مسار إنفاذ خطة ترمب لزيادة التعرفة الجمركية سيكون وعراً
يلوح رفع التعرفة الجمركية الأميركية في الأفق، ويرجح أنها ستكون ثقيلةً على الواردات الصينية ومتوسطةً على المنتجات الآتية من بقية أرجاء العالم. على الأقل هكذا كان وعد الرئيس العتيد دونالد ترمب خلال حملته الانتخابية.
لكننا تعلمنا من تجربتنا مع ولايته الرئاسية الأولى أنه يحبذ الفوضى وتأليب أعضاء حكومته بعضهم ضد بعض والقيام باستدارات سياسية مفاجئة دون علم أقرب مستشاريه. وهذا من أسباب تخفيف التشاؤم حيال موجة الحمائية الجديدة التي تعهد بإطلاقها على العالم.
وعود مبهمة
يتعامل ترمب، الذي سمى نفسه “رجل التعرفة الجمركية”، مع فرض رسوم على الواردات كما لو أن هذا الخيار بمثابة عصا سحرية تتيح له تحقيق أهداف استراتيحية كبرى، وتسجيل انتصارات تكتيكية ضد الخصوم والشركاء على حدّ سواء.
ولو كان الأمر بيده، لأرجع الولايات المتحدة إلى نموذج العصر الذهبي في القرن التاسع عشر، حين كان حجم الحكومة صغيراً، ويعتمد تمويلها بشكل أساسي على الرسوم الجمركية وليس على ضريبة الدخل، وقد مكن ذلك أقطاب الصناعة الأميركيين آنذاك، الذين قد يصح القول إنهم “إيلون ماسك ذلك الزمن”، من جني ثروات طائلة بفعل الحمائية ومحدودية المنافسة.
لكن التفاصيل مهمة في هذا الشأن. صحيح أن ترمب هدد بفرض تعرفة جمركية نسبتها 60% أو أكثر على السلع المستوردة من الصين، إلى جانب تعرفة تتراوح بين 10 و20% على عموم الواردات من بقية الدول، لكن هذه الوعود المبهمة التي أطلقها خلال حملته الانتخابية تتطلب إعداداً وإنفاذاً.
يعني ذلك أن التوصل لأجوبة بعض الأسئلة الأساسية قد يستغرق وقتاً. مثلاً، هل رسم 60% الأقصى سيعم على كافة الواردات من الصين، أو أنه مثلما توقع بعض الخبراء، لن يطال إلا مجموعةً رمزيةً من المنتجات؟ وهل سيستخدم ترمب التعرفة الجمركية كأداة تفاوض كما فعل خلال ولايته الأولى، أم ستصبح زيادة التعرفة وسيلة ثابتة لتوليد إيرادات تعويضاً عن خفض الضرائب الذي وعد به؟ إن كان سيعمد إلى تطبيق ثاني هذين الخيارين، فسيتعين عليه الاستعانة بالكونغرس لإقرار تشريعات تتيح له تحقيق وعوده.
في ظلّ إدارة منضبطة في البيت الأبيض، بحيث يتبع الرئيس مساراً واضحاً، قد تسهل الإجابة على هذه الأسئلة. ولكن هذا ليس أسلوب ترمب. وعلى الرغم من أن مستشاريه أكثر انضباطاً، بدأت تظهر اختلافات رأي بين من اختارهم لحكومته، حول ما تعنيه حقاً تعرفته الجمركية.
خلافات بين المستشارين حول هدف التعريفات
روبرت لايتهايزر، المرشح البارز لاستعادة منصبه في إدارة ترمب الأولى كممثل تجاري للولايات المتحدة، يأمل بتولي منصب أعلى في الحكومة المقبلة، ليتمكن من تنفيذ رؤيته الحمائية. إذ أنه شديد الاقتناع بالرسوم الجمركية، ويعتقد أن الخطأ الأكبر الذي ارتكبته الولايات المتحدة عبر تاريخها الاقتصادي كان تقليص الحواجز أمام الواردات مع مرور الزمن. يسعى لايتهايزر إلى تحقيق توازن أكبر في التجارة الأميركية مع العالم، ويرى أن تثبيت رسوم جمركية مرتفعة سيكون إرثاً جديراً به وبترمب.
إلا أن أعضاء آخرين في الدائرة المقربة من ترمب اعتبروا الرسوم الجمركية أداة مؤقتة تهدف إلى انتزاع تنازلات من الدول الأخرى، ومن أولئك جون بولسون وسكوت بيسينت، وهما من رجال الأعمال والمليارديرات الطامحين لتولي منصب وزير الخزانة.
رغم تفضيل ترمب للرسوم الجمركية، إلا أنه لا يؤيد كثيراً تقييد التجارة لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وهو نهج يتبناه كثير من مستشاريه الذين يرون في كبح نفوذ الصين التحدي الأكبر في عصرنا. سيكون ترمب سعيداً لو زادت الصين وارداتها من المنتجات الأميركية، أو إذا أنشأ مصنّعون صينيون معامل في الولايات المتحدة.
انتقد ترمب في فبراير 2020 عبر سلسلة تغريدات عبر “تويتر” بعض مسؤولي إدارته السابقة لدأبهم على استخدام “ذريعة الأمن القومي” بغرض منع بيع محركات نفاثة إلى الصين. وأضاف: “أريد تسهيل التبادل التجاري مع الولايات المتحدة، وليس تصعيبه… الولايات المتحدة منفتحة على التجارة”.
دور إيلون ماسك
تجاهل ترمب الخبراء الاقتصاديين الذين حذروا من أن رسومه الجمركية قد تؤدي إلى عودة التضخم وإبطاء نمو الاقتصاد. مع ذلك، بعد انتخابات لعب فيها غضب الناخبين من ارتفاع الأسعار دوراً محورياً، من المنطقي التعامل مع زيادة التعرفة الجمركية بحذر، بما أن ذلك سيعرّض الأسر الأميركية لمزيد من ارتفاع الأسعار.
كان ترمب حريصاً خلال ولايته الأولى على مراقبة ردود فعل الأسواق تجاه تصريحاته، ما دفعه أحياناً إلى تعديل مساره. كما أن إدارته منحت إعفاءات من التعرفة الجمركية لعدد كبير من الشركات الأميركية التي اشتكت من أن الرسوم تشكل تهديداً كبيراً لأعمالها.
في أغسطس 2018، سافر الرئيس التنفيذي لشركة “آبل” تيم كوك من الساحل الغربي إلى الشرقي للولايات المتحدة ليتناول العشاء مع ترمب في ملعب الغولف الذي يملكه الرئيس في بيدمينستر بولاية نيوجيرسي، وطرح عليه سؤالاً بسيطاً: كيف يمكن لـ”آبل” أن تنافس غريمتها الكورية الجنوبية “سامسونغ” إن كانت الحكومة ستجعل منتجاتها، التي يتم تجميع كثير منها في الصين، أغلى؟ قال ترمب للصحافيين في اليوم التالي: “ارتأيت أنه قدم حجة مقنعة جداً”.
هذه المرة، هناك رجل أعمال ملياردير سيرغب بأن يكون له دور في تحديد سياسات ترمب التجارية. إن إيلون ماسك، الذي أنفق 130 مليون دولار من جيبه لدعم إعادة انتخاب ترمب، له مصالح تجارية واسعة في الصين، وقد تصبح هدفاً للانتقام إن زاد ترمب التعرفة الجمركية.
تصنع وتبيع “تسلا” كثيراً من المركبات الكهربائية في الصين، كما تخطط لتوسع ضخم هناك بانتظار موافقة بكين. وتعمل على بناء معمل لبطاريات “ميغاباك” (Megapack) قرب شانغهاي، وتخطط لطرح رزمة مساعد السائق الكاملة لمالكي سيارات “تسلا” في الصين، لكنها لم تحصل بعد إلا على موافقة أولية من حكومة الصين.
بدأ ماسك يتودد إلى قيادة الحزب الشيوعي الصيني قبل وقت طويل من تقاربه مع ترمب، ما قد يؤهله لأن يلعب دور وسيط بينهما. مع ذلك، قد يحاول ماسك تطويع سياسة ترمب نحو الصين لمصلحته الشخصية. ولا يُستبعد أن يقف ترمب مع ماسك في وجه أي وزير خارجية أو مستشار أمن قومي أكثر تشدداً تجاه الصين.
لكن كيف سيكون أثر ذلك على تعرفة ترمب الجمركية العزيزة على قلبه؟
العالم أكثر استعداداً لترمب
هناك احتمال بأن تُعدّل هذه الرسوم الجمركية، بحيث يُطبق رسم 60% فقط على بعض السلع المستوردة من الصين، ما قد يحدث تحولات جديدة في سلسلة الإمداد، أو أن يفضي إلى مفاوضات بين واشنطن وبكين. إضافةً إلى الرسوم الجمركية العمومية، قد تُفرض تعرفة على الواردات من أوروبا، ربما بهدف التوصل إلى صفقة توافق بموجبها دول الاتحاد الأوروبي على شراء مزيد من حبوب الصويا والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، كما حدث في 2018، وربما تشمل الصفقة هذه المرة سيارات “تسلا”.
كما يبدو أن تعديل اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، المعروفة سابقاً باسم “اتفاقية التبادل الحر لشمال أميركا” أو “نافتا”، بات حتمياً، وذلك استناداً إلى تصريحات ترمب خلال حملته الانتخابية. في خطاب بنادي ديترويت الاقتصادي في أكتوبر، قال: “بعد أن أتولى الرئاسة، سأبلغ المكسيك وكندا رسمياً بعزمي تفعيل بند إمكانية إعادة التفاوض خلال ستّ سنوات الذي كنت قد أدرجته ضمن الاتفاقية”.
ستتناول المفاوضات قضايا مثل بناء شركات صينية لمصانع في المكسيك كوسيلة للالتفاف على التعرفة الجمركية الأميركية، ومسألة أن سلسلة إمداد المركبات الكهربائية العابرة للحدود تتضمن قطع سيارات صينية. (يهم هذا الموضوع إيلون ماسك أيضاً، الذي سبق أن أعلن عن خطط لإنشاء مصنع قرب مونتيري، إلا أنه علق المشروع في وقت سابق من هذا العام قبيل الانتخابات الأميركية).
على الشركات والمستثمرين الاستعداد لتهديدات اقتصادية وكثير من التشويق. لكن لا تيأسوا، فقد تمكن الاقتصاد العالمي من اجتياز ولاية ترمب الأولى، وربما تعافى بما يكفي من تأثيرات الوباء ليتحمل أي ويلات قد يجلبها “رجل التعرفة الجمركية”.
الأهم من ذلك هو أن الرؤساء التنفيذيين للشركات وصناع السياسات حول العالم مستعدون أكثر هذه المرة للتعامل مع ترمب وما يصاحبه من فوضى.