اخر الاخبار

لماذا يعتبر ترمب الاعتماد على النفط والغاز ضرورة؟

كان العالم على أعتاب إنجاز مناخي مهم هو إقرار ضريبة عالمية على انبعاثات الكربون في قطاع الشحن، وأمضت الدول سنوات في صياغة الخطة، أملاً في الحد من التلوث المسبب للاحتباس الحراري الناجم عن سفن الشحن. كان لديها كل الأسباب للاعتقاد بأن الإجراء سيقرّ عندما اجتمعت المنظمة البحرية الدولية في منتصف أكتوبر.

ثم جاء دونالد ترمب.

بعد عودته إلى البيت الأبيض لولاية ثانية، شنّ الرئيس وكبار مسؤوليه حملة استمرت أشهراً لإحباط المبادرة، وهددت الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية ورسوم وقيود على التأشيرات لتحقيق مبتغاها.

اجتمعت مجموعة من الدبلوماسيين الأميركيين والوزراء مع دول مختلفة للضغط عليها، كما بيّن مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية طلب عدم كشف هويته. كما حذرت الدول من عواقب محتملة أخرى في حال دعمها الضريبة على انبعاثات الشحن، بما في ذلك فرض عقوبات على الأفراد ومنع السفن من دخول الموانئ الأميركية.

هيثم الغيص: صافي الانبعاثات الصفري بين الصخب والواقع

تحت ضغط ترمب -أو الترهيب كما يصفه البعض- بدأت بعض الدول تردد بشأن هذه الخطوة ثم صوتت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وإيران على تأجيل الاجتماع لمدة عام؛ فلم تعد هناك فرصة لتبني هذا المسعى قريباً.

قال فايق عباسوف، مدير مجموعة المناصرة الأوروبية “النقل والبيئة”، إن الولايات المتحدة “أرغمت دولاً كانت داعمة أو محايدة على معارضة” خطة صافي الانبعاثات الصفري للشحن البحري. ومن خلال ضغوطها المكثفة في المنظمة البحرية الدولية، كانت إدارة ترمب “تشن حرباً على التعددية ودبلوماسية الأمم المتحدة ودبلوماسية المناخ”.

للوهلة الأولى، قد يبدو الأمر وكأن الولايات المتحدة قد انسحبت من معركة المناخ، إذ إن الرئيس ينسحب مجدداً من اتفاقية باريس، وقد لا يرسل وفداً أميركياً رسمياً إلى قمة المناخ (COP30) في البرازيل. لكن الحقيقة هي أنها ما تزال في الحلبة لكنها تقاتل في الطرف المعاكس.

ضغوط مكثفة من الإدارة الأميركية

منذ عودته إلى واشنطن، استخدم ترمب محادثات التجارة والتهديدات بالرسوم الجمركية والتوبيخ اللفظي لتشجيع الدول على التخلي عن التزاماتها المتعلقة بالطاقة المتجددة (وشراء مزيد من النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي كنتيجة لهذه العملية).

بعد عشرة أشهر فقط من ولايته الثانية، تحقق حملته نجاحاً مفاجئاً، إذ بدأت شخصيات رئيسية ودول تنكفئ بشكل متزايد تحت وطأة الضغط المركز.

تقول المتحدثة باسم البيت الأبيض تايلر روجرز إن ترمب انتخب لتطبيق “أجندة طاقة سليمة” و”لن يعرّض أمننا الاقتصادي والوطني للخطر من أجل تحقيق أهداف مناخية غامضة تلحق الضرر بدول أخرى”.

خافير بلاس: أسطورة بلوغ ذروة الطلب على الوقود الأحفوري تتهاوى

يدافع مؤيدو النفط والغاز عن طموح الرئيس، ويقولون إنه ساعد في إعادة إطلاق الحوار العالمي حول تغير المناخ، ومنح انفتاحاً سياسياً مرحّباً به للبنوك والشركات والحكومات الأخرى التي أرادت التراجع عن بعض أهداف الاستدامة في مواجهة الطلب المتزايد على الكهرباء.

وقال توم بايل، رئيس التحالف الأميركي للطاقة، وهي جماعة مناصرة: “يتيح الرئيس ترمب نوعاً ما للبنوك والاتحاد الأوروبي وغيرهم غطاء لكبح طموحاتهم المناخية… إنه يمنح هذه الدول القدرة على القول: مهلاً، أنا أحاول فقط مجاراة الولايات المتحدة، ولهذا أشتري كل هذا الغاز الطبيعي المسال”.

لكن في نظر دعاة البيئة والقادة الذين يعتمدون على التعددية كوسيلة للعمل المناخي العالمي، فإن ترمب يصرّ بشكل غير عادل على إرادته في عالم ينفد منه الوقت لكبح الانبعاثات وتجنب أسوأ عواقب الاحتباس الحراري.

هل تدمير المناخ هدف أم فرضية؟

قال جيك شميدت، المدير الاستراتيجي الأول في مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية: “واضح أنهم يلقون بشبكة أوسع بكثير لتدمير المناخ مما فعلوا في المرة الأولى… لديهم مزيد من الناس المنخرطين في هذا الأمر، وواضح أنه كان لديهم مزيد من الوقت للتخطيط له”.

تجري هذه الضغوط على جبهات متعددة. من بين أكبرها التجارة، فقد أجبر ترمب اليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي على التعهد بالإنفاق على الطاقة الأميركية والبنية التحتية للطاقة.

على سبيل المثال، وافقت اليابان على استثمار 550 مليار دولار في مشاريع أميركية، وتجري محادثات حالياً لتوجيه جزء من هذا التمويل إلى خط أنابيب غاز ألاسكا وموقع تصدير بقيمة 44 مليار دولار. وتعهدت كوريا الجنوبية بشراء ما يقارب 100 مليار دولار من الطاقة الأميركية.

في غضون ذلك، تعهد الاتحاد الأوروبي بإنفاق حوالي 750 مليار دولار لشراء منتجات الطاقة الأميركية، بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال، لضمان تخفيض الرسوم الجمركية على صادراته إلى الولايات المتحدة.

الوقود الأحفوري يعوض فجوة الرياح في توليد الكهرباء بأوروبا

تساءل المحللون عما إذا كانت هذه المبيعات ستتحقق بالكامل، لأنها ستتطلب من أوروبا زيادة وارداتها السنوية من الطاقة من الولايات المتحدة بأكثر من ثلاثة أضعاف. لكن الالتزام العلني بحد ذاته كان خطوة مذهلة لكتلة قادت العالم في دفع سياسات مكافحة تغير المناخ- بما في ذلك وضع أهداف ملزمة لخفض التلوث المسبب للاحتباس الحراري، ووضع خطة “صفقة خضراء” للتخلص من الوقود الأحفوري، وفرض رسوم جمركية على الواردات كثيفة الكربون.

انتهز مسؤولو إدارة ترمب فرصة اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للحث على تغييرات أخرى. على سبيل المثال، يضغط وزير الطاقة كريس رايت على الاتحاد لتخفيف القيود المفروضة على انبعاثات غاز الميثان من الغاز المستورد. وقد بدأ الاتحاد الأوروبي فعلاً في تخفيف متطلبات استدامة الشركات، ما يجبر عدداً أقل من الشركات على الحد من أضرارها البيئية، وهو تراجعٌ جاء بعد ضغوط من ألمانيا وغيرها من الجهات الأوروبية المعنية، بالإضافة إلى البيت الأبيض.

هل تغير المناخ خدعة واحتيال؟

في غضون ذلك، دأبت الإدارة الأميركية على دفع وكالة الطاقة الدولية على إعادة النظر في قيادتها، وحثتها على إعادة تفعيل توقعات تظهر آفاقاً أكثر تفاؤلاً للطلب على الوقود الأحفوري. كما ضغطت على بنوك التنمية متعددة الأطراف لإعطاء الأولوية للوقود الأحفوري على مشاريع التكيف مع المناخ والطاقة النظيفة، في حين أصبح تمويلها لهذه المبادرات الخضراء أمراً بالغ الأهمية في ظل التخفيضات الواسعة في المساعدات الخارجية.

وقد انتقد ترمب نفسه الدول التي لا تحذو حذوه. في خطاب له في سبتمبر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، انتقد الدول لوضعها سياسات حول ما سمّاه “الخدعة” و”الاحتيال” المتعلقين بتغير المناخ، محذراً من أنها لا تستطيع أن “تستعيد عظمتها” بدون “مصادر الطاقة التقليدية”. كما حث رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على رفض توربينات الرياح والاستفادة من ثروات بحر الشمال النفطية.

مارك غونغلوف: هكذا ستدفع البنوك ثمن تمويلها الوقود الأحفوري

يُعدّ هذا تسارعاً ملحوظاً منذ تولي ترمب منصبه في ولايته الأولى. خلال سنواته الأربع الأولى في البيت الأبيض، اقتصرت أجندة ترمب “للهيمنة على الطاقة” على هتافات حاشدة من قبيل “احفر يا عزيزي، احفر” وخطوات بطيئة لتشجيع مزيد من إنتاج النفط والغاز المحلي.

أما هذه المرة، فإن نهج الرئيس له امتداد عالمي وحدود أقل بكثير. وعندما يتعلق الأمر بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بالطاقة والمناخ، تقول آبي إينيس، الأستاذة المساعدة في الاقتصاد السياسي بكلية لندن للاقتصاد: “لدى الولايات المتحدة مصلحة في سياسة فرّق تسد، وبالتالي تقويض فرص التعاون”.

تجنب التعرض للضغوط

سواء حضر المسؤولون الأميركيون مؤتمر الأطراف الثلاثين في نوفمبر أم لا، فإن نفوذ الرئيس الأميركي سيظل كبيراً. تقول ليندا كالشر، مؤسسة مركز “المنظورات الاستراتيجية” البحثي وخبيرة في قمم الأمم المتحدة السنوية للمناخ: “تشعر دول مثل السعودية بتشجيع من ترمب بقطاع الوقود الأحفوري”. وقال دبلوماسي أوروبي إن الهدف الرئيسي الآن في مؤتمر الأطراف الثلاثين هو تجنب التعرض للضغط.

نفياً لتجاهل النقيض، لم تحذُ دول أخرى حذو الولايات المتحدة في انسحابها من اتفاقية باريس، وما يزال استخدام الطاقة النظيفة يشهد ارتفاعاً هائلاً عالمياً. حتى إلغاء الحوافز الضريبية والمشاريع في الولايات المتحدة يبطئ لكنه لم يوقف اعتماد البلاد على طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

أوروبا تلعب دور شرطي المناخ العالمي

بينما قد تخفف الشركات متعددة الجنسيات من خطابها البيئي، يقول المحللون إن كثيراً منها ما يزال يحسّن سلاسل التوريد وعملياته بهدوء لمواصلة البيع في كاليفورنيا وأوروبا وأماكن أخرى تطالب بمزيد من الاستدامة.

في تطور غريب يواجهه رئيس أميركي شجب اعتماد العالم على الصين، تتعاون دول أخرى بشكل متزايد مع بكين في سعيها للحصول على تقنيات طاقة خالية من الانبعاثات.

قال يوانيس يوانو، الأستاذ المشارك في كلية لندن للأعمال، الذي يركز بحثه على الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية للشركات: “عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الصين، سواء كانت دولاً أو شركات، يقول لي السياسيون والمديرون التنفيذيون: الأفضل أن تبقى مع من تعرفه… إنها توفر استقراراً أكبر من إدارة ترمب”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *