ما هو صندوق الثروة الأكبر في العالم.. وكيف يضغط لصالح فلسطين؟

بينما تكافح اقتصادات كبرى للحفاظ على استقرارها المالي، يبرز صندوق الثروة النرويجي كأضخم كيان استثماري سيادي في العالم بقيمة تتجاوز تريليوني دولار. هذا الصندوق، الذي وُلد من عائدات النفط والغاز، تحول خلال العقود الماضية إلى أداة استراتيجية تدير ثروة دولة صغيرة بعدد سكانها، لكنها ضخمة في تأثيرها على الأسواق العالمية. ومع مكانته البارزة في الأسواق العالمية، اتخذ الصندوق قرارات استثمارية ذات بعد سياسي وأخلاقي، من بينها مواقف مرتبطة بالقضية الفلسطينية، ما يجعله مثالاً على تداخل المال مع القيم في السياسات الاقتصادية.
متى تأسس صندوق الثروة النرويجي.. وما غرضه؟
أُنشئ صندوق الثروة النرويجي، المعروف رسمياً باسم “نورغيس بنك إنفستمنت مانجمنت” (Norges Bank Investment Management)، في 1998 لإدارة أصول “صندوق التقاعد الحكومي العالمي” نيابةً عن وزارة المالية، بهدف إدارة إيرادات النرويج من النفط والغاز على نحو مسؤول وطويل المدى. ويستهدف، بصفته مديراً للأصول، تحقيق أعلى مردود ممكن بطريقة آمنة وفعالة ومسؤولة وشفافة، وفي إطار التوجيهات الحكومية.
كيف تنامت قيمة صندوق الثروة النرويجي؟
بتأسيسه في 1998، انتقلت إدارة أصول صندوق التقاعد الحكومي، التي بلغت قيمتها نحو 172 مليار كرونة (23 مليار دولار حينذاك) إلى صندوق الثروة النرويجي. كما تودع الحكومة صافي إيرادات النفط والغاز في الصندوق، مثل 158.315 مليار كرونة أودعت خلال النصف الأول من العام.
مع تحويل 40% من محفظة استثمارات الصندوق إلى الأسهم في 1998، بعدما كانت مقتصرة على السندات الحكومية، ثم زيادة النسبة إلى 60% في 2007، إلى جانب إيداعات الحكومة التي تشكل مصدراً لتدفقات رأس المال الإضافي، بدأت قيمة الأصول تحت إدارة الصندوق في التنامي سنوياً، ليصبح “نورغيس بنك إنفستمنت مانجمنت” أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم.
ما أبرز استثمارات صندوق الثروة النرويجي وفي أي مجالات؟
يُعد صندوق الثروة النرويجي أكبر مالك منفرد للأسهم في العالم، إذ تمثل حيازاته نحو 1.5% من إجمالي الأسهم المُدرجة عالمياً، موزعة على حوالي 9000 شركة. كما يجني إيرادات من سندات دول وشركات، فضلاً عن الدخل من إيجارات مئات المباني التي يملكها في أكبر مدن العالم.
وتتوزع استثمارات الصندوق على 4 فئات من الأصول؛ فتمثل الأسهم 70.6% من إجمالي الاستثمارات، وأدوات الدخل الثابت 27.1%، فيما تشكل العقارات والبنية التحتية للطاقة المتجددة نسبتي 1.9% و0.4% على التوالي.
كما تشمل استثمارات الصندوق في الأسهم شركات تعمل في 11 قطاعاً، من بينها الطاقة والمرافق والمعادن الأساسية والتكنولوجيا والقطاع المالي. وفضلاً عن كبرى شركات النفط والغاز، يملك الصندوق نسبة 1.85% في “تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ” (TSMC)، و1.33% في “أدفانسد مايكرو ديفايسز” (AMD).
ما أحدث النتائج المالية لصندوق الثروة النرويجي، وقراراته؟
حقق صندوق الثروة النرويجي عائداً بنسبة 5.7% خلال النصف الأول من 2025، متخلفاً بمقدار 0.05 نقطة مئوية عن المؤشر الأساسي. كما تراجعت قيمة الصندوق 156 مليار كرونة خلال الفترة إلى 19.59 تريليون كرونة (1.9 تريليون دولار) خلال الفترة، وفقاً للنتائج المالية التي أعلنها الصندوق في أغسطس.
اقرأ أيضاً: الصندوق السيادي النرويجي يسجل أفضل أداء فصلي منذ 2023 مدفوعاً بمكاسب الأسهم
تفصيلاً، حقق الصندوق في النصف الأول من العام عائداً بنسبة 6.73% من الأسهم، و3.31% من أدوات الدخل الثابت، و4.02% من العقارات غير المدرجة، و9.43% من البنية التحتية غير المدرجة.
وسجل القطاع المالي، والاتصالات، والمرافق أعلى 3 عائدات في استثمارات الأسهم بنسب 16.5%، 13.3%، و12.4% على التوالي.
ما أبرز استثمارات الصندوق في الدول العربية؟
بلغ إجمالي استثمارات صندوق الثروة النرويجي في الأسهم العربية 5.3 مليار دولار بنهاية النصف الأول من العام، استأثرت منها الإمارات بنصيب الأسد بإجمالي نحو 3.3 مليار دولار موزعة على 41 شركة، تلتها قطر بحوالي مليار دولار في 15 شركة، ثم الكويت بنحو 900 مليون دولار في 12 شركة، فمصر بحوالي 97 مليون دولار في 9 شركات، والمغرب بنحو 27 مليون دولار في 5 شركات.
أكبر ثلاثة استثمارات للصندوق في الإمارات من حيث القيمة هي نسبة 1.57% في “إعمار العقارية” وقيمتها 513.1 مليون دولار، وحصة 0.98% في بنك أبوظبي التجاري بقيمة 264.35 مليون دولار، ونسبة 0.58% في هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) وقيمتها نحو 222.97 مليون دولار.
وفي قطر، أعلى ثلاثة استثمارات للصندوق من حيث القيمة هي حصة 1.02% في بنك قطر الوطني بقيمة 448.7 مليون دولار، وحصة 1.27% في “أريدو” وقيمتها 142.6 مليون دولار، ونسبة 0.61% في صناعات قطر بقيمة 125.3 مليون دولار.
بالانتقال إلى الكويت، يُعد الاستثمار الأكبر للصندوق في “بنك الكويت الوطني” بنسبة 1.87% تبلغ قيمتها 534.3 مليون دولار، تليه حصة 0.24% في “بيت التمويل الكويتي” بقيمة 111.1 مليون دولار، ثم “بنك الخليج” بنسبة 2.17% قيمتها 101.55 مليون دولار.
وفي المغرب، تستأثر شركة “هايتك بايمنت سيستمز” بأكبر استثمار محلي من الصندوق، بحصة 2.07% بقيمة 9.85 مليون دولار، وبعده “التجاري وفا بنك” بنسبة 0.06% تبلغ قيمتها 9.24 مليون دولار، ثم “أولماس” (Oulmes) التي يملك الصندوق نسبة 1.48% من أسهمها بقيمة 4.04 مليون دولار.
أما في مصر، قلص الصندوق استثماراته في الأسهم المصرية من نحو 100.3 مليون دولار بنهاية 2024 إلى 96.7 مليون دولار بنهاية النصف الأول من العام الجاري، كما أعاد هيكلة استثماراته في الشركات المصرية، والتي تعمل في القطاع المالي، والصناعة، والخدمات الاستهلاكية الكمالية، والعناية الصحية، والعقارات، والاتصالات.
استثمارات صندوق الثروة النرويجي في الشركات المصرية (بالدولار)
الشركة | قيمة الاستثمار في نهاية 2024 | قيمة الاستثمار نهاية النصف الأول من 2025 | التغير (%) |
نسبة الملكية الحالية (%)
|
فوري | 23.6 مليون | 34.9 مليون | +48 | 4.22 |
مجموعة طلعت مصطفى القابضة | 22.8 مليون | 23.2 مليون | +2 | 1 |
البنك التجاري الدولي | 22.9 مليون | 19 مليون | -17 | 0.37 |
إي فاينانس | 9.7 مليون | 5.06 مليون | -48 | 0.56 |
التشخيص المتكاملة | 7.4 مليون | 4.7 مليون | -36 | 2.36 |
تعليم لخدمات الإدارة | 4.51 مليون | 4.48 مليون | -0.6 | 2.88 |
المصرية للاتصالات | 2.35 مليون | 2.77 مليون | +18 | 0.21 |
إي إف جي القابضة | 1.8 مليون | 2.35 مليون | +30.1 | 0.3 |
يو (فاليو) | – | 235 ألف | – | 0.06 |
كيف يتضامن الصندوق مع القضية الفلسطينية؟
اتخذ صندوق الثروة النرويجي عدة قرارات في الآونة الأخيرة، حيث صفى استثماراته في 23 شركة إسرائيلية، وأعلن أواخر أغسطس أيضاً عن تصفية استثماراته في “كاتربيلر”، صانعة المعدات الثقيلة الأميركية، جراء استخدام إسرائيل جرافات الشركة في تدمير ممتلكات الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، ورداً على قرار الصندوق، اقترح السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام- حليف دونالد ترمب المقرب- فرض رسوم جمركية إضافية على النرويج، ووقف إصدار التأشيرات الأميركية لمديري الصندوق “والمنظمات الأخرى التي تسعى إلى معاقبة أميركا بسبب خلافات جيوسياسية”.
كما شمل قرار الصندوق بخصوص “كاتربيلر” خمس مؤسسات مالية إسرائيلية: مصرف “فيرست إنترناشيونال بنك أوف إزرايل” (First International Bank of Israel)، وشركته القابضة “فيرست إنترناشيونال بنك أوف إزرايل هولدينغز” (FIBI Holdings)، ومصارف “بنك لئومي لي يسرائيل” (Bank Leumi Le-Israel)، و”مزراحي طفحوت بنك” (Mizrahi Tefahot Bank)، و”بنك هابوعليم” (Bank Hapoalim).
صندوق النرويج السيادي يراجع استثماراته في إسرائيل.. والبداية التخارج من 11 شركة
وأرجع الصندوق ذلك إلى تمويل المؤسسات الخمس أنشطة بناء “تسهم في الحفاظ على المستوطنات الإسرائيلية”. وهذا بالإضافة إلى 18 شركة إسرائيلية أعلن الصندوق استبعادها في منتصف أغسطس”.
هل هناك مؤسسات نرويجية وعالمية أخرى متضامنة مع القضية الفلسطينية؟
إلى جانب صندوق الثروة السيادي النرويجي، اتخذت مؤسسات نرويجية وعالمية خطوات ملموسة للتعبير عن رفضها للحرب على غزة. فقد أعلن صندوق التقاعد الحكومي النرويجي (KLP) استبعاد شركتي “Oshkosh” الأميركية و”Thyssenkrupp” الألمانية من محفظته الاستثمارية، نظراً لدورهما في تزويد الجيش الإسرائيلي بمعدات عسكرية مستخدمة في الحرب.
وفي السياق ذاته، عبر اتحاد العمال النرويجي (LO) عن موقفه الداعم للمقاطعة، حيث صوت لصالح مطالبة الحكومة بفرض حظر اقتصادي شامل على إسرائيل، يشمل البضائع والخدمات، في خطوة تعكس البعد الشعبي والمؤسسي للتضامن مع الفلسطينيين.
أما على صعيد الشركات العالمية، فقد بادرت شركة التأمين الفرنسية “أكسا” إلى بيع حصصها في ثلاثة بنوك إسرائيلية كبرى هي: هابو عليم، ليؤومي، وديسكونت إسرائيل. كما اتخذت شركة إدارة الأصول الكندية “1832 Asset Management”، الذراع الاستثمارية لبنك سكوتيا، قراراً بتقليص استثماراتها في شركة “إلبيت سيستمز”( Elbit Systems)، أكبر شركة أسلحة إسرائيلية مدرجة في البورصة.