ما القطاعات الواعدة التي تجذب المستثمرين إلى الخليج حالياً؟

تتحول خارطة الاستثمار الأجنبي في دول الخليج بوتيرة متسارعة، مدفوعةً ببرامج التحول الاقتصادي الطموحة ورغبة الحكومات في تقليل الاعتماد على العائدات النفطية. فبعد سنوات من تدفق رؤوس الأموال نحو مشروعات الهيدروكربونات والبنية التحتية التقليدية، باتت قطاعات مثل الطاقة النظيفة، والتكنولوجيا المتقدمة، والسياحة، والرعاية الصحية تشكل محاور رئيسية للاستثمارات الدولية.
تبرز السعودية والإمارات بصفة خاصة في اجتذاب شركات عالمية كبرى لعقد شراكات استراتيجية وتنفيذ مشروعات تشغيلية ضخمة، وهو ما تؤكده تقديرات حديثة لوكالة “إس آند بي غلوبال”، التي أشارت إلى أن دول الخليج ستواصل جذب رؤوس الأموال العالمية مستفيدةً من بيئاتها التنظيمية الجاذبة وقدراتها التمويلية الكبيرة، رغم التحديات المرتبطة بتعدد الجهات الحكومية المشرفة على المشروعات ونقص الكفاءات المحلية المتخصصة في القطاعات الجديدة.
ونستعرض في هذا التقرير أبرز القطاعات الواعدة في الخليج التي تجذب اهتمام الشركاء الأجانب، وما التحديات التي يواجهها الاستثمار الأجنبي في المنطقة، والتغيرات المستقبلية المحتملة في خريطة الاستثمارات الخليجية.
قطاعات جديدة على خارطة الاستثمار
تشكل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، والطاقة النظيفة، والخدمات المالية، والسياحة، والزراعة، والرعاية الصحية أبرز القطاعات التي جذبت تدفقات كبيرة من الاستثمارات الأجنبية إلى الخليج مؤخراً، مدعومة بمبادرات حكومية وتحالفات مع شركات عالمية كبرى.
التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي: باتت “هيوماين” السعودية نقطة جذب رئيسية للاستثمارات الأجنبية في الذكاء الاصطناعي، إذ التزمت ثلاث من كبرى شركات الرقائق الأميركية، هي: “إنفيديا” (Nvidia)، “إيه إم دي” (AMD)، و”كوالكوم” (Qualcomm) بضخ استثمارات مباشرة تشمل توريد معدات متقدمة، وإنشاء بنية تحتية، ومراكز تصميم، ما يعزز موقع المملكة بين أسرع الأسواق الناشئة في استقطاب رأس المال بهذا القطاع.
صرح د. أحمد عبد الله، الشريك الزميل في “FTI Delta”، في لقاء تلفزيوني مع “الشرق”، بأن هيئة السعودية للذكاء الاصطناعي تتوقع مساهمة القطاع بـ12% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030.
وفي صفقة وُصفت بأنها الأضخم من نوعها في الخليج، أعلنت “إيه إم دي” (AMD) عن استثمار بقيمة 10 مليارات دولار بالتعاون مع “هيوماين” لإنشاء مراكز بيانات تعتمد على رقائقها المتطورة على مدى خمس سنوات.
كما وافقت “إنفيديا” (Nvidia) على تزويد “هيوماين” بـ18 ألف شريحة من طراز “غريس بلاكويل” (Grace Blackwell) لتشغيل مراكز بيانات سعودية بقدرة أولية 500 ميغاواط، ترتفع إلى 1.9 غيغاواط بحلول 2030، في شراكة تُعد مثالاً بارزاً على الاستثمار الأجنبي المباشر في بنية الحوسبة المتقدمة. ووقعت “كوالكوم” (Qualcomm) مذكرة تفاهم لتزويد “هيوماين” بمعالجات “سناب دراغون” و”دراغون وينغ”، إضافة إلى تأسيس “مركز كوالكوم للتصميم” لتطوير تقنيات أشباه الموصلات وتدريب الكفاءات المحلية ضمن التزامات طويلة الأجل.
في الإمارات، أعلنت “أوبن إيه آي” (OpenAI) عن أول توسع دولي لها عبر مشروع “ستارغيت الإمارات” (Stargate UAE) بالشراكة مع “G42” وبدعم من الحكومة الأميركية. يشمل المشروع إنشاء مركز حوسبة متقدم في أبوظبي بقدرة 1 غيغاواط، يُتوقع تشغيله جزئياً في 2026، ليصبح الأكبر خارج الولايات المتحدة. ويشارك في تطويره “أوراكل” (Oracle)، و”إنفيديا” (Nvidia)، و”سوفت بنك” (SoftBank)، و”سيسكو سيستمز” (Cisco Systems)، فيما ستصبح الإمارات أول دولة تطلق تطبيق “تشات جي بي تي” وطنياً في قطاعات التعليم والصحة والطاقة.
الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر: تُعد دول الخليج ثاني أسرع مناطق العالم نمواً في الطاقة المتجددة بعد الصين، وإضافةً إلى استثماراتها المحلية، جذبت تمويلاً ضخماً في الطاقة الشمسية وتخزين الطاقة، واستقطبت شركات عالمية من فرنسا والصين واليابان وكوريا لدعم خطط تنويع مصادر الطاقة، وفق تقرير صادر عن “فاينانشال تايمز”.
اقرأ أيضاً: الهيدروجين الأخضر في الشرق الأوسط: ثورة حقيقية أم فقاعة استثمارية جديدة؟
شهدت السعودية استثمارات كبيرة في الهيدروجين الأخضر في “نيوم”، بقيادة شركة “إير برودكتس” (Air Products) الأميركية بالشراكة مع “أكوا باور” (ACWA Power) السعودية. وتُقدّر كلفة المشروع بنحو 8.4 مليار دولار لإنتاج 600 طن يومياً بحلول 2026، بتمويل مصرفي دولي من آسيا وأوروبا.
كما فازت شركتا “توتال إنرجيز” (TotalEnergies) و”إي دي إف رينيوابلز” (EDF Renewables) الفرنسيتان بعقود تطوير محطات شمسية بقدرة 1.7 غيغاواط، باستثمارات تتجاوز 2.1 مليار دولار ضمن البرنامج الحكومي للطاقة المتجددة.
وأعلنت شركة “جينكو سولار” (JinkoSolar) الصينية عن استثمار 400 مليون دولار لإنشاء مصنع لإنتاج وتجميع الألواح الشمسية في الإمارات بمجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية، لتلبية الطلب المحلي والتوسع الإقليمي. ويُطوّر في أبوظبي مشروع تخزين بطاريات بطاقة 19 غيغاواط/ساعة باستثمار مشترك مع شركات يابانية وكورية، وتبلغ كلفته نحو 6 مليارات دولار، ليصبح من أكبر مشروعات التخزين عالمياً.
وفي البحرين، خُصص جزء من اتفاقية استثمارية بقيمة 3.4 مليار دولار وُقّعت مع الحكومة البريطانية في يونيو 2025 لدعم مشروعات الطاقة النظيفة، وتشمل التعاون مع “أوكتوبوس إنرجي” (Octopus Energy) و”لايت سورس بي بي” (Lightsource BP) لتطوير محطات شمسية ضمن خطة المملكة لخفض الانبعاثات.
الخدمات المالية وإدارة الأصول: تسعى عواصم خليجية مثل الرياض ودبي وأبوظبي والدوحة إلى تعزيز حضورها كمراكز مالية إقليمية، عبر جذب مؤسسات عالمية في الخدمات المصرفية وإدارة الأصول. وتستند هذه الجهود إلى حوافز تنظيمية وبيئات أعمال متطورة، في سياق أوسع لتنويع اقتصادات المنطقة وزيادة جاذبيتها لرؤوس الأموال الأجنبية.
حصل بنك “بي إن واي ميلون” (BNY Mellon) على ترخيص في مايو 2025 من السلطات السعودية لإنشاء مقر إقليمي تشغيلي في الرياض، وفق تقرير لوكالة أنباء “رويترز”، كما افتتحت بنوك مثل “غولدمان ساكس” و”سيتي غروب” مقرات لها في المملكة.
اقرأ أيضاً: عمالقة وول ستريت يطلقون موجة توسع جديدة في الخليج
في الإمارات، شهد القطاع المالي في أبوظبي ودبي نمواً ملحوظاً مع افتتاح شركات عالمية كبرى مقرات تشغيلية جديدة. فقد افتتحت “لازارد” (Lazard) و”بلاك روك” (BlackRock) مكاتب مرخصة في سوق أبوظبي العالمي، بينما عززت “كاناكورد” (Canaccord) و”بارينغز” (Barings) نشاطهما في مركز دبي المالي. كما انتقلت مؤسسات بارزة مثل “غولدمان ساكس”، و”بريفان هوارد أسيت مانجمنت” (Brevan Howard Asset Management)، ومكتب عائلة راي داليو إلى أبوظبي، ما يعكس تنامي جاذبية الإمارات كمركز مالي إقليمي ودولي.
كما افتتحت “آشمور غروب” (Ashmore Group) مكتباً مرخصاً في الدوحة عام 2024 لإدارة أصول محلية، فيما دشّنت “غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز” (GIP) مكتباً إقليمياً لإدارة مشاريع البنية التحتية.
السياحة والترفيه: يُعد الترفيه والسياحة والرياضة والثقافة من القطاعات الرئيسية التي تراهن السعودية على تطويرها لتنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط بالشراكة مع القطاع الخاص. وتستهدف رؤية المملكة 2030 رفع مساهمة صناعة الترفيه إلى 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030.
وفي سبيل تحقيق هذه الغاية، وقّعت شركة نيوم سلسلة من الشراكات مع شركات عالمية بارزة لتطوير مشاريعها السياحية الكبرى على ساحل البحر الأحمر وفي المناطق الجبلية. من أبرز هذه الاتفاقات التعاون مع مجموعة “ماريوت إنترناشونال” (Marriott International) لإدارة ثلاثة فنادق فاخرة على جزيرة سندالة، من بينها منتجعان ضمن علامة “لاكشري كولكشن” (Luxury Collection) وفندق تابع لعلامة “أوتوغراف كولكشن” (Autograph Collection).
كما عقدت “نيوم” شراكة مع شركة “إنيسمور” (Ennismore) لتطوير وإدارة وجهات ضيافة متميزة في مشروع تروجينا الجبلي، الذي يخطط لتقديم تجارب سياحية شتوية فريدة في قلب المملكة.
إلى جانب ذلك، تعاونت نيوم مع مؤسسة “أوشن إكس” (OceanX) الأميركية لاستكشاف الحياة البحرية ودعم السياحة البيئية المستدامة في البحر الأحمر.
وتعمل شركة البحر الأحمر الدولية المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة على تطوير اثنتين من كبرى الوجهات السياحية الفاخرة في السعودية: مشروع البحر الأحمر وأمالا. أبرمت الشركة شراكات مع علامات فندقية عالمية مثل “فورسيزونز” (Four Seasons)، التي ستدير مجمعاً سياحياً في جزيرة شورى، ومع “حياة” (Hyatt) و”ماريوت إنترناشونال” (Marriott International) لتطوير وتشغيل عشرات المنتجعات الفاخرة على الساحل الغربي.
أما مشروع القدية الترفيهي المقام على مساحة 360 كيلومتراً مربعاً قرب الرياض، فيستهدف أن يصبح وجهة عالمية للترفيه والرياضة والثقافة، ويشمل إنشاء استاد الأمير محمد بن سلمان لاستضافة مباريات كأس العالم، وحلبة سباق فورمولا 1.
وفي خطوة لتعزيز التنوع، وقّعت شركة القدية للاستثمار اتفاقية مع “سيكس فلاغز” (Six Flags) الأميركية لإنشاء أول مدينة ملاهٍ للعلامة في الشرق الأوسط، إضافةً إلى استحواذها على شركة مشاريع الترفيه “سفن” لتحقيق التكامل في القطاع.
كما شهدت الدرعية توقيع عقود تطوير سياحي ضخمة مع شركاء أجانب مثل “الشركة الصينية للهندسة المعمارية” (CSCEC)، إلى جانب شركات محلية لتنفيذ فنادق فاخرة ونادٍ للفروسية بقيمة تتجاوز 15 مليار ريال.
يُعد موسم الرياض من أكبر الفعاليات الترفيهية في السعودية، حيث استقطب أكثر من 19 مليون زائر من أكتوبر حتى يناير 2025. جرت فعاليات الموسم العالمية المتنوعة ضمن 14 منطقة ترفيهية، أبرزها بطولة “UFC” للفنون القتالية المختلطة، مباريات توحيد ألقاب الملاكمة، بطولة أساطير التنس، ومباراة السوبر الأفريقي.
كما استضاف كأس العالم للرياضات الإلكترونية وسباق الدرونز، ما ساهم بانتعاش السياحة وزيادة الإشغال الفندقي في الرياض.
أشار مأمون حميدان، الرئيس التنفيذي للأعمال في شركة ويجو (wego)، إلى أن موسم الرياض أسهم في انتعاش غير مسبوق بقطاع الضيافة وزيادة الطلب على الفنادق والمطاعم، ما شجع استقطاب علامات عالمية جديدة ورفع مستوى الخدمات المقدمة للسياح.
من جهته، أكد تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه، زيادة الطاقة الاستيعابية للموسم بنحو 40%، موضحاً أن 95% من الشركات المنفذة لعقوده سعودية، مع عقد شراكات خارجية مع جهات من قطر والكويت ومصر والولايات المتحدة، أبرزها التعاون مع UFC.
الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية يسجل أعلى مستوى فصلي هذا العام.. التفاصيل هنا
في الإمارات، عزّزت أبوظبي موقعها الريادي عبر شراكتها مع شركة “والت ديزني” (The Walt Disney Company) لتأسيس أول منتزه “ديزني لاند أبوظبي” في الشرق الأوسط على جزيرة ياس، ما يضيف وجهة ترفيهية عالمية جديدة إلى مشاريعها القائمة مع “وارنر براذرز” (Warner Bros.) و”فيراري وورلد” (Ferrari World).
دبي بدورها عقدت شراكات مع علامات فندقية دولية مثل “ريو هوتيلز” (RIU Hotels) الإسبانية و”سنتارا” (Centara) التايلندية في جزر ديرة، إلى جانب تعاون “مِراس” مع شركة “سيزرز إنترتينمنت” (Caesars Entertainment) الأميركية لتطوير منتجع ترفيهي متكامل في جزيرة بلوواترز، ما يعكس ثقة المستثمرين العالميين ببيئة الأعمال في الإمارات.
أما في البحرين، فتشهد المشروعات السياحية الكبرى مثل توسعات جزر أمواج وشواطئ خليج البحرين شراكات مع شركات إدارة فندقية عالمية مثل “فور سيزونز” (Four Seasons) و”فيرمونت” (Fairmont) لتشغيل الفنادق والمنتجعات. وفي الكويت، يتعاون مشروع “مدينة الشرق” مع شركات استشارات وهندسة أوروبية أبرزها “آراب” (ARUP) لتخطيط المرافق الترفيهية والضيافة وفق أحدث المعايير الدولية.
الزراعة والغذاء: تتسارع جهود الإمارات لتعزيز الأمن الغذائي عبر استثمارات وشراكات دولية واسعة. في أبوظبي، أُطلقت وحدة “مجمع تنمية الغذاء ووفرة المياه” المعروفة باسم “أغوا” (AGWA) لزيادة الناتج المحلي بنحو 25 مليار دولار واستقطاب استثمارات بقيمة 34.8 مليار دولار بحلول 2045، ضمن استراتيجية وطنية تشمل مبادرة “ازرع في الإمارات”.
في دبي، يبرز مشروع “وادي تكنولوجيا الغذاء” ومشروع “غيغا فارم” بالتعاون مع شركة “انتليجنت غروث سولوشنز” (Intelligent Growth Solutions) البريطانية لإنتاج 3 ملايين كيلوغرام من الخضراوات سنوياً وإعادة تدوير النفايات الغذائية باستخدام مئات الأبراج الزراعية الذكية.
كما أبرمت شركة “موارد” التابعة لمجموعة “ألفا ظبي” شراكة مع شركة “بلنتي” (Plenty) الأميركية لإنشاء سلسلة مزارع عمودية باستثمارات تصل إلى 680 مليون دولار، تشمل مزرعة لإنتاج الفراولة في أبوظبي، بحسب تقرير لـ”بلومبرغ”.
في قطر، أطلقت “حصاد فود” مشروعاً للزراعة المائية بالتعاون مع “يارا إنترناشيونال” (Yara International) النرويجية وشركات هولندية مثل “هوخندورن” (Hoogendoorn) و”إم إس تي هولند” (MST Holland) و”جيفي” (Jiffy)، بهدف بناء بيوت زجاجية تقلل استهلاك المياه وتزيد الإنتاج المحلي، بحسب تقارير “غلف تايمز” ومنصة “AgFunderNews” لأخبار الاستثمار الغذائي والزراعي.
الرعاية الصحية: تتجه دول الخليج إلى عقد شراكات واسعة مع شركات عالمية لتوسيع قطاع الرعاية الصحية ورفع جودة الخدمات. تأتي هذه الخطوات ضمن خطط تنويع الاقتصاد وتطوير بنية تحتية متقدمة تعتمد على الابتكار والذكاء الاصطناعي. وتشمل المبادرات تأسيس مراكز علاجية متخصصة واستحواذات على شبكات طبية دولية ومشاريع تصنيع الأدوية.
في إطار هذه الجهود، أطلقت المملكة العربية السعودية ملتقى الصحة العالمي ضمن مساعي تنويع الاقتصاد وفق رؤية 2030. ويعد الملتقى منصة تجمع مستثمرين دوليين وصناع قرار ومزودي خدمات طبية، بهدف رفع مساهمة القطاع الخاص في الرعاية الصحية السعودي من نحو 11% حالياً إلى 50% بحلول نهاية العقد.
خلال النسخة الأخيرة للملتقى في أكتوبر 2024، أعلنت وزارة الاستثمار عن فرص استثمارية تتجاوز 120 مليار ريال تشمل مشاريع لتوسعة المستشفيات وتأسيس مراكز طبية متخصصة، إلى جانب إطلاق صندوق “عافية” برأسمال 250 مليون دولار، بدعم من منصة “جدا” التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، لتمويل شركات الرعاية الصحية المحلية والعالمية.
استثمرت شركة “جدا” في الصندوق التابع لشركة “تي في إم كابيتال هيلث كير” (TVM Capital Healthcare)، إلى جانب مستثمرين من الشرق الأوسط وأوروبا. وأوضح هيلموت شوهسلر، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة، أن الصندوق سيركز على شركات الرعاية الصحية السعودية أو الشركات الدولية التي تخطط للتوسع في المملكة، وعلى مراكز العلاج والعيادات المتخصصة. وفي مؤشر على اهتمام المستثمرين، تمت تغطية الطرح العام لمستشفى الدكتور سليمان عبد القادر فقيه 119 مرة، واجتذب طلبات شراء بقيمة 91 مليار دولار.
تعزز الإمارات حضورها في قطاع الرعاية الصحية عبر شراكات واسعة مع شركات أجنبية، ضمن جهود تنويع الاقتصاد وتوطين التقنيات الطبية. في أبوظبي، أعلنت مستشفى “كليفلاند كلينك أبوظبي” التابعة لشركة “إم 42” عن اتفاق مع “توشيبا لأنظمة وحلول الطاقة” لإنشاء أول مركز متقدم لعلاج السرطان بالأيونات الثقيلة في الشرق الأوسط.
وتلقت “إم 42” دعماً من شركة “جي 42” وصندوق “مبادلة للاستثمار”، وقد استحوذت أيضاً على سلسلة عيادات غسيل الكلى الأوروبية “ديافيروم” وأبرمت شراكة مع “إلومينا” (Illumina Inc) للاستفادة من الذكاء الاصطناعي في التشخيص، إلى جانب إدارة بيانات “برنامج الجينوم الإماراتي”.
في دبي، وقّع “مجمع دبي للعلوم” مذكرة تفاهم مع الشركة الكورية “ميديتوكس” لإنشاء أول مصنع بوتوكس في المنطقة. كما أبرمت “بيور هيلث” (PureHealth) شراكة مع مركز “شيبا ميديكال سنتر” (Sheba Medical Center) الإسرائيلي لتعزيز التعاون في البحث والتعليم والسياحة العلاجية. وفي خطوة توسعية خارجية، استحوذت “بيور هيلث القابضة” على حصة أغلبية بقيمة 2.3 مليار دولار في سلسلة مستشفيات يونانية من “سي في سي كابيتال بارتنرز” (CVC Capital Partners).
في قطر، تواصل للتربية والعلوم وتنمية المجتمع جهودها لتعزيز الطب الدقيق عبر دمج مركز قطر بيوبنك وبرنامج الجينوم القطري ضمن كيان موحد يُدعى معهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة. وأبرم المعهد شراكة مع مؤسسة حمد الطبية ومع شركة “إلومينا” (Illumina Inc) الأميركية المتخصصة في تقنيات تسلسل الحمض النووي، لتطوير برامج العلاج الدوائي الجينومي التي تمكّن من تخصيص الأدوية والجرعات وفق التركيب الجيني لكل مريض. وتسعى هذه الخطوة إلى تحسين فعالية العلاج وتقليل الآثار الجانبية، وتوظيف التكنولوجيا الحيوية في رفع مستوى الرعاية والوقاية الصحية، بحسب “رويترز”.
وفي سلطنة عُمان، أبرم مستشفى عُمان الدولي اتفاقية استراتيجية لمدة 10 سنوات مع شركة “سيمنس هيلثينيرز” (Siemens Healthineers) عبر شريكها الإداري “آيديالمِد جلوبال هيلث كير سيرفيس” (Idealmed Global Healthcare Service). يشمل المشروع تطوير مستشفى خاص بمجمع طبي يضم أحدث تقنيات التصوير الإشعاعي والذكاء الاصطناعي، وإنشاء «أكاديمية الطب» للتدريب الطبي، وتقديم خدمات المختبر والاستشارات الإكلينيكية. وتعكس الشراكة توجه السلطنة نحو توطين التقنيات الصحية المتقدمة ورفع كفاءة النظام الطبي الوطني، وفق تقرير لموقع “زاوية”.
ما أبرز التحديات التي تواجه الاستثمار الأجنبي في الخليج؟
رغم تصاعد تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى دول الخليج في السنوات الأخيرة، يواجه المستثمرون مجموعة تحديات تنظيمية وهيكلية تؤثر على سهولة ممارسة الأعمال. ويشير تقرير “سهولة ممارسة الأعمال 2024” الصادر عن البنك الدولي إلى أن بعض الاقتصادات الخليجية ما زالت تتطلب إجراءات طويلة للحصول على التراخيص والتصاريح، إضافة إلى التباين في القوانين بين الإمارات والسعودية وقطر وعُمان، ما يفرض على المستثمرين تكييف استراتيجياتهم تبعاً لكل سوق. كما تُعد البيروقراطية وتعدد الجهات الحكومية المشرفة من أبرز العوائق أمام سرعة تنفيذ المشروعات.
على صعيد آخر، يشكل نقص الكفاءات المحلية المتخصصة في القطاعات المستجدة مثل التكنولوجيا المتقدمة والاقتصاد الأخضر أحد أبرز التحديات أمام الاستثمار طويل الأجل. ورغم برامج التدريب الوطنية، ما زالت دول الخليج تعتمد بشكل كبير على الخبرات الأجنبية لإدارة مشروعات استراتيجية ضخمة في الطاقة والذكاء الاصطناعي، ما يزيد من تكاليف التوظيف والاستقطاب ويطرح تحديات تتعلق بالاستدامة على المدى البعيد.
لماذا ترغب الصين في تطوير سوق مشتركة مع دول الخليج والآسيان؟ التفاصيل هنا
ووفق تقرير الأونكتاد 2024 حول الاستثمار العالمي، تظل البيئة القانونية والتعاقدية متفاوتة في سرعة فض المنازعات وضمان حقوق المستثمرين، وهو ما يدفع بعض الشركات إلى التريث قبل الدخول في التزامات رأسمالية طويلة الأجل. ومع ذلك، تستمر حكومات الخليج في تطوير الأطر التشريعية لجذب المزيد من الاستثمارات وتحسين مؤشرات سهولة الأعمال.
ما الاتجاهات المستقبلية المحتملة في خريطة الاستثمارات الخليجية؟
تتجه خريطة الاستثمارات الخليجية في السنوات المقبلة نحو التركيز على تنويع مصادر الدخل عبر ضخ رؤوس أموال ضخمة في قطاعات الطاقة النظيفة والتكنولوجيا والصناعات التحويلية. وتبرز خطط السعودية والإمارات خصوصاً في هذا المجال، حيث تُسهم برامج مثل رؤية السعودية 2030 واستراتيجية الإمارات الصناعية في تعزيز بيئة الأعمال وتطوير البنية التحتية لجذب استثمارات نوعية على مستوى إقليمي ودولي.
في هذا الإطار، تلعب الصناديق السيادية الخليجية دوراً محورياً في دفع هذا التحول، وفي مقدمتها صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وكذلك مبادلة للاستثمار والقابضة (ADQ) في أبوظبي اللتين كان لهما دور بارز في إطلاق شركات مثل “جي 42” التي تمثل ذراع الإمارات في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي والحوسبة المتقدمة.
وفق تقرير صادر عن مجموعة بوسطن للاستشارات (BCG)، يُتوقع أن يصل حجم استثمارات دول الخليج في القطاعات الناشئة إلى أكثر من تريليوني دولار بحلول 2030. ويشير التقرير إلى أن هذا التوجه سيتركز على ثلاثة مجالات رئيسية: مشروعات الاقتصاد الرقمي، وتطوير الطاقة منخفضة الكربون والهيدروجين الأخضر، واستثمارات البنية التحتية المستدامة التي تراعي معايير البيئة والحوكمة.
ويرى خبراء المجموعة أن هذا التحول سيعزز مكانة المنطقة كمركز عالمي للاستثمار والابتكار، مع تصاعد دور الصناديق السيادية في تمويل التحولات الاقتصادية الكبرى وبناء شراكات استراتيجية مع شركات متعددة الجنسيات.