ما هو “مشروع 2025” ولماذا أحدث هذه الضجة؟
لم يكن مصطلح “تجارة ترمب” الوحيد الذي ذاع صيته خلال الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، إذ شهدت فترة ترشح دونالد ترمب رواج مصطلح آخر وهو “مشروع 2025″، فما هو هذا المشروع ولماذا أحدث ضجة كبيرة؟
باختصار، فإن “مشروع 2025″ هو أشبه بـ”لائحة أمنيات” يمينية محافظة من 900 صفحة، أعدها خبراء ومستشارون ومسؤولون سابقون، عمل العديد منهم في إدارة ترمب، ونشرت في أوائل 2023.
يصف تقرير من شبكة “سي بي سي نيوز” الأميركية الوثيقة بأنها “مشروع مقترح للانتقال الرئاسي يقوم على 4 ركائز: دليل سياسي للإدارة الرئاسية القادمة؛ قاعدة بيانات للأفراد الذين يمكن أن يخدموا في الإدارة القادمة؛ تدريب هؤلاء المرشحين من خلال أكاديمية الإدارة الرئاسية؛ ودليل للإجراءات التي يجب اتخاذها خلال أول 180 يوماً من تولي المنصب”.
قاد هذا المشروع الصادر عن مؤسسة الأبحاث “هيريتاج فاونديشن” (Heritage Foundation) اثنان من المسؤولين السابقين في إدارة ترمب الأولى، إذ عمل بول دانس الذي كان رئيساً لمكتب إدارة الموظفين في ولاية ترمب، مديراً لهذا المشروع قبل أن يتنحى في يوليو، كما عمل سبنسر كريتيان الذي شغل منصب المساعد الخاص السابق لترمب، مساعداً لدانس.
ما الذي يتضمنه “مشروع 2025″؟
يتضمن هذا المشروع توصيات غطت كل شيء تقريباً، بدءاً من إصلاح السلطة التنفيذية وصولاً إلى تجريم المواد الإباحية، مروراً بالاقتصاد والعديد من القضايا الخلافية في المجتمع الأميركي، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الأميركية، ودفع بالديمقراطيين إلى محاولة لصق هذا المشروع بترمب باعتبار أنه سينفذه في اليوم الأول من دخوله إلى البيت الأبيض.
السياسة الضريبية
في الشأن الاقتصادي، ركز “مشروع 2025” على السياسة الضريبية، معتبراً أن وزارة الخزانة عليها تطوير والترويج لإصلاحات ضريبية تحسن الحوافز على العمل والدخل والاستثمار، وذلك من خلال تقليل معدلات الضرائب الهامشية، وخفض تكلفة رأس المال، وتوسيع قاعدة الضريبة، للقضاء على التشوهات الاقتصادية الناتجة عن الضرائب، من خلال “القضاء على الاعتمادات الضريبية الخاصة، والخصومات والاستثناءات”.
كما يشجع “مشروع 2025” على تبسيط نظام الضرائب، وذلك بهدف خفض تكلفة الامتثال الضريبي، حاضاً وزارة الخزانة على العمل على تعزيز المنافسة الضريبية، بدلاً من دعم “تحالف ضريبي دولي”.
العلاقة مع الفيدرالي
لا تقتصر التوصيات على السياسة الضريبية، إذ تطرق المشروع أيضاً إلى السياسة النقدية والاحتياطي الفيدرالي.
يملك الاحتياطي الفيدرالي حالياً تفويضاً مزدوجاً، إذ عليه محاربة التضخم والحفاظ على استقرار الأسعار، بالإضافة إلى ضمان بقاء سوق العمل قوية، والوصول إلى التوظيف الكامل. ويقوم بتعديل سياسة أسعار الفائدة، وفقاً لرؤيته لتطورات التضخم وسوق العمل.
اعتبر “مشروع 2025” أن “الحد الأدنى من الإصلاحات الفعالة”، يشمل “إزالة التوظيف الكامل” من تفويض الاحتياطي الفيدرالي، معتبراً أن من الضروري انتخاب مسؤولين يستطيعون “إلزام الفيدرالي بتحديد نطاق هدفه للتضخم”، مشيراً إلى أنه “لا ينبغي استهداف متوسط التضخم المرن”.
وفي الشأن ذاته، تشير الوثيقة إلى أنه من الضروري التركيز على أي أنشطة تنظيمية للحفاظ على كفاية رأس المال، معتبرة أن على المسؤولين المنتخبين “أخذ إجراءات صارمة ضد دمج الاحتياطي الفيدرالي للعوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة في ولايته، بما في ذلك تعديل ولايته المتعلقة بالاستقرار المالي”.
كما لفتت إلى “ضرورة الحد من ممارسات الإقراض المفرطة التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي باعتبارها الملاذ الأخير”، معتبرة أن هذه الممارسات توصل إلى أن يصبح الفيدرالي “أكبر من أن يفشل”.
التوصيات لم تقف عند هذا الحد، إذ طالبت الوثيقة بـ”تعيين لجنة لاستكشاف مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي، والبدائل لنظام بنك الاحتياطي الفيدرالي، والجهاز التنظيمي المالي للبلاد”، فضلاً عن “منع إنشاء عملة رقمية للبنك المركزي”، معتبرة أن إنشاء هذه العملة “سيعطي الفيدرالي سيطرة محتملة على المعاملات المالية من دون تقديم فوائد إضافية متاحة من خلال التقنيات الحالية”.
التجارة والسياسة الدولية
الوثيقة طالبت في مكان بتخفيف التعريفات الجمركية، مع استثناء الصين، للمساعدة في مكافحة التضخم، وهي استراتيجية مخالفة لما يقول ترمب إنه سيفعله عند وصوله إلى البيت الأبيض.
هدد ترمب بفرض تعريفات جمركية على البضائع الصينية بنسبة تصل إلى 60%، كما لمح إلى إمكانية فرض تعريفات على الدول الأخرى، ما يهدد بإشعال حرب تجارية عالمية.
الوثيقة أشارت في هذا السياق، إلى ضرورة إنهاء التعريفات الجمركية القائمة بموجب المواد 201 و232 و301، والعمل مع الكونغرس لتمرير تشريعات تلغي هذه المواد “حتى لا يتمكن الرؤساء في المستقبل من إساءة استخدامها”.
كما طالبت الوثيقة أيضاً بـ”مقاومة الدعوات إلى زيادة الإنفاق على مساعدات تعديل التجارة”، و”إزالة القيود غير الضرورية على سلسلة التوريد”.
وفي ما يتعلق بالسياسة الخارجية، بينت الوثيقة أهمية “سن سياسات الاعتراف المتبادل مع الحلفاء”، معتبرة أن أمان المنتج بالنسبة للمستهلكين الأوروبيين أو اليابانيين، يكفي ليكون آمناً للأميركيين، والعكس صحيح”. اعتبرت الوثيقة أن هذه الخطوة من شأنها تقليل التكاليف التنظيمية وفتح أسواق جديدة. ورأت أنه من الضروري إغلاق بنك التصدير والاستيراد، والعمل مع الكونغرس لاستعادة سلطة الرئيس في تعزيز التجارة، وهي خطوة من شأنها تسريع مفاوضات الاتفاقيات الثنائية.
وفي ما يتعلق بمنظمة التجارة العالمية، اعتبرت الوثيقة أنه من الضروري “إنشاء خليفة لها”، كما نصحت بإعادة عملية حل النزاعات في المنظمة إلى قوتها الكاملة.
“إنهاء الانخراط الاقتصادي مع الصين”
لم تغفل الوثيقة التحدث عن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إذ ذُكرت الصين وبكين 525 مرة في الوثيقة. بل حتى أنها ذهبت إلى المطالبة بـ”إنهاء الانخراط الاقتصادي مع الصين، وليس إعادة التفكير فيه”، وهو موقف أكثر عدوانية من موقف ترمب تجاه بكين. واعتبرت أنه من الضروري اعتماد استراتيجية متعددة الجوانب تجاه الصين، لإقناع الحكومة بإصلاح سياساتها غير الليبرالية في مجال حقوق الإنسان والتجارة، بالإضافة إلى “تعزيز الضغوط الدبلوماسية، بالتنسيق مع الحلفاء، ضد انتهاكات بكين”.
كما دعت الوثيقة إلى تخفيف العقبات التنظيمية للنمو الاقتصادي، وتعزيز المسؤولية المالية، وتعزيز التنافسية الدولية للشركات الأميركية، واقترحت إصلاحات تشريعية محددة لتحديث قوانين العمل وتقليل التنظيم المفرط للمهن.
الاستثمار في التكنولوجيا
رأى “مشروع 2025” أنه من الضروري زيادة الاستثمار في هذا القطاع، ودعم توسيع برامج دعم الابتكار في الشركات الصغيرة، وبرامج نقل التكنولوجيا لها.
كما اقترحت إعادة تقييم برامج تطوير وتدريب القوى العاملة الفيدرالية، وإصلاح برنامج “شركة الاستثمار في الأعمال الصغيرة”، وتوسيع إيصال رؤوس الأموال إلى المصنعين الصغار.
يصف “مشروع 2025” الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، التي تضم هيئة الأرصاد الجوية الوطنية، بأنها “واحدة من المحركات الرئيسية لصناعة إنذار تغير المناخ” (تعزيز الوعي والتحذير من الآثار المستقبلية لتغير المناخ)، ويدعم نشر الجيش “للمساعدة في عمليات الاعتقال” على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.
من أثار الضجة حول “مشروع 2025″؟
خلال الحملة الانتخابية التي شهدت منافسة بين ترمب والرئيس الأميركي جو بايدن قبل عزوفه عن الترشح لولاية ثانية، تصاعدت الضجة بشأن “مشروع 2025”.
وشن الديمقراطيون حملة ضخمة على هذه الاقتراحات، إذ بذلت حملة بايدن جهوداً منسقة لتعزيز الوعي بـ”مشروع 2025″ بين الناخبين، وتحويل المشروع إلى رمز للتحول السياسي اليميني المتشدد الذي تقول الحملة إنه “سيحدث في الولايات المتحدة إذا أصبح ترمب رئيساً”.
وقال بايدن في يوليو الماضي، إن “مشروع 2025 سيدمر أميركا”، وأنشأت حملته صفحة على الإنترنت مخصصة للمشروع. وأعلنت اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي في يوليو أيضاً، خططاً لوضع لوحات إعلانية تتحدث عن “مشروع 2025” في عشر مدن.
من جهتها، قالت المرشحة الديمقراطية للرئاسة كامالا هاريس في سبتمبر الماضي، وفي أول مناظرة مع ترمب، إن “ما ستسمعونه الليلة (من ترمب) هو خطة مفصلة وخطيرة تُسمى مشروع 2025 ينوي الرئيس السابق تنفيذها إذا انتُخب مرة أخرى”.
ما علاقة ترمب؟
نفى الرئيس الأميركي المنتخب أي علاقة له بهذا المشروع، معتبراً في أول مناظرة مع منافسته كامالا هاريس إنه لا يعرف شيئاً عنه، أو عن الأشخاص الذين قاموا بكتابته.
وقال ترمب الذي ورد اسمه 312 مرة في الوثيقة، عندما سُئل عنها: “لن أقرأها، فالجميع يعرف ما سأقوم بفعله”، في إشارة إلى عزمه تنفيذ سياساته الاقتصادية عند فوزه.
كما كتب ترمب في منشور على موقعه على “تروث سوشيال”، أنه لا يتفق مع أجزاء منه من دون أن يحددها، قائلاً: “بعض الأشياء التي يقولونها سخيفة ومزرية تماماً”.
ولكن تحليلاً نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” أفاد بخلاف ذلك، إذ وجد أن 18 من أصل 40 مؤلفاً ومحرراً عملوا على الوثيقة، خدموا في إدارة ترمب الأولى، كما وجد أيضاً أنه من بين 267 مساهماً إضافياً في المشروع، عمل ما لا يقل عن 144 شخصاً، في إدارة ترمب، أو في حملته الانتخابية، أو الفريق الانتقالي.
من جهتها، وجدت “سي إن إن” في تحليل آخر، أن هناك صلة لما لا يقل عن 240 شخصاً بكل من “مشروع 2025” وترمب. كما نفى المتحدثون باسم المشروع أنهم يدافعون عن أي مرشح بعينه، وأكدوا عدم وجود أي علاقة رسمية بحملة ترمب الانتخابية. ولكن رئيس المؤسسة كيفين روبرتس صرح في مقابلة مع الصحيفة نفسها في يناير، أن دور المؤسسة يتمثل في “مأسسة الترمبية”.
نقاط التقاء بشأن “مشروع 2025”
رغم نفي الرئيس المنتخب، إلا أن هناك بعض التلاقي بين تصريحاته بشأن ما سيفعله عندما يصبح رئيساً، وتوصيات “مشروع 2025”. ومن بين هذه النقاط المشتركة، خطط لإصلاح وزارة العدل، إذ استعان ترمب لهذه الغاية بالنائب الجمهوري المتشدد مات جينز، وعينه وزيراً.
كما تتلاقى رؤية ترمب مع المشروع في عدة نقاط، خصوصاً الهجرة، والموقف من السياسة الحمائية، والرغبة في تسليم المزيد من الوظائف الفيدرالية لأشخاص موالين للرئيس، والإجهاض.
التلاقي لا يقف هنا، بل يدخل في بعض الأحيان إلى التفاصيل، إذ يتفق ترمب مع الوثيقة بالضرورة إلى إلغاء وزارة التعليم الفيدرالية، وفي إنهاء برامج التنوع والمساواة والإدماج، و”التطبيع السام للتحول الجنسي” وفقاً لما يصفه المشروع.
هذه ليست المرة الأولى التي تصدر “هيريتاج فاونديشن” مثل هذه المقترحات، خصوصاً أنها عملت على مدار 51 سنة، على تشكيل موظفي وسياسات الإدارات الجمهورية منذ رئاسة رونالد ريغان.
يستند “مشروع 2025” فعلياً إلى كتاب “تفويض القيادة” الذي نُشر في يناير 1981، وسعى لأن يكون بمثابة خريطة طريق لإدارة ريغان قبل تسلمه السلطة، وفق “سي إن إن”.
كما أنشأت المؤسسة “تفويضاً للقيادة” في عام 2015 قبل فترة ولاية ترمب الأولى. وبعد عامين من رئاسته، روجت المؤسسة أن ترمب قد نفذ 64% من توصياتها السياسية، بدءاً من الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وزيادة الإنفاق العسكري، وزيادة الحفر البحري وتطوير الأراضي الفيدرالية.