مصرف صغير في برج ترمب يدرّ ثروة على نجلي الرئيس الأميركي

تدير شركة “دوميناري القابضة” (Dominari Holdings) من مقرّها في الطابق الثاني والعشرين داخل برج ترمب في نيويورك مصرفاً استثمارياً صغيراً، بعد أن تحوّلت قبل نحو ثلاث سنوات من تطوير علاجات السرطان إلى العمل في القطاع المالي.
منذ ذلك الحين، تكبّدت الشركة خسائر تُقدَّر بنحو 70 مليون دولار. كما ورد اسم أحد مديريها التنفيذيين في قضية تتعلّق بممارسات تجارية مشبوهة في غرف التداول خلال عمله السابق في شركة أخرى، وقد تم التوصّل لاحقاً إلى تسوية بشأنها. وفي الوقت ذاته، بدأت الشركة بتكديس عملة “بتكوين”.
على مدى سنوات، بقيت تحوّلات الشركة وتقلّبات أولوياتها بعيدة عن الأضواء، إلى أن دخل على الخطّ اسمان بارزان: دونالد ترمب الابن وإريك ترمب.
اقرأ أيضاً: أبناء ترمب استعانوا بمديرين تعاونوا مع مستثمرين واجهوا اتهامات بالتلاعب
عقب الإعلان عن انضمام الأخوين ترمب إلى “دوميناري” كمستشارين في فبراير، قفز سهم الشركة بأكثر من 80%، ما حقق لهما مكاسب وفيرة، أقله على الورق، بما أنهما حصلا على مئات الآلاف من الأسهم مسبقاً.
ورغم أن السهم تراجع عن الذروة التي بلغها، فإن دونالد الابن وإريك يمتلكان حالياً حصصاً يمكنهما بيعها بما يصل إلى نحو 8 ملايين دولار لكل منهما، وفقاً لتحليل أجرته “بلومبرغ”.
نمط متكرر
يندرج انخراط الشقيقين ترمب في “دوميناري” في سياق نمط ربحي دأبا على اتباعه منذ إعادة انتخاب والدهما. إذ ينضمان إلى شركة صغيرة، ربما لا تدرّ الربح، ويعلنان عن دور استشاري فيها، ثم لا تلبث أسهمها أن تحلّق.
ودخل دونالد ترمب الابن في شراكة مع شبكة “سيليم ميديا غروب” (Salem Media Group) الإذاعية المسيحية المحافظة، وتولى دور مستشار في شركة الطائرات المسيّرة “أنيوجوال ماشينز” (Unusual Machines) التي استعانت بـ”دوميناري” لترتيب طرحها الأولي العام، إلى جانب مشاريع أخرى.
وكان ترمب الابن قال رداً على التساؤلات بشأن أدواره في عالم الشركات، إنه أمضى حياته الراشدة بالكامل في مجال الأعمال.
“دوميناري” حالة لافتة
مع ذلك، وعلى الرغم من انخراط الشقيقين في عدد من الشركات، تبقى “دوميناري” حالة لافتة. فأحد كبار مديريها التنفيذيين لديه سجل حافل بالشكاوى المقدّمة ضده من عملاء سابقين.
كما أن الشركة مرتبطة برعاية طروحات عامة أولية في الولايات المتحدة لشركات صغيرة وغامضة، يقع العديد منها في هونغ كونغ والصين، وتُتداول أسهمها بأسعار متدنية جداً تُعرف بـ”البيني ستوكس”.
ومن بين أكثر من 12 عملية طرح أولي انخرطت فيها الشركة منذ انتقالها إلى العمل المصرفي، تراجعت قيمة نحو ثلث تلك الأسهم بأكثر من 75%، وفقاً لتحليل أجرته “بلومبرغ”. كما فقدت بعض تلك الشركات تقريباً كامل قيمتها خلال أقل من عام على إدراجها في السوق.
قال بريت ماس، المتحدث باسم شركة “دوميناري” إن أيّاً من مستشاري الشركة لم يبع أسهمه حتى الآن، مؤكداً أن الشركة لا تزال ملتزمة بـ”استراتيجيتها للنمو طويل الأجل”.
وأضاف: “كل من الشركة ومستثمريها يؤمنون بقوة نموذج أعمالنا، وكفاءة قيادتنا، والفرص التي تنتظرنا”، مشيراً إلى أن استمرار المستشارين في الاحتفاظ بحصصهم يعكس “إيماناً مشتركاً بمستقبل الشركة، وتوافقاً مع مصالح المساهمين على المدى البعيد”.
ولم تستجب “منظمة ترمب” لطلب التعليق.
تحذّر الهيئات الناظمة من أن أسهم “البيني ستوكس”، وهي عادةً الأسهم التي يقلّ سعرها عن 5 دولارات، معرّضة أكثر لتقلبات التداول ومخاطر الاحتيال. ورأى جاي ريتر، الباحث المتخصّص في عمليات الطرح الأولي في جامعة فلوريدا، أن أسلوب عمل “دوميناري” القائم على إدخال شركات تُتداول أسهمها بأسعار متدنية، إلى الأسواق الأميركية قد ينطوي على مخاطر.
وقال: “الشركات الراعية للطروحات التي تتعامل مع أسهم البيني ستوكس لا تعزز سمعة أحد”.
رغم سجل “دوميناري” الحافل بالخسائر في استثماراتها الخاصة، قال الشقيقان ترمب إنهما يراهنان على مستقبل مشرق للشركة. فمنذ انضمامهما، أبرمت “دوميناري” اتفاقاً مع شركة “هات 8” (Hut 8) المتخصصة في تعدين “بتكوين”، في خطوة قد تستفيد من تعهّد والدهما بجعل الولايات المتحدة “العاصمة العالمية للعملات المشفّرة”.
اقرأ أيضاً: شركة تعدين بتكوين تابعة لعائلة ترمب تعتزم إدراج أسهمها في البورصة
وقال إريك ترمب في مقابلة مع “فينتك. تي في” (Fintech.TV) عن فريق “دوميناري”: “تلمع عيناي كلما التقيت بهم. إنها شركة مذهلة. قدّموا لنا الكثير من الأمور الرائعة في السابق، ونجحت العديد من تلك الأمور بشكل مذهل”.
ارتباطات بترمب
رغم أن انخراط الشقيقين ترمب في “دوميناري” لا يزال حديث العهد، حيث انضما إلى الشركة كمستشارين قبل نحو ثلاثة أشهر فقط، فقد تمكنا سريعاً من مراكمة حصص قيّمة، إذ حصل كل منهما على 750 ألف سهم مقابل انضمامه، وتحقيقه “أهدافاً محددة”.
كذلك يمتلك ثلاثة مسؤولين تنفيذيين آخرين في “منظمة ترمب” أسهماً في “دوميناري”. فقد أفصح رونالد ليبرمان، النائب التنفيذي للرئيس والذي انضم إلى مجلس إدارة الشركة في ديسمبر، عن نيّته بيع معظم أسهمه، التي تجاوزت قيمتها مليون دولار في إبريل. كما أفصح كل من لورانس غليك، وهو نائب تنفيذي آخر، وآلان غارتن، كبير المسؤولين القانونيين، عن نيّتهما بيع حصص تتجاوز قيمتها 3 ملايين دولار لكل منهما.
ولم يستجب أي من ليبرمان أو غليك أو غارتن لطلبات التعليق.
في صباح ذلك اليوم من شهر فبراير، حين أعلنت “دوميناري” انضمام إريك ترمب ودونالد ترمب الابن إلى مجلسها الاستشاري، وهو مجلس نادراً ما كانت تشير إليه في إفصاحاتها السابقة، أشاد رئيس الشركة، كايل وول، ببراعتهما في قطاع الأعمال.
وول، الذي يتولى أيضاً منصب الرئيس التنفيذي لذراع الأوراق المالية في “دوميناري”، قاد تحوّلاً جذرياً في مسار الشركة منذ عام 2022، حين أبرمت صفقة للاستحواذ على شركة وساطة، وانتقلت من قطاع التقنية الحيوية إلى القطاع المالي.
وصف وول نجلي الرئيس دونالد ترمب بأنهما صديقان، مشيراً إلى أن دعمهما سيساعد “دوميناري” على التوسّع في قطاعات تحظى باهتمام متزايد.
وقال في مقابلة هاتفية بعد الإعلان “هما رجلا أعمال عظيمان، وأعتقد أنهما مهتمان بمجال الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات”.
أشار وول إلى أنه عضو في أحد أندية الغولف التابعة لترمب في جوبيتر بولاية فلوريدا. وكان الرجل عزّز حضوره في أوساط حركة “فلنعِد لأميركا عظمتها”، طارحاً نفسه خبيراً في الاستثمار خلال إطلالاته المتكررة على شبكة “فوكس نيوز”، وترويجه لكل ما له علاقة بإيلون ماسك، من بين أمور أخرى.
سجل حافل بالشكاوى
لكن سجله المهني ليس خالياً من الشوائب، إذ واجه وول 5 شكاوى من عملاء منذ عام 2005، بحسب “هيئة تنظيم الصناعة المالية” (فينرا)، وهي هيئة رقابية ذاتية التنظيم. وتزعم أحدث تلك القضايا أنه تسبّب في أضرار تتجاوز قيمتها مليون دولار.
رد الوسيط على هذه الاتهامات بالقول: “ترى (دوميناري) والسيد وول أن هذه الادعاءات لا تستند إلى أي أساس، ويعتزمان التصدي لها بقوة، ويتوقعان صدور قرار لصالحهما في جلسة استماع ستُعقد للنظر في أسسس الدعوى”.
وكان وول نفى ارتكاب أي مخالفة عند سؤاله في فبراير عن الإفصاحات السابقة بشأنه المقدمة إلى الهيئات الرقابية. وقال آنذاك: “هذا جزء من طبيعة العمل في هذا القطاع على مدى سنوات طويلة. أنكرت ذلك بشدة، ودافعت عن نفسي”.
رفض وول طلباً لإجراء مقابلة إضافية في وقت لاحق، فيما امتنعت “دوميناري” عن الرد على الأسئلة التفصيلية المرتبطة بسجله لدى الهيئات الناظمة.
شركة “ريڤير سيكيوريتيز”
قبل الانضمام إلى “دوميناري”، عمل وول في شركة استثمارية صغيرة تُدعى “ريڤير سيكيوريتيز” (Revere Securities)، وقد واجه مع عدد من زملائه في الشركة شكوى قانونية قُدّمت عام 2023 على خلفية سلوكياته المهنية.
تكشف الشكوى جانباً من اتهامات له باتباع أساليب بيع عدوانية، وهي ممارسات كثيراً ما ترتبط بتداول الأوراق المالية منخفضة السعر. زعمت إحدى العميلات، التي أوكلت إلى وول إدارة استثماراتها، أنه أجرى صفقات من دون تفويض، جنى من خلالها هو و”ريڤير” رسوماً تجاوزت 820 ألف دولار خلال أقل من عام، في حين مُني حسابها بخسائر تُقدَّر بنحو 1.5 مليون دولار.
أفادت الشكوى بأن وول حثّ العميلة، وهي لاعبة غولف محترفة، على استثمار 250 ألف دولار في شركة ناشئة تعمل في مجال “بتكوين” تُدعى “BCII”، لم تكن قد طُرحت للاكتتاب العام بعد. وقد وافقت على استثمار 50 ألف دولار فقط، إلا أن وول واصل الضغط عليها لزيادة المبلغ، “في مشهد يُذكّرنا جميعاً بفيلم Boiler Room” بحسب ما ورد في الشكوى.
اقرأ أيضاً: هكذا يحول ترمب الابن رؤية والده إلى استثمارات مربحة
لاحقاً، اكتشفت أن حساباتها تتضمّن أسهماً لم تكن على علم بها. وبدل حصص في “BCII”، تبيّن أنها تملك أسهماً في شركة تُدعى “كيرنا هيلث” (Kerna Health)، وفقاً للشكوى.
وكانت “كيرنا هيلث” من أكبر الاستثمارات طويلة الأجل لدى “دوميناري” في نهاية عام 2024.
وجاء في تعليق الوسيط على موقع “فينرا”: “السيد وول ينفي هذه الادعاءات، ويعتزم الدفاع عن نفسه بقوة”. وعند البحث عن وول من خلال أداة البحث “BrokerCheck” التابعة لـ”فينرا” يشار إلى هذه القضية على أنها “تمّت تسويتها”.
فريق مترابط
يتّسم فريق الإدارة في “دوميناري” بترابط وثيق، إذ وصف كايل وول الذي انضم إلى مجلس إدارة الشركة عام 2021، الرئيس التنفيذي أنطوني هايز بأنه “أحد أقرب أصدقائي”. كما أن زوجة وول، سو يو، هي مديرة مشاريع خاصة، وتشغل مقعداً في مجلس الإدارة.
تكبّدت الشركة صافي خسائر بلغ 37.6 مليون دولار خلال العامين الماضيين، وسجّلت في الأشهر الثلاثة الأولى فقط من عام 2025 خسائر إضافية بقيمة 32.5 مليون دولار.
في المقابل، بلغ إجمالي ما تقاضاه وول في عام 2024 نحو 2.8 مليون دولار، بينما حصلت يو، المولودة في كوريا الجنوبية والحائزة على الجنسية الأميركية، والتي تتولى بناء علاقات مع عملاء دوليين، على 2.4 مليون دولار. وكانت قد جنت في عام 2023 أكثر من 8 ملايين دولار، ما يضعها في مصاف كبار التنفيذيين في مؤسسات مالية أضخم بكثير.
تحوّلات متعددة
أنشئت الشركة التي تُعرف اليوم باسم “دوميناري” تحت اسم “سفيريكس” (Spherix) عام 1967. وفي 2017، بدأت تشغيل شركة صغيرة متخصصة في تطوير علاجات مضادة للسرطان والفيروسات تستند إلى الجزيئيات، قبل أن تغيّر اسمها لاحقاً إلى “آيكيدو فارما” (Aikido Pharma). وفي عام 2022، أعادت إطلاق علامتها التجارية مجدداً باسم “دوميناري”.
في العام نفسه، أبرمت صفقة للاستحواذ على شركة وساطة صغيرة تُدعى “فيلدبوينت” (FieldPoint). وتشير الإفصاحات المالية إلى أن عقود إيجار مكاتبها في برج ترمب تكلّفها نحو 750 ألف دولار سنوياً.
يستند معظم سجلّها في الطروحات العامة إلى أسهم “البيني ستوكس”. ومن بين الشركات التي طرحتها للاكتتاب العام، “جوبيتر نيوروساينسز” (Jupiter Neurosciences) ومقرّها فلوريدا، و”ويلتشانج هولدينغز” (Wellchange Holdings) ومقرّها هونغ كونغ، وتراجعت أسهمها إلى ما دون دولار واحد بعد انخفاضات حادة في السوق.
استثمرت الشركة أيضاً مبالغ صغيرة في شركات خاصة ترتبط بالدائرة المقربة من ترمب، شملت حصة بقيمة 100 ألف دولار في شركة “إكس إيه آي” (xAI) التابعة لإيلون ماسك، و364 ألف دولار في منصة تداول العملات المشفّرة “كراكن” (Kraken)، التي قدّم أحد مؤسسيها، جيسي باول، تبرعاً بقيمة مليون دولار لصندوق تنصيب ترمب.
كما امتلكت “دوميناري” حصة تُقدّر بنحو مليون دولار في شركة “أنيوجوال ماشينز” (Unusual Machines)، التي انضم إليها دونالد ترمب الابن كمستشار، وذلك قبل طرح أسهم الشركة المتخصصة في الطائرات المسيّرة للتداول في عام 2024، وفقاً لأحدث الإفصاحات.
إلى ذلك، تتوسّع “دوميناري” في قطاع العملات المشفّرة، والذي تروّج له عائلة ترمب. فقد أطلقت الشركة استراتيجية لتكديس “بتكوين” في الشهر نفسه الذي انضم فيه الشقيقان ترمب إليها، وبلغت قيمة استثماراتها في صندوق “بتكوين” متداول في البورصة نحو مليوني دولار مع نهاية مارس.
وفي مشروع آخر في مجال العملات المشفّرة، أنشأت “دوميناري” في فبراير قسماً مخصصاً لمراكز البيانات بالتعاون مع الشقيقين ترمب، ثم أعلنت في مارس تحويله إلى وحدة لتعدين “بتكوين”.
ووافقت شركة “هات 8″، المدرجة في البورصة، على نقل معظم أجهزة التعدين التي تملكها إلى قسم مراكز البيانات الجديد التابع لـ”دوميناري”. ووفقاً للاتفاق، تحصل “هات 8” على 80% من الكيان الجديد، بينما تؤول النسبة المتبقية البالغة 20% إلى الشقيقين ترمب وشركائهما.
وتعتزم الشركة الجديدة التي تحمل اسم “أميركان بتكوين” (American Bitcoin)، الإدراج في البورصة هذا العام من خلال الاندماج مع شركة أخرى، في خطوة قد تتيح للمالكين تحقيق أرباح جديدة.
عند سؤال وول عن طبيعة الخبرة التي يضيفها الشقيقان ترمب إلى “دوميناري”، قال إنهما “صديقان ومستشاران”، لكنه لا يرغب في الحديث نيابة عنهما.
من جانبه، رأى آدم بريتشارد، أستاذ قانون الشركات والأوراق المالية في جامعة ميشيغان، أن أحد أسباب اختيار المصرف الصغير لهذين المستشارين هو ثقل الاسم الذي يحملانه. وقال: “هل هناك أدنى شك في أن اسم عائلة ترمب يساعد أعمالهما؟ بالطبع يساعدهما”.