مؤشرات وول ستريت تتعافى وسط آمال بقرب إنهاء الإغلاق الحكومي الأميركي

شهدت وول ستريت تعافياً حاداً من أدنى مستوياتها خلال الجلسة، مع تصاعد الآمال باقتراب المشرعين الأميركيين من التوصل إلى اتفاق لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة، في وقت قلّصت العملات المشفرة خسائرها الأسبوعية.
محَت مؤشرات الأسهم الأميركية خسائرها، إذ ارتفعت أسعار أسهم قرابة 400 شركة مدرجة في مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” (S&P 500).
إشارة إيجابية
رغم رفض الجمهوريين في مجلس الشيوخ مقترح الديمقراطيين لتقليص مطالبهم إلى تمديد دعم التأمين الصحي المنتهي لعام واحد فقط، فإن تبادل العروض بين الطرفين اعتُبر إشارة إيجابية للمستثمرين.
أما مؤشر “ناسداك 100” (Nasdaq 100) فقلّص معظم خسارته البالغة 2.1%، منهياً أسوأ أسبوع له منذ أبريل.
ومع توقف عمل الوكالات الفيدرالية التي تنشر البيانات الاقتصادية، لم يُصدر تقرير الوظائف الأميركي يوم الجمعة. وأظهر مسح أجرته شركة “22 في ريسرش” (22V Research) أن ضعف سوق العمل هو أكبر خطر يواجه التداولات حالياً، ما يفسر تأثر الأسواق بالأخبار المتعلقة بالوظائف.
أطول إغلاق حكومي في التاريخ يكلّف الاقتصاد الأميركي 15 مليار دولار أسبوعياً
تراجعت ثقة المستهلك الأميركي إلى قرب أدنى مستوياتها التاريخية مع تأثير الإغلاق الحكومي على التوقعات الاقتصادية وارتفاع الأسعار الذي أضعف نظرة الأفراد لأوضاعهم المالية.
وقال ديفيد راسل من (تريد ستيشن): “كلما طال أمد الإغلاق الحكومي، زاد أثره على الاقتصاد الحقيقي”.
تراجع أسهم الذكاء الاصطناعي
تزامن ذلك مع قلق متزايد بشأن تقييمات شركات الذكاء الاصطناعي، بعد موجة ارتفاعات حادة دفعت المستثمرين إلى جني الأرباح.
وقال مارك هاكيت من “نيشن وايد” (Nationwide): “الانخفاض الحالي يبدو أشبه بعملية تصحيح مفرط للأسهم المبالغ في تقييمها، وليس ضعفاً في الأساسيات”.
نتائج عمالقة التكنولوجيا تضع الإنفاق الهائل على الذكاء الاصطناعي تحت المجهر
ارتفع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة 0.1% بعد أن كسر متوسطه المتحرك لـ50 يوماً لأسفل، بينما استقرت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات عند 4.09%، وانخفض الدولار 0.2%، في حين ارتفع سعر بتكوين 2.5% يوم الجمعة، مقلصاً خسائره الأسبوعية إلى 5.5%.
ضغوط على الأسهم
قال إيان لينغن من “بي إم أو كابيتال ماركتس” (BMO Capital Markets): “حتى لو أسفرت الأنباء عن تقدم تدريجي لإعادة تشغيل الحكومة، فإن تشوهات البيانات ستستمر في التأثير على السوق لفترة طويلة”.
أظهر استطلاع “ماركت بالس” (Markets Pulse) أن سوق الأسهم الأميركية المتعثرة بالفعل قد تواجه خسائر أعمق إذا استمر الإغلاق الحكومي لأسبوع آخر أو أكثر.
يرى 14% من أصل 121 مشاركاً في الاستطلاع الذي أُجري بين 5 و7 نوفمبر أن المؤشر الأميركي سينهي سلسلة مكاسبه القياسية إذا استمر الإغلاق لأسبوع إلى أسبوعين إضافيين، فيما قال 20% إن الخسائر ستتفاقم إذا تجاوز أسبوعين، وقال 35% إنها ستستمر إذا امتد الإغلاق لمدة شهر. واعتبر 22% أن المؤشر استنفد بالفعل مكاسبه بعد تعافيه من الانخفاض الحاد في أبريل الناتج عن الرسوم الجمركية.
وقال استراتيجيون في “تي دي سيكيوريتيز” (TD Securities): “نتوقع بعض التقدم نحو إعادة فتح الحكومة. ورغم أن التوقيت لا يزال غير واضح، إلا أنه من المرجح أن يشكل موسم عطلات عيد الشكر نقطة تحول. وبسبب نقص الموظفين، بدأت هيئة الطيران الفيدرالية خفض حركة الطيران، مع بدء شركات الطيران الأميركية إلغاء رحلاتها، كما أن مشكلات جمع البيانات أصبحت مصدر قلق متزايد أثناء الإغلاق”.
ضعف سوق العمل
غلين سميث من “جي دي إس ويلث مانجمنت” (GDS Wealth Management): “رغم عدم صدور تقرير الوظائف بسبب الإغلاق الحكومي، تشير بيانات كشوف أجور القطاع الخاص وتسريحات العمال إلى تباطؤ في سوق العمل، ما يبقي احتمال خفض الفائدة في ديسمبر قائماً وربما يمتد إلى مطلع 2026”.
قالت سيما شاه من “برنسيبال أسيت مانجمنت” (Principal Asset Management) إن الاقتصاد الأميركي ما زال في مسار نمو حتى لو تباطأ باتجاه المستويات الطبيعية في 2026.
وأضافت: “القلق الأكبر بالنسبة للفيدرالي هو وضع سوق العمل، وسيواصل البنك خفض الفائدة لمنع أي ضعف في التوظيف من التفاقم. التفاؤل في السوق قائم على توقع استمرار هذا الدعم من السياسة النقدية”.
يرى ريك رايدر، المدير التنفيذي في “بلاك روك”، والمرشح المحتمل لخلافة جيروم باول في رئاسة الاحتياطي الفيدرالي، أن سوق العمل تضعف بشكل ملحوظ، مضيفاً أن أسعار الفائدة ينبغي أن تُخفض إلى 3%.
وأوضح: “لو صدر تقرير الوظائف اليوم، لكان أظهر ذلك التراجع بوضوح”.
تسريحات الشركات
في الأسابيع الأخيرة، أعلنت شركة “تارغت كورب” (Target Corp) عن خطط لإلغاء 1,800 وظيفة، أي ما يعادل نحو 8% من وظائفها الإدارية، في أول عملية إعادة هيكلة رئيسية لها منذ سنوات. كما قالت شركة “أمازون” (Amazon) إنها ستخفض 14 ألف وظيفة إدارية، بعد تحذير رئيسها التنفيذي من أن الذكاء الاصطناعي سيقلّص حجم القوى العاملة في الشركة. في حين سرّحت شركة “باراماونت سكايدانس كورب” (Paramount Skydance Corp) نحو 1,000 موظف.
وشملت قائمة الشركات التي قامت بتقليص وظائفها الإدارية أيضاً كلاً من: “ستاربكس”، و”دلتا إيرلاينز”، و”كارماكس”، و”ريفيان أوتوموتيف”، و”مولسون كورز” للمشروبات.
غياب البيانات يزيد انقسام مسؤولي الفيدرالي
أشارت جينيفر تيمرمان من معهد “ويلز فارغو” للاستثمار إلى أن الإغلاق الحكومي الأميركي أدى إلى تراجع وضوح الرؤية بشأن أوضاع سوق العمل، في وقت ازدادت فيه الانقسامات بين مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي حول الخطوة المناسبة التالية في السياسة النقدية.
وقالت تيمرمان: “نرى مجموعة واسعة من العوامل التي تسهم في تباطؤ نمو التوظيف، من بينها: تراجع النشاط الاقتصادي، وانتهاء ظاهرة الاحتفاظ بالعمالة التي سادت خلال الجائحة، واستمرار الضبابية بشأن الرسوم الجمركية، ونقص العمالة في القطاعات التي تعتمد على المهاجرين، وخفض الإنفاق الحكومي الفيدرالي”.
إلى متى سيستمر إغلاق الحكومة الأميركية؟.. “مورغان ستانلي” يجيب
ومع ذلك، ترى تيمرمان أن البيانات المتاحة لا تزال منسجمة مع النظرة الاقتصادية الإيجابية لمؤسستها لعام 2026، رغم التباطؤ المؤقت المتوقع مع مطلع العام الجديد.
وأضافت: “نتوقع أن تؤدي الرياح الداعمة المرتبطة بالسياسات الاقتصادية -مثل التخفيضات الضريبية والتحفيز النقدي وتخفيف القيود التنظيمية- إلى تسريع وتيرة النمو الاقتصادي بعد الربع الأول من العام المقبل”.
قرار صعب
اضطر مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي لاتخاذ قرارهم الأخير بشأن الفائدة من دون بيانات اقتصادية رئيسية بسبب الإغلاق الحكومي، والبيانات التي ستصدر لاحقاً -بعد إعادة فتح الحكومة- لن تجعل القرار المقبل أسهل.
وبمرور الأيام، تتزايد احتمالات عدم صدور بيانات الوظائف والأسعار لشهر أكتوبر، ما سيُطيل النقاش داخل الفيدرالي حول ما إذا كانت سوق العمل تضعف بالسرعة الكافية لتبرير خفض الفائدة في ديسمبر وسط استمرار مخاطر التضخم.
البيت الأبيض: الإغلاق الحكومي يعطل إصدار تقرير التضخم الأميركي لشهر أكتوبر
قال كريس سينيك من “ووولف ريسرش” (Wolfe Research): “مع بداية التراجع في بعض قطاعات سوق العمل، نتوقع أن يخفض الفيدرالي الفائدة في اجتماعه المقبل. وإذا استمر الإغلاق، فإن صدور بيانات سلبية للوظائف سيمثل خطراً كبيراً للأسواق في الأشهر المقبلة”.
وأضاف: “في هذه الحالة، قد يرى المستثمرون أن الفيدرالي تأخر في التحرك، خاصة إذا قرر الإبقاء على الفائدة في ديسمبر”.
يرى كيني بولكاري من “سليت ستون ويلث” (SlateStone Wealth) أن “هامش الأمان في سوق العمل يتقلص، وهذا يعني تباطؤ الإنفاق الاستهلاكي، وزيادة الضغط على الائتمان، وصعوبة تبرير ارتفاع تقييمات الأسهم. الأرباح الجيدة وحدها لن تكون كافية إذا تراجعت ثقة المستثمرين في سوق العمل”.
تدفقات مالية تدعم الأسهم رغم القلق
رغم القلق الذي يهيمن على الأسواق، ما تزال التدفقات تدعم الأسهم، إذ سجلت صناديق الأسهم الأميركية ثمانية أسابيع متتالية من التدفقات الواردة، وهي الأطول منذ بداية العام، بحسب بنك أوف أميركا نقلاً عن بيانات “EPFR Global”.
قال كريغ جونسون من “بايبر ساندلر” (Piper Sandler): “المؤشرات الرئيسية تواجه ضغوط بيع هذا الأسبوع، لكن المستثمرين يجب أن يركزوا على الفرص الجيدة من حيث توازن المخاطر والعائد، خصوصاً بعد أي تصحيح صحي داخل هذه السوق الصاعدة”.
توني باسكارييلو من “غولدمان ساكس” يقول: “رغم الضعف الأخير، لا تزال السوق تميل إلى صالح المتفائلين. لا أقول إن الفرص مغرية للغاية، لكن توازن المخاطر لا يزال يميل لصالح الشراء”.
قال دان وانتروبسكي من “جاني مونتغومري سكوت” (Janney Montgomery Scott) إن مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” يختبر متوسطه المتحرك لخمسين يوماً، ما يهيئ لارتداد خلال الأسبوع المقبل، لكنه حذّر من أن ضعف الزخم قد يشير إلى تصحيح أوسع لاحقاً.
وأضاف: “القمم الأخيرة في سبتمبر وأكتوبر جاءت بزخم أقل، ما يوحي بأن قوة الشراء تتراجع، وهو ما قد يمهد لتراجعات قريبة النطاق أو واسعة”.
وفي الوقت الحالي، لا يزال يراقب حدوث تصحيح في حدود 5% إلى 10% قبل نهاية العام.
قال لويس نافلييه من “نافلييه أند أسوشيتس” (Navellier & Associates): “يبدو أن المستثمرين ينتظرون قاعاً واضحة للسوق، وقد يجعل موسم الأرباح القوي الأسعار الحالية بمثابة فرصة شراء حقيقية قبل نهاية العام”.



