ما هي الشركات الأميركية الأكثر تأثراً بمحادثات التجارة مع الصين؟

يترقب مستثمرو الأسهم الأميركية عن كثب انطلاق جولة جديدة من المحادثات التجارية بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب والصين، في ظل وجود تريليونات الدولارات على المحك بالنسبة للشركات الأميركية.
وفقاً لتحليل أجرته جيليان وولف وجينا مارتن آدامز من وحدة “بلومبرغ إنتليجنس”، فقد بلغ متوسط نسبة الإيرادات التي حققها كل من مكونات مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” من بيع البضائع في الصين أو للشركات الصينية خلال عام 2024 نحو 6.1%.
الانفصال عن الصين
كتب تورستن سلوك، كبير خبراء الاقتصاد في شركة “أبولو” (Apollo)، قائلاً: “الخلاصة هي أنه إذا اضطرت الولايات المتحدة الأميركية إلى الانفصال الكامل عن الصين، فإن ذلك سيؤدي إلى تراجع كبير في أرباح شركات مؤشر “ستاندرد آند بورز 500″ التي ستتوقف عن بيع منتجاتها للمستهلكين الصينيين”.
حققت الشركات الأميركية إيرادات بلغت 1.2 تريليون دولار من بيع السلع للمستهلكين الصينيين، أي ما يعادل نحو أربعة أضعاف حجم العجز التجاري في السلع بين الولايات المتحدة والصين، وفقاً لتحليل أجراه تورستن سلوك.
إلى جانب ذلك، تواجه الشركات التي تبيع سلعاً مصنعة في الصين داخل الولايات المتحدة الأميركية تكاليف إضافية نتيجة الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترمب. على سبيل المثال، سحبت شركة “ماتيل” توقعاتها بشأن عودة نمو المبيعات في عام 2025، مشيرة إلى خطة فرض رسوم على الألعاب المستوردة. كان ترمب قد ذكر الشركة بالاسم أمس، قائلاً إنه سيفرض رسوماً جمركية 100% على أي ألعاب تُنتج خارج الولايات المتحدة الأميركية.
تأثير النزاع مع الصين
رغم صعوبة عزل أثر النزاع التجاري مع الصين على أرباح شركات مؤشر “ستاندرد آند بورز 500″، إلا أن المحللين الاستراتيجيين عمدوا إلى خفض توقعاتهم لأرباح المؤشر بشكل كبير العام الجاري، غالباً بسبب المخاوف من أن حالة عدم اليقين السياسي ستضر بالنمو. وتشير التقديرات الحالية إلى أن أرباح المؤشر ستبلغ نحو 265 دولاراً خلال 2025، انخفاضاً من 273 دولاراً في بداية يناير الماضي.
تأتي الصين في القلب من الهجوم التجاري الذي أطلقه الرئيس دونالد ترمب في الثاني من أبريل الماضي، حين أعلنت إدارته عن أشد القيود التجارية منذ قرن من الزمان. ورغم أن الرسوم المفروضة على معظم الدول أُجّلت لمدة 90 يوماً بعد أسبوع من الإعلان، فإن الرسوم على الصين ارتفعت بشكل أكبر. وأدت عدة جولات من الإجراءات الانتقامية إلى رفع الرسوم الأميركية على الواردات الصينية إلى 145%، بينما فرضت الصين رسوماً جمركية بنسبة 125% على البضائع الأميركية.
دخل مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” في مرحلة من التقلبات التاريخية فور الإعلان عن الرسوم الجمركية ثم تعليقها، ما أدى إلى تراجعه 15% منذ بداية العام وحتى 8 أبريل الماضي. إلا أن الأسهم تعافت منذ ذلك الحين، مدعومة بآمال بأن تؤدي المفاوضات إلى خفض الرسوم عن المستويات المقترحة في البداية.
تصريحات دونالد ترمب
صرح ترمب أمس أن التوصل إلى اتفاق تجاري مع المملكة المتحدة سيكون على الأرجح أول اتفاق من بين عدة اتفاقات، وأعرب عن ثقته في أن المحادثات مع الصين يمكن أن تسفر عن تقدم ملموس. لكنه عاد اليوم لينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي تصريحاً قال فيه إن فرض رسوم 80% على الصين “يبدو مناسباً”.
بلغ تراجع المؤشر القياسي للأسهم الأميركية حتى الآن خلال 2025 حوالي 3.4% فقط، إلا أن العديد من كبرى الشركات لا تزال عالقة وسط نيران الحرب التجارية. بحسب بيانات جمعتها “بلومبرغ”، تجني شركة “أبل” المصنعة للهواتف الذكية وشركة “إنفيديا” العملاقة في مجال أشباه الموصلات، مستويات كبيرة من الإيرادات من السوق الصينية، بينما تحقق شركة “تسلا” للسيارات الكهربائية أكثر من خُمس مبيعاتها من الصين.
قال جو غيلبرت، مدير المحافظ في شركة “إنتغريتي أسيت مانجمنت” (Integrity Asset Management): “شركات التكنولوجيا والملابس في مركز الحظر التجاري في الوقت الحالي”. وأوضح غيلبرت أنه يتجنب شركات معدات أشباه الموصلات ذات رأس المال الكبير وتجار التجزئة الصغار الذين لا يمتلكون الحجم الكافي لتحمل الرسوم الجمركية أو العثور على موردين بديلين خارج الصين.
مع تزايد التغطية الإخبارية لمفاوضات التجارة المرتقبة، تبرز قطاعات بعينها تستحق أن تكون تحت المجهر.
شركات تصنيع الرقائق الإلكترونية
تقع شركات تصنيع الرقائق الإلكترونية والشركات المطوّرة للتقنيات والمعدات ذات الصلة في قلب العلاقة التجارية مع الصين، ما يجعلها في خط المواجهة الأول خلال المفاوضات.
وبحسب تحليل وحدة “بلومبرغ إنتليجنس”، فقد كانت شركات “مونوليثيك باور سيستمز”، و”كيه إل إيه”، و”لام ريسيرش” (Lam Research)، و”كوالكوم” –وجميعها ضمن قطاع أشباه الموصلات– هي الأعلى من حيث التعرض للسوق الصينية ضمن مكونات مؤشر “ستاندرد آند بورز 500”.
شهد موسم نتائج أعمال الربع الأول تحذيرات متزايدة من عدة شركات في قطاع أشباه الموصلات بشأن حالة عدم اليقين التجاري، لا سيما في ما يتعلق بالصين.
فقد أعلنت شركة “أدفانسد مايكرو ديفايسز” أن القيود الأميركية على المبيعات إلى الصين ستكلفها 1.5 مليار دولار من الإيرادات العام الحالي.
أما شركة “كوالكوم”، التي تُعد الصين أكبر سوق لرقائقها، وأكبر مُصنّع عالمي لرقائق الهواتف الذكية، فقد أصدرت توقعات ضعيفة للإيرادات.
كما جاءت توقعات شركة “إنتل” للإيرادات في الربع الحالي أقل بكثير من تقديرات المحللين، وحذرت الشركة من أن الركود الناجم عن الرسوم الجمركية قد يقوض الطلب على الرقائق.
تراجع مؤشر فيلادلفيا لأشباه الموصلات بنسبة 9.7% منذ بداية العام الجاري، مقارنة بانخفاض 3.4% في مؤشر “ستاندرد آند بورز 500”. وقادت شركات “مارفيل تكنولوجي”، و”تيراداين”، و”أون سيميكوندكتور” (ON Semiconductor)، و”أمكور تكنولوجي” هذا التراجع في مؤشر الرقائق.
قطاع الاستهلاك
تُظهر بيانات سلاسل التوريد من “بلومبرغ” أن شركات مثل “نايكي”، و”إستي لودر” (Estee Lauder)، و”فيليب موريس إنترناشونال” لديها مستويات عالية من الحضور في السوق الصينية.
في الوقت ذاته، تملك شركتا “ستاربكس” و”ماكدونالدز” آلاف الفروع داخل الصين.
من أبرز الأمثلة الواضحة على تأثير الرسوم الجمركية في هذا القطاع ما حدث أمس الأول، إذ سحبت شركة بيع الأحذية “ستيفن مادن” توقعاتها السابقة التي صدرت في فبراير الماضي، والتي كانت تشير إلى نمو في المبيعات بنسبة تقارب 20% خلال العام الحالي، وذلك بسبب “عقبات كبيرة على المدى القريب” ناتجة عن الرسوم الجمركية.
أما شركة “أمازون”، فقد صرحت بأنها تستعد لمناخ أعمال أكثر صعوبة خلال الأشهر المقبلة.
وتراجع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” لقطاع السلع الاستهلاكية غير الأساسية بنسبة 11% حتى الآن هذا العام.
قطاع السيارات
يُعد قطاع مكونات السيارات الأكثر تعرضاً للطلب الدولي بين قطاعات مؤشر “ستاندرد آند بورز 500″، بحسب تحليل جينا مارتن آدامز من “بلومبرغ إنتليجنس”. وتحصل شركتا “بورغ وارنر” و”أبتيف” على نسبة كبيرة من إيراداتهما من السوق الصينية.
قامت شركتا صناعة السيارات “جنرال موتورز” و”فورد” بسحب توجيهاتهما الاسترشادية بشأن نتائج عام 2025، بذريعة الرسوم الجمركية.
واستوردت “جنرال موتورز” ما يقارب 55 ألف سيارة من الصين خلال العام الماضي. كما سحبت شركة “هارلي-ديفيدسون” هي الأخرى توقعاتها لعام 2025، مشيرة إلى الغموض المحيط بسياسات التجارة الأميركية.
تراجع مؤشر “ستاندرد آند بورز المركّب 1500” لقطاع السيارات والمكونات 23% العام الجاري، وكانت شركات “جينثرم”، و”فوكس فاكتوري هولدنغ”، و”وينيباغو أندستريز” من بين أكبر الخاسرين.
قطاع الصناعات
ترتبط الشركات الصناعية الكبرى في الولايات المتحدة الأميركية بشكل وثيق بسلاسل الإمداد والأسواق العالمية، وبدأت الحرب التجارية بالفعل في التأثير سلباً على شركات الشحن ومصنّعي المعدات الثقيلة وغيرهم.
ذكرت شركة “كاتربيلر” أن الجزء الأكبر من التأثير السلبي المتوقع على أعمالها سيأتي نتيجة الرسوم الانتقامية التي فرضتها الصين، وقدّرت الشركة أن تكلفة الرسوم الجمركية وحدها في الربع الثاني تتراوح بين 250 إلى 350 مليون دولار.
أما شركة “هني ويل إنترناشونال”، فقد أدرجتها إحدى شركات الاستشارات ضمن قائمة الشركات الأميركية الكبرى الأكثر عرضة للمخاطر المرتبطة بالصين خلال العام الماضي.
تعرضت شركة “بوينغ”، أكبر مُصدر صناعي في الولايات المتحدة الأميركية، لهجوم مباشر من جانب بكين ضمن إجراءاتها الانتقامية، إذ أصدرت السلطات الصينية الشهر الماضي أوامر لشركات الطيران بعدم استلام أي طائرات إضافية من الشركة، ما ألقى بظلال من الشك على مصير نحو 50 طائرة كانت مخصصة للتسليم إلى الصين العام الحالي.
قامت شركة “ماسكو” المتخصصة في تصنيع منتجات تحسين المنازل بسحب توجيهها للعام الكامل، وقال المحلل في “تروويست سيكيوريتيز”، كيث هيوز، إن تعرض الشركة لرسوم الصين الجمركية قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بنسبة متوسطة دون 10%، ما قد يتسبب في خسارة تتراوح بين 50 إلى 70 سنتاً في ربحية السهم خلال 2025.
قالت شركة “إكسبيديترز إنترناشونال أوف واشنطن” إنها بدأت تلاحظ “مؤشرات مبكرة” على انخفاض كبير في حجم الشحن البحري من الصين إلى الولايات المتحدة الأميركية.
في السياق نفسه، أعلنت شركة “ماتسون” في وقت سابق من هذا الأسبوع أن حجم الحاويات لديها تراجع بنسبة تقارب 30% على أساس سنوي منذ دخول رسوم الصين الجمركية حيّز التنفيذ في أبريل الماضي.
لم تُحدّث شركة “يونايتد بارسل سيرفيس” توقعاتها للعام الكامل، مكتفية بالقول إنها ستتمسك بتوجيهات 2025 في حال استقرت الأوضاع.
رغم ذلك، تتوقع الشركة تراجعاً في الطلب على الخط التجاري بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، وهو أكثر مساراتها ربحية.
أما شركة “فيديكس”، المنافسة لها، فقد خفّضت توجيهاتها للسنة المالية بالكامل.
قطاع المواد الأساسية
من شركات تصنيع المواد الكيميائية إلى شركات المعادن والتعدين، يواجه قطاع الموارد الطبيعية كذلك نقاط ضعف كبيرة في علاقته بالروابط التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
قدمت شركة “إيستمان كيميكال” الشهر الماضي توقعات مخيبة للآمال بشأن نتائج الربع الثاني، مشيرة إلى عدة عوامل منها “الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين”. أما شركة “فريبورت-ماكموران” لإنتاج النحاس، فقد أوضحت أن الرسوم الجمركية البالغة 145% التي فرضها البيت الأبيض على الصين كانت العامل الأكبر وراء ارتفاع تكلفة بضائعها.
تعاني شركات أيضاً من صدمات غير مباشرة. إذ أشار أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة “موزاييك” للأسمدة، خلال مؤتمر لإعلان الأرباح عبر الهاتف، إلى أن الشركة تراقب عن كثب احتمال تراجع الطلب على مدخلات المحاصيل الزراعية، نتيجة لجوء المشترين الصينيين إلى شراء الحبوب من مصادر بديلة، مثل البرازيل.