اخر الاخبار

لماذا يثير نهر السند القلق في الهند وباكستان؟

لطالما كان نظام نهري رئيسي يتدفق عبر كل من الهند وباكستان يُشكل بؤرة توتر مزمن بين البلدين على مدار عقود. إلا أن قرار الهند بتعليق اتفاقية تقاسم المياه بشكل أحادي في أبريل، وهي اتفاقية ظلت سارية مع باكستان منذ 65 عاماً، يمثل منعطفاً جديداً نحو التصعيد في العلاقات الثنائية.

ففي 22 أبريل، وفي غضون 24 ساعة من وقوع هجوم في إقليم كشمير المتنازع عليه أودى بحياة عدد من السياح الهنود، أعلنت نيودلهي تعليق العمل بـ”معاهدة مياه نهر السند”، محملة باكستان مسؤولية الحادث، وهو ما سارعت إسلام آباد إلى نفيه. وقد أثار هذا القرار الدهشة، لا سيما وأن المعاهدة الموقعة عام 1960 استطاعت في السابق أن تصمد في وجه نزاعات متعددة بين الجانبين. لكن حالة الاستياء المتبادلة، حيث تعتبر الهند بعض بنود الاتفاقية بالية، بينما تبدي باكستان انزعاجها من التوسع الهندي في مشاريع الطاقة الكهرومائية على مجرى النهر، ظلت تتفاقم على مدار العقد الماضي.

في مطلع مايو، وجه سيد علي مرتضى، سكرتير وزارة الموارد المائية في باكستان، رسالة إلى نظيره الهندي طالب فيها باستئناف المحادثات بشأن المعاهدة، بحسب ما أوردته صحيفة “ذا هندو”. إلا أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي صرح في 22 مايو قائلاً: “لن تحصل باكستان على المياه التي تعود ملكيتها للهند”.

تعليق المعاهدة يهدد باكستان اقتصادياً وبيئياً

وقد يكون لهذا التعليق تأثير واسع النطاق على اقتصاد باكستان، في وقت تتفاقم فيه أزمة المياه في البلدين بسبب تغير المناخ وأنماط الاستهلاك.

يعتقد أميت رانجان، الأكاديمي في معهد دراسات جنوب آسيا التابع لجامعة سنغافورة الوطنية والمتخصص في نزاعات المياه، أن إعادة تفعيل المعاهدة سيكون صعباً في ظل تدهور العلاقات السياسية، إلى جانب الضغوط الناتجة عن النمو السكاني وتراجع القدرة على التنبؤ بتوافر المياه.

ما هو نظام نهر السند؟

حوض نهر السند، الذي احتضن واحدة من أقدم الحضارات في تاريخ البشرية، يمتد عبر أربع دول، هي: الصين والهند وباكستان وأفغانستان. ويخدم الحوض قرابة 300 مليون نسمة، فيما يُعد نظام الري المحيط به الأكبر على مستوى العالم.

ينبع هذا النهر من جنوب غرب هضبة التبت، ويمتد لمسافة تُقدر بـ3180 كيلومتراً. ويتغذى النهر من ذوبان الثلوج والأنهار الجليدية التي تنحدر من سلاسل جبال هندوكوش والهيمالايا وكاراكورام، بالإضافة إلى الأمطار الموسمية.

ينطلق النهر من المناطق الجبلية، ويتغذى من خمسة روافد منفصلة. يبدأ مساره بالمرور عبر إقليم لداخ، ثم يعبر مناطق متنازعاً عليها بين الهند وباكستان. أما الروافد الشرقية الثلاثة، وهي رافي وبياس وسلتج، فتنبع من أو تمر عبر منطقة جامو وكشمير الهندية وولايتي هيماشال براديش والبنجاب، قبل أن تعبر الحدود إلى داخل باكستان. وفي السهول الباكستانية، تلتقي هذه الروافد لتكون مجرىً موحداً يتدفق في نهاية المطاف نحو بحر العرب.

لماذا يُعد نهر السند مهماً بالنسبة للهند وباكستان؟

تعاني كل من الهند وباكستان من شُح الموارد المائية. غير أن باكستان تعتمد بشكل شبه كامل على نظام نهر السند، إذ يعيش 9 من كل 10 باكستانيين ضمن نطاق حوض النهر، وتُقام على مجراه كافة محطات الطاقة الكهرومائية البالغ عددها 21، والتي تُسهم بتوليد نحو خُمس إجمالي الكهرباء في البلاد.

ويُستخدم نظام الأنهار لري أكثر من 90% من المحاصيل الزراعية في باكستان، بما في ذلك القمح والأرز والقطن. وتُشكل الزراعة حوالي 23% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وتوظف أكثر من 37% من قوتها العاملة، وتسهم بنحو ربع الصادرات.

لكن رغم هذا الاعتماد الكبير، لا تتجاوز قدرات التخزين المائي في باكستان حاجز 10% من التدفق السنوي لنهر السند، مما يجعل الوصول المستمر إلى مياه النهر مسألة بالغة الأهمية بالنسبة للبلاد.

أما في الهند، فيقتصر الاعتماد على نهر السند في المناطق الشمالية، وهذا يشمل ولايات وأقاليم مثل راجستان وهاريانا وهيماشال براديش ودلهي، وهي مناطق تعاني جميعها من نقص في المياه. كما تعتمد ولاية البنجاب، التي يعني اسمها “أرض الأنهار الخمسة” بسبب ارتباطها الوثيق بنظام نهر السند، بشكل كبير على هذا المورد في الأنشطة الزراعة وصناعة النسيج، وهما المحركان الاقتصاديان الرئيسيان للولاية.

إلا أن مساحة الهند وطبيعتها الجغرافية يعنيان أن المدن والمناطق الأخرى لديها مصادر مياه إقليمية خاصة بها، إذ تنتشر أنظمة الأنهار في الجنوب والغرب، بينما يعتمد الشمال الشرقي على الأمطار، وتوجد أنهار دائمة الجريان في الشمال، إلى جانب وجود مصادر مياه جوفية في المناطق القاحلة.

ومع ذلك، فإن حاجة الهند إلى مزيد من الموارد المائية لم تكن يوماً أكثر إلحاحاً مما هي عليه الآن. فالهند تُعد موطناً لنحو 17% من سكان العالم، لكنها لا تمتلك سوى 4% فقط من موارد المياه العذبة على مستوى العالم.

وقد حذرت “نيتي أيوغ” (Niti Aayog)، وهي مؤسسة بحثية مدعومة من الحكومة، من أن الطلب على المياه سيتجاوز المعروض بمقدار الضعف بحلول نهاية هذا العقد، استناداً إلى بيانات “ماكينزي آند كو” (McKinsey & Co.) و”وتر ريسورسز غروب” (Water Resources Group). كما توقع “نيتي أيوغ” أن ينخفض نصيب الفرد السنوي من المياه المتاحة ليقترب من عتبة شح المياه الرسمية البالغة 1000 متر مكعب بحلول عام 2050، فيما قدرت الحكومة هذا الرقم في عام 2021 بنحو 1,486 متراً مكعباً.

كيف تتقاسم الهند وباكستان مياه نهر السند؟

عندما انفصلت الهند إلى دولتين مستقلتين، الهند وباكستان، في عام 1947، جرى تقسيم نظام الري القائم حينها دون مراعاة الحدود السياسية الجديدة. وفي أبريل 1948، أقدمت الهند على حجب المياه عن قنوات كانت تتدفق باتجاه الأراضي الباكستانية، ما فجر أزمة مائية ذات أبعاد دولية.

وفي عام 1960، وبوساطة من البنك الدولي، وقعت الهند وباكستان اتفاقية لتقاسم المياه عُرفت باسم “معاهدة مياه نهر السند”، والتي وضعت إطاراً قانونياً لتقاسم موارد النهر بين البلدين.

بموجب المعاهدة، مُنحت باكستان حق الاستخدام غير المقيد للروافد الغربية الثلاثة من نظام النهر، التي تمثل نحو 80% من إجمالي تدفق مياهه، بينما خُصصت الروافد الشرقية الثلاثة للهند. ومع ذلك، تنص المعاهدة على أن الهند يمكنها استخدام مياه الروافد الغربية أثناء مرورها داخل أراضيها لأغراض “غير استهلاكية” مثل توليد الطاقة الكهرومائية والري، لكن بقيود محددة.

كما تسمح المعاهدة بتخزين محدود للغاية لمياه الروافد الغربية، ما أتاح للهند تطوير مشروعات كهرومائية جارية دون تحويل مجرى المياه أو استنزاف منسوبها المتجه نحو باكستان. وتشترط المعاهدة أيضاً أن يتبادل الطرفان البيانات المتعلقة بمعدلات جريان المياه والفيضانات والتصريف.

وخلال الأعوام الأخيرة، استندت باكستان إلى بنود تسوية النزاعات المنصوص عليها في المعاهدة، مدعية أن بناء سدين هنديين هما “كيشانغانغا” و”راتلي”، ينتهك البنود.

منذ عام 2023، بدأت الهند في إرسال رسائل إلى باكستان تطالب فيها بإعادة التفاوض على المعاهدة، مشيرة إلى تغيرات ديموغرافية ومناخية وتقنية، تقول إنها لم تُؤخذ في الاعتبار عند صياغة الاتفاق.

كيف يمكن أن يؤثر تغير المناخ على نظام النهر؟

تسعى الهند إلى خفض انبعاثاتها الكربونية من خلال بناء مشروعات طاقة متجددة تصل قدرتها إلى 500 غيغاواط بحلول عام 2030، وهو ما يعني تعرضها لضغوط لتكثيف مشروعات الطاقة الكهرومائية. ومع تعليق العمل بمعاهدة نهر السند، يتركز القلق الرئيسي لدى باكستان في احتمال أن تُسرع الهند وتيرة هذه المشروعات بطريقة قد تُحدث تغييرات جذرية في تدفقات المياه.

يُعد تغير المناخ أحد أكبر التحديات التي تهدد النظام البيئي لحوض نهر السند.

ففي وقت سابق من هذا العام، شهدت منطقة هندوكوش هيمالايا، التي تُغذي نظام نهر السند بذوبان الجليد، ثلاثة أعوام متتالية من انخفاض تساقط الثلوج دون المعدلات الطبيعية، بحسب المركز الدولي للتنمية الجبلية المتكاملة.

أظهرت البيانات أن ثبات الثلوج في حوض نهر السند، أي مدة بقاء الثلوج على سطح الأرض، انخفض بمقدار الربع العام الماضي. وتشير بعض التوقعات إلى أن الحوض سيواجه عجزاً مائياً يصل إلى 50% بحلول عام 2030، ما من شأنه أن يفاقم الأزمة المائية في كل من الهند وباكستان.

بحلول عام 2050، يُتوقع أن ترتفع درجات الحرارة في المنطقة الممتدة من أفغانستان إلى شمال ميانمار بما يتراوح بين درجة إلى درجتين مئويتين، وقد تصل في بعض المناطق إلى أربع أو خمس درجات، ما يتسبب في ذوبان المزيد من الثلوج والأنهار الجليدية. هذا الذوبان السريع وما يرافقه من تراجع في الكتل الجليدية سيزيد من مخاطر الفيضانات والجفاف والانهيارات الأرضية في كلا البلدين.

هل تستطيع الهند أو باكستان حجب المياه عن الأخرى؟

نظراً لأن نهر السند لا يعبر إلى الأراضي الباكستانية إلا بعد أن يتدفق عبر الهند، فإن باكستان ليست في موقع يسمح لها بقطع المياه أو تحويل مجراها بعيداً عن الهند. وفي المقابل، لا تمتلك الهند حالياً البنية التحتية اللازمة، من خزانات وسدود وقنوات، التي تمكنها من حجب المياه بشكل كامل عن باكستان، بحسب ما أورده مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

مع ذلك، سبق للهند أن هددت بقطع المياه عن باكستان خلال تصاعد التوترات بين البلدين في عام 2016. وفي مايو من هذا العام، أوقفت مؤقتاً تدفق المياه من نهر تشيناب.

وفي 16 مايو، أفادت وكالة “رويترز” أن نيودلهي تعتزم مضاعفة طول قناة رانبير البالغ حالياً 60 كيلومتراً والمقامة على نهر تشيناب، كجزء من ردها على هجوم باهالغام. ومن شأن هذا التوسيع أن يرفع القدرة التحويلية للقناة داخل الأراضي الهندية إلى 150 متراً مكعباً من المياه في الثانية، مقارنة بـ40 متراً مكعباً حالياً.

لكن وبالنظر إلى قدرات الهند الحالية، ومشروعاتها السابقة، يؤكد الخبراء أن بناء بنية تحتية بهذا الحجم قد يستغرق عقد أو أكثر. فعلى سبيل المثال، استغرق بناء سد باغليهار، الذي افتتح مؤخراً، وتبلغ سعته التخزينية حوالي 428 مليون متر مكعب، نحو 15 عاماً وتكلفة تجاوزت مليار دولار.

ما هي تداعيات حجب المياه؟

تعتمد باكستان بشكل شبه كلي على نهر السند، وعلى التزام الهند ببنود معاهدة تقاسم المياه. وهذا الاعتماد هو ما دفع جاكوب شتاينر، أستاذ علم المياه في جامعة غراتس بالنمسا والزميل في اتحاد جامعات هيمالايا، إلى القول أن المعاهدة صمدت حتى الآن. ويقول شتاينر إن “كان هناك إدراك من كلا الجانبين أن باكستان لم تكن لتنجو دون هذه المياه”.



منذ تعليق المعاهدة، صرح مسؤولون باكستانيون بأن أي محاولة لعرقلة تدفق المياه سيُنظر إليها على أنها عمل حربي. وفي وقت سابق من مايو، قال خورام داستغير خان، عضو الوفد الباكستاني المتجه إلى العواصم الأوروبية والولايات المتحدة: “إذا لم تُحل قضية المياه، فإننا نتجه إلى حرب جديدة خلال ستة إلى عشرة أعوام”.

وسيؤدي أي انخفاض كبير في تدفق المياه إلى عواقب بيئية جسيمة على طول مجرى نهر السند ومحيطه. فحوض نهر السند يدعم العديد من النظم البيئية الحساسة مثل غابات المانغروف، التي تسهم في تعزيز التنوع البيولوجي ومكافحة آثار تغير المناخ. كما يحتضن النهر 22 نوعاً من الأسماك المتوطنة، إلى جانب دلافين نهر السند المهددة بالانقراض.

كما أن حجب المياه قد يضر بعلاقات الهند مع جيرانها الآخرين الذين تتقاسم معهم أنهاراً مثل نيبال وبنغلاديش والصين. فالهند ترتبط بمعاهدة مياه مع بنغلاديش تنظم كيفية تقاسم مياه نهر الغانج، ومن المقرر أن تنتهي هذه الاتفاقية في عام 2026، ما يفتح الباب أمام مفاوضات تجديدها.

كما أن قرار تعليق معاهدة نهر السند قد يثير حفيظة الصين، التي استثمرت بشكل كبير في مشاريع الطاقة الكهرومائية الباكستانية ضمن إطار مبادرة الحزام والطريق. وتتمتع الصين بإمكانية الوصول إلى الجزء العلوي من نهر براهمابوترا، الذي يتدفق إلى الهند، حيث تقوم ببناء السدود ومشروعات طاقة كهرومائية على مدى العقد الماضي، وهي أنشطة أثارت بالفعل انتقادات من المسؤولين الهنود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *