لماذا تدخل بورصة السلع المصرية العام الجديد بتداول سلعة يتيمة؟
في بداية عام 2024، بدت البورصة السلعية المصرية وكأنها على أعتاب نقلة نوعية، حيث أعلنت عن طموحات كبيرة لتوسيع نطاق التداول لتشمل 13 سلعة أساسية، إلا أنها أنهت العام على آمال مخيبة، حيث لا تشهد منصتها حالياً أية تداولات إلا لسلعة واحدة فقط وهي النخالة “الرَّدة”.
دُشنت أعمال البورصة السلعية في نوفمبر 2022، وبلغ إجمالي ما تداولته من سلع منذ الجلسة الأولى وحتى مطلع العام 9 سلع مختلفة، بينما يُتداول بها سلعة واحدة فقط الآن.
بورصة السلع في مصر باتت معلقة بين آمال كبيرة وواقع محبط، بعد حدوث توقف مفاجئ لتداول القمح والسكر والذرة، أحد أهم السلع المستهدفة، لتصطدم آمالها العريضة بواقع مختلف.
عزا وزير التموين المصري السابق على المصيلحي لـ”الشرق” في فبراير الماضي، سبب توقف تداول أغلب السلع بالبورصة السلعية إلى “أعمال المضاربات والأسعار المغالى فيها”.
المنصة التي قوبلت بتفاؤل كبير، كانت تهدف إلى خلق سوق منظم لتداول السلع من خلال قوى العرض والطلب، لتكون أحد الأدوات التي تُستخدم في ضبط الأسعار، فضلا عن توفير عوائد دولارية من خلال استقطاب مشتريين أجانب يتداولون السلع المصرية بهدف تصديرها.
توقف تداول السلع الاستراتيجية
توقفت بورصة مصر السلعية عن طرح وتداول أبرز 3 سلع استراتيجية هي القمح والذرة والسكر منذ نحو 12 شهرا، وسط عشوائية سادت السوق المصرية في تسعير تلك السلع خلال فترة الربع الأخير من 2023 وحتى الربع الأول من 2024، حيث كانت آخر جلسة تداول لسلعة السكر في 14 ديسمبر العام الماضي، والذرة في 25 من ذات الشهر، بينما لم تنعقد أي جلسة جديدة لسلعة القمح منذ 21 يناير الماضي.
في محاولة من الحكومة لتنشيط بورصة السلع، قال المصيلحي لـ”الشرق”، في منتصف العام الجاري بأن المنصة ستتيح لشركات القطاع الخاص طرح السلع الخاصة بها في البورصة السلعية خلال النصف الثاني من هذا العام.
توقف تداول السلع الاستراتيجية وتصريحات المصيلحي تتوافق مع ما قاله زكريا حمزة، الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب للبورصة السلعية، لـ”الشرق”، وهو أنه يتم العمل حاليا على تفعيل دور البورصة السلعية من خلال تشجيع دخول القطاع الخاص إلى منظومة البورصة السلعية والتنسيق مع الجهات الحكومية وبعض الوزارات بشأن طرح سلع ذات فائض، وبشرط ألا تكون سلعاً استراتيجية.
سبب وقف تداول القمح
مسؤول حكومي أكد لـ”الشرق” أن هيئة السلع التموينية هي صاحبة الرغبة في توقف طرح السلع الاستراتيجية على منصة البورصة، وخاصة القمح، وأنه لن يكون هناك طرح في المستقبل للقمح بعد توقفه في يناير الماضي، نتيجة المضاربات والمزايدات. الأمر الذي فسره مسؤول بوزارة التموين لـ”الشرق” بأن الوزارة تستورد القمح بالقدر الذي يكفي الحاجة التموينية فقط، فلما تطرح أمام القطاع الخاص الذي يستورد القمح مثلها.
المسؤول الحكومي تساءل أيضاً: “لماذا استورد قمحاً بالعملة الصعبة لأبيعه على منصة البورصة بالعملة المحلية لتجار من القطاع الخاص، في الوقت الذي لا تعاني فيه البلاد من أزمة في الدقيق أو القمح؟”. وأضاف أن الأمر مشابه بالنسبة لسلعة “الذرة”، حيث إنه لا توجد أزمات في العلف حتى تتدخل الحكومة باستيراد الذرة وطرحها في البورصة.
فشلت منصة البورصة في تحقيق طموحاتها بتداول سلع متنوعة، واقتصرت على النخالة فقط، رغم التخطيط لتوسيع نطاق التداول ليشمل مجموعة واسعة من المنتجات الزراعية والغذائية والبترولية، كالقطن، والأرز والفول، والسمسم، والجلوكوز، والنباتات الزيتية، ولحوم، ودواجن، وتفل البنجر، والمولاس، والذهب وبعض المواد البترولية، بجانب السلع الأساسية من القمح والسكر والذرة وفول الصويا.
حجم التداولات خلال فترة عمل البورصة
بحسب بيانات التداول على موقع بورصة السلع، تم تداول نحو 1.2 مليون طن قمح؛ منها 965 ألف طن قمح روسي، من 27 نوفمبر 2022 وحتى 15 يناير 2024، وتداولت السوق أيضاً 183 ألف طن سكر في الفترة من أغسطس وحتى ديسمبر 2023. بجانب تداول نحو 146 ألف طن ذرة صفراء من 14 أبريل إلى 25 ديسمبر 2023، وخلال العام الجاري تداولت البورصة نحو 120 ألف طن ذرة، فيما تداولت البورصة نحو 65 ألف طن نخالة في الفترة من أكتوبر 2023 إلى ديسمبر الجاري.
يضم هيكل مساهمي البورصة السلعية عدة مؤسسات وشركات، حيث تملك البورصة المصرية نحو 34% لتكون صاحبة النسبة الأكبر، بينما تملك هيئة السلع التموينية 10.99%، والبنك الزراعي المصري 9.89%، وبنكا الأهلي ومصر 6.59% لكل منهما، و5.49% لكل من جهاز تنمية التجارة الداخلية وشركات مصر للمقاصة والقابضتين للصوامع والتأمين، بينما تستحوذ إي اف جي القابضة، وسي آي كابيتال وبلتون على نسبة 3.30% لكل منها.
العضو المنتدب للبورصة السلعية أضاف في حديثه مع “الشرق”، أنها اتخذت خطوات فعالة بهدف إدراج مجموعة من السلع الجديدة مثل بعض المشتقات البترولية بالتنسيق مع وزارة البترول، وبعض الحاصلات الزراعية مثل إدراج سلعة البصل بالتنسيق مع وزارة الزراعة؛ وذلك بعد توصية من لجنة الزراعة والري بمجلس الشيوخ، كما أن هناك مقترحاً من البورصة السلعية بتفعيل دور الجمعيات التعاونية الزراعية.
حمزة أشار إلى استهداف زيادة معدلات التنفيذ لمصادرات مصلحة دمغ المصوغات والموازين من خلال منصة البورصة السلعية، بجانب المعادن الثمينة من الذهب والفضة، بالتنسيق مع مصلحة دمغ المصوغات والموازين، وكبار التجار.
خطط مستقبلية للتطوير
آمال البورصة السلعية المعلقة لا تزال مستمرة، حيث تجري في الوقت الحالي دراسة ومشاورات لبدء طرح منتجات البتروكيماويات في البورصة قريبا، بالإضافة إلى طرح الذهب التجاري، بحسب المسؤول الحكومي لـ”الشرق”. فيما أوضح هاني ميلاد رئيس شعبة الذهب لـ”الشرق”، في تصريحات سابقة ديسمبر الجاري، أن التداول يواجه تحديات ترتبط بالتسوية الفورية عند البيع، وتوفير السيولة الخاصة بذلك، وقد تقدمت الشعبة لإدارة البورصة بعدة مقترحات لحل هذه المشكلة.
وزير التموين المصري شريف فاروق، عقد لقاءً منتصف يوليو الماضي، بعد أيام من توليه حقيبة الوازرة، مع رئيس البورصة المصرية أحمد الشيخ، الذي يتولى مجلس إدارة بورصة السلع، لبحث تطوير البورصة السلعية، وتنشيط التعامل عن طريق تفعيل قوى العرض والطلب، ودراسة زيادة عدد السلع المدرجة بها، بالإضافة إلى توسيع قاعدة العضوية وتنشيط دور القطاع الخاص بها. بعدها بأسبوع، التقى الوزير المصري مع رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية محمد فريد، وتناقشا في نفس الأمر، وفي أن تكون البورصة السلعية ملجأ أمان وتحوط من مخاطر تقلبات الأسعار للمتعاملين عليها.
مسؤول حكومي أخر، أكد ما ذكره العضو المنتدب، وهو أن بورصة مصر للسلع ستعاود العمل على طرح العديد من السلع الاستراتيجية مطلع العام المقبل، لكن بآليات جديدة.
العضو المنتدب للبورصة السلعية أنهى حديثه مع “الشرق” قائلاً: “لم تتوقف المنصة عن العمل خلال 2024، حيث تم تداول ذرة صفراء مستوردة من قبل هيئة السلع التموينية بحوالي 120 ألف طن، بجانب استمرار تداول سلعة النخالة (الردة) طوال العام، بالإضافة إلى عقد جلستي تداول لمصادرات مصلحة دمغ المصوغات والموازين يومي 23 و24 يوليو الماضي”.
تجربة التجار مع البورصة
محمد الشيمي، أحد التجار المتداولين في بورصة السلع، يقول في حديثه مع “الشرق”: “التداول في بورصة السلع كان له مميزات وهي أنه يتيح للتاجر فرصة تحقيق مكاسب عبر تنظيم أسعار البيع والشراء”.
أضاف الشيمي: “كنت أقوم بتداول سلعة السكر قبل وقفه، واليوم يوجد فارق كبير حيث أن التجار يقومون بحرق الأسعار على التجار الأخرين وهو أمر كانت تمنعه بورصة السلع من خلال التنظيم”.
“تشهد السوق هذه الأيام نشاطاً مكثفاً، حيث يتوافد كثيرون للتجارة بسلعة السكر على أمل زيادة الأسعار على غرار العام الماضي”، بحسب الشيمي.
أوضح الشيمي أن بورصة السلع. “تلعب دوراً حيوياً في تنظيم السوق وتحديد أسعار عادلة للمشترين والبائعين، مما يساهم في تحقيق الاستقرار”.