اخر الاخبار

لماذا لا تستجيب سوق السندات لتعديلات سعر الفائدة؟

لا يوجد شيء مؤكد في الأسواق، لكن بعض الأمور تكاد تبلغ تلك الدرجة، ومنها توقع خفض أسعار الفائدة مجدداً العام المقبل، وتوقع آخر هو أن يكون لهذا الخفض تأثير ضئيل أو معدوم على أسعار الفائدة طويلة الأجل.

أولاً، بخصوص الخفض، ربما يكون رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول قد أشرف على آخر إعلان له عن خفض أسعار الفائدة، لكن يُرجح أن يخفض خليفته أسعار الفائدة أكثر العام المقبل.

لا يقتصر الأمر على رغبة الرئيس دونالد ترمب في خفض أسعار الفائدة لتعزيز سوق الأسهم واقتراض المستهلكين وخفض قيمة خدمة الدين الوطني، بل يكمن في وجود مخاطر مالية في الوضع الراهن، إذ إن أسعار الفائدة مرتفعة بعد فترة طويلة من انخفاضها الاستثنائي: قد يساعد خفض أسعار الفائدة الولايات المتحدة على تجنب أزمة ائتمانية.

ترمب يهاجم الفيدرالي بسبب معدل خفض الفائدة ويتهمه بـ”قتل النمو”

لكن الحكومة والأسواق المالية قد تواجهان صدمة كبيرة. حتى لو خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة قصيرة الأجل، أو حينما يخفضها، سيكون شبه مؤكد أن عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات لن ينخفض ​​كثيراً، على الأقل ليس إن لم يكن بفعل كبح مالي كبير.

إنها ظاهرة متوقعة بقدر ما هي غير مفهومة: يخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة فترتفع عوائد السندات طويلة الأجل. قد يكون السبب هو تشكك السوق في جدية كيفن هاسيت، الرئيس المحتمل للاحتياطي الفيدرالي، في معالجة التضخم. ولكن حتى لو رشح ترمب نسخةً من بول فولكر، فلن يتمكن الاحتياطي الفيدرالي من خفض عائد السندات لأجل 10 سنوات.

ظاهرة ليست بديهية التفسير

قد يبدو هذا غريباً لأنه يُفترض نظرياً أن يعكس عائد السندات لأجل 10 سنوات توقعات المستثمرين لعائد السندات قصيرة الأجل في المستقبل. إذا كان الاحتياطي الفيدرالي ملتزماً بالتيسير النقدي مستقبلاً، يُفترض أن تنخفض أسعار الفائدة. وغالباً ما يتبع عائد السندات لأجل 10 سنوات سياسة الاحتياطي الفيدرالي.

لكن ليس دائماً. فأسعار الفائدة طويلة الأجل تعكس أكثر من مجرد توقعات أسعار الفائدة قصيرة الأجل. لهذا السبب، تنقسم سوق السندات وفقاً لتباين آجالها، ويكون تأثير الاحتياطي الفيدرالي أكبر على السندات التي يقل أمدها عن خمس سنوات؛ وكلما طال أمد السندات قلّ التأثير. تتأثر السندات طويلة الأجل بقوى السوق بشكل أكبر. وتعكس عوائدها التضخم المتوقع في المستقبل، ومخاطر التضخم، وعلاوة المخاطرة لحيازة أصل ذي تقلبات سعرية أكبر من السندات قصيرة الأجل.

عوائد السندات تقفز لأعلى مستوى منذ 16 عاماً مع قرب نهاية التيسير النقدي

في الآونة الأخيرة، تُبقي كل هذه العوامل أسعار الفائدة مرتفعة. ويبدو أن التضخم مستقر عند 3%، مع ذلك فقد باشر الاحتياطي الفيدرالي التيسير النقدي عن طريق خفض أسعار الفائدة وإنهاء التشديد الكمي. كما أن هناك قلقاً بشأن استمرار ارتفاع التضخم لأن التأثير الكامل للرسوم الجمركية لم يظهر بعد، ولم يُشر الاحتياطي الفيدرالي (باستثناء بعض التمنيات في ملخص توقعاته الاقتصادية) إلى التزامه بخفض التضخم أكثر.

زيادة متوقعة في إصدار السندات

هناك التزام أقل في الكونغرس بخفض الدين، ما يعني إصدار مزيد من السندات في المستقبل، وبالتالي انخفاض أسعارها. وهذا يجعل حيازة السندات طويلة الأجل أخطر، وأن يرغب المستثمرون في الحصول على علاوة أكبر للتعويض عن ذلك.

كل هذا يؤدي إلى ضغط تصاعدي على عوائد السندات طويلة الأجل، بغض النظر عن قرارات الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة قصيرة الأجل. لكن حتى لو تبنى الاحتياطي الفيدرالي سياسة صارمة تجاه التضخم، واهتم الكونغرس فجأة بالدين، فسيظل هناك سبب لتوقع ارتفاع أسعار السندات طويلة الأجل.

 تاريخياً، تعود عوائد السندات إلى متوسطها: على عكس الأسهم، ترتفع وتنخفض حول متوسط ​​طويل الأجل أعلى مما كان عليه في العقد الماضي. بمرور الوقت، انخفض عائد السندات لأجل 10 سنوات ببساطة لأن المخاطر العالمية أصبحت أقل، وحالات التخلف عن سداد الديون السيادية أصبحت أقل شيوعاً.

المستثمرون يرون سندات الأسواق الناشئة أكثر أماناً من المتقدمة

لكن هذا المتوسط ​​طويل الأجل ما يزال قائماً، والسبب هو أنه، بغض النظر عن العوامل الاقتصادية الكلية الحالية، تعكس العوائد طويلة الأجل أموراً لا تتغير كثيراً بمرور الوقت، مثل إنتاجية رأس المال ومدى تقدير المجتمع للمستقبل مقارنةً بالحاضر.

لطالما اعتقد الاقتصاديون أن شيخوخة السكان ستؤدي إلى انخفاض العائدات لأن المجتمعات الأكبر سناً أقل إنتاجية وتلجأ إلى الاقتراض بشكل أكبر، لكننا لم نعد متأكدين من ذلك كما كنا سابقاً.

لا شك أن ارتفاع سعر الفائدة على السندات لأجل عشر سنوات سيُحبط كثيراً من الساسة، ناهيكم عن عن محافظي البنك المركزي. فهذا يعني أن أسعار الفائدة على الرهن العقاري لن تنخفض، ما يزيد من تكلفة خدمة الدين الوطني، ويرفع احتمالية حدوث أزمة ائتمانية عندما يحين موعد استحقاق ديون شركات تعجز عن إعادة تمويلها. أو قد يتباطأ الاقتصاد ببساطة، فيكشف عدم فعالية السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي.

لذا، توقعوا أن تسعى الحكومة إلى بذل مزيد من الجهود لخفض أسعار الفائدة طويلة الأجل. وقد يبدأ الاحتياطي الفيدرالي مجدداً عمليات شراء كبيرة للديون، على الرغم من السجل السيئ لما يُسمى بالتيسير الكمي، بينما قد تستخدم وزارة الخزانة اللوائح لإجبار البنوك على شراء مزيد من الديون، كجزء من استراتيجية تُعرف بالكبح المالي ولهذه أيضاً سمعة سيئة.

ينبغي عليهم توخي الحذر. إن التلاعب بسعر المخاطرة -وهو ما تمثله السندات- يميل إلى أن يخلق مشكلات أكثر من التي قد يحلّها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *