لماذا لا تتوافق الصين واليابان برغم التجارة البينية الضخمة؟

الصين واليابان من أقوى دول آسيا وأكبر الشركاء التجاريين في المنطقة. ومع ذلك، فإن قروناً من التنافس الشديد تعني أن عناقهما اقتصادياً ليس من المسلّمات.
ما تزال هناك عدة قضايا عالقة بين البلدين، ومن ذلك النشاط العسكري المتزايد للصين حول مجموعة من الجزر المتنازع عليها، والقيود التجارية، والمخاوف بشأن السلام والاستقرار في مضيق تايوان.
اشتعلت التوترات في نوفمبر بعد أن قالت رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايشي إنه إذا حاربت الصين للسيطرة على تايوان، فقد يرقى ذلك إلى “وضع يهدد بقاء” اليابان، وهو تصنيف من شأنه أن يوفر مبرراً قانونياً لطوكيو لنشر جيشها، بالتنسيق مع الولايات المتحدة.
الصين تتهم تاكايشي بإحياء “الشياطين العسكرية” في اليابان
اتهمت الحكومة الصينية تاكايشي بالتدخل في شؤونها الداخلية، وردّت بإجراءات اقتصادية ودبلوماسية. وطالبت الحكومة الصينية الزعيمة اليابانية بالتراجع عن تصريحاتها، لكنها رفضت هذه المطالب.
في السادس من ديسمبر، تعرضت حدود العلاقة لاختبارٍ إضافي، عندما وجّهت طائرة مقاتلة صينية رادار التحكم في النيران نحو طائرتين مقاتلتين يابانيتين كانتا تحلقان فوق المياه الدولية، وفقاً للحكومة اليابانية. في المقابل، اتهم المسؤولون الصينيون الطائرات اليابانية بتعطيل تدريباتهم على الطائرات المقاتلة.
ما هو تاريخ العلاقة بين الصين واليابان؟
لطالما كانت الصين واليابان القوتين السياسيتين والثقافيتين المهيمنتين في شمال شرق آسيا. وقد أثرت كل منهما على لغة الأخرى، وعلى تنميتها الاقتصادية وحتى على تقاليدها في المأكولات.
انتعشت التجارة منذ أواخر القرن التاسع عشر، ولكن الاحتكاك السياسي انتشر أيضاً، ما أدى إلى سلسلة من صراعات مسلحة.
خلاف تايوان يشتعل.. الصين تحذر مواطنيها من السفر إلى اليابان
غزت اليابان وضمت أجزاء من الصين خلال هذه الفترة، ومن ثلاثينيات القرن العشرين وحتى الحرب العالمية الثانية، شن الجيش الإمبراطوري الياباني حملات وحشية في الصين، بما في ذلك عمليات القتل الجماعي الشائنة في نانجينغ.
ما تزال هذه الأحداث -بالإضافة إلى النزاعات الإقليمية المستمرة- تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين.
ما الذي أحيا التوترات بين الصين واليابان اليوم؟
ما تزال النزاعات الإقليمية واحدة من أكبر بؤر التوتر. تدّعي كلتا الدولتين تبعية مجموعة جزر غير مأهولة في بحر الصين الشرقي -وهي تُسمى سينكاكو في اليابان ودياويو في الصين- وتغطي معاً مساحة 7 كيلومترات مربعة.
ترسل الصين خفر السواحل والسفن الحكومية إلى المنطقة بشكل شبه يومي منذ عام 2012، عندما قرر رئيس الوزراء الياباني آنذاك يوشيهيكو نودا نقل بعض الجزر من ملكية خاصة إلى ملكية الدولة. وصل عدد السفن الصينية التي تدخل المنطقة إلى رقم قياسي في عام 2024. كما أن للصين واليابان مطالبات متنافسة على حقل غاز قريب.
الصين تصعّد الخلاف مع اليابان بحظر جديد
يمثل النفوذ العسكري المتزايد لبكين مصدر قلق آخر في طوكيو، وكذلك التعاون العسكري المتزايد بين الصين وروسيا، الذي يشمل تدريبات بحرية وجوية مشتركة حول اليابان.
وردت الصين في الكتاب الأبيض العسكري السنوي لليابان لعام 2025 أكثر من 1000 مرة، وجاء فيه أن تلك الجارة حققت تقدماً سريعاً في القوة العسكرية وكانت “أعظم تحدٍّ استراتيجي” لليابان. أشرف الرئيس الصيني شي جين بينغ على مضاعفة الإنفاق الدفاعي منذ توليه منصبه في عام 2013، وفقاً لقاعدة بيانات الإنفاق العسكري لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
كان هذا أحد محركات توسيع اليابان لجيشها. ويُتوقّع أن تبلغ تكلفة تعزيز الدفاع الياباني لمدة خمس سنوات، الذي أقرته في عام 2022 نحو 43 تريليون ين (273 مليار دولار) وأن يدفع الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، من أكثر من 1% سابقاً.
أزمة الصين واليابان تتصاعد وبكين تلوح بسلاح الاقتصاد
وقد سرّعت تاكايشي الجدول الزمني، سعياً لبلوغ هدف 2% في السنة المالية 2025 بدلاً من 2027. اتهمت الصين اليابان بعدم تعلم دروس التاريخ والعودة إلى العسكرة. تدّعي الصين ملكيتها لجزر سينكاكو/دياويو التي تسيطر عليها اليابان في بحر الصين الشرقي.
كيف تنسجم تايوان مع العلاقات الصينية اليابانية؟
تعتبر الصين تايوان جزءاً من أراضيها وتعهدت بأن تستعيد يوماً ما الجزيرة ذات الحكم الذاتي التي يبلغ عدد سكانها 23 مليوناً، بالقوة إذا لزم الأمر.
عندما أقامت اليابان علاقات دبلوماسية رسمية مع الصين عام 1972، صرحت في بيان مشترك بأنها “تتفهم تماماً وتحترم” وجهة نظر الصين بأن تايوان “جزء لا يتجزأ” من أراضيها، دون الموافقة صراحةً على مبدأ “الصين الواحدة”. وصرحت تاكايشي في ديسمبر بأن موقف اليابان لم يتغير منذ ذلك البيان الصادر قبل أكثر من نصف قرن.
لا تقيم اليابان علاقات دبلوماسية رسمية مع تايوان، لكن خطابها يناهض أي محاولات أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن وتصر على أنه يجب حل القضايا على جانبي المضيق سلمياً.
ينبع قلق اليابان جزئياً من الجغرافيا. تقع تايوان على بُعد أقل من 100 كيلومتر من يوناجوني، أقرب جزيرة يابانية، ما يذكّر بمدى سرعة امتداد أي صراع عبر بحر الصين الشرقي.
تهديد للهدنة التجارية… أميركا تتخطى خطوط الصين الحمراء بقضية تايوان
لقد تجنب رؤساء الوزراء اليابانيون مناقشة تفاصيل الصراع المحتمل حول تايوان، مما يعكس حساسية هذه القضية في كل من الصين واليابان. وقد جعلت تعليقات تاكايشي منها أول زعيمة يابانية في السلطة منذ عقود تربط علناً بين أزمة مضيق تايوان واحتمال نشر قوات الدفاع الذاتي اليابانية.
في السنوات الأخيرة،وسّعت اليابان منشآتها العسكرية، مثل قواعد الصواريخ المضادة للسفن على طول سلسلة جزرها الجنوبية الغربية، مدفوعةً بمخاوفها بشأن تايوان ونزاع إقليمي أوسع. في غضون ذلك، سقطت صواريخ باليستية صينية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان بالقرب من تايوان عام 2022، عندما خاضت الصين واحدة من أكبر مناوراتها حول مضيق تايوان منذ عقود.
كيف حال التجارة بين الصين واليابان؟
تُعدّ الصين الشريك التجاري الأول لليابان، بينما لا تعتبر الصين سوى الولايات المتحدة أكثر أهمية في التجارة الثنائية.
الآن، أصبحت الشركات الصينية المحلية، مثل شركة BYD لصناعة السيارات الكهربائية، أكثر قدرة على المنافسة في إنتاج سلع باهظة الثمن مثل السيارات والإلكترونيات. انسحبت بعض الشركات اليابانية، بما فيها ميتسوبيشي موتورز ونيبون ستيل، من التصنيع في الصين أو قلّصت عملياتها هناك. في المقابل، تتوسع العلامات التجارية الصينية، مثل عملاق التجارة الإلكترونية منخفضة التكلفة “شين”، في اليابان.
لطالما كان العمل في الصين غير مستقر بالنسبة للشركات اليابانية، التي انخرطت أحياناً في نزاعات سياسية. وقد زادت القيود المشددة، بما فيها قانون مكافحة التجسس الصيني الموسع، من حذر الشركات من الاستثمار. فقد بلغت نسبة الاستثمارات اليابانية الجديدة في الصين وهونغ كونغ أقل من 2% خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، بانخفاض عن أكثر من 9% في عام 2020.
في سياق منفصل، مارست الولايات المتحدة ضغوطاً على اليابان للالتزام بالقيود الأميركية على الصادرات لمنع الصين من تصنيع أشباه الموصلات المتطورة، مما زاد من تعقيد بيئة الأعمال لشركات التكنولوجيا اليابانية مثل “طوكيو إلكترون” (Tokyo Electron).
ما الذي على المحك لو تصاعدت توترات الصين واليابان؟
نقلت وسائل الإعلام الصينية الرسمية في نوفمبر أن الحكومة “أعدت كافة الاستعدادات لرد جوهري”، مُلمِّحةً إلى أن الإجراءات المُحتملة قد تشمل عقوبات، وتعليق العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية، وفرض قيود على التجارة.
ومن بين الإجراءات المتخذة حتى الآن، تحذيرٌ من وزارة الخارجية الصينية للمواطنين بضرورة تجنب السفر إلى اليابان في المدى القريب. كما نقلت بلومبرغ بأن الحكومة وجّهت شركات الطيران الصينية بتقليص رحلاتها إلى اليابان من الآن وحتى مارس. وذكرت وسائل الإعلام الصينية الرسمية في الأول من ديسمبر أن 40% من الرحلات الجوية المُجدولة من الصين إلى اليابان في ديسمبر قد أُلغيت.
يُمثّل السياح الصينيون نحو ربع زوار اليابان سنوياً. وكانوا الأكثر إنفاقاً بين جميع الزوار الأجانب خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر، إذ أسهموا بنحو 27% من إجمالي الإنفاق السياحي الوافد البالغ 2.1 تريليون ين، وفقاً لوكالة السياحة اليابانية.
دول آسيا قد ترحب باتفاقات تجارية تقصي الصين
ويمكن للصين استخدام أدوات ضغط أكبر، فهي قد تستغل الصين هيمنتها على سلسلة توريد العناصر الأرضية النادرة كسلاح، وهو تكتيك سبق لها استخدامه. فعندما نشب خلاف بين البلدين حول حدود إقليمية قبل أكثر من عقد، حظرت الصين مؤقتاً صادرات هذه المواد الحيوية، المستخدمة في الهواتف الذكية والسيارات والعديد من التقنيات الأخرى.
استطلاع: الصين تتفوق على أميركا كشريك مفضل لدول جنوب شرق آسيا
مع أن الصين تبدو أقدر على توجيه ضربة اقتصادية لليابان من قدرة الأخيرة على ذلك، إلا أنها ستضطر أيضاً إلى دراسة خياراتها. فاليابان مصدر مهم للمنتجات عالية التقنية التي تعجز الشركات الصينية عن إنتاجها محلياً، بما في ذلك المعدات والمستلزمات اللازمة لتصنيع أشباه الموصلات.
إذا لجأت الصين إلى أساليب الضغط بسرعة كبيرة، لا سيما إذا فرضت قيوداً على المعادن الحيوية، فقد يجرّ ذلك حليفة اليابان، الولايات المتحدة، إلى الصراع. لطالما كانت العناصر الأرضية النادرة مصدراً رئيسياً للتوتر بين الولايات المتحدة والصين، وما تزال علاقتهما هشة حتى بعد التوصل إلى هدنة تجارية مؤقتة في أكتوبر.



