مؤشرات وول ستريت تحلق مدعومة بالتهدئة التجارية بين واشنطن وبكين

دفعت رهانات وول ستريت على أن الهدنة التجارية بين الولايات المتحدة والصين تمثل نهاية لحرب الرسوم الجمركية الشاملة، مؤشر “إس آند بي 500” للارتفاع بأكثر من 3%، بينما هوت الزوايا الدفاعية من السوق مثل السندات والذهب والعملات الآمنة. وسجّل الدولار أكبر مكاسب له منذ موجة الصعود التي أعقبت الانتخابات في نوفمبر.
أدى الانتعاش في شهية المخاطرة وتراجع توقعات الركود لقيادة المؤشر القياسي للأسهم فوق مستوى “يوم التحرير” الذي أعلنه الرئيس دونالد ترمب في 2 أبريل. كما أدّت قفزة في أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى إلى دخول “ناسداك 100” مجدداً في سوق صاعدة، بعد أن كان قد هبط 20% من ذروته القياسية قبل نحو شهر فقط.
وبالتزامن مع احتمال إعادة ضبط توقعات التضخم، ارتفعت عوائد سندات الخزانة، في ظل خفض المتداولين رهاناتهم على قيام الاحتياطي الفيدرالي بخفض الفائدة إلى مرتين فقط خلال عام 2025.
وبالنسبة للمستثمرين الكبار الذين لجأوا إلى تدابير دفاعية في ذروة فوضى أبريل، شكّل هذا التعافي السريع في الأسواق نعمة ونقمة في آن معاً. فقد كانت رهانات مثل بيع الدولار على المكشوف، والمراهنة على تقلبات الأسهم، وتوقّع عدة تخفيضات في الفائدة، من بين أكثر الصفقات رواجاً في منتصف أبريل. لكن كل واحدة منها تعرّضت لخسائر حادة. ويبدو أن فك هذه المراكز قد يضيف مزيداً من الزخم إلى موجة التعافي.
هدنة مؤقتة وتخفيض كبير في الرسوم الجمركية
بعد يومين من المحادثات عالية المخاطر في سويسرا، أعلن المفاوضون التجاريون من أكبر اقتصادين في العالم يوم الإثنين عن خفض ضخم في الرسوم الجمركية. ففي بيان مشترك منسق بعناية، خفّضت الولايات المتحدة الرسوم على المنتجات الصينية إلى 30% من 145% لمدة 90 يوماً، بينما خفّضت بكين رسومها على معظم السلع إلى 10%.
وقال جيف بوشبايندر من “إل بي إل فاينانشال”: “لم يكن أحد يتوقع هذه المعدلات المنخفضة من الرسوم على الصين. إنها مفاجأة إيجابية كبيرة”. وأضاف: “لا يزال هناك خطر من عودة الرسوم إلى الارتفاع بعد انتهاء فترة التجميد، لكن استبعاد السيناريوهات الأسوأ أمر مطمئن”.
تجاوز مؤشر “إس آند بي 500” متوسطه المتحرك لمدة 200 يوم، وقفز “ناسداك 100” بنسبة 4%، وأضاف مؤشر “داو جونز” الصناعي أكثر من 1000 نقطة.
كما سجّل مؤشر “العظماء السبعة” (أبل، أمازون، إنفيديا، ألفابت، ميتا، مايكروسوفت، تسلا) قفزة بنسبة 5.7%. وأفاد ترمب بأنه تحدث مع تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة “أبل”، تزامناً مع تقارير أفادت بأن الشركة تدرس رفع الأسعار. وارتدت أسهم شركات الأدوية صعوداً بفعل رهانات على أنها نجت من السيناريو الأسوأ، في الوقت الذي يستهدف فيه ترمب خفض أسعار الأدوية الموصوفة في الولايات المتحدة.
الأسواق تستجيب… والدولار يعزز مكاسبه
ارتفع العائد على السندات لأجل عامين بمقدار 12 نقطة أساس ليتجاوز 4%. وقفز مؤشر “بلومبرغ للدولار الفوري” بنسبة 1%.
وقالت كارول شليف من “بي إم أو برايفت ويلث”: “الخفض الأكبر من المتوقع للرسوم بين الولايات المتحدة والصين، رغم كونه مؤقتاً، وإنشاء إطار لمواصلة المحادثات؛ هو بالضبط ما كانت سوق الأسهم تتطلع إليه”.
وبحسب أولريكه هوفمان-بورخاردي من “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت”، فإن موجة الإقبال على المخاطرة تشير إلى أن المستثمرين لم يتوقعوا نتيجة إيجابية بهذه السرعة.
وأضافت أن الاتفاق يتماشى مع السيناريو الأساسي لدى شركتها، والذي يفترض أن تتراوح الرسوم الأميركية الفعلية على الواردات الصينية بين 30% و40%. وتابعت: “سينصب تركيز المستثمرين الآن على مؤشرات حول إمكانية تحويل هذا الحل المؤقت إلى اتفاق دائم”.
انتعاش الأسهم وتفاؤل محدود بشأن الأرباح
أما مات مالي من “ميلر تباك”، فقال إن خبر التوصل إلى اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين يُعد بالتأكيد إيجابياً لسوق الأسهم. لكنه تساءل عمّا إذا كان هذا التغيير سيكون كافياً لدفع نمو الأرباح إلى الارتفاع مجدداً بشكل ملحوظ.
وقالت كالي كوكس من “ريثولتز ويلث مانجمنت”: “فكّروا في الأمر كأنه رفع مؤقت لحظر تجاري”. وأضافت: “لا تزال الرسوم الجمركية مرتفعة، ومن المرجح أن يشعر الأميركيون بوطأة الأسعار المرتفعة، كما أن الشركات ربما لن تُجري تغييرات استراتيجية كبيرة في أعقاب هذا الاتفاق. لكن التجارة بين الولايات المتحدة والصين قد تنفتح بشكل أكبر، ما يعني مزيداً من الشحن، ورفوفاً أقل فراغاً، في الوقت الراهن”.
أما جيمي كوكس من “هاريس فاينانشال غروب”: “لا يزال الطريق شاقاً للغاية من أجل التوصل إلى اتفاق حقيقي”. وأضاف: “الخبر الجيد هو أن هذه الهدنة تمنح الشركات الأميركية مزيداً من الوقت للتأقلم ووضع خطط بديلة في حال انحرفت المحادثات التجارية مجدداً. ومع بعض الحظ، قد تُقرّ حزمة الضرائب المنتظرة، وبالتالي لن يقلق المستثمرون بعد الآن من أن تقوّض التجارة إصلاحات الضرائب”.
توجهات السوق تحت تأثير تصريحات ترمب
شهد المستثمرون الذين اتبعوا نصيحة ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الشهر الماضي واحدة من أكبر موجات الصعود لمؤشر “إس آند بي 500” في عهده.
فبعد التراجع الذي سببه إعلان ترمب عن رسوم “يوم التحرير”، ارتفع المؤشر بقوة في الشهر الذي أعقب قوله في 9 أبريل – قبل ساعات من تجميده لبعض الرسوم القاسية – إنه “وقت رائع للشراء”. وأعاد ترمب تأكيد هذه الرسالة في 8 مايو، حين قال للصحفيين إن التوقعات الاقتصادية تبرر التوجه نحو الأسهم.
وقالت “مورغان ستانلي” إن المعنويات تجاه سوق الأسهم الأميركية تتحسن، لكنها أكدت أن الوقت لا يزال مبكراً لإطلاق صافرة الأمان للمستثمرين.
وأوضح فريق الاستراتيجيين بقيادة مايكل ويلسون في مذكرة صدرت الإثنين، أن هناك أربعة عوامل مطلوبة لاستدامة موجة صعود أكثر متانة، لكن التقدّم تحقق فقط في اثنين منها: “التفاؤل بشأن اتفاق تجاري مع الصين، واستقرار تعديلات أرباح الشركات”.
وتابعت المذكرة: “العنصران الآخران في قائمتنا – موقف أكثر تيسيراً من الفيدرالي، وأن يكون العائد على السندات لأجل 10 سنوات دون 4% من دون بيانات ركودية – لم يتحققا بعد”.
التضخم والنمو تحت المجهر
مع بدء الأسبوع بأخبار جيدة على صعيد التجارة دفعت الأسهم إلى الصعود، سيكون على بيانات التضخم، ومبيعات التجزئة، ونتائج الأرباح، أن تحافظ على هذا الزخم، وفقاً لكريس لاركن من “إي تريد” التابعة لـ”مورغان ستانلي”.
وقال لاركن: “لا يزال هناك جدل بشأن مدى ما ألحقته الرسوم من اضطراب في سلاسل الإمداد، وربما من تباطؤ في النمو”. وأضاف: “بينما يمكن لأرقام تدعم سردية الركود التضخمي أن تُضعف المعنويات الصعودية، إلا أن الاقتصاد لا يزال يبدو متماسكاً، كما أشار جيروم باول الأسبوع الماضي”.
وأظهرت عقود المقايضة المرتبطة باجتماعات الاحتياطي الفيدرالي المقبلة أن الأسواق تسعّر الآن خفضاً بمقدار 56 نقطة أساس فقط حتى ديسمبر، انخفاضاً من 75 نقطة أساس تقريباً في الأسبوع الماضي. ولا يزال المتداولون يتوقعون أول خفض للفائدة بمقدار ربع نقطة في سبتمبر.
وقالت أدريانا كوغلار، عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، إن سياسات الرسوم الجمركية التي تتبعها إدارة ترمب من المرجح أن تعزز التضخم وتضغط على النمو الاقتصادي، رغم خفض الرسوم الأخير على الصين.
وأضافت كوغلار يوم الإثنين، في تصريحات معدة مسبقاً لفعالية في دبلن: “السياسات التجارية تتغير باستمرار، ومن المرجح أن تستمر في التبدّل، حتى منذ صباح اليوم”. وتابعت: “لكن يبدو أنها ستُحدث آثاراً اقتصادية كبيرة، حتى لو ظلت الرسوم قريبة من المستويات المعلنة حالياً”.
أما أوستان غولسبي، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، فقال في مقابلة منفصلة مع “نيويورك تايمز” يوم الإثنين، إن بيئة الرسوم الحالية لا تزال تنطوي على مخاطر كبيرة لارتفاع الأسعار وتباطؤ النمو.
وأضاف أن الطبيعة المؤقتة للاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين، والمستويات المرتفعة عموماً للرسوم الجمركية، لا تزال تمثل عبئاً على الاقتصاد.