مؤشرات “وول ستريت” تتذبذب وسط ترقب لتقرير الوظائف وبيانات التضخم

بدأ آخر أسبوع تداول كامل في 2025 على تذبذب في الأسهم والسندات والدولار، مع استعداد “وول ستريت” لصدور بيانات اقتصادية أساسية ستسهم في رسم ملامح سياسة الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة.
وقبيل صدور تقرير الوظائف، أغلق مؤشر “إس آند بي 500” على تراجع طفيف. وشهد قطاع التكنولوجيا موجة هبوط جديدة، حيث سجلت شركة “برودكوم” أسوأ تراجع لها خلال ثلاثة أيام منذ 2020، فيما واصلت أسهم “أوراكل” خسائرها المتتالية لتصل إلى نحو 17%. كما أسهمت موجة بيع حادة في العملات المشفرة في كبح شهية المخاطرة تجاه الأصول الأعلى خطورة.
وتراجعت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين بشكل طفيف، وسط رهانات على أن الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة مرتين العام المقبل لدعم سوق العمل، حتى مع ظهور مؤشرات على تماسك الضغوط التضخمية. أما الدولار فاستقر إلى حد كبير، لكنه أغلق عند أدنى مستوى له منذ أكتوبر.
وقال خوسيه توريس من “إنتراكتيف بروكرز”: “يبدو أن المستثمرين مترددون في اتخاذ خطوات جريئة قبيل صدور حزمة ثقيلة من البيانات الاقتصادية البارزة”.
تقرير الوظائف والبيانات المؤجلة بسبب الإغلاق
بعد قرار الفيدرالي الأخير بخفض أسعار الفائدة، يُتوقع أن يُظهر تقرير الوظائف لشهر نوفمبر، المقرر صدوره الثلاثاء، تباطؤاً في سوق العمل. وسيتضمن التقرير أيضاً تقديراً لوظائف أكتوبر، وهي بيانات تأخر نشرها بسبب الإغلاق الحكومي.
وامتد تأثير أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة إلى مؤشر اقتصادي رئيسي آخر، هو مؤشر أسعار المستهلكين المقرر صدوره يوم الخميس.
ومع استمرار تركيز الفيدرالي على ضعف سوق العمل أكثر من التضخم، من المرجح أن تسود في تقرير الوظائف معادلة مفاها بأن “الأخبار السيئة هي أخبار جيدة” بالنسبة للأسواق، بحسب كريس لاركين من “إي تريد” التابعة لـ”مورغان ستانلي”.
وقال لاركين: “ما دامت الأرقام لا تشير إلى انهيار حاد في التوظيف، فقد ترحب الأسواق ببيانات ضعيفة، لأنها قد تدفع الفيدرالي إلى موقف أكثر ميلاً للتيسير”.
في المقابل، اعتبر عضو مجلس محافظي الفيدرالي ستيفن ميران أن السياسة النقدية الحالية مقيدة بشكل غير ضروري، بينما قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك جون ويليامز إن السياسة في وضع جيد للعام المقبل بعد خفض الأسبوع الماضي. أما نظيرته في بوسطن سوزان كولينز فأشارت إلى أن قرار خفض الفائدة كان “صعباً”، في ظل قلقها من استمرار ارتفاع التضخم.
أداء الأسهم وتحركات الأصول الرئيسية
أغلق مؤشر “إس آند بي 500” دون مستوى 6820 نقطة. وجاء أداء الشركات الكبرى متبايناً، مع تراجع “أبل” وصعود “تسلا”، بينما تخلفت الشركات الصغيرة عن الركب.
وفي التداولات الممتدة، أعلنت شركة “بي رايلي فاينانشال” أنها قدمت تقريرها المتأخر للربع الثاني إلى الجهات التنظيمية الأميركية، في خطوة تهدف إلى الحفاظ على إدراجها في البورصة.
واستقر عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات عند 4.18%. وهبطت”بتكوين” إلى ما دون 86 ألف دولار، في حين ارتفع الين الياباني وسط رهانات على أن بنك اليابان سيرفع أسعار الفائدة هذا الأسبوع. كما تراجعت أسعار النفط.
توقعات الأسواق وردود فعل محتملة
يرى مايكل ويلسون، استراتيجي “مورغان ستانلي”، أن ضعفاً معتدلاً في بيانات الوظائف الأميركية هذا الأسبوع، قد يعزز التفاؤل في أسواق الأسهم، عبر زيادة احتمالات خفض إضافي للفائدة من قبل الفيدرالي.
من جهته، قال فؤاد رزاق زادة من “فوركس دوت كوم” إن “الأسواق تبحث عن قراءة ضعيفة. أي مفاجأة ناعمة قد تؤدي إلى تسريع توقعات خفض الفائدة القادم، في حين أن مفاجأة متشددة قد تعزز الدولار بقوة”.
وأظهر استطلاع أجرته شركة “22 في ريسيرش” أن توقعات رد فعل السوق على بيانات الوظائف متقاربة، إذ قال 29% إنهم يتوقعون سيناريو “إقبال على المخاطر”، مقابل 36% توقعوا “عزوفاً عن المخاطر”، و36% توقعوا “تأثيراً محدوداً أو مختلطاً”.
وفي “إيفركور”، أشار كريشنا غوها إلى أن تدهور البيانات قد يدفع الأسواق إلى المراهنة على أن الفيدرالي سيتخلى عن محاولته التوقف عن خفض الفائدة بعد خطوة ديسمبر.
لكنه حذر من الاعتقاد بأن التقرير، ما لم تكن نتائجه متطرفة للغاية، سيكون حاسماً في تحديد ما إذا كان الفيدرالي سيخفض الفائدة مجدداً على المدى القريب.
وأضاف: “نعتقد أن قراءة ديسمبر، وهي أول قراءة كاملة نسبياً بعد الإغلاق، سيكون لها تأثير أكبر بكثير على قرار الفيدرالي بشأن خفض محتمل في يناير”.
مخاوف جودة البيانات والرهانات المستقبلية
بدوره، حذر إيان لينغن من “بي إم أو كابيتال ماركتس” من وجود مخاوف واضحة تتعلق بجودة البيانات، نظراً لأن مكتب إحصاءات العمل لا يزال يعوض التأخير الناتج عن الإغلاق الحكومي، ما قد يدفع المستثمرين إلى توخي الحذر في التعامل مع بيانات هذا الأسبوع.
وأضاف: “مع ذلك، وفي ظل شح المعلومات الأساسية حول أداء الاقتصاد الحقيقي خلال الإغلاق، فإن نتائج تقارير الوظائف والتضخم ستحدد نبرة سوق أسعار الفائدة الأميركية مع اقتراب نهاية العام ودخول فترة التداولات الموسمية الهادئة”.
وإذا صحت توقعات السوق، فقد يمهد ذلك الطريق لمزيد من المكاسب القوية لسندات الخزانة، التي تتجه لتحقيق أفضل أداء سنوي لها منذ 2020.
توقعات بشأن موعد خفض الفائدة
في هذا السياق، يبني المتداولون مراكز في سوق الخيارات تستفيد في حال تحولت المعنويات نحو خفض للفائدة خلال الربع الأول. وحتى الآن، لا يُسعّر خفض جديد بالكامل قبل منتصف العام، مع خفض ثانٍ متوقع في أكتوبر.
ويرى إلياس حداد من “براون براذرز هاريمان” أن الفيدرالي يملك هامشاً لتنفيذ خفض قدره 50 نقطة أساس خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة، وهو ما تعكسه عقود الفائدة الآجلة.
وأضاف أن “تراجع وتيرة التوظيف يشير إلى ضعف الطلب على العمالة، ويعزز مخاطر الهبوط في تقرير الوظائف غير الزراعية هذا الأسبوع”.
وكتب كريستوفر جاكوبسون من “سسكويهانا إنترناشونال غروب” أن هذا العام يختلف بسبب التأخير في نشر عدد من البيانات الاقتصادية نتيجة الإغلاق، “ما قد يمهد لمستويات أعلى من التقلبات، خصوصاً هذا الأسبوع”.
تقلبات مرتقبة ورهانات 2026
من جانبهم، أشار استراتيجيو المشتقات في “جيه بي مورغان تشيس”، ومن بينهم برام كابلان، إلى أن سوق خيارات “إس آند بي 500” لا تسعّر بالكامل مخاطر تقرير الوظائف، مقارنة بالتقلبات التاريخية المصاحبة لمثل هذه الإصدارات.
وبحسب بيانات جمعتها “بلومبرغ”، تستعد الأسواق لتحرك بنحو 0.7% صعوداً أو هبوطاً عقب صدور التقرير.
ورغم أن الفيدرالي يبدو حالياً أكثر تركيزاً على سوق العمل، لا يزال المستثمرون متعطشين لبيانات التضخم، بحسب ريك غاردنر من “آر جي إيه إنفستمنتس”.
في “إتش إس بي سي”، قال ماكس كيتنر إنه لا يزال “ميالاً بقوة إلى المخاطرة” مع دخول العام المقبل، لكنه يرى أن 2026 قد يكون أكثر تقلباً من الأشهر الثمانية الماضية.
وأضاف: “نعتقد أن الخطر الأكبر في الأشهر المقبلة يتمثل في ارتفاع حاد في تقلبات عوائد السندات الأميركية، لكننا لا نرى ذلك سيناريو مرجحاً في الأسابيع القليلة المقبلة”.
وأشار كيتنر إلى أن عوائد الخزانة لا تزال بعيدة عن “منطقة الخطر” التي تبدأ عندها بالضغط على تقييمات الأصول عالية المخاطر.
آفاق الأسهم الأميركية حتى نهاية 2026
من جهته، يتوقع سكوت كرونرت من “سيتي غروب” أن يرتفع مؤشر “إس آند بي 500” إلى 7700 نقطة بحلول نهاية 2026، مدفوعاً بقوة الأرباح وتوقعات تيسير السياسة النقدية.
وكتب كرونرت في مذكرة: “افتراضنا الأساسي يتمثل في وجود فيدرالي داعم بشكل عام”.
في الأثناء، حافظ استراتيجيو “أوبنهايمر لإدارة الأصول” على توصيتهم بزيادة الوزن النسبي للأسهم الأميركية، معتبرين أن الاقتصاد والأسواق الأميركية “سيقودان الاقتصاد العالمي نحو نوع من الوضع الطبيعي الجديد”.
ويتوقع الفريق بقيادة جون ستولتزفوس أن تتسع رقعة الصعود في 2026 مع بقاء الأسس الاقتصادية داعمة لنمو الإيرادات والأرباح.
وقال مارك هافيل من “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت” إن المستثمرين “يجب أن يتموضعوا للاستفادة من موجة الصعود المتوقعة في الأسهم خلال العام المقبل، من خلال زيادة التعرض لقطاعات التكنولوجيا، والرعاية الصحية، والمرافق، والقطاع المصرفي، خاصة لمن هم دون الوزن الموصى به في السوق الأميركية”.
ويتوقع هافيل أن يبلغ مؤشر “إس آند بي 500” مستوى 7300 نقطة بحلول يونيو المقبل، و7700 نقطة بنهاية 2026.



