ما الدرس الذي يجب أن تتعلمه باكستان من بنغلاديش؟

ماذا عساك أن تفعل إن وجدت نفسك بلا سند في أشد حاجتك للمساعدة؟ هذا سؤال سيطرحه كثير من أهل باكستان فيما تلوح في أفقها ثاني كارثة فيضانات خلال ثلاث سنوات. وقد أثرت الأمطار الموسمية في إقليم البنجاب على مليوني إنسان، وأودت بحياة ما لا يقل عن 880 منهم. كما فقد الإقليم حوالي 60% من غلال الأرز وثلث محصول قصب السكر.
قد يكون الأسوأ لم يأت بعد. فلن ينتهي موسم الأمطار إلا بعد شهر، والمياه تعبر الآن إلى السِند، الإقليم الأكثر تضرراً من فيضانات عام 2022 التي غمرت ثلث البلاد، وأودت بحياة أكثر من 1700 شخص، وتسببت في أضرار بقيمة 40 مليار دولار وخفضت النمو الاقتصادي بنسبة 2.2%.
لم يكد سكان باكستان، وعددهم نحو 250 مليوناً، يتعافون من تلك الكارثة. من أصل 30 مليار دولار تحتاجها البلاد لإعادة الإعمار بعد عام 2022، تعهدت بنوك التنمية والجهات المانحة الأخرى بتقديم 11 مليار دولار فقط، ولم يُنفَق سوى 4.5 مليار دولار على التعافي من الفيضانات حتى يونيو من هذا العام.
دراسة: تزايد كبير في أعداد السكان في المناطق المعرضة لخطر الفيضانات
هذا أقل من حوالي 4.6 مليار دولار من المساعدات خصصتها الدول المصدرة للنفط في حزمة المانحين للسماح لباكستان بسداد ثمن نفطها الخام بالائتمان؛ وهي ليست الطريقة الأمثل للاستجابة لكارثة زاد احتمال وقوعها بسبب تغير المناخ.
مع ذلك، لا يمكن إلقاء المسؤولية بالكامل على بنوك التنمية: ببساطة، لم يكن هناك ما يكفي من المشاريع القابلة للاستثمار التي تبحث عن تمويل، وفقاً لوزير المالية محمد أورنجزيب.
كيف لواحدة من أفقر دول العالم أن تُصلح هذا الوضع في ظل استمرار تفاقم آثار الاحتباس الحراري وتسارعها؟ صدق أو لا تصدق، هناك درسٌ مُبشّر في واحدة من أحلك فترات تاريخ باكستان.
في عام 1970، كانت بنغلاديش الحديثة إقليماً تابعاً لباكستان، ووجدت نفسها في وضع مماثل. كان إعصار بهولا في ذلك العام الأشد فتكاً على الإطلاق، إذ أودى بحياة زهاء 300 ألف إنسان، بعدما غمرت أمواجه البلاد المنخفضة.
لقي المتضررون تجاهلاً ممن لجأوا إليهم طلباً للمساعدة، وهم نخبة غرب باكستان، التي لم تبذل سوى محاولات متقطعة لإغاثة ضحايا الكارثة، ثم منعت السياسيين البنغاليين من الوصول إلى السلطة بعد الانتخابات، وأطلقت في النهاية حملة تطهير عرقي لقمع الحركة القومية المتنامية.
كيف نهضت بنغلاديش؟
إن الطريق الطويل الذي قطعته بنغلاديش منذ لحظة التمزق بسبب الحرب وحتى وضعها الحالي، كدولة مستقلة أغنى بنحو 50% من باكستان نفسها، هو دليل على ما يمكن أن يُحققه التغيير من القاعدة. على الرغم من تأثرها الشديد بالكوارث الطبيعية، فقد كانت وفيات البلاد بسبب الفيضانات خلال 25 عاماً مضت أقل مما عانته باكستان منذ عام 2020.
لقد تحقق قدر كبير من ذلك بلا بنية تحتية واسعة النطاق مثل تلك التي استخدمتها دول مثل الصين واليابان لتحصين نفسها ضد الكوارث، والتي لا تملك باكستان التمويل ولا مشاريع لبنائها.
ما هو السر؟ يتمثل أحد العوامل الحاسمة في وضع مزيد من الصلاحيات في أيدي النساء. ففي جميع أنحاء جنوب آسيا، تتعرض النساء للخطر بشكل غير متناسب أثناء الكوارث الطبيعية، ويُعزى ذلك جزئياً إلى مخاوفهن من العار والعنف والنهب إذا غادرن منزل الأسرة إلى الملاجئ أو مخيمات الإغاثة. خلال إعصار غوركي عام 1991 في خليج البنغال، شكلت النساء حوالي 93% من إجمالي 140 ألف قتيل.
كيف كان من الممكن أن تتجنب باكستان كارثتها المناخية؟
قد يكون إصلاح هذه القضايا الثقافية صعباً، لكن بنغلاديش نجحت في تجنيد مزيد من النساء كمتطوعات في حالات الكوارث ومنسقات للإنذار المبكر. مع انتشار هذه الإصلاحات، انخفضت أعداد الوفيات في الأعاصير الأخيرة التي ضربت البلاد بشكل ملحوظ، وأصبحت أكثر توازناً بين الجنسين. وقد تعلمت باكستان درساً مماثلاً: فقد مُنحت النساء حوالي 37% من منح الإسكان في إطار برنامج البنك الدولي لإعادة الإعمار بعد فيضانات عام 2022.
سيكون تمكين المرأة أيضاً أمراً حاسماً للتنمية التي ستحتاجها باكستان إذا أرادت تحرير نفسها من الاعتماد على الدول المانحة- وهو اعتبار مهم، بالنظر إلى الطريقة التي تم بها استنزاف ميزانيات المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وهما من أكبر الجهات المانحة، هذا العام.
“تمكين المرأة” يُضيف 20 تريليون دولار للاقتصاد العالمي
لقد بُنيت المعجزة الاقتصادية في بنغلاديش بفضل ملايين النساء اللواتي توافدن على صناعة الملابس، لتصبح أكبر مُصدر للملابس في العالم بعد الصين. تعمل الآن حوالي 44% من النساء، وهي نسبة تفوق إيطاليا. (في باكستان، على النقيض من ذلك، لا تتجاوز نسبة النساء اللواتي يمتلكن هاتفاً محمولاً 32%). لقد حفّز ذلك التوسّع الحضري والاستثمار، وكلاهما تجاوز الآن المعدلات المسجلة في باكستان. ومع مرور كل عام، تزيد بنغلاديش الأقل فقراً قدرتها على حماية نفسها من أضرار تغيّر المناخ.
باكستان غنية بالخطط الكبرى لمعالجة هشاشتها المناخية، لكن أملها الأكبر الآن يكمن في هذا التغيير الجذري- كما يتّضح من طفرة الطاقة الكهروضوئية، التي تجعلها من أسرع الدول اعتماداً على الطاقة الشمسية في العالم.
مع انخفاض تكاليف العمالة الآن مقارنةً مع نغلاديش، حيث يقل الحد الأدنى للأجور بكثير عن مستوى المعيشة، قد تُتاح لها فرصة استنساخ طفرة إقليمها السابق.
لطالما كانت الفيضانات مدمرة، لكنها يمكن أن تُغذي حقبة جديدة من النمو بعد انحسار المياه.