مؤشرات وول ستريت تنخفض وسط استمرار الغموض التجاري

توقّفت موجة صعود تاريخية لمؤشرات الأسهم الأميركية، بعدما لم تُقدّم تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأخيرة بشأن الرسوم الجمركية أي طمأنة تُذكر للمستثمرين الذين يترقبون تأثيرات حربه التجارية على الاقتصاد وأرباح الشركات.
وعلى الرغم من صدور بيانات تُظهر تحسّناً في نمو قطاع الخدمات في أميركا، أوقف مؤشر “إس آند بي 500” أطول سلسلة مكاسب له منذ نحو 20 عاماً. ورغم أن ترمب أشار إلى إمكانية التوصل إلى بعض الاتفاقات التجارية في وقت لاحق من هذا الأسبوع، لم تظهر أي مؤشرات على اتفاق وشيك مع الصين.
وفي ساعات التداول الممتدة، سحبت شركة “فورد موتور” توقعاتها المالية، وأعلنت أن الرسوم الجمركية على السيارات ستؤثر سلباً على أرباحها. كما جاءت التوقعات الخاصة بمبيعات شركة “بالانتير تكنولوجيز” أقل من آمال وول ستريت المرتفعة.
ويبدو أن البيانات الاقتصادية الأخيرة قد بددت بعض المخاوف في الأسواق من حدوث ركود، إلا أن نتائج حرب ترمب الجمركية لم تظهر بعد. ويعتقد عدد من المراقبين في السوق أن الرسوم ستؤدي في نهاية المطاف إلى تباطؤ الاقتصاد الأميركي، مع تعطل سلاسل التوريد وتراجع ثقة المستهلك، إلى جانب احتمال تسبّب زيادة الرسوم في صدمة تضخمية مؤقتة على الأقل.
الأنظار تتجه إلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي
سرعان ما سيتحول الانتباه إلى قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي المنتظر يوم الأربعاء، وذلك بعد أن خفّض المتعاملون في سوق السندات رهاناتهم على خفض أسعار الفائدة، وهي رهانات كانت تتصاعد تدريجياً مع تصاعد تداعيات الحرب التجارية التي أطلقها ترمب في الأسواق المالية. وطالما بقي الاقتصاد متماسكاً، فإن جيروم باول وزملاءه سيكون لديهم مبرراً في حال قرروا الإبقاء على السياسة النقدية من دون تغيير.
وقال غريغ ماكبريد من “بانكريت”: “الغموض هو السائد وسط الحرب التجارية والمشهد المتقلّب للرسوم، لكن مع بقاء بيانات الإنفاق الاستهلاكي والتوظيف صامدة، فإن الفيدرالي سيبقى متحفظاً”.
تراجع مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 0.6%. وانخفض مؤشر “ناسداك 100” بنسبة 0.7%، فيما خسر مؤشر “داو جونز الصناعي” نسبة 0.2%. وارتفع عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بثلاث نقاط أساس ليصل إلى 4.34%. أما مؤشر “بلومبرغ للدولار الفوري” فقد انخفض بنسبة 0.2%.
النفط يتراجع والدولار التايواني يقفز
تراجعت أسعار النفط بعد اتفاق “أوبك+” على زيادة الإنتاج. بينما قفز الدولار التايواني وسط توقعات بأن السلطات قد تسمح له بالارتفاع في محاولة للتوصل إلى اتفاق تجاري مع أميركا.
من جانبه، قال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت إن الولايات المتحدة تُعد “الوجهة الأولى” لرؤوس الأموال العالمية، مؤكدًا أن سياسات إدارة ترمب ستُعزز هذا الموقع، في مواجهة ما يُعرف بظاهرة “بيع أميركا” (بيع الأصول الأميركية) التي ظهرت الشهر الماضي.
وقد برزت المخاوف بشأن جاذبية الأصول الأميركية المقومة بالدولار في الأسواق العالمية خلال موجة بيع للأسهم أعقبت إعلان ترمب عن رسوم جمركية ضخمة متبادلة على شركاء تجاريين رئيسيين. وتراجعت أيضاً سندات الخزانة الأميركية، مُخفقة في لعب دور الملاذ الآمن كما جرت العادة.
وقالت راكيل أودن من “إتش إس بي سي” خلال فعالية عامة: “من الواضح أن المسألة تتمحور حول الغموض والتقلّب، وهذا ما يشعر به العملاء على الصعيدين العالمي والمحلي. وفي هذا السياق، يحاولون استكشاف ما إذا كانت هناك فرص في السوق. نرى هذه التقلبات اليومية، وكل يوم هناك تقرير جديد قد يُغير مسار الاقتصاد”.
انعكاسات التوقعات على أسواق السندات
بعد أن كان المتعاملون قد اندفعوا نحو سندات الخزانة قصيرة الأجل على أمل أن يبدأ الفيدرالي بتيسير السياسة النقدية قريباً للحد من الأضرار، عادوا وغيروا مسارهم. فقد ارتفعت عوائد السندات لأجل عامين لليوم الثالث على التوالي، وهو أطول مسار ارتفاع منذ ديسمبر، وسط رهانات على أن صانعي السياسة النقدية سيبقون في وضع الترقب، حتى تتضح تأثيرات الرسوم بشكل أكبر.
وقال مكتب الإستراتيجية العالمية للأسواق في “إنفيسكو”: “نعتقد أنه كلما طال أمد الغموض في السياسة، زاد الأثر المحتمل على النشاط الاقتصادي”.
من جهته، أضاف ديف غريسكك، المدير الإداري في “أسبيرينت”: “الساعة الجمركية تدق، وليس لدى إدارة ترمب سوى نافذة زمنية محدودة لإحراز تقدم في الاتفاقات التجارية قبل أن تصبح الأضرار الاقتصادية أكثر انتشاراً وأقل قابلية للعكس. وكلما طال أمد عدم اليقين في السياسة التجارية، زادت الأضرار الاقتصادية المتراكمة”.
بالنسبة لمحللي “مورغان ستانلي”، فإن التوصل إلى اتفاق تجاري مع الصين يُعد شرطاً أساسياً لدفع مؤشر “إس آند بي 500” إلى مستوى قياسي جديد في الأجل القريب.
وأشار الفريق بقيادة مايكل ويلسون إلى أن التوصل إلى اتفاق في الأسابيع المقبلة سيُهدئ مخاوف الشركات من حدوث اضطرابات كبرى في سلاسل التوريد مستقبلاً.
زخم السوق قد يقود لمزيد من المكاسب
رغم وجود العديد من الأسباب للتشكيك في الانتعاش الأخير الذي شهدته الأسهم الأميركية، فإن هناك عاملاً قوياً واحداً يصب في مصلحتها: الزخم.
سجل مؤشر “إس آند بي 500” يوم الجمعة أطول سلسلة مكاسب منذ عام 2004، وعادة ما تسبق مثل هذه السلاسل المزيد من المكاسب المستقبلية.
وبحسب تحليل جيف وينيغر من “ويزدم تري” لبيانات تعود إلى أواخر الثمانينات، فإن المؤشر كان يحقق مكاسب وسطية بنسبة 20% خلال عام واحد بعد تحركات مماثلة، ويُحقق أيضاً مكاسب خلال الفترات الأقصر.
وقال وينيغر، رئيس قسم الأسهم في “ويزدم تري”: “قد يقول لك حدسك: ربما هذا كثير جداً، وربما يجب أن تسحب بعض الأرباح”، مضيفاً: “لكن في الواقع، غالباً ما يؤدي هذا النوع من الزخم إلى المزيد من الارتفاع في السوق”.