لماذا نحس أن الإجازة كانت قصيرةً رغم أنها كانت كثيرة الأحداث؟

لم يكن سهلاً أن أصدق أننا استهلينا سبتمبر حين جاءت عطلة عيد العمال التي تحتفل بها الولايات المتحدة في ذلك اليوم، فقد استقر في نفسي أننا كنا نحتفل بمطلع الصيف بالأمس، وفي خلدي ما يزال الخريف على بُعد أشهر. لماذا إذاً نشعر بأن الوقت يمر أسرع من ذي قبل؟
ربما يقترب العلماء من الإجابة. فقد اكتشف فريق من الباحثين حديثاً آليةً في الدماغ يبدو أنها تُنظِّم كيفية إدراكنا وتذكرنا لمرور الوقت.
حتى من لا يحبون الصيف غالباً ما تذهلهم سرعة انقضاء العام وكأنما يرددون كلمات فرقة “بينك فلويد” الشهيرة: “ستجد يوماً ما أن عشر سنوات قد مضت”. لكن هذا الشعور المُقلق بأن الوقت يمرّ بسرعة يكمن في رؤوسنا في الغالب. وهذا يعني أننا نستطيع فعل شيء حيال ذلك.
كيف تستنزف مشكلات الصحة النفسية اقتصادات العالم؟
يقول علماء يدرسون طبيعة إدراك الوقت إن أدمغتنا لم تتطور لتتمكن من تتبع الوقت وتسجيله بدقة، كالأيام والأسابيع مثلاً، بل لمعالجته بطرقٍ أفادت أسلافنا في البقاء. لاحظوا أن الحيوانات حساسة أيضاً للوقت، إذ يصيبها إحباط إن طال أمد انتظارها للحصول على ما تشتهي من طعام. بالنسبة لمعظمها، يكون الوقت بين الجوع والموت جوعاً قصيراً. إذاً الوقت هو الحياة بكل معنى الكلمة.
كان أعضاء فريق بحثي يُجري أبحاثاً حول كيفية إدراك الدماغ للوقت قد توصلوا بالفعل إلى اكتشاف رائد: كيف تتنقل فئران التجارب في مكان باستخدام “خلايا شبكية”. وقد حاز هذا العمل على جائزتي نوبل لعضوين من الفريق. والآن، اكتشف الباحثون أنفسهم أدلة على أن الفئران تتعقب الوقت أيضاً باستخدام جزء مختلف من الدماغ يُسمى القشرة المخية الأنفية الجانبية، ويقع بجوار الحصين، مركز الذاكرة في الدماغ.
كيف استدلوا بالفئران؟
في القشرة المخية الأنفية الجانبية، تُطلق الخلايا العصبية إشاراتها بنمط فريد غير متكرر. يصف الباحث الرئيسي بنيامين كانتر، من الجامعة النرويجية للعلوم والتقنية، هذا النشاط العصبي بأنه “انجراف سلس”. يتدفق هذا النشاط بثبات أثناء نوم الفأر أو انشغاله بسلوك روتيني مثل البحث عن الطعام. لكن عند وقوع حدثٍ مهم – مثل تلقي قضمة كعك من واحد من الباحثين – يزداد نشاط هذه الخلايا العصبية لفترة وجيزة.
قد يُشكّل هذا النمط من الانجراف المستمر، الذي تتخلله نبضات من النشاط، نوعاً من الطابع الزمني – لمساعدة الفأر على تذكر توقيت وقوع الأحداث المهمة. يعني ذلك أن الزمن، في الذاكرة، يُختبر من خلال الأحداث. وكلما زادت التجارب التي مررنا بها خلال فصل الصيف، زاد شعورنا بامتداد الزمن عند النظر إليه. نُشرت نتائج الفريق في مجلة “ساينس أدفانسز” في 26 يونيو (وهو ما أشعر كأنه حدث بالأمس).
حقن الدماغ بالفيروسات أحدث طريقة لرسم خرائطه
في دراساتٍ حديثة تناولت بشراً، خلص عالم النفس ديفيد كليويت من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس وزملاؤه أننا نميل إلى تنظيم الذكريات في مجموعات – مثل مشاهد الأفلام. في إحدى التجارب، عُرضت على المتطوعين صورٌ لأشياء شائعة، بينما كانت النغمات تُسمع في أذنٍ واحدة ثم تُنقل إلى الأخرى.
كان الصوت المتغير كافياً لخلق حاجزٍ ذهني بين مجموعاتٍ مختلفة من العناصر. كان المشاركون عادةً قادرين على تذكر ترتيب الصور داخل المجموعة نفسها، لكنهم واجهوا صعوبةً عندما طُلب منهم أن يفعلوا ذلك مع عناصر من مجموعاتٍ مختلفة.
قال كلويت إن التجارب الجديدة في الحياة اليومية يمكن أن تساعد في تكوين ذكريات أميز، ما قد يجعل الصيف يبدو أطول. أضاف: “اخرج من منطقة راحتك واستمر في بناء مزيد ومزيد من الذكريات”.
كيف يستخدم علماء الأعصاب استراحات “غسيل الدماغ” لتعزيز الإبداع في العمل
قال عالم الأعصاب مارتن وينر من جامعة جورج ماسون إن الوقت غالباً ما يبدو أنه يتسارع مع تقدمنا في السن، لأن حياتنا تتجه إلى روتين ثابت، ما يدفع أدمغتنا إلى نوع من التشغيل الآلي، فتتداخل الأسابيع في الذاكرة. أضاف أن كثيراً من الناس يفترضون أن الوقت يتسارع لمجرد أن كل عام يصبح جزءاً أصغر من ماضينا، لكن هذا لا يمكن أن يكون القصة كاملةً.
كثيراً ما يسأله الناس عن كيفية إبطاء الوقت، لكنه يحذر من مفارقة: قد تبدو عطلة حافلة بالأحداث طويلة عند النظر إليها لاحقاً، لكنها تبدو وكأنها تمر بسرعة في لحظتها – بينما قد تبدو ساعة لا تُنسى في غرفة الانتظار طويلة بشكل لا يُصدق حين نعيشها.
في كتابه “دماغك آلة زمن”، ينسج عالم الأعصاب دين بونومانو فيزياء وفلسفة وعلم أعصاب الزمن. قال إن هناك تناقضاً جوهرياً بين الأبديين – الذين يعتقدون أن تدفق الزمن وهم – والحاضريين، الذين يعتقدون أن الحاضر فقط هو الحقيقي وأن الماضي والمستقبل غير موجودين.
الزمن مكانياً
يزعم بونومانو أن محدودية الدماغ البشري قد تدفعنا إلى التفكير في الزمن من منظور مكاني – بالنظر إلى الأمام أو إلى الماضي، على سبيل المثال. قد يدفع هذا الميل الأبديين إلى وجهة نظرهم القائلة بأن الزمن يشبه بُعداً آخر من أبعاد المكان. لكنه قال إنه بالتأكيد لا يتصرف بهذه الطريقة.
اقترحتُ أنه يمكننا تسخير هذا الميل لـ”إضفاء طابع مكاني” على الزمن. في الأيام التي سبقت ”جوجل“، كنتُ أكتب الأنشطة على تقويمات ورقية للتخطيط. أحياناً كنتُ أستعيد شهراً – وهو فعل لم يُعزز ذكرياتي فحسب، بل شكّلها أيضاً، وأجبرها على التوافق بشكل أفضل مع وقت التقويم. وجعل ذلك الصيف يبدو أطول.
لذلك، حاولتُ كتابة أحداث هذا الصيف – أحدها الذي تبخر في الغالب – على تقويم حائطي، فبدأ يبدو أكثر اكتمالاً وطولاً. يبدو هذا طريقاً واعداً لأبحاث مستقبلية. لكن على هؤلاء العلماء أن يُسرعوا، فالوقت ينفد.