لماذا لا تنخفض أسعار الوقود رغم تراجع النفط؟ السر يكمن في المصافي

يُعدّ الوقت الحالي مثالياً لمصافي النفط، لكنه وقت أقل إيجابية لمستهلكي الوقود.
في أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، تحقق شركات التكرير العملاقة أرباحاً من خلال القيام بما لطالما فعلته: تحويل النفط الخام إلى وقود مهم وبيعه بهامش ربح.
ما يختلف اليوم هو حجم التهديد الذي يواجه الإمدادات العالمية: فالهجمات المتواصلة على البنية التحتية للطاقة في روسيا، والتوقفات في مصاف رئيسية في آسيا وأفريقيا، والإغلاقات الدائمة في أوروبا والولايات المتحدة، كلها عوامل أزاحت ملايين البراميل من الديزل والبنزين من السوق العالمية.
بالإضافة إلى هذه التأثيرات الواقعية تأتي مخاوف المتداولين بشأن ما هو قادم: عقوبات أميركية وشيكة على شركتي “لوك أويل” و”روسنفت”، وقيود جديدة من الاتحاد الأوروبي على الوقود المُنتج من الخام الروسي، مما يهدد سلاسل الإمداد المنهكة أصلاً.
والنتيجة هي استمرار الضغوط على الأسعار عند البيع للمستهلكين في محطات الوقود رغم الانخفاض في أسعار النفط العالمي -وهو أمر من المستبعد أن تتقبله جيداً إدارة أميركية تعتبر “الطاقة الميسورة التكلفة” أمراً أساسياً.
هوامش ربح مرتفعة للمصافي
قال يوجين ليندل، رئيس المنتجات المكررة في شركة الاستشارات “إف جي إي نيكسانت إي سي إيه” (FGE NexantECA): “هوامش ربح المصافي العالمية فلكية.. الرسالة التي ترسلها لمصافي العالم، أينما كانت، هي: اعملوا بكامل طاقتكم”.
في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، تُعد الهوامش الأعلى خلال هذه الفترة من السنة منذ 2018 على الأقل، وفقاً لبيانات “القيمة العادلة” التي جمعتها بلومبرغ. الأرباح جيدة جداً إلى درجة أن أسعار أسهم شركات التكرير ترتفع بقوة: إذ شهدت شركات مثل “فاليرو إنرجي كورب” (Valero Energy Corp) و”تركيا بترول رافينيريليري” (Turkiye Petrol Rafinerileri) ارتفاعات ضخمة، بينما ارتفع سهم “أورلين” (Orlen) بأكثر من 100% منذ بداية العام.
وبينما تؤثر توقعات الفائض في المعروض سلباً على أسعار النفط الخام، فإن الاضطراب في منظومة التكرير العالمية يحدّ من قدرة المصافي على تحويل النفط إلى منتجات مثل البنزين والديزل ووقود الطائرات. وعلى الرغم من أن هذا يفيد المصافي العاملة، فإنه يعني أيضاً أن هبوط أسعار النفط الخام الرئيسية لا ينعكس على أسعار المستهلكين عند محطات الوقود.
ضربات أوكرانيا على البنية التحتية لروسيا مؤثرة
يتسبب سيل الهجمات المستمر على المصافي الروسية -إذ أعلنت أوكرانيا هذا الشهر تنفيذ ضربات على مصافي ساراتوف وأورسك وفولغوغراد- في إعاقة إنتاج الوقود. وفي الشهر الماضي، كانت صادرات روسيا الضخمة من المنتجات النفطية في طريقها للهبوط إلى أدنى مستوى منذ عدة سنوات، قبل أن تتعرض مرافق تحميل رئيسية في ميناء توابسي لهجمات بطائرات مسيّرة.
كما تتعرض إمدادات المنتجات لمزيد من الضغط بسبب توقفات في أماكن أخرى. ففي الكويت، لا تعمل سوى واحدة من ثلاث وحدات معالجة في مصفاة الزور العملاقة البالغة طاقتها 615 ألف برميل يومياً. كما ثمة تقارير تفيد بأن وحدة إنتاج البنزين الرئيسية في مصفاة “دانغوت” الضخمة في نيجيريا ستتوقف لمدة 50 يوماً لإجراء صيانة، رغم أنها بدأت إعادة التشغيل مؤخراً.
انخفاض معدلات تشغيل المصافي الأميركية
وفي الوقت نفسه، انخفض معدل تشغيل المصافي الأميركية خلال الأسابيع الأخيرة بأكثر من مليون برميل يومياً مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهو تراجع كبير بعد شهور الصيف التي يصل خلالها الطلب إلى ذروته، حين شهدت المصافي أعلى معدلات تشغيل موسمية منذ 2019. وشهدت الولايات المتحدة -كما أوروبا الغربية- إغلاقات متعددة للمصافي خلال السنوات الأخيرة، مما يزيد الضغط على الإمدادات.
قالت وكالة الطاقة الدولية يوم الخميس “واجه نشاط التكرير العالمي سلسلة من التوقفات غير المخطط لها في أكتوبر، مما زاد من تقييد أسواق المنتجات ودفع الهوامش إلى مستويات أعلى.” ودفعت الأرباح المتزايدة الوكالة إلى رفع تقديراتها للتشغيل لدى المصافي الشديدة التأثر بالهوامش في أوروبا وآسيا هذا الشهر والشهر المقبل.
في الولايات المتحدة، كانت النتيجة ارتفاع متوسط سعر الديزل منذ تولي الرئيس دونالد ترمب منصبه، وعدم حدوث تغيّر كبير في سعر البنزين، الذي بلغ 3.08 دولار للغالون يوم الخميس. في المقابل، انخفضت أسعار العقود المستقبلية للنفط الخام بنحو 20% منذ تنصيبه الثاني، وسط توقعات بفائض كبير في المعروض.
فاقمت مخاوف المتعاملين بشأن المستقبل هذه الضغوط الفعلية المتواصلة في الإمدادات.
توقف صادرات لوك أويل وروسنفت قد يصدم الأسواق
قالت ريبيكا بابين، كبيرة متداولي الطاقة في “سي آي بي سي برايفت ويلث غروب” (CIBC Private Wealth Group) “القوة الحالية في هوامش التكرير ناتجة جزئياً على الأقل عن حالة عدم اليقين بشأن العقوبات الأميركية المرتقبة على روسنفت ولوك أويل، إضافة إلى الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي في يناير على المنتجات الروسية.”
يقدّر ليندل من “إف جي إي” إن صادرات “لوك أويل” و”روسنفت” المجمّعة من المنتجات النفطية الروسية تتجاوز 800 ألف برميل يومياً. وتمثل تجارة المنتجات النفطية المنقولة بحراً عالمياً نحو 22 مليون برميل يومياً، وفق “كلاركسون ريسيرش سيرفيسز” (Clarkson Research Services) التابعة لأكبر شركة وساطة سفن في العالم.
من شأن أي تعطّل كبير في تلك الصادرات أن يشكل صدمة لسوق الوقود العالمية، رغم أن مدى اختفاء تلك البراميل فعلياً يبقى غير واضح. فقد أظهرت روسيا مراراً قدرتها على التحايل على العقوبات.
وتُطرح أيضاً تساؤلات بشأن مستقبل المصافي خارج روسيا التي تشارك فيها “لوك أويل”، بما في ذلك مصفاة بورغاس في بلغاريا، ومصفاة زيلاند في هولندا، ومصفاة بتروتل في رومانيا.
وهناك أيضاً قيود الاتحاد الأوروبي التي تدخل حيز التنفيذ في 21 يناير، والتي تمنع تسليم المنتجات النفطية المصنوعة من الخام الروسي إلى داخل التكتل. ولا يزال من غير الواضح بدقة كيف ستؤثر هذه القيود على إمدادات أوروبا من الديزل القادمة من الهند وتركيا، وهما من أكبر مستوردي الخام الروسي.
قالت كارولين كيسان، العميدة المساعدة بمركز الشؤون العالمية في جامعة نيويورك “العقوبات ضد روسنفت ولوك أويل، إضافة إلى حزمة العقوبات الأخيرة من الاتحاد الأوروبي، تشدّ الخناق حول عنق روسيا. وفي الوقت نفسه، نشهد مزيداً من الهجمات التي تشنها أوكرانيا على البنية التحتية الروسية، مما يوجه ضربة لسوق المنتجات.”



