ما بدائل بوتين لتصدير الغاز بعد إغلاق أوكرانيا مسار العبور؟
ربما خسر فلاديمير بوتين جزءاً من الإيرادات بعد أن أغلقت كييف خط أنابيب الغاز الذي ينقل الإمدادات الروسية، لكن موسكو تمتلك بالفعل بدائل تتيح لها شحن الوقود دون أن تتعرض لضرر اقتصادي بالغ.
تخطط روسيا لتوسيع صادراتها من الغاز الطبيعي المسال، وتوجيه الغاز عبر خطوط أنابيب إلى مشترين آخرين مثل الصين.
قال بوتين خلال مؤتمره الصحفي السنوي في 19 ديسمبر: “سنواصل زيادة حصتنا في أسواق الغاز الطبيعي المسال العالمية”، رغم العقوبات التي تهدف إلى وقف هذا النمو.
وأعرب أيضاً عن ثقته في قدرة شركة الغاز الروسي العملاقة “غازبروم” على التكيف مع انتهاء النقل عبر خطوط الأنابيب عبر أوكرانيا.
في الوقت نفسه، تسجل أوروبا مستويات قياسية من حيث شراء الغاز الطبيعي المسال من روسيا، رغم الدعوات لحظر هذه الإمدادات، وذلك بشكل رئيسي من مصنع “يامال” للغاز الطبيعي المسال بقيادة شركة “نوفاتك”.
تجاوزت الكميات المصدرة ما كانت تبيعه روسيا عبر أوكرانيا قبل الأول من يناير عندما أغلقت كييف التي ترفض السماح بأي عبور يمول آلة الحرب الروسية المسار الذي استمر استخدامه لنحو خمسة عقود عبر أراضيها.
مورد رئيسي للغاز إلى أوروبا
تسلط هذه التطورات الضوء على صعوبة قطع أوروبا علاقاتها مع روسيا التي عززت مكانتها كمورد رئيسي للسلع الأساسية للقارة على مدى العقد الماضي. كما تشير إلى كيف أن غزو أوكرانيا في فبراير 2022 أجبر روسيا على إعادة ترتيب شبكتها التجارية. ومع ذلك، أظهرت موسكو أنها حتى عند إغلاق إحدى الطرق إلى الأسواق، غالباً ما تجد أخرى مفتوحة.
وصلت صادرات روسيا من الغاز الطبيعي المسال إلى مستوى قياسي العام الماضي، وفقاً لبيانات تتبع الشحن.
قبل الغزو، كانت روسيا تبيع نحو 155 مليار متر مكعب من الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا سنوياً. في عام 2024، صدرت البلاد حوالي 30 مليار متر مكعب من الغاز إلى المنطقة، مع مرور أكثر من نصف الكميات عبر أوكرانيا.
قالت تاتيانا أورلوفا، اقتصادية في “أوكسفورد إيكونوميكس”، إن توقف معظم صادرات الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا مسبقاً يعني أن إغلاق الخط الأوكراني لن يؤثر كثيراً على الاقتصاد.
أضافت: “ستظل أوروبا بحاجة إلى الغاز؛ حيث إن جميع جهودها للتخلص من الاعتماد على الغاز الروسي لم تنجح”. تابعت بالقول: “من المحتمل أن ينتهي بها الحال إلى شراء المزيد من الغاز الطبيعي المسال الروسي لتعويض الانخفاض في واردات الغاز الطبيعي من روسيا”.
باعت “غازبروم” حوالي 6 مليارات دولار من الغاز عبر أوكرانيا في عام 2024، وفقاً لحسابات “بلومبرغ”. مع ذلك، يتوقع معظم الاقتصاديين والباحثين تأثيراً محدوداً على الاقتصاد جراء فقدان هذه المبيعات.
تشير تقديرات المحللين إلى أن روسيا ستفقد ما يعادل حوالي 0.2% إلى 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي.
خسائر أوكرانيا جراء توقف الغاز
قال ديفيد أوكسلي، اقتصادي في “كابيتال إيكونوميكس”، في مذكرة الأسبوع الماضي: “الأرقام محدودة للغاية بحيث لا تؤثر على آلة الحرب الخاصة ببوتين”. في مقابل ذلك، قال إن أوكرانيا قد تخسر حوالي 0.5% من ناتجها المحلي الإجمالي بسبب توقف رسوم العبور التي كانت تجنيها من نقل الغاز.
أما سلوفاكيا، التي تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي وتحقق دخلاً من رسوم العبور، فقد تخسر حوالي 0.3% من ناتجها المحلي الإجمالي، وفقاً لتقديراته.
إلى جانب مبيعات الغاز الطبيعي المسال، تمتلك روسيا خيارات أخرى لنقل الغاز عبر خطوط الأنابيب لتعويض خسارة المسار عبر أوكرانيا.
يتوقع أن تصل شحنات الغاز إلى الصين التي تتفوق على أوروبا كأكبر سوق للغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب إلى مستوى قياسي يبلغ حوالي 31 مليار متر مكعب في عام 2024. ويرجح أن ترتفع إلى 38 مليار متر مكعب هذا العام مع وصول خط “باور أوف سيبيريا” إلى كامل طاقته المستهدفة.
هذا الرقم يعوض نصف الكميات التي فُقدت بعد توقف العبور عبر أوكرانيا، وفقاً لتقديرات سيرغي فاكونلينكو، الباحث في مؤسسة “كارنيغي للسلام الدولي”.
قد تبيع “غازبروم” المزيد من الغاز عبر خط أنابيب “تركستريم” الذي يربط مباشرة بين روسيا وتركيا عبر البحر الأسود، ويساعد أيضاً في تزويد بعض العملاء الأوروبيين. في عام 2025، قد تبيع “غازبروم” 25 مليار متر مكعب لتركيا، و15 مليار متر مكعب لأوروبا عبر “تركستريم”، بحسب تقديرات فاكونلينكو.
شحنات إلى آسيا الوسطى
تخطط روسيا لإعادة توجيه بعض الوقود إلى دول آسيا الوسطى وزيادة قدرة خط أنابيب قديم من الحقبة السوفيتية يربط بين روسيا وأوزبكستان عبر كازاخستان.
سياسياً، تمنح قضية الغاز الكرملين فرصة لإظهار أن بوتين ليس في عزلة. وقال سيرغي ماركوف، مستشار سياسي قريب من الكرملين: “بالنسبة لموسكو، من المهم للغاية أن يتم كسر الحصار الدبلوماسي للمرة الثانية”.
أشار ماركوف إلى زيارة مفاجئة قام بها رئيس وزراء سلوفاكيا، روبرت فيكو، إلى موسكو في 23 ديسمبر لمناقشة الغاز وقضايا أخرى. كان فيكو ثاني زعيم أوروبي يزور موسكو منذ غزو روسيا لأوكرانيا، بعد زيارة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في يوليو.
قال بوتين في الشهر الماضي إن روسيا مستعدة لشحن الغاز إلى أوروبا، لكنه حذر من أن أي اتفاق جديد قد يكون معقداً، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار الناتج عن نقص الإمدادات التي تواجهها أوروبا حالياً.
مع ذلك، قد تواجه خطط الغاز عبر الأنابيب والغاز الطبيعي المسال تحديات خاصة بها. فبينما تهدف روسيا إلى بدء الصادرات عبر خط ثانٍ إلى الصين خلال عامين، توقفت المفاوضات بشأن خط أنابيب ثالث بسبب الخلافات حول الشروط.
تسعى روسيا إلى مضاعفة صادرات الغاز الطبيعي المسال ثلاث مرات لتصل إلى 100 مليون طن بحلول عام 2035، مقارنة بـ33 مليون طن العام الماضي. لكن العقوبات الغربية المفروضة على جميع المشاريع المستقبلية الرئيسية وأساطيل ناقلات الغاز المسال تجعل هذه الخطة أكثر تعقيداً.
تطورات مشهد الغاز الروسي
قال كلاوديو شتوير، مستشار الطاقة وأستاذ في “آي إتش آر دي سي” (IHRDC) في بوسطن: “مر مشهد الغاز الطبيعي والغاز المسال بتغيرات كبيرة لروسيا في السنوات الثلاث الأخيرة”. أضاف أن هذا يتطلب “استثمارات وجهوداً أكبر لأعمال أقل ربحية”، مع حاجة روسيا الآن للبحث عن عملاء أكثر تأثراً بالأسعار في أسواق أبعد.
العقوبات عرقلت بالفعل طموحات روسيا في نمو صادرات الغاز المسال. تمكن أحدث مشاريع شركة “نوفاتك”، وهو مشروع “أركتيك LNG 2″، من بدء صادرات محدودة في العام الماضي. لكن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها قيدت وصول المصنع إلى ناقلات الجليد اللازمة للإبحار في المياه الشمالية المتجمدة، وأبعدت المشترين الأجانب عن شراء الشحنات.
في عام 2025، سيكون التركيز على قرارات دونالد ترمب بشأن العقوبات المفروضة على روسيا. تزيد الأمور تعقيداً مع طموحات الولايات المتحدة الخاصة بتزويد أوروبا بالمزيد من الغاز الطبيعي المسال.
قد يؤدي حظر نقل شحنات الغاز المسال من مشروع “يامال” عبر الموانئ الأوروبية إلى تعقيدات لوجستية للإمدادات الروسية إلى آسيا عندما يُغلق طريق البحر الشمالي. لكن العقوبات قد تدفع فعلياً إلى توجيه المزيد من تلك الإمدادات إلى أوروبا بدلاً من ذلك.