اخر الاخبار

ما هو التعافي الاقتصادي على شكل حرف K؟ ولماذا يثير كل هذا القلق؟

عند كل أزمة اقتصادية كبرى، يبحث الخبراء عن طريقة بسيطة لشرح ما يحدث: هل ينتعش الاقتصاد بسرعة؟ هل يحتاج وقتاً أطول؟ أم يظل عالقاً في الركود؟ وهكذا ظهرت أشكال مثل V وU وW وL لتصوير مسار التعافي. لكن مع الأزمات الحديثة، برز نمط جديد وغير مريح: التعافي على شكل حرف K، الذي لا يصف السرعة بقدر ما يكشف حجم التفاوت بين من يستفيد ومن يتضرر داخل الاقتصاد نفسه.

أشكال التعافي التقليدية: تاريخ من الصعود والهبوط

على مدى عقود، استخدم الاقتصاديون أشكالاً مختلفة لتلخيص مسارات الانتعاش. فالتعافي على شكل V يظهر عندما ينهض الاقتصاد سريعاً بعد هبوط حاد، كما حدث في بعض الدول بعد أزمة 2008. أما التعافي على شكل U فيجسد ركوداً يمتد لسنوات قبل أن تبدأ العودة التدريجية، مثل تجارب أوروبا في السبعينيات. وهناك أيضاً التعافي على شكل W، الذي يجمع بين انتعاش قصير يتبعه تراجع جديد، وهو ما ميز الاقتصاد الأميركي في أوائل الثمانينيات. وعلى العكس تماماً يقف التعافي على شكل L، الذي يحبس الاقتصاد في ركود طويل بلا نمو، كما حدث في اليابان خلال “العقد الضائع”.

حرف K: عندما يمضي الاقتصاد في اتجاهين متعاكسين

في التعافي على شكل K، لا يسير الجميع في الطريق نفسه. جزء من الاقتصاد يصعد بقوة، بينما ينحدر جزء آخر في الاتجاه المعاكس. قد ترتفع أسهم وقيمة منازل فئة معينة، بينما تتراجع أوضاع فئات أخرى، رغم أن المؤشرات العامة تروي قصة نمو. ظهر هذا النمط بوضوح بعد جائحة كورونا، عندما استفادت الشركات الكبرى وأصحاب الأصول من ارتفاع الأسواق، بينما عانى أصحاب الدخل المنخفض والمتوسط من تراجع فرص العمل وتآكل القدرة الشرائية.

من يربح ومن يخسر؟ الطريق لا يتشابه للجميع

الفئات ذات الدخل المرتفع غالباً ما تجد نفسها في الاتجاه الصاعد من حرف K. قيمة أصولها الاستثمارية ترتفع، وظائفها أكثر مرونة، ومدخراتها تمنحها مساحة للحركة في أوقات الأزمات. في المقابل، يقف أصحاب الدخل المنخفض في الاتجاه الهابط: وظائف أكثر هشاشة، دخل لا يواكب التضخم، وقدرة شرائية تتراجع تدريجياً، ما يجعلهم أكثر عرضة للصدمات. وهكذا يصبح شكل K مرآة لانقسام اجتماعي يتسع يوماً بعد يوم.

لماذا يُعد هذا النوع من التعافي خطيراً؟

الخطر الحقيقي في التعافي على شكل K يكمن في أنه لا يترك أثراً على الاقتصاد فحسب، بل على المجتمع أيضاً. اتساع فجوة الدخل يجعل النمو محصوراً في فئة صغيرة، بينما تتراجع الطبقة الوسطى التي تُعد المحرك الأساسي لأي اقتصاد مستقر. ضعف قدرتها على الإنفاق ينعكس مباشرة على الطلب الكلي، فتتباطأ عجلة النمو ويزداد هشاشة النظام الاقتصادي. ومع استمرار هذا التباين، قد يصبح أي هبوط في أسواق الأسهم أو العقار شرارة لأزمة أوسع، لأن أغلب النمو كان معتمداً على شريحة واحدة فقط.

لماذا عاد حرف K إلى الواجهة الآن؟

في السنوات الأخيرة، وبعد موجات تضخم وارتفاع أسعار الأصول، أصبحت الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون أكبر بكثير. ازدهرت ثروات من يمتلكون أسهماً وعقارات، بينما واجهت الأسر ذات الدخل الثابت ضغوطاً معيشية متصاعدة. ومع تزايد الحديث عن ركود محتمل في اقتصادات كبرى، عاد خبراء الاقتصاد ليدقوا ناقوس الخطر: أي تعافٍ لا يشمل الجميع سيظل مؤقتاً وهشاً، وقد يفتح الباب أمام أزمات أعمق في المستقبل.

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *