اخر الاخبار

ما هي البنوك ذات الأهمية النظامية؟ ولماذا لا يُسمح بانهيارها؟

في قلب النظام المالي العالمي، توجد مؤسسات مصرفية ضخمة تُعرف باسم “البنوك ذات الأهمية النظامية”، أو ما يُطلق عليها اصطلاحاً “Too Big to Fail”، هذه البنوك ليست مجرد مؤسسات مالية ضخمة، بل هي دعائم لهيكل الاقتصاد العالمي الحديث. فمراقبتها وتنظيمها أمر بالغ الحيوية لضمان استقرار الأسواق، ومنع تكرار أزمات مالية كارثية كالتي شهدها العالم قبل عقد ونصف.

لكن ما الذي يجعل هذه البنوك تحظى بهذه المكانة؟ ولماذا تثير اهتمام صناع السياسات والمستثمرين على حد سواء؟ السطور التالية تجيب…

1) ما المقصود بالبنوك ذات الأهمية النظامية؟

هي البنوك التي يُمكن أن يؤدي فشلها أو انهيارها إلى زعزعة الاستقرار المالي في دولة ما أو على مستوى الاقتصاد العالمي. تُصنف هذه المؤسسات استناداً إلى حجمها، وتشابكها المالي مع بقية النظام المصرفي، ومدى تعقيدها، وانتشارها العالمي، ومدى قابلية استبدال خدماتها الحيوية.

وتصنف هذه البنوك بناءً على التصنيف السنوي الذي يصدرعن مجلس الاستقرار المالي (FSB)، وهو هيئة دولية تأسست بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، ويعمل تحت مظلة مجموعة العشرين (G20)

يعتمد المجلس في تصنيفه على منهجية طورها بنك التسويات الدولية (BIS) بالتعاون مع لجنة بازل للإشراف المصرفي.

ويهدف هذا التصنيف إلى تعزيز ضوابط النظام المالي العالمي عبر مراقبة البنوك الكبرى الأكثر تأثيراً، وإجبارها على الاحتفاظ بمستويات إضافية من رأس المال الاحتياطي، والخضوع لإشراف أكثر صرامة، بما يقلل من مخاطر العدوى المالية في حال تعرضها لهزة أو انهيار.

2) كم عدد هذه البنوك حالياً؟ وما أبرزها؟

حتى نوفمبر 2024، تضم قائمة البنوك ذات الأهمية النظامية عالمياً 29  بنكاً، تُقسم حسب الدولة أو المنطقة، كالآتي:

من الولايات المتحدة: “جيه بي مورغان”، و”بنك أوف أميركا”، و”سيتي غروب”، و”غولدمان ساكس”، و”مورغان ستانلي”.

ومن أوروبا: “إتش إس بي سي” في بريطانيا، و”باركليز” في بريطانيا أيضاً، و”دويتشه بنك” الألماني، و”بي إن بي باريبا” و”كريدي أغريكول” في فرنسا، و”يو بي إس” في سويسرا.

وهناك بعض المصارف التي انضمت للقائمة من آسيا، هي: “تشاينا كونستراكشن بنك” (China Construction Bank) و “بنك أوف تشاينا” (Bank of China) و”آي سي بي سي” (ICBC) من الصين.

إضافة إلى “سوميتومو ميتسوي” (Sumitomo Mitsui) و”ميزهو” (Mizuho) و”ميسوبيتشي يو إف جيه” (Mitsubishi UFJ) من اليابان.

3) ما الذي يميز هذه البنوك عن غيرها؟

إضافة إلى حجم أصولها الذي يبلغ في بعض الحالات تريليونات الدولارات، فهي تشكل “عُقداً مالية” تربط أسواق العالم ببعضها البعض. كما أن لديها شبكات دولية من العملاء والمؤسسات، وتدير أنظمة دفع وتسوية تستخدمها الحكومات والشركات متعددة الجنسيات.

ورغم التشديد الرقابي، تستفيد هذه البنوك من “ميزة غير مباشرة” تتمثل في ثقة الأسواق بأنها ستحظى بدعم حكومي في حال وقوع أزمة، وهو ما يمنحها قدرة على الاقتراض بتكلفة أقل من منافسيها الأصغر.

كما يميل بعض المستثمرين إلى اعتبار أسهم هذه البنوك أقل مخاطرة نسبياً، بسبب الإشراف التنظيمي المكثف ودعم الدولة الضمني.

4) لماذا لا يُسمح بانهيار هذه البنوك، وهل هناك سوابق لسقوط أحدها؟

لا يُسمح بانهيار هذه البنوك نظراً لما قد يُحدثه ذلك من تداعيات كارثية على النظام المالي العالمي أو المحلي. فأحد أبرز المخاطر المرتبطة بانهيار هذه البنوك هو تأثير العدوى المالية، إذ يؤدي انهيار بنك كبير إلى ذعر واسع النطاق في الأسواق المالية، حيث يبدأ المستثمرون والمدخرون في سحب أموالهم من مؤسسات أخرى خشية تكرار الانهيار.

كما أن هذه البنوك غالباً ما تكون مرتبطة بشكل وثيق مع مؤسسات مالية أخرى من خلال عمليات الإقراض والاستثمار والمعاملات المعقدة مثل المشتقات المالية. وبالتالي، فإن سقوط أحدها يُهدد استقرار النظام المالي برمته.

إضافة إلى ذلك، فإن الثقة هي الأساس الذي يقوم عليه النظام المصرفي، وإذا انهار بنك كبير دون تدخل، فإن ذلك قد يهز ثقة الجمهور في القطاع المالي بأكمله، ويُعرض المؤسسات الأخرى لموجات سحب ودائع جماعية.

وتُعد حادثة انهيار بنك “ليمان براذرز” خلال الأزمة المالية العالمية 2008 من أبرز السوابق التي تؤكد خطورة ترك البنوك ذات الأهمية النظامية تواجه مصيرها دون تدخل، حيث كان “ليمان” رابع أكبر بنك استثماري في الولايات المتحدة، ويتمتع بتاريخ طويل من النشاط المالي يعود إلى منتصف القرن التاسع عشر. ومع ذلك، تورط البنك في استثمارات عالية المخاطر في سوق الرهن العقاري الأميركي، وخاصة القروض العقارية عالية المخاطر (Subprime Mortgages)، مما جعله عرضة لانفجار فقاعة العقارات.

عندما بدأت أزمة الرهن العقاري تتفاقم، واجه ليمان براذرز خسائر متسارعة وتراجعاً حاداً في قيمة أصوله، ما أفقد المستثمرين والمقرضين الثقة في قدرته على الاستمرار. حاولت إدارة البنك إيجاد مشترٍ أو الحصول على دعم حكومي، لكن كل الجهود باءت بالفشل. وفي 15 سبتمبر 2008، تقدم البنك بطلب لحماية الإفلاس، لتكون هذه أكبر حالة إفلاس في تاريخ الولايات المتحدة من حيث حجم الأصول، التي تجاوزت 600 مليار دولار.

5) هل هناك بنوك ذات أهمية نظامية في المنطقة العربية؟

توجد بالفعل بنوك عربية مُصنفة على أنها ذات أهمية نظامية على المستوى المحلي، وتُعرف اختصاراً باسم “D‑SIBs”  (أو البنوك ذات الأهمية النظامية المحلية). يُصدر هذا التصنيف عادةً من قبل البنوك المركزية في كل دولة، استناداً إلى معايير دولية حددتها لجنة بازل ومجلس الاستقرار المالي وبنك التسويات الدولية، والتي تشمل حجم البنك، وتشابكه مع النظام المالي، وأهمية الخدمات التي يقدمها.

في السعودية، يُعد البنك المركزي السعودي (ساما) من أوائل الجهات العربية التي تبنت هذا التصنيف بشكل رسمي ومنهجي. ففي تقريره السنوي المُحدث لعام 2025، أعلن “ساما” قائمة البنوك الخمسة ذات الأهمية النظامية محلياً، وهي: “البنك الأهلي السعودي، ومصرف الراجحي، وبنك الرياض، والبنك السعودي الأول (ساب)، والبنك السعودي الفرنسي”

وتخضع هذه البنوك لمتطلبات رأسمالية إضافية تُعرف باسم متطلبات امتصاص الخسائر العالية، والتي تهدف إلى تعزيز قدرتها على مواجهة الأزمات المالية دون الحاجة إلى دعم حكومي مباشر. وتتراوح هذه المتطلبات من 0.5% إلى 2.5% من رأس المال من الشريحة الأولى، بحسب درجة الأهمية النظامية لكل بنك، وفقاً للمنهجية المعتمدة من بازل.

وعن وضع البنوك الكبرى في السعودية، قال شابير مالك عضو منتدب للبحوث المالية في “EFG هيرميس” في تصريحات خاصة لـ”الشرق” إن “هناك تعديل توصيات لبعض البنوك بعد مراجعة وضع التمويل فيها ومنها نمو القروض ومدى ربحيتها، وتوصلنا إلى أن النظرة المستقبلية لنمو القروض واعدة في السعودية، وبعض البنوك تكون في موقع أفضل لتمويل القروض ومنها (السعودي الفرنسي) و(الأهلي) و(الراجحي) و(بنك الرياض) ويجب أن تقدم أداء جيداً في 2025 و2026”.




أما في مصر، فلم يصدر البنك المركزي المصري حتى الآن تصنيفاً رسمياً للبنوك ذات الأهمية النظامية المحلية. ومع ذلك، يُلاحظ أن بعض البنوك الكبرى، مثل البنك الأهلي المصري، وبنك مصر، والبنك التجاري الدولي (CIB)، تخضع لمراقبة تنظيمية مشددة، بالنظر إلى حجم أصولها، وعدد عملائها، وتشابكها مع الاقتصاد المصري.

وفي دول الخليج الأخرى، مثل الإمارات وقطر والكويت والبحرين، لا توجد قوائم معلنة رسمياً حتى الآن للبنوك ذات الأهمية النظامية المحلية. ومع ذلك، فإن عدداً من البنوك الكبرى، مثل “بنك أبوظبي الأول” و”بنك قطر الوطني” و”بيت التمويل الكويتي”، تخضع لإشراف رقابي صارم ومتابعة دقيقة من قبل البنوك المركزية، مما يعكس إدراكاً ضمنياً لأهميتها النظامية في الأسواق المحلية والإقليمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *