اخر الاخبار

ما أهداف ترمب من فرض رسوم جمركية جديدة؟

بعد أن تعهد خلال حملته الانتخابية بجعل الضرائب على الواردات محوراً رئيسياً في السياسة الاقتصادية الأميركية خلال ولايته الثانية، بدأ الرئيس دونالد ترمب بتنفيذ هذه الوعود. إذ فرض رسوماً جمركية شاملة بنسبة 10% على الواردات القادمة من الصين، والتي دخلت حيز التنفيذ في 4 فبراير. كما أمر بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع السلع القادمة من كندا والمكسيك، لكنه أرجأ تنفيذها لمدة 30 يوماً بعد أن تعهد قادة البلدين بالاستجابة لمطالبه.

ما مدى تطرف نهج ترمب؟

بعض الرسوم الجمركية الأميركية المفروضة على السلع المستوردة من هذه الدول الثلاث تقترب بالفعل، أو حتى تتجاوز، المستويات التي حددها ترمب. ومع ذلك، فإن هذه الرسوم تُطبق فقط على فئات محددة من السلع، ويُعد فرضها بشكل واسع النطاق تحولاً جوهرياً في السياسة التجارية الأميركية.

ووفقاً لمكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، يبلغ متوسط معدل الرسوم الجمركية المرجح تجارياً على السلع الصناعية المستوردة، التي تشكل 94% من إجمالي قيمة الواردات السلعية الأميركية، 2% في الوقت الراهن. كما أن نصف السلع الصناعية تدخل للبلاد دون أي رسوم جمركية.

ما الذي يسعى ترمب إلى تحقيقه؟

كشف سكوت بيسنت، وزير الخزانة في إدارة ترمب، عن أدلة توضح ملامح الاستراتيجية التي قد يتبعها الرئيس الجديد في استخدام الرسوم الجديدة، وذلك خلال جلسة تأكيد تعيينه في أوائل يناير.

اقرأ أيضاً: لماذا تثير خطط ترمب لزيادة الرسوم الجمركية جدلاً واسعاً؟

بيسنت، الذي كان مديراً لصندوق تحوط، وساعد رئيسه السابق جورج سوروس في المراهنة ضد عملات دول أخرى، أوضح لأعضاء مجلس الشيوخ أن الناس يجب أن تتوقع استخدام ترمب للرسوم الجمركية بثلاث طرق: لمعالجة ممارسات التجارة غير العادلة (التي يرى أنها ستنعش الصناعة الأميركية)، وزيادة إيرادات الميزانية الفيدرالية (وهو أمر مهم للمساعدة في تمويل خطط ترمب لتمديد التخفيضات الضريبية التي أقرها عام 2017)، واستخدامها كأداة تفاوضية مع القوى الأجنبية بدلاً من العقوبات، التي يعتقد ترمب أنها استُخدمت بشكل مفرط.

دعم قطاع التصنيع الأميركي

تحدث ترمب عن استخدام الرسوم الجمركية لإحياء قطاع التصنيع، ومنع الدول الأخرى من “استغلال” الولايات المتحدة نتيجة لاختلال التوازن التجاري. كما اقترح الجمع بين الرسوم الجمركية والحوافز، مثل تسريع إجراءات منح التصاريح، لجذب الشركات إلى بناء منشآتها داخل الولايات المتحدة.

قال ترمب خلال مقابلة مع رئيس تحرير “بلومبرغ” جون ميكلثويت، في النادي الاقتصادي في شيكاغو خلال أكتوبر: “سنعيد الشركات إلى الوطن. سنواصل خفض الضرائب على الشركات التي ستصنع منتجاتها داخل الولايات المتحدة. وسنحمي تلك الشركات برسوم جمركية قوية”.

خلال ولايته الأولى، فرض ترمب عدة جولات من الرسوم الجمركية على السلع الصينية، موضحاً أنه كان في المراحل الأولى من استخدام مثل هذه التدابير لإعادة تشكيل الاقتصاد الأميركي، لكن جائحة كورونا أربكت خططه.

من جانبه، وصف هاورد لوتنيك، المرشح لمنصب وزير التجارة في إدارة ترمب، خطة الرسوم الجمركية بأنها وسيلة لاستعادة احترام العالم للولايات المتحدة، وقال خلال جلسة تأكيد تعيينه أمام مجلس الشيوخ، إن حلفاء الولايات المتحدة وخصومها على حد سواء “يستغلوننا، ولا يحترموننا، وأريد أن أضع حداً لذلك”.

زيادة الإيرادات

يمكن أن تساهم العائدات الناتجة عن الرسوم الجمركية في تمويل التخفيضات الضريبية التي تعهد بها ترمب، فهو يسعى إلى تمديد تخفيضات ضرائب الدخل التي أقرها عام 2017 خلال ولايته الأولى، والتي من المقرر أن تنتهي صلاحية العديد منها بحلول نهاية 2025. كما اقترح توسيع نطاق هذه التخفيضات لتشمل إعفاء الإكراميات وأرباح الضمان الاجتماعي من الضرائب، بالإضافة إلى خفض معدل الضريبة على الشركات من 21% إلى 15%.

ومن المتوقع أن تؤدي هذه التدابير إلى خسائر في الإيرادات الحكومية بقيمة 4.6 تريليون دولار على مدى عشرة أعوام. لكن خطة ترمب الشاملة لزيادة الرسوم الجمركية، إذا طُبقت بالكامل، قد توفر عوائد تتراوح بين 2.5 و3 تريليونات دولار خلال نفس الفترة، وفق بيسنت.

في مقابلة مع “سي إن بي سي” في 31 يناير، قال بيتر نافارو، مستشار ترمب التجاري، إن الرسوم الجمركية يمكن أن تعوض الإيرادات المفقودة بسبب التخفيضات الضريبية، مؤكداً أن “الرسوم بإمكانها تمويل ذلك بسهولة”. وأضاف: “ترمب يريد التحول من نظام يعتمد على ضرائب الدخل وعدد لا يُحصى من موظفي مصلحة الضرائب، إلى عالم ستدفع فيه الرسوم الجمركية، كما كان الحال في عهد الرئيس ويليام ماكينلي، جزءاً كبيراً من تكاليف الحكومة التي نحتاج إلى سدادها وبالتالي خفض ضرائبنا”.

استخدام سلاح الدبلوماسية

بات ترمب متشككاً في فعالية العقوبات لأنها تدفع الدول الأخرى إلى الابتعاد عن الدولار الأميركي، لذا فإنه يرى في الرسوم الجمركية وسيلة لكسب النفوذ في المفاوضات، وفقاً لبيسنت.

اتضحت لمحة عن نهج ترمب في مواجهة قصيرة خاضها مع كولومبيا في يناير، حين هدد بفرض رسوم. على صادراتها بسبب رفضها استقبال رحلات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين.

ولعدة ساعات، بدا أن حرباً تجارية بين الولايات المتحدة وأحد أقرب حلفائها في أميركا اللاتينية أصبحت وشيكة، لكن ترمب تراجع عن تهديده بعد التوصل إلى اتفاق بين البلدين. وأعلن البيت الأبيض أن كولومبيا “وافقت على جميع شروط ترمب” وستستقبل المرحلين على متن طائرات عسكرية أميركية. ومن جانبه، صرح الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو بأنه أرسل طائرة عسكرية كولومبية إلى الولايات المتحدة لإعادة 91 مواطناً مرحلاً.

اقرأ المزيد: ترمب والرسوم الجمركية.. أداة تفاوض أم تهديد جدي؟

علاوة على ذلك، تهدف أوامر ترمب بفرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك والصين إلى معالجة ما وصفه بـ”تهديد لسلامة وأمن الأميركيين، بما في ذلك أزمة الصحة العامة المتمثلة في الوفيات بسبب استخدام الفنتانيل”. وجاء قراره بتأجيل تنفيذ الرسوم على المكسيك وكندا لمدة شهر بعد أن تعهد بتكثيف جهودهما لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات عبر الحدود.

هل نهج ترمب جديد؟

فرضت الولايات المتحدة ضرائب باهظة على الواردات لفترات طويلة من تاريخها، لكنها تخلت عن هذه السياسة إلى حد كبير بدءاً من ثلاثينيات القرن الماضي، عندما تبنى قادتها مبدأ التجارة الحرة.

كان السبب الرئيسي لهذا التحول هو رد الفعل على قانون سموت-هاولي لعام 1930، الذي أدى إلى رفع متوسط الرسوم الجمركية بنحو 20%. فقد أثار هذا القانون رسوماً انتقامية من جانب حكومات أجنبية، مما أسفر عن انخفاض التجارة العالمية وتفاقم الكساد العظيم. وقد شكلت هذه الكارثة نقطة انطلاق لحقبة امتدت لعقود شهدت صعود التجارة الحرة، والتي بلغت ذروتها بإنشاء منظمة التجارة العالمية عام 1995. وخلال تلك الفترة، أصبحت الرسوم الجمركية لعنة بالنسبة للحزب الجمهوري.

لكن هذه السياسة عادت إلى الواجهة مجدداً خلال رئاسة ترمب بين عامي 2017 و2021، حيث لجأ إليها في محاولة لإنعاش قطاع التصنيع الأميركي، والتصدي لما تعتبره الولايات المتحدة ممارسات تجارية غير عادلة من جانب الصين. وواصل الرئيس السابق جو بايدن هذا النهج بعد توليه السلطة.

ما دور الصين في كل ذلك؟

على مدى عقود، حظي الإيمان بالتجارة الحرة بدعم الحزبين في الولايات المتحدة، إضافة إلى تأييد الشركات متعددة الجنسيات التي سعت للوصول إلى سلاسل توريد رخيصة وفعالة في الخارج.

إلا أن صعود الصين كقوة اقتصادية عالمية قوض هذا الإجماع. فبعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، اكتسبت الصين قدرة أكبر على الوصول إلى الأسواق العالمية حتى مع تعرضها لاتهامات من منتقديها بانتهاك قواعد التجارة الحرة، على سبيل المثال، من خلال دعم صناعاتها المحلية، وإجبار الشركات الأجنبية العاملة داخل أراضيها على نقل خبراتها التقنية. وتوصل عدد من الباحثين إلى أن المنافسة الصينية أدت إلى تراجع العمالة داخل قطاع التصنيع الأميركي، حيث واجهت الشركات ارتفاعاً في الواردات الصينية.

اقرأ أيضاً: من النفط إلى الغاز.. ما أبرز السلع الأميركية الخاضعة لرسوم الصين؟

خلال رئاسة ترمب الأولى، فرضت إدارته رسوماً على الواردات الصينية بقيمة 380 مليار دولار بين عامي 2018 و2019. وحافظت إدارة بايدن على هذه الرسوم، بل أضافت عليها في 2024 رسوماً على سلع إضافية بقيمة 18 مليار دولار. وامتد الحماس بفرض مزيد من الرسوم الجمركية إلى الاتحاد الأوروبي، حيث صوت في أوائل أكتوبر لصالح فرض رسوم تصل إلى 45% على السيارات الكهربائية القادمة من الصين، التي بدورها هددت باتخاذ تدابير انتقامية ضد المنتجات الأوروبية.

هل يمكن لترمب رفع الرسوم الجمركية دون موافقة الكونغرس؟

نعم. فقد منح الكونغرس الرئيس الأميركي سلطة تعديل الرسوم الجمركية عبر عدة قوانين، لمعالجة مجموعة متنوعة من القضايا، مثل تهديدات الأمن القومي، وحالات الحرب أو الطوارئ، والأضرار الفعلية أو المحتملة التي تلحق بالصناعات الأميركية، والممارسات التجارية غير العادلة من قبل دول أجنبية.

ورغم أن الشركات قد تحاول الطعن في هذه الزيادات أمام المحكمة، فإن مثل هذه الطعون “ستواجه معركة شاقة للغاية” بسبب السوابق القانونية التي منحت الرؤساء صلاحيات واسعة بهذا المجال، ووفقاً لمقال نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) وشارك في تأليفه وارن ماروياما، المستشار العام السابق لمكتب الممثل التجاري الأميركي.

كيف تُطبق الرسوم الجمركية؟

عادةً ما تُحتسب الرسوم الجمركية، التي تُعرف أيضاً باسم الرسوم أو الضرائب، كنسبة مئوية من قيمة السلعة (كما يتم التصريح عنها خلال عملية التخليص الجمركي)، أو يمكن فرضها كمبلغ ثابت على كل سلعة.

عند عبور السلع للحدود، يتم تصنيفها وفق رموز رقمية بموجب نظام تصنيف موحد يُعرف باسم “النظام المنسق الدولي”. ويمكن فرض الرسوم الجمركية على رموز منتجات محددة مثل هيكل الشاحنة، أو على فئات أوسع، مثل السيارات الكهربائية. وتتولى الهيئات الجمركية تحصيل الرسوم الجمركية نيابةً عن الحكومات.

من يتحمل الرسوم الجمركية؟

يدفع المستورد أو وسيط يعمل نيابة عنه الرسوم الجمركية، لكن غالباً ما يتم تمرير هذه التكاليف عبر سلسلة التوريد. لكن ترمب يزعم أن المُصدر هو من يتحمل في النهاية عبء هذه الرسوم.

أظهرت الدراسات أن تكلفة تلك الرسوم تتوزع بين عدة أطراف. فقد تُقرر الشركة الأجنبية المصنعة للمنتج خفض الأسعار كمساومة للمستورد، أو قد تنفق مبالغ ضخمة لإنشاء مصنع في بلد آخر لتفادي الرسوم الجمركية. أو قد يرفع المستورد، مثل “وول مارت” (Walmart) و”تارغت” (Target)، وهما من أكبر المستوردين في الولايات المتحدة، أسعار المنتجات عند بيعها، وفي هذه الحالة يتحمل المستهلك النهائي تكلفة الرسوم الجمركية بشكل غير مباشر.

كيف تؤثر الرسوم الجمركية على الاقتصاد؟

ربما يُعد قياس التأثيرات الاقتصادية للرسوم الجمركية أمراً صعباً، إذ قد تحفز التوظيف من خلال جذب الاستثمارات، حيث تسعى الشركات إلى تفادي الرسوم عبر نقل مصانعها إلى الدولة التي تفرض الضرائب. وفي الوقت نفسه، قد تؤدي إلى فرض رسوم انتقامية من قبل دول أخرى، مما قد يتسبب في فقدان وظائف في قطاعات أخرى من الاقتصاد.

وبعد لحظات من دخول الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة على الصين حيز التنفيذ، ردت بكين بإدراج عدد من الشركات الأميركية ضمن قائمتها السوداء، وفرضت رسوماً على بعض واردات النفط والسلع الأميركية الأخرى، كما فرضت قيوداً على تصدير بعض المعادن الحيوية.

على الجانب الآخر، كانت كل من كندا والمكسيك قد هددتا باتخاذ تدابير انتقامية مماثلة إذا مضى ترمب قدماً في زيادة الرسوم الجمركية عليهما، قبل أن يقرر تأجيل تنفيذها.

اقرأ أيضاً: معاناة اقتصاد العالم بسبب سياسات ترمب ستتجلى في 2026

عندما تفرض دولة رسوماً جمركية على الواردات، لا يعني ذلك بالضرورة أن المصنعين المحليين سيسارعون إلى إنتاج السلع المعنية. وإذا لم يكن هناك بديل محلي لهذه المنتجات، فقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعارها.

لا يزال الاقتصاديون يحاولون التمييز بين التأثيرات التضخمية التي تسببت بها الرسوم التي فرضها ترمب في البداية، وبين الصدمة الأوسع نطاقاً المتمثلة في تفشي جائحة كوفيد-19 التي ضربت سلاسل التوريد والنشاط الاقتصادي، والتي بدأت بعد فترة وجيزة من اندلاع الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.

في فبراير 2019، قدر بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو أن الرسوم الجمركية أضافت 0.1 نقطة مئوية إلى تضخم أسعار المستهلك، و0.4 نقطة مئوية إلى مؤشر يقيس تكاليف الاستثمار للشركات.

من جهتها، ترى إيريكا يورك، كبيرة الاقتصاديين في مؤسسة الضرائب غير الحزبية، أن الرسوم المرتفعة التي فرضها كل من ترمب وبايدن زادت من التكاليف السنوية للأسرة الأميركية المتوسطة بمقدار 625 دولاراً.

إضافة إلى ذلك، قدرت يورك أن هذه الزيادات من شأنها إلغاء 142 ألف وظيفة بدوام كامل، وستؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي طويل الأجل بنسبة 0.2% في المتوسط. أما منتقدو خطط ترمب لمواصلة رفع الرسوم الجمركية، فيرون أنها ستخلف نفس النوع من التداعيات، لكن على نطاق أوسع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *