاض المتراكمة في غزة بين 2008 وبداية الحرب في أكتوبر 2023، وأكثر من 5 أمثال الكمية التي خلفتها معركة الموصل في العراق بين عامي 2016 و2017. ولفتت الأمم المتحدة إلى أن إزالة هذه الكمية من الركام ستستغرق 14 عاماً وتكلف 1.2 مليار دولار.

بينما أفاد مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أن أكثر من 1.8 مليون شخص يحتاجون حالياً إلى مأوى في غزة. وعملية إعادة بناء المنازل المدمرة في القطاع قد تستمر حتى عام 2040 على الأقل. وتبلغ تكلفة إعادة الإعمار، بحسب مؤسسة “راند” الأميركية، أكثر من 80 مليار دولار.

وتؤكد بدير أن “مصر ستنخرط حكماً في جهود تأمين موارد كافية لإعادة إعمار غزة، تماماً كما حصل بعد الحرب الإسرائيلية على القطاع عام 2008، عندما عقدت مؤتمراً دولياً في شرم الشيخ، تعهد خلاله المانحون بتقديم 4.5 مليار دولار”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *