مصادرة أميركا لناقلة نفط ينذر بتفاقم الأزمة الاقتصادية في فنزويلا

تواجه فنزويلا صدمة مالية جديدة بعد أن صادرت الولايات المتحدة الأميركية ناقلة نفط خاضعة للعقوبات قبالة سواحلها، في خطوة قد تخنق أحد آخر مصادر الإيرادات المتبقية لبلد بات مجدداً على حافة التضخم المفرط.
تعرّض اقتصاد الدولة التي يحكمها نظام اشتراكي لضغوط شديدة منذ أن شدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب القيود على تجارة النفط في وقت سابق من العام الجاري. وكان إمداد الحكومة بالدولارات – المرتبط في معظمه بمبيعات الخام- قد تراجع بالفعل بنحو 30% خلال الأشهر العشرة الأولى من 2025. وأسهم هذا التضييق في الضغط على سعر الصرف ودفع الأسعار إلى الارتفاع، مع توقع أن يتجاوز معدل التضخم السنوي 400% بحلول نهاية العام، وفق تقديرات خاصة لخبراء اقتصاد محليين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم خشية التعرض للانتقام.
انهيار اقتصادي مطول في فنزويلا
بعد أن كانت في وقت ما من أغنى دول أميركا اللاتينية، عانت فنزويلا انهياراً اقتصادياً مطولاً يمتد لأكثر من عقد، دفع نحو ربع سكانها إلى الهجرة بحثاً عن فرص أفضل في الخارج. تُهدد عملية مصادرة الناقلة الاستيلاء الأسبوع الجاري، التي كانت تحمل ما يصل إلى مليوني برميل من النفط، بفتح فصل جديد من المتاعب.
طالع المزيد: واشنطن تحتجز ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا في تصعيد خطير للتوترات
قال خبير الاقتصاد الفنزويلي فرانسيسكو رودريغيز، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة دنفر: “إن استمرار سياسة المصادرات سيؤدي إلى تراجع حاد في قدرة فنزويلا على الاستيراد، ما سيدخل البلاد في ركود جديد”.
يأتي هذا التدهور المتجدد في ظل نقص حاد في البيانات الاقتصادية، مع تشديد الحكومة حملتها على الإحصاءات المستقلة. فقد اعتقلت السلطات ما لا يقل عن 8 خبراء اقتصاد ومستشارين خلال العام الحالي بسبب نشرهم تقديرات تتعلق بالتضخم والنشاط الاقتصادي وسعر الصرف الموازي.
توقع خبراء اقتصاد بالفعل تباطؤاً اقتصادياً في 2026 قبل التحرك الأميركي التصعيدي. رغم أن السلطات لا تنشر بيانات منتظمة، زعم البنك المركزي الفنزويلي مؤخراً أن الاقتصاد سجل نمواً بنسبة 8.7% في الربع الثالث من العام الجاري. يقارن ذلك بتقديرات محلية تشير إلى نمو بنحو 5% في 2025، وانكماش بنسبة 1% العام المقبل، حتى قبل مصادرة الناقلة.
كيف هو حال عملة البوليفار؟
فقدت العملة المحلية، البوليفار، أكثر من 80% من قيمتها منذ يناير الماضي، رغم جهود الحكومة للحد من التراجع في السوق الرسمية. يشهد الاقتصاد الفنزويلي دولرة على نطاق واسع، إلا أن السكان ما زالوا يعتمدون على البوليفار في المشتريات اليومية للاستفادة من فارق سعر الصرف، عبر تحويل الدولارات بسعر أعلى في السوق الموازية ثم إنفاق العملة المحلية لدى متاجر مُجبرة على استخدام السعر الرسمي. لحماية أنفسهم من الخسائر، بدأ بعض تجار التجزئة تسعير البضائع استناداً إلى سعر اليورو، الذي يُعد أعلى بقليل.
ما الذي يعنيه قرع ترمب طبول الحرب لقطاع النفط في فنزويلا؟ الإجابة هنا
تُصدر فنزويلا، العضو في منظمة “أوبك”، حالياً نحو 900 ألف برميل من النفط يومياً. ويذهب نحو 750 ألف برميل، أي ما يعادل 80%، إلى مُشترين صينيين، وفق بيانات جمعتها “بلومبرغ”. تمر نحو 30% من الشحنات عبر أسطول ظل من السفن الخاضعة للعقوبات، مشابه للناقلة التي صودرت أمس الأول. تستعد الولايات المتحدة الأميركية الآن لاعتراض مزيد من السفن التي تنقل النفط الفنزويلي، بحسب أشخاص مطلعين على العملية.
فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية شاملة على فنزويلا في 2019، ما قطع عنها الوصول إلى العملات الأجنبية. واستغرق الرئيس نيكولاس مادورو أربع سنوات لاستعادة قدر من الاستقرار، وإنهاء التضخم المفرط، وخرج من واحد من أعمق حالات الركود في التاريخ الحديث، وتهدئة التقلبات الحادة للعملة، وذلك إلى حد كبير عبر السماح باستخدام واسع للدولار الأميركي.
تسعير نفط فنزويلا
لكن هذا التعافي أثبت هشاشته. يقول متعاملون إن المبيعات إلى آسيا قد تصبح أكثر تعقيداً، مع مطالبة المشترين بخصومات أعمق من شأنها أيضاً أن تضرب خزائن الحكومة. ويقدر بعضهم أن التخفيضات قد تتضاعف لتصل إلى ما يصل إلى 30 دولاراً للبرميل دون سعر مزيج برنت، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر. وكانت شركة النفط الوطنية “بتروليوس دي فنزويلا” تواجه بالفعل ضغوطاً في الأشهر الأخيرة، مع تزايد تأخيرات الناقلات مع تعثر مفاوضات الأسعار.
اقرأ أيضاً: تقارير: إدارة ترمب تعتزم مصادرة المزيد من سفن نقل النفط الفنزويلي
قال أليخاندرو غريسانتي، الاقتصادي الفنزويلي والمستشار المالي، إن مصادرة إدارة ترمب تُعد “محطة مفصلية” تمثل “تحولاً كبيراً في توقعات إيرادات النفط الفنزويلية لعام 2026، لأنها ستزيد الخصومات بشكل ملحوظ، وليس هذا فحسب، بل قد تُشل الصادرات”. أضاف أن الخطوة الأميركية “كانت رادعاً قوياً جداً من شأنه أن يقلص بشكل كبير السوق السوداء للنفط الفنزويلي”.
إذا استمرت المصادرات وتعمقت الخصومات، فمن المرجح أن يشعر الاقتصاد بالأثر سريعاً. فإمدادات الدولار الأميركي مُقيدة بالفعل، واتسعت الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والموازي إلى نحو 70%، ما يُتوقع أن يدفع الأسعار إلى مزيد من الارتفاع في الأمد القريب.
قال أليخاندرو أرياثا، خبير الاقتصاد في “باركليز”: “البلاد تسير في طريقها نحو التضخم المفرط. إن تأثير خصم نفطي أكبر لا يؤدي إلا إلى تسريع هذه العملية”.



