مؤشرات وول ستريت تفشل في الصعود وسط تشكك في خفض الفائدة

تراجع زخم ارتداد مؤشرات الأسهم الأميركية الذي قادته شركات التكنولوجيا، مع سيادة الحذر في “وول ستريت” قبيل موجة واسعة من البيانات الاقتصادية ومخاوف بشأن قدرة بنك الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة في ديسمبر. وتراجعت أسعار السندات.
وتحوّل التفاؤل بسبب انتهاء الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة إلى مخاوف تسببت في تقلب السوق هذا الأسبوع، مع تقويض عدد من مسؤولي الفيدرالي رهانات السوق على تيسير السياسة النقدية. وتعرضت القطاعات النشطة المفضلة لدى المتعاملين، مثل أسهم الذكاء الاصطناعي، لتقلبات حادة. وكان أداء “بتكوين” بالكاد إيجابياً في 2025. وبينما محا مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” (S&P 500) تراجعاً بلغ 1.4%، فإن معظم أسهمه انخفضت. وصعد سهم “إنفيديا” قبل إعلان نتائج الأعمال.
نتائج أعمال الشركات الأميركية
تعزَّزت موجة الصعود القوية منذ انهيار أبريل بفعل التوقعات بخفض أسعار الفائدة -وهو ما يصب في مصلحة الشركات الأميركية- إلى جانب آفاق مزدهرة للذكاء الاصطناعي، ما دفع العديد من المتعاملين إلى تجاوز التقييمات المرتفعة لمواصلة ملاحقة السوق صعوداً.
وجاءت أرباح معظم شركات التكنولوجيا الكبرى متوافقة مع التوقعات أو أفضل منها، رغم أن الآفاق بقيت غامضة فيما يتعلق بمسار تكلفة الاقتراض. ومع استعداد “إنفيديا” لنشر نتائجها الأربعاء، يسعّر متداولو الخيارات تحركاً للسهم بنسبة 6.2% في أي من الاتجاهين، وهي أعلى حركة متوقعة خلال عام.
قال كايل رودا من “كابيتال. كوم” (Capital.com): “ستكون نتائج إنفيديا اختباراً ضخماً للأسواق ولتجارة الذكاء الاصطناعي، وقد تخفف المخاوف بشأن تقييمات الذكاء الاصطناعي أو تزيدها بدرجة كبيرة”.
عمالقة وول ستريت: تراجع وشيك في سوق الأسهم وسط ارتفاع التقييمات
وفي الأسبوع المقبل، ستعلن شركات التجزئة الكبرى مثل “وول مارت” و”تارغت” نتائجها، ما يوفر لمحة عن حالة الإنفاق الاستهلاكي، المحرك الأساسي للاقتصاد الأميركي.
ظل مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بالقرب من مستوى 6,740 نقطة بعد أن اختبر متوسطه المتحرك لـ50 يوماً لفترة وجيزة. وأوقف مؤشر الشركات العملاقة موجة خسائر استمرت ثلاثة أيام. وقفزت تكلفة حماية ديون “أوراكل” من التخلف عن السداد بأكبر وتيرة منذ 2021، مع اندفاع المستثمرين القلقين للتحوّط ضد المليارات التي تضخها الشركة في الذكاء الاصطناعي.
وصعد العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات ثلاث نقاط أساس إلى 4.14%. وتذبذب سعر صرف الدولار. وتعرضت الأسواق البريطانية لضغوط مع ارتفاع المخاوف بشأن الميزانية وتداعياتها على أوضاع البلاد المالية. وارتفع النفط مع تصاعد المخاطر الجيوسياسية من روسيا إلى إيران.
استعادة الثقة
قال بوب لانغ، مؤسس “إكسبلوسيف أوبشنز” (Explosive Options): “من المفترض أن ترتد الأسهم من هنا، لكن مشتري الانخفاض تعرضوا للضرر مؤخراً، لذا قد تكون العودة بطيئة لاستعادة الثقة”.
كين ماهوني من “ماهوني أسيت مانجمنت” (Mahoney Asset Management)، قال: “شهدنا هذا الأسبوع انتقالاً واضحاً نحو قطاع الرعاية الصحية بشكل أساسي والسلع الاستهلاكية الأساسية، ويبدو أنهما بلغَا القاع”.
وتابع: “ليس هذا ما يرغب المرء برؤيته إذا كان يستثمر في أسهم الذكاء الاصطناعي أو الأسهم المرتبطة بها. إنها حالة فريدة تشعر فيها وكأن هناك سوقاً هابطة صغيرة في بعض الأسهم” رغم أن مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” ليس بعيداً جداً عن مستوياته القياسية.
قال دانييل سكِلي، رئيس فريق أبحاث السوق والاستراتيجية لإدارة الثروات في “مورغان ستانلي”: “ما حدث مؤخراً في السوق لا يقترب حتى من انهيار تقني، لكنه قد يكون نوعاً من إعادة تقييم لقطاع التكنولوجيا”.
وأضاف أن التقلبات الأخيرة لم تغيّر الرؤية الإيجابية طويلة الأجل لقيادة الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يظل قطاع الرعاية الصحية من أكثر القصص التي يغفلها السوق. ورغم أنه كان أقوى قطاع في مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” خلال الأشهر الثلاثة الماضية، يقول سكِلي إن تقييماته ما تزال جذابة.
يرى كريغ جونسون من “بايبر ساندلر” إن تراجع عمق سوق الأسهم ما يزال مصدر قلق مستمراً، مما يشير إلى موقف دفاعي أكثر تكتيكاً وعمليات تدوير بين القطاعات.
ومع ذلك، تمكن مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” من البقاء فوق متوسط سعره خلال الأيام الخمسين الماضية. وأشار جونسون إلى أن الفشل في الحفاظ على هذا المستوى قد يدفع إلى تراجع أعمق.
قالت ميليسا براون من “سيمكورب” (SimCorp): “كان الاتجاه العام هو شراء الانخفاضات، ما قد يوفر قدراً من الارتياح”. وأضافت: “قد يشعر المستثمرون الأفراد بالخوف مؤقتاً، لكنهم سيعودون إذا اعتقدوا أن قصة النمو طويلة الأمد للشركات التي تعرضت لضغوط ما تزال قائمة”.
انتظار البيانات الحكومية الأميركية
أشارت براون إلى أن التعافي الحقيقي قد يتأجل إلى حين عودة صدور البيانات الحكومية، ليتمكن المستثمرون من الحصول على قراءة أفضل لحالة الاقتصاد والتضخم.
وأضافت: لكن ذلك لن يعدّ تعافياً حقيقياً حتى تعود البيانات الحكومية، وحتى يتمكن المستثمرون من قراءة حالة الاقتصاد والتضخم بشكل أفضل، وأوضحت: “التعافي الحقيقي لن يحدث إلا إذا استمر الاقتصاد في النمو وتوقف التضخم عن التسارع”.
قال مارك هاكِت من شركة “نايشنوايد” إنه مع عودة صدور تقارير سوق العمل والتضخم، يفترض أن تساعد الأساسيات في التمييز بين الاتجاه الحقيقي وعمليات البيع المدفوعة بالعاطفة، مما يجعل التراجع الأخير يبدو أشبه بعملية إعادة ضبط وليس نقطة تحول.
تشكك في خفض ديسمبر
عبّر عدد من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي في الأيام الماضية عن تشككهم في الحاجة إلى خفض آخر للفائدة في ديسمبر، أو أعلنوا معارضتهم له بشكل صريح. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانوا قادرين على إقناع عدد كافٍ من الأعضاء المصوتين في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، نظراً إلى أن بعض واضعي السياسات النقدية ما زالوا أكثر قلقاً بشأن ضعف سوق العمل.
ولاحظت الأسواق المالية حجم التصريحات الصادرة مؤخراً عن داعمي التشديد النقدي داخل الفيدرالي في ملف التضخم. وقد خفّض المستثمرون احتمالات خفض الفائدة في ديسمبر إلى ما دون 50%، استناداً إلى عقود مقايضات الفيدرالي. وقبل اجتماع البنك المركزي في أكتوبر، كانت الأسواق تتوقع بشكل شبه كامل خفضاً للفائدة نهاية العام.
وجاءت تصريحاتهم بعد أقل من شهر من تحذير رئيس الفيدرالي جيروم باول من أن خفض الفائدة في ديسمبر “غير مؤكد”.
الإغلاق الحكومي يحجب بيانات الاقتصاد الأميركي ويعمق انقسام “الفيدرالي”
قال كريشنا غوهـا من “إيفركور”: “الصراع المعتاد -لكن الحاد هذه المرة- بشأن خفض الفائدة في ديسمبر يهدد بالتحول إلى أزمة حوكمة داخل الفيدرالي، بما يحمل تداعيات تتجاوز مسألة الخفض من عدمه”. وأضاف: “ووسط غياب البيانات الحكومية، يجد باول نفسه في موقف صعب. وندعو إلى الهدوء والمرونة”.
وأوضح غوها أنه ما يزال يميل إلى “خفض متشدد” للفائدة في ديسمبر، لكن الاحتمالات تراجعت.
قال غينادي غولدبرغ من “تي دي سيكيوريتيز”: “نتوقع أن يؤدي تقرير الوظائف الضعيف نسبياً لشهر أكتوبر، وتباطؤ معدل تضخم الأسعار الأساسي للشهر نفسه، إلى حسم النقاش الداخلي داخل لجنة السوق المفتوحة لصالح خفض إضافي للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس”. وأضاف: “مع ذلك، من المرجح أن يكون القرار محل خلاف، مع احتمال كبير لظهور أصوات معترضة متشددة”.
قالت أولريكه هوفمان-بورخاردت من “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت” (UBS Global Wealth Management): “على الرغم من لهجة مسؤولي الفيدرالي الحذرة هذا الأسبوع، فإننا نعتقد أن أي قرار سيكون في نهاية المطاف معتمداً على البيانات”. وأضافت: “ومع إعادة فتح الحكومة الأميركية الآن، سيسترشد الفيدرالي ببيانات التضخم والوظائف الواردة”.
وحتى لو لم يتضمن تقرير الوظائف الرسمي لشهر أكتوبر معدل البطالة، فإن أرقام التوظيف ستظل مؤشراً جيداً على حالة سوق العمل الأميركية، بحسب قولها. وأوضحت أن بعض البيانات الخاصة إلى جانب استطلاعات المعنويات قد تسمح للفيدرالي بمواصلة دورة خفض الفائدة إذا بقي التضخم تحت السيطرة.
تقرير وظائف أكتوبر سيصدر بدون معدل البطالة بسبب الإغلاق الحكومي
ومع استعداد المتعاملين لموجة من البيانات الاقتصادية التي ستحدد توقعات الفيدرالي، عمّق هذا الأسبوع من العزوف عن المخاطر موجة البيع في “بتكوين” ليهبط سعرها من مستواه القياسي الذي بلغه في أوائل أكتوبر.
وتراجع سعر أكبر الأصول الرقمية لفترة وجيزة دون مستوى 95,000 دولار، في موجة بيع شهدت سحب المستثمرين نحو 900 مليون دولار من الصناديق التي تستثمر في العملة. ولا تزال سوق العملات المشفرة تحت ضغط بعد أن أدت عمليات تصفية مراكز بقيمة 19 مليار دولار في 10 أكتوبر إلى محو ما يزيد على تريليون دولار من القيمة السوقية الإجمالية لجميع العملات الرقمية، وفقاً لبيانات “كوين غيكو”.



