مصافي النفط في الصين تواجه تحديات مع التصدي لفائض الطاقة الإنتاجية
تواجه مصافي النفط المستقلة في الصين تحديات هذا العام، إذ تسعى بكين للحد من فائض الطاقة الإنتاجية في القطاع، بالإضافة إلى تزايد ندرة النفط الخام الذي تعتمد عليه تلك المصافي.
تستحوذ شركات صغيرة مملوكة للقطاع الخاص على تكرير أكثر من خُمس كميات النفط في الصين، وتتواجد العديد منها في مقاطعة شاندونغ الواقعة في شرقي البلاد.
تتمتع هذه المصافي المستقلة، التي تُسمى “أباريق الشاي”‘، بسمعة كونها تعمل بذكاء وتتكيف مع ظروف السوق كونها تحقق أرباحاً ضئيلة للغاية. لكن تواجه بعض تلك المصافي تحديات تجعل الحيل أو الأساليب القديمة التي استخدمتها لتحقيق الأرباح غير فعالة.
تتصدر الصين قائمة مستوردي النفط الخام في العالم، وتُعتبر مصافي “أباريق الشاي” حجر الزاوية في سوق قاد زيادة الطلب العالمي على النفط لأكثر من عقد. إلا أن ثلاث شركات في شاندونغ أعلنت إفلاسها في أواخر العام الماضي، وسط توقعات بتعرض المزيد من الشركات للفشل المالي والإفلاس.
قالت ميّا غينغ، المحللة في شركة الاستشارات “إف جي إي” (FGE) :”هذا العام، سيزداد الفائض في سوق النفط لدى الصين بشكل أكبر. قد نشهد المزيد من إغلاق أباريق الشاي، سواء بشكل مؤقت أو دائم”.
تواجه مصافي “أباريق الشاي” هذه المشكلة لأن اقتصاد الصين يتباطأ ويتجه نحو التحول إلى استخدام طاقة أكثر صداقة للبيئة. يمكن إلقاء اللوم على السيارات الكهربائية، ولكن الطلب على أنواع الوقود الذي تنتجه المصافي مثل البنزين والديزل يشهد تراجعاً.
بسبب القيود المالية، لم تعد السلطات المحلية مستعدة لمساندة تلك الشركات في تجنب دفع الضرائب. القيود الأكثر صرامة على النفط الرخيص و الخاضع لعقوبات من دول مثل روسيا وإيران تجعل من الصعب على تلك المصافي الحصول على هذا النوع من النفط.
محاولة الصين تحويل نموها الاقتصادي بعيداً عن الصناعات التقليدية (التي تُلوث البيئة)، جعلت المصافي مُكبلة بحد أقصى للطاقة الإنتاجية على مستوى البلاد يبلغ مليار طن سنوياً في 2025.
تم إفساح المجال للمصافي العملاقة والمتكاملة ذات الكفاءة العالية مثل منشأة ” شاندونغ يولونغ بتروكيميكال” (Shandong Yulong Petrochemical) التي بدأت العمل في سبتمبر، مما يعني أن الشركات الصغيرة والأقل ربحية من المرجح أن تكون هي الضحايا في سبيل تحقيق الهدف، إذ تواجه صعوبة في البقاء والربح. وتأتي المصافي القديمة في شاندونغ على رأس هذه القائمة.
قال باحثون لدى “سينوبك” (Sinopec) المملوكة للدولة، أكبر شركة تكرير نفط في الصين، إن عملية دمج الشركات والمصافي، قد تؤدي إلى إغلاق 6 إلى 10 ملايين طن من الطاقة الإنتاجية على مستوى البلاد هذا العام، وفق تقرير تم عرضه في بكين الشهر الماضي.
كانت شركة “إنرجي إسبكتس” (Energy Aspects) ومقرها في لندن قد قدرت سابقاً حجم الطاقة الإنتاجية التي سيتم إغلاقها عند 15 مليون طن، ووصفت عام 2025 بأنه “الوقت الطبيعي لفرض المزيد من الضغوط على المصافي الصغيرة”، حسب مذكرة بحثية تم إرسالها للعملاء في نوفمبر.
تحصيل الضرائب
تتضمن التوجيهات الحكومية الأخرى بشأن كفاءة الطاقة، إغلاق وحدات تقطير الخام الأصغر حجماًــ وهي الخطوة الأولى في تكرير النفط- بحلول هذا العام. حسب وانغ يانتينغ، المحلل في شركة الاستشارات الصينية “جيه إل سي” (JLC)، فإن حوالي 9 ملايين طن من الطاقة الإنتاجية في شاندونغ وحدها تستوفي الحد المطلوب. احتياج بكين لزيادة عائداتها الضريبية له أيضاً تداعيات على قطاع معروف بتجنب دفع الضرائب أو التهرب منها.
لم يخضع حوالي 40% من البنزين والديزل الذي تنتجه مصافي “أباريق الشاي” ويُباع في الصين للضريبة بشكل سليم في العام الماضي، وفق أبحاث “تشاينا ناشيونال بتروليوم كورب” (China National Petroleum Corp)، أكبر شركة نفط في البلاد.
في سبتمبر، أصدرت حكومة شاندونغ إشعاراً شفهياً لمصافي “أباريق الشاي” تطلب منها إعادة بعض التخفيضات الضريبية على وارداتها من زيت الوقود، حسبما قال أشخاص مطلعون على الأمر، رفضوا الكشف عن هوياتهم بسبب الخصوصية.
زيت الوقود هو بديل للمصافي الصغيرة التي لا تتوفر لها حصص استيراد النفط الخام من الحكومة، ويشكل حوالي 10% من المواد التي تستخدمها “أباريق الشاي”، حسب شركة “ماي ستيل أويل كيم” ( Mysteel OilChem). لم ترد حكومة شاندونغ على الاتصالات التي تطلب التعليق، لذا من غير الواضح ما إذا كانت طلباتها قد تحولت إلى أوامر ملزمة أو عدد الشركات التي امتثلت لها.
لكن الاهتمام بالضرائب هو علامة تثير القلق، كون المقاطعة، التي تعتمد على التكرير من أجل التوظيف والإنتاج الاقتصادي، كانت عادة ما تعامل مصافي “أباريق الشاي” بتساهل أو مرونة. تسود مخاوف في القطاع أن المحاسبة الضريبية الأكثر صرامة قد تؤثر على ربحية العديد من الشركات، مما يدفعها إلى التعرّض للخسائر.
في الواقع، الشركات الثلاث التي أفلست العام الماضي، والتي كانت لديها قدرة اسمية تبلغ حوالي 17 مليون طن، واجهت مصيرها على وجه التحديد لأنها كانت ملتزمة بسداد الضرائب وتجنبت استخدام النفط الخاضع للعقوبات، وفقاً لأشخاص مطلعين.
تعتمد “أباريق الشاي” على الخام الإيراني الأرخص وتأخذ حوالي 90% من صادراته، لكن الأسعار ارتفعت وتراجعت التدفقات منذ أن وسعت الولايات المتحدة العقوبات في أكتوبر على ناقلات أسطول الظل التي تقوم بنقل النفط بين إيران والصين. الوضع الذي يواجهه قطاع النفط الإيراني سيصبح أسوأ إذا اعتمدت إدارة ترمب القادمة موقفاً أكثر تشدداً في التجارة مع طهران.
قد تكون بكين “على استعداد للتضحية بمصافي أباريق الشاي لتسجيل بعض المكاسب السهلة ضد ترمب من خلال فرض قيود على واردات النفط الإيراني”، وفق شركة “إنرجي إسبكتس”.
تعمل أباريق الشاي بالفعل بنسبة 55% أو أقل من طاقتها الإنتاجية، حسب “ماي ستيل أويل كيم”، ومن المرجح أن تقلص عمليات التشغيل بشكل أكبر، أو تغلق المصافي لفترات أطول لأعمال الصيانة، لمواجهة التحديات الاقتصادية والضغط على الأرباح.
يقول المسؤولون التنفيذيون والتجار في الصناعة إن بعض هذه الشركات كانت ستواجه صعوبة في البقاء دون الضرائب المواتية وتوافر النفط الخام الخاضع للعقوبات بأسعار مخفضة.