اخر الاخبار

لماذا لا تعمل شواحن السيارات الكهربائية العامة بالسرعة الموعودة؟

بقلم: كايل ستوك

يعد متجر “سميث” (Smith’s grocery store) في روك سبرينغز بولاية وايومنغ واحة مثالية بالنسبة لسائقي السيارات الكهربائية الذين يسافرون عبر الولاية الأميركية الشاسعة. يقع المتجر بالقرب من الطريق السريع “آي-80″، ويقابله متجر “بيتكو” (Petco)، وهو يحتوي على ستة منافذ شحن بقدرة تصل إلى 350 كيلوواط. وبهذه السرعة، يمكن شحن سيارة “تسلا موديل 3” بشكل كامل بمقدار الوقت الذي يستغرقه السائق للذهاب إلى الحمام وشراء شكولاته “سنيكرز”.

لكن عندما وصلتُ إلى محطة الشحن في الشهر الماضي بسيارة “ريفيان آر1إس” (Rivian R1S) مصطحباً كلباً وطفلين، اكتشفت أن الشحن بسرعة 350 كيلوواط لم يكن سوى وهم. بالرغم من أن السيارة الرياضية متعددة الاستخدامات قادرة على الشحن بسرعة 220 كيلوواط في أفضل الأحوال، إلا أن مقبس الشحن في المحطة قلص السرعة إلى 50 كيلوواط فقط. ونتيجة لذلك، استغرقت الرحلة المخطط لها سبع ساعات ساعتين إضافيتين.

تعقيدات شحن البطاريات

هذه المشكلة ليست أمراً خاصاً بولاية وايومنغ أو سيارات “ريفيان” فقط. ففي محطات الشحن العامة في الولايات المتحدة التي تعد بسرعات شحن تزيد عن 100 كيلوواط، كان متوسط الشحن الفعلي 52 كيلوواط فقط في عام 2022، وفقاً لشركة “ستابل أوتو” (Stable Auto) التي تساعد شبكات الشحن في تحديد أماكن بناء البنية التحتية الجديدة. وهذا التفاوت يعكس بشكل كبير تعقيدات خصائص بطاريات السيارات، مما يترك العديد من السائقين في الولايات المتحدة يتساءلون عن السبب وراء انخفاض سرعة الشحن، وما إذا كان يمكنهم توقع ذلك.

في هذا السياق، أوضح ديفيد سلوتزكي، رئيس ومؤسس “فيرماتا إنيرجي” (Fermata Energy)، وهي شركة ناشئة متخصصة في بناء أنظمة شحن من السيارة إلى الشبكة الكهربائية، أن “الحقيقة هي أننا لا نملك حتى الآن بنية تحتية متكاملة توفر شحناً سريعاً بالمعنى الكامل للكلمة، فمعظم المحطات تقلل سرعة الشحن بسرعة كبيرة”.

هناك عوامل عديدة تجعل حتى أفضل محطات الشحن العامة لا تعمل بكامل طاقتها في معظم الأحيان. فعلى عكس ملء خزان الوقود، تعتمد عملية شحن بطاريات السيارات الكهربائية على كيمياء معقدة. كما تؤثر عوامل داخلية وخارجية عديدة على سرعة الشحن أيضاً.

بدايةً، يمكن للسيارة الكهربائية أن تمتص الإلكترونات بسرعة محدودة. من بين 55 طرازاً كهربائياً متوفراً حالياً في الولايات المتحدة، يمكن لنصفها الشحن بسرعة تفوق 200 كيلوواط، فيما يمكن لخمسة طرز فقط الشحن بسرعة 350 كيلوواط.

درجات الحرارة تؤثر على الشحن

بالإضافة إلى ذلك، تتأثر هذه السرعات بشكل أكبر في درجات الحرارة القصوى، سواء كانت مرتفعة أو منخفضة، إذ يمكن أن تتضرر بطارية الليثيوم أيون في هذه الظروف، ما يدفع الشركات المصنعة إلى برمجة سياراتها على تقليل سرعة الشحن في مثل هذه الحالات لحماية البطارية.

الأمر الأكثر تعقيداً هو أن سرعة الشحن تتباطأ تلقائياً كلما اقتربت البطارية من الامتلاء لتجنب ارتفاع درجة حرارتها. (يحدث الأمر نفسه مع الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة). تختلف تفاصيل هذه العملية من سيارة إلى أخرى، لكن الشركات المصنعة تتحفظ عادةً تجاه مشاركة مثل هذه المعلومات حتى مع المشترين. فعلى سبيل المثال، تمتاز سيارات “تسلا” بمنحنيات شحن حادة نسبياً، ما يعني أن الجزء “السريع” من عملية الشحن لا يدوم طويلاً.

وأخيراً، تعمل شبكات الشحن على تقليص تدفقات الإلكترونات أثناء شحن السيارات الكهربائية لأسباب متعددة. ففي الأيام الحارة، مثلاً، قد تتعرض الشبكة المحلية لضغط شديد نتيجة التشغيل المكثف لمكيفات الهواء، أو قد تسخن مقابس الشحن نفسها بشكل مفرط. كذلك، تعتمد العديد من المحطات على تقسيم الطاقة بين عدة سيارات تشحن بطارياتها في نفس الوقت، مما يتيح لها تركيب عدد أكبر من منافذ الشحن باستخدام نفس كمية الكهرباء المتاحة. وبعبارة أخرى، قد ينخفض أداء شاحن قدرته 200 كيلوواط إلى 100 كيلوواط إذا تم استخدام منفذ شحن آخر في نفس المحطة. (علماً بأن وزارة الطاقة الأميركية تصنف منافذ الشحن التي تتجاوز قدرتها 50 كيلوواط باعتبارها “شواحن سريعة”).

فجوة التوعية لدى المستهلكين

تقول سارة رافالسون، المديرة التنفيذية للسياسات في شركة “إي في غو” (EVgo)، إن “هناك نوعاً من التفاعل المعقد بين السيارة والشاحن، لذلك أعتقد بوجود فجوة في توعية المستهلكين حول توقعاتهم لشحن سياراتهم”.

هذه الفجوة قد تعرقل تبني السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة، خاصة مع التركيز على سرعة الشحن كمعيار تسويقي مهم. وتحرص شركات تصنيع السيارات على الترويج لمدى سرعة شحن سياراتها من 10% أو 20% إلى 80%، بينما تعرض محطات الشحن العامة أقصى معدل شحن ممكن على الأجهزة نفسها، دون الإشارة إلى السرعة المتوسطة أو المتوقعة. ووفقاً لتقرير “بلومبرغ إن إي إف”، فإن 17% من مقابس الشحن العامة في الولايات المتحدة تُصنف بقدرات تفوق 100 كيلوواط، مقارنة بـ10% في المملكة المتحدة و2% في هولندا.

ويقول أنتوني لامبكين، نائب رئيس العمليات في “إلكتريفاي أميركا” (Electrify America) التي تدير حوالي 1000 محطة شحن في الولايات المتحدة: “لا يزال هناك فارق كبير بين توقعات العملاء وما يرونه فعلياً عند استخدام محطات الشحن، لكن الخبر السار هو أن هناك الكثير من السائقين الجدد، وهذه مجرد واحدة من الأمور التي تستغرق وقتاً للتعلم”.

 

مع ذلك، يبدي المستهلكون تفاؤلاً أقل. فقد أظهرت دراسة شملت 103 آلاف جلسة شحن لسيارات “تسلا” أن متوسط سرعة الشحن بلغ 90 كيلوواط فقط، وهو ما يمثل أقل من نصف السرعة القصوى الممكنة، بحسب “ريكورنت أوتو” (Recurrent Auto)، وهي شركة ناشئة تتعقب صحة البطاريات.

وفي استطلاع حديث أجرته شركة “جيه دي باور” (JD Power)، حصلت سرعات الشحن العامة على تقييمات منخفضة من مالكي السيارات الكهربائية، حيث كانت ضمن أدنى 10 فئات تمت دراستها.

عن ذلك، يقول برنت غروبر، المدير التنفيذي لقسم السيارات الكهربائية في “جيه دي باور”، إن المستهلكين يكوّنون توقعات زائفة “عندما يرون تلك الأرقام المقومة بالكيلوواط على مقبس الشحن نفسه”.

تضييق الفجوة بين المتوقع والفعلي

يقر المسؤولون التنفيذيون في شركات الشحن بضرورة تكثيف جهودهم لتثقيف المستهلكين، خاصة الجدد في عالم السيارات الكهربائية. ويشير لامبكين إلى أن “التحدي لا يزال قائماً”. لكن الجانب التقني لهذه التجربة يجذب الناس، حيث يشعرون بحماس شديد عندما يرون أنهم يحصلون على أقصى سرعة شحن ممكنة”.

 

بالرغم من أن تعقيدات الشحن تعني أن الفجوة بين السرعات المتوقعة والفعلية لن تنتهي أبداً بالكامل، إلا أنه من المتوقع أن تتقلص في المستقبل القريب. تعمل

 

، مما سيحد من الحاجة إلى تقسيم الطاقة بين منافذ الشحن المتعددة. فمنذ نهاية عام 2022، أصبحت كافة المحطات الجديدة التي أنشأتها “إلكتريفاي أميركا” قادرة على الشحن بسرعة تصل إلى 350 كيلوواط، وبعض هذه المحطات تضم الآن 20 منفذ شحن.

كما أدركت شركات السيارات أن سرعة الشحن القصوى تشكل عاملاً حاسماً بالنسبة لمشتري السيارات الكهربائية، لذلك فإنها تعمل على تعزيزها في الطرز المستقبلية. ويضيف لامبكين: “سيكون هناك تقدم تكنولوجي يتناسب مع تطور معرفة وتجربة المستهلكين”.

تحضير مسبق

في الوقت الحالي، يبقى التحضير المسبق أفضل وسيلة للتعامل مع عدم القدرة على التنبؤ بسرعات الشحن. قبل أن يبدأ جاكوب إسبينوزا أي رحلة بالسيارة من منزله في نيو مكسيكو، يعتمد على ثلاثة خطوات أساسية، وهي إدخال وجهته في تطبيق تخطيط الطرق، والتحقق من تطبيقات شبكات الشحن، ومراجعة تقييمات المستخدمين لمحطات الشحن عبر منصة “بلغ شير” (Plugshare).

يقول إسبينوزا، الذي يوثق رحلاته بسيارته الكهربائية على موقع “يوتيوب”: “عندما تقوم بهذه الخطوات الثلاث، يصبح من السهل جداً القيام برحلات طويلة باستخدام سيارة كهربائية”.

في مدينة روك سبرينغز، عندما تجاهلت اتباع الخطوتين الثانية والثالثة اللتين أوصى بهما إسبينوزا، كانت النتيجة غير مرضية. فبعد حوالي 15 دقيقة من الشحن بسرعة 50 كيلوواط، قررنا تقليص خسائرنا والمغادرة وتوجهنا شمالاً لمسافة 100 ميل إلى بلدة باينديل بولاية وايومنغ، حيث وجدنا منفذي شحن في ساحة خلف مطعم “ستوكمانز سالون آند ستيكهاوس” (Stockman’s Saloon and Steakhouse). وتصادف وجود مهرجان “فرونتير دايز” (Frontier Days) في البلدة، فانتهزنا الفرصة لحضور حفل موسيقي شعبي ضمن فعاليات المهرجان.

على الرغم من أن شاحن باينديل كان يوفر سرعة شحن قصوى تبلغ 120 كيلوواط، إلا أنه كان أسرع من شاحن روك سبرينغز الذي يعد بسرعة 350 كيلوواط، وتمكن من شحن السيارة بالطاقة اللازمة للجزء المتبقي من الرحلة البالغة 90 ميلاً في بضع دقائق فقط. كانت تلك اللحظة تجسد حقاً معنى أيام “فرونتير”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *