“ليف” المدعومة سعودياً تجبر “PGA” على إنصاف اللاعبين في الأجور
على مدار ما يقرب من أربع سنوات، خاض أكبر دوريين للاعبي الغولف المحترفين في العالم صراعاً شرساً حول اللاعبين، والتفوق المعنوي، والبقاء. والآن، يبدو أن هذا النزاع يقترب من نهايته.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، أفادت “بلومبرغ نيوز” بأن صندوق الاستثمارات العامة السعودي، مالك دوري “ليف غولف” (LIV Golf) الناشئ، أوشك على إبرام صفقة للاستحواذ على حصة تقارب 6% في شركة “بي جي إيه تور إنتربرايزس” (PGA Tour Enterprises)، الذراع التجارية لرابطة لاعبي الغولف المحترفين.
سيجد العديد من المشجعين صعوبةً في تقبل التقارب بين المنظمتين، لأن ذلك يتطلب تجاوز أمر لا يتمحور حول الغولف، يتمثل بسجل السعودية في مجال حقوق الإنسان.
وبينما تستمر البلاد بالتعرض لاتهامات باستخدام الرياضة كوسيلة علاقات عامة لتحسين الصورة وصرف الأنظار عن تلك السمعة، فهناك حقيقة أخرى غير مريحة للبعض يجب الاعتراف بها وهي أنه لولا الحضور السعودي، لكان كبار لاعبي الغولف المحترفين سيظلون أقل قيمة مما يستحقون في “بي جي إيه” (PGA).
نظام مجحف للأجور
أُنشئ دوري “بي جي إيه” بصورته الحالية عام 1968، ونما ليصبح شركة تجارية عملاقة. ففي عام 2023، على سبيل المثال، أعلنت الجولة تحقيق إيرادات 1.82 مليار دولار، جاء معظمها من صفقات حقوق إعلامية بمليارات الدولارات.
هذه الأموال تُثري لاعبي الغولف، خاصة البارزين منهم. ففي ذلك العام، حصل اللاعب روري ماكلروي على 24.9 مليون دولار كتعويضات مرتبطة بدوري “بي جي إيه”. هذا أجر ضخم، إلا إنه يجب ألا يُرضي ماكلروي.
على عكس لاعبي دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين (NBA)، فإن لاعبي “بي جي إيه”، بما فيهم روري ماكلروي، ليسوا موظفين يتقاضون رواتب ثابتة. بدلاً من ذلك، يُعتبر لاعبو الجولة متعاقدين مستقلين، يحصلون على تعويض فقط إذا اجتازوا التصفيات في البطولة (أي إذا احتلوا مركزاً ضمن أفضل 65 لاعباً). وحتى حينها، يتم تحديد قيمة تعويضهم بناءً على ترتيبهم النهائي في البطولة. الفوز بالمراكز الأولى قد يُدر ملايين الدولارات، بينما قد تعادل المراكز الأخيرة سعر سيارة مستعملة.
إنه نظام سخيف يخالف الدوريات الأخرى، ولا يقدم للاعبين الأجر الذي يستحقونه مقابل القيمة التي يضيفونها للرياضة وحقوق بثها.
باستمرار المقارنة مع كرة السلة، يضمن نجم فريق “غولدن ستيت وريورز” ستيف كوري أنه سيحصل على 53 مليون دولار هذا الموسم، وهذا الأجر الكبير يوضح اعتراف دوري كرة السلة للمحترفين بأدائه والقيمة التي يضيفها للبطولة في كل مرة يلعب فيها (بغض النظر عن أدائه في المباراة).
“ليف” تحدث تغييراً جذرياً
قارن ما يتقاضاه كاري بمبلغ الصفر الذي حصل عليه تايغر وودز بعد فشله في اجتياز التصفيات في بطولة “2024 US Open”. قد لا يكون وودز في أفضل حالاته كما كان في الماضي، لكنه لا يزال يجذب أعداداً كبيرة من المشاهدين إلى رياضة الغولف المتلفزة، وقيمته الحقيقية لا يمكن إنكارها.
ما يزال تقبل ذلك صعباً (من باب العدل، لم يطلب تايغر ذلك علناً). وأحد الأسباب الرئيسية في ذلك أن “بي جي إيه” لم تواجه من قبل منافسة كبيرة أو ضغطاً ملموساً من لاعبيها لتتعامل معهم بشكل أفضل.
ثم جاء صندوق الاستثمارات العامة، الذي تبلغ أصوله قرابة تريليون دولار، معلناً إنشاء دوري “ليف غولف” عام 2021، وقد كلف الموسم الأول 784 مليون دولار، بينما كان من المقرر أن تصل تكاليف الموسم الثاني إلى مليار دولار.
أُنفق جزء كبير من هذا “الكنز” على إحداث ثورة في كيفية ومقدار الرواتب التي يحصل عليها لاعبو الغولف المحترفون.
في عام “ليف” الأول، بلغت قيمة جوائز كل بطولة 25 مليون دولار، وحتى اللاعب الذي حل في آخر الترتيب ضمن الفوز بمبلغ 120 ألف دولار. في غضون ذلك، كان مجموع جوائز بطولة “بي جي إيه” 2022 أقل بكثير، إذ بلغ 15 مليون دولار. من الجدير بالذكر أن عدد الاعبين في “ليف” أقل مقارنةً بـ”بي جي إيه”، ما يمكنهم من الحصول على أجر أكبر.
تركيز على الصفقات
لكن الابتكار الأكبر لدوري “ليف” كان عدم التركيز فقط على نظام الجوائز المالية؛ بل تقديم عقود متعددة السنوات ومضمونة. أبرز مثال على ذلك هو جون رام، الذي حصل على عقد لعدة سنوات بقيمة تقارب 300 مليون دولار. حتى اللاعبين الأقل شهرة، الذين أصبحوا في المراحل الأخيرة من مسيرتهم، حصلوا على عقود مليونية.
تعرّف على أفضل ملاعب الغولف المنتظرة عالمياً في 2025
جذب هذا النهج لاعبين من بطولة “بي جيه إيه”، التي كان عليها أن تدفع مبالغ أكبر للبقاء في المنافسة. وبالفعل، استجابت الجولة لهذا التحدي. ففي عام 2021، بلغت قيمة جوائزها أقل من 400 مليون دولا. لكن بحلول عام 2023 ارتفع المبلغ إلى 560 مليون دولار. وفي العام نفسه، أنشأت الجولة صندوقاً بقيمة 100 مليون دولار لمكافأة اللاعبين الذين “يُولّدون أكبر قدر من الاهتمام الإيجابي بالجولة”. حصل تايغر وودز على 12 مليون دولار من هذا الصندوق في عام 2023.
لكن التطور الأكثر أهمية هو الاعتراف بأن “بي جي إيه” لن تتمكن من الاستمرار إذا كانت استراتيجيتها الوحيدة هو التفوق على الأجور والجوائز المضمونة التي تقدمها “ليف” ذات الموارد المالية الوافرة. بدلاً من ذلك، عليها تقديم شيء لا تفعله دوريات المحترفين الأخرى عادةً؛ تخصيص حصة للاعبين في الدوري بحد ذاته.
حافز على البقاء والترويج
قبل ظهور “ليف، ربما كانت هذه الفكرة ستُقابل بالرفض التام من قِبل مؤسسة الغولف المحافظة التي تمثلها “بي جي إيه”. وكما هو الحال مع الدوريات الرياضية المحترفة الأخرى، فعلى الأرجح أن هذه المؤسسة ترى أن تملّك اللاعبين لحقوق في بطولاتها يُهدد سلطتها وبقاءها. لكن أموال صندوق الاستثمارات العامة السعودي غيّرت المعادلة والمخاطر.
لذلك، أنشأ “بي جي إيه تور إنتربرايزس” (PGA Tour Enterprises) في يناير الماضي لإدارة الأنشطة التجارية. وقاد مجموعة من المستثمرين، على رأسهم جون هنري من “فينواي سبورتس غروب”، تمويل الشركة بمبلغ 1.5 مليار دولار. ستُوزّع منح حقوق الملكية على اللاعبين بقيمة إجمالية تبلغ نحو 930 مليون دولار، وذلك بناءً على فترة مشاركتهم في الجولة وسجلاتهم في بطولاتها. وستُمنح هذه الحقوق تدريجياً على مدى سنوات، ما يخلق حافزاً للبقاء، وتحقيق الانتصارات، والترويج للدوري.
إنها فكرة جذابة للغاية، ومليئة بإمكانات النمو، إلى درجة شجعت صندوق الاستثمارات العامة السعودي على الاستثمار بأمواله الخاصة فيها وتسوية الخلاف. قيمة الفرص التجارية للدوري، كما يبدو مرجحاً، فإن الصندوق يمكنه دوماً بيع حصته مقابل ربح.
بالطبع، لا تزال هناك تفاصيل يتعيّن العمل عليها وموافقات تنظيمية يجب الحصول عليها. لكن حتى في هذه المرحلة، تمثل هذه المنح وسيلة حاسمة لضمان أن تعكس أرباح الرياضيين القيمة الحقيقية التي يضيفونها إلى بطولتهم والرياضة.
ومع أن تلك القيمة ليست بنفس أهمية ضمان حقوق الإنسان في مجال الرياضة وما حولها، إلا أن كان للاعبين شكر جهةٍ ما على الحقوق التي حصلوا عليها، قد يتوجب عليهم تقديمه التحية إلى “ليف” وصندوق الاستثمارات العامة والسعودية.
ومع أن تلك القيمة ليست بنفس أهمية ضمان حقوق الإنسان في الرياضة وما يحيط بها، إلا أنه إذا كان للاعبين أن يوجهوا الشكر لجهة ما على الحقوق التي حصلوا عليها، فقد يتوجب عليهم توجيه التحية إلى “ليف”، وصندوق الاستثمارات العامة، والمملكة العربية السعودية.