مؤشرات وول ستريت ترتد صعوداً مع نفي ترمب نيته إقالة رئيس الفيدرالي

أشعلت التكهنات بشأن مصير رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول اضطرابات قصيرة الأجل في الأسواق المالية يوم الأربعاء، قبل أن تهدأ التقلّبات إلى حدّ كبير بعدما أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه لا يخطط لإقالة باول حالياً، وأنه ناقش الأمر “نظرياً” فقط.
مؤشر “إس آند بي 500” ارتدّ صعوداً بعدما قال ترمب إنه “لا يخطط لاتخاذ أي إجراء” لعزل باول، وذلك عقب تقارير عن مسؤول في البيت الأبيض رجّح أن يسعى ترمب لإقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي قريباً.
في المقابل، تراجعت عوائد السندات لأجل عامين، الأكثر حساسية لتحركات الفيدرالي، بمقدار خمس نقاط أساس إلى 3.89%، وتوقف صعود الدولار بعد أربعة أيام متتالية من المكاسب. وساعدت بيانات تضخمية أضعف من التوقعات في تغذية هذه التحركات، ما عزّز الرهانات على خفض أسعار الفائدة في 2025.
خطوة قد تربك الأسواق العالمية
لكنّ من يأمل في استقراء رد فعل الأسواق تجاه خطوة فعلية لعزل باول، سيجد نفسه أمام سلسلة من العوامل المتشابكة. فرغم أن التفاعل الأولي كان محدوداً نسبياً، إلا أن المتداولين ربما اعتبروا الأمر مجرد مسرحية سياسية جديدة.
وبما أن الخطوة اعتُبرت ضغطاً خطابياً أكثر من كونها مواجهة وشيكة مع قيادة الفيدرالي، فقد لا تقدم حركة التداول مؤشراً دقيقاً على رد فعل وول ستريت في حال أقدم ترمب فعلياً على عزل باول، وهي خطوة يرى محللون أنها ستربك الأسواق العالمية.
قال مايكل فيرولي من “جيه بي مورغان تشيس”: “بعد تراجع الرئيس عن تصريحاته بشأن عزل باول، ربما تكون الأزمة الفورية قد انتهت، لكننا نشك في أن هذه القصة قد وصلت إلى نهايتها”.
أما كريس زاكاريلي من “نورثلايت لإدارة الأصول” فقال إن أي قرار بإقالة رئيس الفيدرالي سيكون له تأثير سلبي على الأسواق، لأن المخاوف بشأن استقلالية البنك المركزي ستكون “في صدارة اهتمام المستثمرين”.
وترك ترمب الباب مفتوحاً لعزل باول في حال وجود “سبب وجيه”. انتقد ترمب وحلفاؤه رئيس الفيدرالي بشدة بسبب إبقاء أسعار الفائدة من دون تغيير ونتيجة تكاليف تجديد مقر البنك المركزي في واشنطن.
وأضاف ترمب أن “القرار بعزل باول يجب أن يمر عبر القضاء، لأنه لا يمكن فصله إلا لسبب قانوني، ويجب تحديد ما إذا كانت تجاوزات التكاليف في بناء المقر الجديد تُعدّ سبباً كافياً”.
قال ستيف سوسنيك من “إنترآكتيف بروكرز”: “والآن بعدما قال ترمب إنه لا يخطط لعزل باول، علينا أن نتساءل ما إذا كانت القصة الأولى مجرد وسيلة لاختبار لرؤية ردة فعل الأسواق”.
في “أكاديمي سيكيوريتيز”، أشار بيتر تشير إلى أن ترمب قد يشعر بأنه أصبح أكثر جرأة بعد سلسلة من “الانتصارات”، مما قد يدفعه للمضي في خطوة كهذه.
وأضاف: “لكن الأهم من ذلك ربما، هو أن هذا قد يكون مؤشراً على أن سياسة الرسوم الجمركية ستكون أكثر عدوانية مما تتوقعه الأسواق حالياً”.
الأسواق تراقب استقلالية الفيدرالي وسط تصاعد التوترات
بالنسبة لدومينيك بابالاردو من “مورنينغ ستار ويلث”، فإن أبرز تداعيات الهجوم العلني من ترمب على باول، والتهديدات المستمرة بعزله، هي احتمالية تآكل مصداقية الفيدرالي.
وكتب استراتيجيون في “تي دي سيكيوريتيز” ومن بينهم أوسكار مونيوز وجينادي غولدبرغ: “من غير المرجّح أن تنظر الأسواق بإيجابية إلى محاولات إقالة باول بالقوة أو تهديد استقلالية الفيدرالي”. وأضافوا أن هذه الخطوة رغم كونها منخفضة الاحتمال، إلا أن تأثيرها سيكون عالياً.
وتوقعوا أن “تؤدي الخطوة إلى تسعير الأسواق لمعدلات تضخم أعلى على المدى الطويل، وزيادة في علاوة الأجل، ومزيد من خفض الفائدة على المدى القصير (وبالتالي انخفاض في العوائد القصيرة)، إضافة إلى تزايد تقلبات الأسواق، ومنحنى عوائد أكثر انحداراً”.
يُذكر أن الفارق بين عوائد سندات الخزانة لأجل 5 سنوات و30 سنة بلغ أعلى مستوى له منذ 2021.
هجوم متكرر من ترمب
ترمب، الذي طالما هاجم باول بسبب إبقاء الفيدرالي على أسعار الفائدة مرتفعة وسط مخاوف من أن الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى ارتفاع التضخم، وجد دعماً ضمنياً من وزير الخزانة سكوت بيسنت، الذي قال في مقابلة مع “بلومبرغ” الثلاثاء، إن على باول أن يتنحى عن مجلس الفيدرالي بعد انتهاء ولايته كرئيس في مايو 2026.
في الوقت نفسه، شدد جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لـ “جيه بي مورغان تشيس”، في اتصال مع المستثمرين يوم الثلاثاء، على أن استمرار استقلالية الفيدرالي أمر “بالغ الأهمية”، ليس فقط تحت قيادة باول، الذي قال إنه يكن له الاحترام، بل لأي رئيس قادم. وأضاف أن التدخل في شؤون الفيدرالي “غالباً ما تكون له عواقب سلبية”.
من جهته، قال جورج سارافيلوس من “دويتشه بنك”، إن عزل ترمب لباول سيكون مخاطرة غير محسوبة بما فيه الكفاية، وقد يطلق موجة بيع في الدولار وسندات الخزانة.
وأوضح أنه في حال إقدام ترمب على عزل باول بالقوة، فمن المرجح أن يشهد الدولار، خلال 24 ساعة، انخفاضاً بنسبة تتراوح بين 3% و4% في قيمة الدولار المرجح تجارياً، إلى جانب هبوط في سوق السندات بمقدار 30 إلى 40 نقطة أساس، وأن كلاً من الدولار والسندات سيحملان علاوة مخاطرة “دائمة”.
وأضاف أن “المستثمرين قد يشعرون بالقلق أيضاً بشأن التسييس المحتمل لخطوط المبادلة التي يقدمها الاحتياطي الفيدرالي مع البنوك المركزية الأخرى، ومن المرجح أن يرى المستثمرون في هذه الخطوة هجوماً مباشراً على استقلالية الفيدرالي، ما يضع المؤسسة تحت ضغط مؤسسي شديد”، مؤكداً أن “كون الفيدرالي يتربع على قمة النظام النقدي العالمي المرتبط بالدولار يعني أن التداعيات ستتجاوز حدود الولايات المتحدة”.
نمو اقتصادي خافت وضغوط تضخمية محدودة
في غضون ذلك، أفاد الاحتياطي الفيدرالي في تقرير “بيج بوك” إن النشاط الاقتصادي الأميركي “ارتفع بشكل طفيف” بين أواخر مايو وأوائل يوليو، لكنه أشار إلى أن “مستوى عدم اليقين لا يزال مرتفعاً، ما يساهم في استمرار الحذر لدى الشركات”.
وصرّح جيف روش من “إل بي إل فاينانشال” بأن “النشاط الاقتصادي العام ارتفع خلال الشهر الماضي، لكن التوقعات أصبحت أكثر تشاؤماً قليلاً”، داعياً إلى مراقبة مؤشرات ضغط الهامش على مستوى الأعمال، والضغوط المالية الناجمة عن ارتفاع معدلات التخلف عن السداد، وتباطؤ سوق الإسكان مع ارتفاع المخزونات”.
وأظهرت بيانات الأربعاء أن مؤشر أسعار المنتجين لم يسجل أي تغيير مقارنة بالشهر السابق، بعد تعديل صعودي لبيانات مايو التي أظهرت ارتفاعاً بنسبة 0.3%. كما سجلت أسعار الجملة الأميركية ارتفاعاً بنسبة 2.3% على أساس سنوي، وهو أدنى مستوى منذ سبتمبر.
وقال جيمي كوكس من “هاريس فاينانشال غروب”: “رغم استمرار التباطؤ التضخمي، إلا أن الفيدرالي لن يتراجع عن قراره بالإبقاء على الفائدة من دون تغيير حتى سبتمبر”. وأضاف: “ما دامت سوق العمل قوية ومتينة، فمن غير المرجح أن تنخفض أسعار الفائدة بشكل كبير”.
وتُظهر أسواق المال احتمالاً نسبته 56% لخفض الفائدة في سبتمبر، مع تسعير كامل للخفض التالي بحلول اجتماع أكتوبر.