اخر الاخبار

ما الذي يشعل نظريات المؤامرة عن ذهب الولايات المتحدة المخزن؟

لا يستقبل حصن “فورت نوكس”، وهو مستودع لمعظم احتياطيات الذهب الأميركية، كثيراً من الزوار. لكن قد يتغير هذا الحال قريباً، إذ يزعم الرئيس دونالد ترمب ومساعده إيلون ماسك أن هناك احتمالاً بأن يكون أحد قد سرق المعدن الأصفر. إنهم يرغبون بزيارة الحصن لرؤية الذهب بأم العين.

قد يبدو مغرياً اعتبار هذا الطلب من قبيل فرط الارتياب، لكن التاريخ يُشير إلى وجود عوامل أهم ذات أثر في هذا الشأن. كانت المرة الأخيرة التي حدث فيها هذا -أي أن صرخ شخص مطالباً بتدقيق احتياطيات الذهب الأميركية- في لحظةٍ حرجةٍ أخرى من تاريخ النقد الأميركي، عندما بلغ القلق بشأن المستقبل مستويات حرجة.

لفهم العوامل المؤثرة، لا بد من فهم علاقة الذهب بالدولار. حتى وقت قريب نسبياً، لعب هذا المعدن النفيس دوراً هاماً في النظام النقدي الأميركي. كان الدولار بين عامي 1843 و1933 قابلاً للاستبدال بالذهب بسعر 20.67 دولار للأونصة. وفي فترة الكساد الكبير، نحّى الرئيس فرانكلين د. روزفلت البلاد عن معيار الذهب، فتوجب على المواطنين تسليم الذهب مقابل دولارات ورقية بسعر 35 دولاراً للأونصة.

انتقال الذهب إلى خزائن الحكومة

انتهى المطاف بسبائك الحكومة في نهاية المطاف في مستودعات مثل “فورت نوكس” الذي شُيد في 1936. هناك، لعبت هذه السبائك دوراً هاماً في النظام النقدي لما بعد الحرب وهو معروف باسم “بريتون وودز”. كان ذلك نظاماً دولياً جديداً مزدوج الأساس، فقد ربطت الدول الأخرى عملاتها بالدولار مع تثبيت الدولار الأميركي مقابل الذهب على سعر 35 دولاراً للأونصة.

كان هذا ترتيباً حدد عمليات التبادل بين البنوك المركزية. في الولايات المتحدة، لم يكن بإمكان المواطنين العاديين حيازة الذهب. وبعدما أصبح ميزان المدفوعات الدولي غير مستداماً لدى البلاد -بسبب وفرة في الدولارات ونقص في الذهب- تخلى الرئيس ريتشارد نيكسون عن معيار الذهب تماماً في 1971.

في المخيلة الشعبية، ساهمت هذه الخطوة في تأجيج دوامة التضخم التي ميّزت ذلك العقد. كما أثارت القلق من أن النظام النقدي الجديد -وفيه تُحدد قيمة الدولار فقط بناءً على قيم عملات ورقية أخرى- سيثبت عدم استقراره.

هنا برز بيتر بيتر، وقد كان محامياً محترماً يعمل في القطاع الخاص بالإضافة إلى عمله كمستشار عام لبنك الصادرات والواردات الأميركي، وأصبح من أصحاب نظريات المؤامرة البارزين بحلول أوائل السبعينيات. وقد حقق شهرة واسعة لأول مرة مع نشره لكتاب “المؤامرة ضد الدولار” في 1973.

نية التربح من الفوضى

زعم بيتر، في كتاب اتسم بالحماسة المفرطة، أن قرار الولايات المتحدة بالخروج من معيار الذهب كان مدبَّراً من قِبل عائلة روكفلر، وتحديداً ديفيد روكفلر الذي كان يشغل آنذاك منصب الرئيس التنفيذي لبنك “تشيس مانهاتن”. وادعى بيتر أن روكفلر وشركاءه استغلوا موقعهم المؤثر لتحقيق مكاسب من الفوضى الاقتصادية التي أعقبت التخلي عن المعيار الذهبي.

اختفى لاحقاً الكتاب الذي جاءت فيه ادعاءات مشبعة بنظريات المؤامرة تفتقر إلى سند من الواقع. لكن بحلول ذلك الوقت، كان الأميركيون الذين يعانون من آثار التضخم قد تبنوا مزاعم بيتر. وعندما بدأ الكونغرس مناقشة إمكانية رفع الحظر الذي استمرّ لعقود على الملكية الخاصة للذهب، أضاف بيتر بعض التفاصيل الجوهرية إلى نظريته.

لقد زعم أن عائلة روكفلر “فصلت بين الدولار وتغطية قيمته بالذهب وتسببت في هذا التضخم المُريع” من أجل “الوصول إلى الذهب في (فورت نوكس)”. زعم بيتر، مستشهداً بمصادر مُختلفة (وكان منهم ضابط برتبة فريق لم يكشف هويته)، أن عائلة روكفلر نظمت قافلة من شاحنات الجيش لنقل الذهب من “فورت نوكس” إلى المكسيك ومنها إلى سويسرا. ثم ادعى أن عائلة روكفلر ستبيعه بمجرد أن يتاح للأميركيين حيازة الذهب مجدداً.

شارك بيتر في برامج إذاعية حوارية وأجرى مقابلات مع الصحف لشرح هذه الادعاءات، فأثار بذلك عاصفة نارية لفتت انتباه أعضاء الكونغرس اليمينيين، وكان أبرزهم النائب فيليب كرين المحافظ المتشدد من إلينوي. تبنى كرين نظريات بيتر، فاستجوب وزير الخزانة ويليام سيمون على خلفية هذه الادعاءات.

زيارة تفقدية خرقاء

أخبر سيمون النائب كرين وحلفاءه أنه يرحب بأن يعاينوا ويجردوا الذهب الموجود في “فورت نوكس”. في 23 سبتمبر 1974، اصطحب مدير دار المسكوكات الأميركية 10 أعضاء من الكونغرس إلى الحصن، وقادهم عبر أبواب وبين الخزائن وصولاً إلى حجيرة في قلب المبنى تحوي على 36236 سبيكة ذهب.

نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الزوار عبروا عن خجلهم حين رأوا ذلك المخزون، وكان تصرفهم أشبه بتلاميذ المدارس الابتدائية في رحلة ميدانية، فقد وزنوا سبيكة ذهب قبل أن يعلن أحدهم، وهو النائب جون روسيلو: “أعتقد أنه موجود”.

مع ذلك، طلب الكونغرس من مكتب المحاسبة العام وزن جميع سبائك الذهب في البلاد للتأكد من إحصائها والتأكد من أنها غير مزيفة. (لقد زعم بيتر أن آل روكفلر الماكرين تركوا سبائك رصاص مطلية بالذهب ليغطوا جريمتهم). في النهاية، تبددت شائعات اختفاء الذهب.

روبوتات سوفيتية

لم يثنِ ذلك بيتر، فانتقل إلى نظريات أخرى أغرب، ووزعها على أتباعه عبر أشرطة كاسيت سُوّقت باسم “رسالة الدكتور بيتر الصوتية”. وخلال ما تبقى من سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، روّجت هذه الرسائل لادعاءات جديدة، منها الكشف عن اغتيال عدة ساسة بارزين على يد السوفييت واستبدالهم بـ”روبوتات عضوية” تتبع لأسيادها الشيوعيين.

قد يبدو كل هذا بعيداً كل البعد عن يومنا هذا، لكنه ليس كذلك. فكما كان الحال في سبعينيات القرن الماضي، نعيش في عصرٍ تحظى فيه نظريات المؤامرة بمكانة مرموقة في الحياة السياسية للبلاد. كما أننا نعاني مخاوفاً بشأن الدولار مثل التضخم والقلق من ارتفاع الدين العام والمنافسة من العملات المشفرة. ولعله ليس من قبيل الصدفة أن سعر الذهب بلغ أعلى مستوياته تاريخياً.

هذا يجعل هذه اللحظة مثالية لرئيسٍ مولعٍ بإطلاق ادعاءات لا تصحبها أدلة، كي يثير مخاوفاً من أن ذهب البلاد قد ذهب. يبقى السؤال عما إذا كان هذا الأمر سينتهي برحلة مدرسية أخرى إلى “فورت نوكس” قائماً. لكن يبقى أمرٌ واحدٌ مؤكداً: ما دام القلق بشأن الدولار يتفاقم، ستبقى المخاوف بشأن مكان ذهب البلاد قائمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *