مرشح اليسار يفوز برئاسة سريلانكا متعهداً بالتفاوض مع صندوق النقد
فاز المرشح اليساري في سريلانكا بانتخابات رئاسية نتائجها متقاربة بشكل كبير، حيث أطاح الناخبون بالرئيس الحالي بسبب المعاناة الاقتصادية التي واجهوها على مدار العامين الماضيين منذ أن غرقت البلاد في أزمة اقتصادية.
تقدم أنورا كومارا ديساناياكي بفارق كبير بنحو 42% من الأصوات في الجولة الأولى من الفرز، متغلباً على زعيم المعارضة ساجيث بريماداسا الذي حصل على نحو 33% من الأصوات. تعد الأصوات المحتسية في الجولة الثانية، وهي أول جولة إعادة في تاريخ البلاد، لم تغير تلك الفوارق، وفقاً للنتائج التي أعلنتها لجنة الانتخابات في سريلانكا اليوم الأحد.
تعرض الرئيس الحالي، رانيل ويكريمسينغه، لهزيمة ساحقة بعد إقصائه في الجولة الأولى.
أنورا كومارا ديساناياكي، الذي يبلغ من العمر 55 عاماً، والمعروف شعبياً في سريلانكا باسم “إيه كيه دي” (AKD)، فاز بفضل برنامجه الذي يركز على نزاهة الحكم ومكافحة الفساد في بلد لا يزال مثقلاً بالديون ويعاني من اقتصاد غير مستقر بعد عامين من الاضطرابات الواسعة، وأول تخلف عن السداد في تاريخ الحكومة.
تفويض لمواصلة سريلانكا التفاوض مع الصندوق
تمنح هذه النتائج ديساناياكي وائتلافه اليساري “قوة الشعب الوطنية” تفويضاً لمواصلة سلسلة من التعهدات الاقتصادية، بما في ذلك إعادة فتح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن صفقة الإنقاذ البالغة قيمتها 3 مليارات دولار التي أبرمتها الإدارة السابقة. وقد جاءت التدابير التقشفية الصارمة وزيادات الضرائب التي فرضها ويكريمسينغه لضمان صفقة صندوق النقد جعلته غير محبوب لدى الناخبين.
كما يعارض بعض أعضاء حزب ديساناياكي شروط إعادة هيكلة الديون التي تم الاتفاق عليها مع دائني البلاد، مما أثار قلق المستثمرين، حيث يرجح أن تؤدي مراجعة خطة الديون أو إعادة فتح المحادثات مع صندوق النقد إلى تأخير صرف قروض جديدة من المؤسسة التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، مما يزيد الضغط على الاقتصاد.
صرح صندوق النقد الدولي أنه سيجري محادثات مع الإدارة الجديدة بمجرد توليها مقاليد السلطة. في ظل برنامج الإنقاذ الحالي، يتعين على سريلانكا تحقيق أهداف اقتصادية معينة قبل أن يوافق صندوق النقد على الدفعة التالية من التمويل، التي تقدر بنحو 350 مليون دولار.
يمثل فوز ديساناياكي انتصاراً للحركة الاحتجاجية المناهضة للمؤسسة الحاكمة التي خرجت إلى الشوارع في أعقاب الأزمة الاقتصادية لعام 2022، وانتهت بالإطاحة بحكومة راجاباكسا القوية. بعد أن كان مرشحاً تراجعت الأصوات المؤيدة له-حيث حصل على 3% فقط من الأصوات عندما ترشح للرئاسة في عام 2019 -كان ديساناياكي هو المنافس الرئيسي الوحيد الذي لم يأتِ من إحدى العائلات السياسية القليلة في سريلانكا. يمثل صعوده عمق الإحباط الذي يشعر به السريلانكيون تجاه النخبة الحاكمة.
تولى ويكريمسينغه السلطة قبل عامين بتعيين من البرلمان السريلانكي بعد الانتفاضة السياسية التي أطاحت بغوتابايا راجاباكسا.
قالت بهواني فونسيكا، الباحثة والمحامية البارزة في مركز “بدائل السياسات” في كولومبو، قبل إعلان النتيجة: “شكّل ارتفاع تكاليف المعيشة والتدابير التقشفية الشغل الشاغل لهذه الانتخابات”، مقارنة بالانتخابات السابقة التي كانت تركز على الإصلاحات الدستورية وحقوق الأقليات.
تحدي الوفاء بالتزام استقرار الاقتصاد
يواجه ديساناياكي حالياً تحدي الوفاء بتعهداته الاقتصادية مع الحفاظ على استقرار الاقتصاد واستمرار تدفق أموال الإنقاذ من صندوق النقد الدولي. رغم عدم توضيحه لخطة مفصلة بخصوص صفقة صندوق النقد، أشار داعموه إلى أنه يعتزم السعي لإجراء تعديلات دون التخلي عن الشروط القائمة بشكل كامل.
صرح رضوي صالحي، عضو اللجنة التنفيذية في ائتلاف “قوة الشعب الوطنية” الذي يقوده ديساناياكي، يوم السبت: “سنلتزم بالبرنامج، ولكننا سنسعى لإدخال تعديلات”. أضاف: “حتى صندوق النقد أبدى انفتاحه على الأفكار والمقترحات الجديدة”.
كما تعهد الرئيس المنتخب بتنفيذ تدابير اقتصادية أخرى خلال حملته، تشمل زيادة الإعفاءات الضريبية وتحقيق معدلات ضرائب أكثر “عدالة”. كذلك يسعى لتعزيز الرقابة على الإنفاق الحكومي، وتحقيق إدارة أكثر نزاهة. قد يلغي ديساناياكي أيضاً مشروع طاقة الرياح الذي اقترحته شركة “أداني”، وسط ادعاءات بوجود نقص في الشفافية وأسعار غير تنافسية.
السياسة الخارجية
فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، يواجه ديساناياكي تحدياً في موازنة المصالح المتنافسة لكل من الصين والهند، وهما منافستان استراتيجيتان ومستثمرتان رئيسيتان في سريلانكا. يرى بعض المحللين أن ديساناياكي قد يميل إلى الصين نظراً لجذور حزبه الماركسية، رغم زيارته للهند في وقت سابق من العام الجاري بدعوة من الحكومة الهندية.
في الوقت نفسه، دعا مؤيدوه إلى زيادة التدقيق في صفقات الاستثمار مع الصين ودول أخرى لتجنب الوقوع في فخ الديون مستقبلاً. كما سبق لديساناياكي أن أعرب عن تشكيكه في اتفاقية التجارة مع الصين، قائلاً إنها قد تضر بالشركات السريلانكية.
بدأ ديساناياكي مسيرته السياسية كأحد قادة الحركة الطلابية في حزب “الجبهة الشعبية للتحرير” (Janatha Vimukthi Peramuna)، والذي كان معروفاً سابقاً بانتفاضاته الماركسية العنيفة في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، لكنه تخلى عن العنف في وقت لاحق. تولى قيادة الحزب في عام 2014، وضم قادة من مؤسسات المجتمع المدني وأكاديميين لجذب قاعدة أوسع من المواطنين.
رغم تخلي الحزب عن جذوره المعادية للرأسمالية، وانضمامه لفترة قصيرة إلى حكومات ائتلافية، فإن قيادته لم تُختبر بعد في الإدارة، ولدى الائتلاف الذي يقوده ثلاثة أعضاء فقط في البرلمان المؤلف من 225 مقعداً.
يبقى التساؤل الرئيسي حول كيفية توفيق ديساناياكي بين وعوده بتخفيف الضرائب والتراجع عن السياسات التقشفية، وبين الوفاء بالتزامات صندوق النقد والدائنين. علّق بايكياسوثي سارافاناموتو، المدير التنفيذي لمركز “بدائل السياسات” في كولومبو، قائلاً: “السؤال الأكبر هو من أين ستأتي الأموال؟”.
أضاف: “يعتقد حزب الجبهة الشعبية للتحرير أنه بمجرد وقف الفساد، ستتدفق الأموال تلقائياً”، موضحاً أن هذا سيتطلب إجراءات قضائية قد تستغرق وقتاً. وتابع قائلاً: “حالياً، لا نعلم من أين ستأتي الأموال لتلبية جميع الوعود المقدمة للشعب”.