لماذا تهتم السوق بعقوبات بايدن الأخيرة على نفط روسيا؟
أعلنت الولايات المتحدة يوم الجمعة الماضي عن أوسع وأشد عقوبات حتى الآن على تجارة النفط الروسية، وذلك قبل عشرة أيام فقط من مغادرة جو بايدن البيت الأبيض، وتسليم الرئاسة لدونالد ترمب.
فُرضت عقوبات على حوالي 160 ناقلة نفط، ولن تسمح الهند، وهي أحد المشترين الرئيسيين للنفط المنقول بحراً، بدخول هذه السفن إلى موانئها بعد انتهاء فترة السماح في مارس.
إذا استمرت هذه الإجراءات تحت إدارة ترمب، فإن هناك فرصة أكبر لتعطيل صادرات روسيا من النفط، مقارنة بأي إجراءات اتخذتها القوى الغربية حتى الآن.
إلى جانب الناقلات، فُرضت عقوبات على اثنتين من كبريات شركات إنتاج النفط ومصدّريه، كما تم إدراج تجار ينظمون مئات الشحنات، وتم تحديد شركات تأمين رئيسية، ووجّهت تعليمات إلى شركتين أميركيتين لخدمات النفط بمغادرة السوق. كما شملت العقوبات مشغلاً صينياً لمحطة نفطية.
من الناحية النظرية، يمكن أن تقلص هذه الإجراءات فائض العرض الذي تتوقعه وكالة الطاقة الدولية البالغ حوالي مليون برميل يومياً هذا العام.
أظهرت بيانات بورصة “آيس فيوتشرز يوروب” ارتفاع عقود خام برنت الآجلة فوق 80 دولاراً للبرميل يوم الجمعة، بعد أن أنهت عام 2024 أقل من 75 دولاراً.
“سورغوت نفط غاز” و”غازبروم نفط”
يمثل إدراج هاتين الشركتين في قائمة العقوبات الخطوة الأكثر مباشرة وحسماً التي اتخذتها واشنطن أو أي قوة غربية أخرى حتى الآن.
قامت الشركتان بشحن حوالي 970 ألف برميل يومياً من النفط عبر البحر في عام 2024، وهو رقم يشكل مصدر قلق لمصافي النفط في الهند وشركات حكومية في الصين.
لتوضيح حجم هذه التدفقات، فإنها تفوق الفائض المتوقع في العرض العالمي لعام 2025 بنسبة كبيرة، وتشكل حوالي 30% من صادرات روسيا البحرية.
لا أحد يتوقع أن تتوقف شحنات الشركتين بالكامل، ولكن إدراجهما في قائمة العقوبات، إلى جانب التدابير الأخرى المعلنة، يعني أن تعطيل التدفقات غير مستبعد.
ناقلات متعددة
أعلنت الولايات المتحدة عن عقوبات تستهدف حوالي 160 ناقلة نفط، ما يضاعف عدد السفن التي استهدفتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي مجتمعة حتى الآن.
تشمل القائمة حوالي 30 سفينة سبق أن فُرضت عليها عقوبات من قبل لندن وبروكسل، ولكن ما يميز العقوبات الأميركية هو فعاليتها مقارنة بالإجراءات الغربية الأخرى.
قبل يوم الجمعة، أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية 39 ناقلة تحمل النفط الروسي منذ أكتوبر 2023، منها 33 ناقلة لم تتمكن من تحميل شحنات منذ إدراجها، وفقاً لبيانات تتبع السفن التي جمعتها “بلومبرغ”.
تشمل العقوبات الجديدة أساطيل كاملة من الناقلات المتخصصة التي تنقل الخام من مشاريع رئيسية في مناطق القطب الشمالي والمحيط الهادئ في روسيا.
تقوم الناقلات القطبية بشحن النفط إلى ميناء مورمانسك الروسي، حيث استُهدفت أيضاً ناقلتا تخزين، وقد لا تتأثر هذه العمليات فوراً، لكنها قد تعيق أعمال الصيانة التي تتم عادة في الصين.
أما ناقلات المحيط الهادئ فتقوم بنقل النفط الروسي إلى الصين، وقد تعطل العقوبات الجديدة هذه التجارة، ما قد يتطلب نقل الشحنات من ناقلة إلى أخرى قبل التسليم.
شركة صينية
على الرغم من تركيز البيان الصحفي على الكيانات الروسية المستهدفة، تضمنت قائمة العقوبات المحدّثة بالكامل مشغلاً صينياً لمحطة نفطية.
تم فرض عقوبات على شركة “شاندونغ يونايتد إنرجي بايبلاين ترانسبورتيشن” (.Shandong United Energy Pipeline Transportation Co. Ltd) وأحد فروعها، بسبب تقديم دعم مادي لشركة “سوفكومفلوت” (Sovcmoflot)، شركة الناقلات العملاقة التابعة للحكومة الروسية، وفقاً لوزارة الخارجية الأميركية.
هذه الخطوة تُظهر استعداد الولايات المتحدة لفرض عقوبات على الشركات في الدول المستهلكة التي تساعد في الالتفاف على الجهود المبذولة لتقييد تدفقات النفط الروسي.
والأهم من ذلك، أنها تُبرز أن التعامل مع شركات خاضعة للعقوبات قد يكون كافياً لإدراج شركة ما في قائمة العقوبات، ما قد يدفع الشركات الأخرى إلى الحذر الشديد.
استهداف التجار
استهدف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التجار الذين يوصفون بأنهم “غامضون” والذين يشحنون ويبيعون النفط الروسي، حيث “غالباً ما يتم تسجيلهم في ولايات قضائية عالية المخاطر، ويستخدمون هياكل مؤسسية مبهمة وموظفين ذوي صلات بروسيا، ويخفون أنشطتهم التجارية”.
تم تأسيس العديد من هذه الشركات بعد الحرب الروسية على أوكرانيا عام 2022، وقد اختفى العديد من اللاعبين الأوائل بالفعل ليحل محلهم كيانات جديدة بأسماء مختلفة، ولكن أصحاب العمل متداخلين، في حين أن غالبية الموظفين لا يزالون نفسهم.
الإجراءات ضد التجار الحاليين قد تسبب اضطراباً قصير الأمد، لكن من المرجح أن يعاود الكثيرون الظهور تحت أسماء مختلفة.
تأمين السفن
العقوبات المفروضة على اثنين من أكبر مزودي التأمين والحماية والتعويض لناقلات النفط الروسية، وهما شركتا “إنغوستراخ” (Ingosstrakh Insurance Company) و”ألفاستراخوفاني غروب” (Alfastrakhovanie Group)، قد لا يكون لهذه العقوبات تأثير كبير على التدفقات النفطية.
مع ذلك، فإن حظر تقديم التأمين من قبل هاتين الشركتين قد يدفع بعض الناقلات، بما في ذلك أسطول الظلوسيا، إلى الخروج من أسواق التأمين التقليدية، ولو بشكل مؤقت. وهذا يفاقم المخاوف التي أُثيرت بالفعل من قبل الدول التي تهددها السفن القديمة التي تنقل النفط الروسي.
السؤال المهم هو كيفية استجابة الهند، التي تُعد مستورداً رئيسياً للنفط الروسي، ومنظميها وشركاتها النفطية، حيث تُغطى الشحنات المرسلة إليها تأمينياً حالياً من قبل شركة “إنغوستراخ”.
قالت الشركة في رسالة عبر البريد الإلكتروني: “إزالة إنغوستراخ من السوق يخلق فراغاً ستملأه بلا شك شركات تأمين غير موثوقة”. وأضافت أنها ستبحث عن طرق للتعامل مع ما وصفته بقرار غير مبرر ومضر.
خدمات النفط
تتطلب العقوبات من شركات خدمات النفط الأميركية التوقف عن العمل في روسيا بحلول 27 فبراير.
وفقاً لتقاريرهما الفصلية، واصلت شركتان عالميتان مقرهما في الولايات المتحدة العمل في روسيا حتى بعد حرب الكرملين على أوكرانيا.
مع ذلك، من غير المرجح أن يكون لهذه القيود الأوسع تأثير فوري على قدرة روسيا على استخراج النفط؛ حيث تقوم الشركات المحلية، بما في ذلك تلك التي كانت مملوكة سابقاً لمستثمرين أجانب، بالجزء الأكبر من خدمات النفط في البلاد. احتفظت هذه الشركات، خصوصاً تلك التي كانت تابعة لمزودي خدمات النفط العالميين، بالمعدات والكوادر والمعرفة الكافية للحفاظ على معدلات الحفر في روسيا.
تشير تقديرات شركة “ريستاد إنرجي” (Rystad Energy A/S) التي تتخذ في أوسلو مقراً لها إلى أن حوالي 15% فقط من سوق حفر النفط الروسية تعتمد على تقنيات أجنبية.
قد يظهر تأثير العقوبات على إنتاج النفط الروسي على المدى الطويل فقط، وخصوصاً على المشاريع الجديدة التي تتطلب تقنيات حديثة لضمان جدوى الإنتاج. نتيجة لذلك، قد تتباطأ جهود روسيا في استكشاف احتياطيات القطب الشمالي، وتطوير الحقول البحرية.
التنفيذ والامتثال
انتقلت معظم تجارة النفط الروسي بالفعل بعيداً عن الشركات ومقدمي الخدمات الغربيين، ما قلص تأثير العقوبات المفروضة حتى الآن.
ولجعل العقوبات فعّالة، ستحتاج الإدارة الأميركية الجديدة إلى اتخاذ إجراءات ضد مشتري النفط الروسي.
أظهرت المصافي الهندية وتلك المملوكة للحكومة الصينية بالفعل تردداً في قبول الشحنات التي تُنقل على سفن خاضعة للعقوبات.
ومع ذلك، لم تكن هذه الخطوة مكلفة بالنسبة لها عندما كانت السفن المدرجة في القائمة السوداء تمثل جزءاً محدوداً فقط من الأسطول المتوفر في السوق الموازية.
لكن الجولة الأخيرة من العقوبات الأميركية غيّرت هذا الواقع، حيث استهدفت نسبة أكبر من الأسطول.