لماذا تبدو هذه الجولة من الرسوم الجمركية شخصية إلى هذه الدرجة؟

رغم إعلان البيت الأبيض عن وقف مؤقت لمدة 90 يوماً لبعض الرسوم الجمركية بالمثل، فإن العديد من الرؤساء التنفيذيين ما زالوا يستعدون لركود اقتصادي محتمل.
أوقفت بعض الشركات طلباتها أو قلصت من حجم إنتاجها نتيجة لحالة عدم اليقين، ففي نهاية المطاف، رفع الرئيس الأميركي دونالد ترمب الرسوم الجمركية المفروضة على الصين إلى 145% الخميس الماضي، بعد أن كان قد رفعها إلى 125% فقط في اليوم السابق، في خطوة تؤثر على عدد لا يُحصى من القطاعات.
قال أصحاب الأعمال والمستثمرون إنهم عاجزون عن التخطيط للأشهر الثلاثة المقبلة في ظل صعوبة التنبؤ بالخطوة التالية للإدارة الأميركية. لكن المتأثرين بهذه السياسات لا يقتصرون على كبار المسؤولين في الشركات الأميركية.
أصبح تعبير “رسوم جمركية” يُتداول حالياً في مجموعات المحادثات بين المراهقين ومحتوى المؤثرين، وأدى إلى سيل من مقاطع الفيديو التفسيرية على “تيك توك”. أحد الأسباب التي تجعل من هذه الحرب التجارية تبدو شاملة على نحو لم نعهده من قبل، يمكن اختصاره في كلمة واحدة هي الهوايات.
هوايات الأميركيين
قد يبدو عالم السياسة بعيداً جداً عن حياة الأميركي العادي، لكن الهوايات تشكل جزءاً أساسياً من حياة معظم الأشخاص. في استطلاع أجرته شركة أبحاث السوق “أياتم” (aytm) خلال 2024، أفاد 85% من المشاركين بأن لديهم على الأقل هواية واحدة.
أما في استطلاع آخر أجرته “ستاتيستا” (Statista) خلال 2024 على عينة شملت 60 ألف شخص، فتبين أن الفئة المجمعة للطهي والمخبوزات جاءت في صدارة الهوايات الأكثر شعبية بين الأميركيين، إذ اختارها 41% من المشاركين. شملت الهوايات الأخرى التي نالت نسباً مرتفعة كلاً من القراءة (35%)، وقضاء الوقت مع الحيوانات الأليفة، ولعب ألعاب الفيديو (كلاهما 34%).
جميع هذه الأنشطة ستتأثر بالرسوم الجمركية.
على سبيل المثال، توقعت “الرابطة الأميركية للمخابز” أن تتسبب هذه الرسوم الجمركية في زيادة التكاليف بقيمة تصل إلى 454 مليون دولار خلال 2025 وحده. رغم أن الشركات، وليس هواة الطهي، هي المتضرر الأكبر، فإن ارتفاع أسعار التوابل والمكسرات سيصل في النهاية إلى مطابخ المنازل. تخضع الفانيليا على وجه الخصوص، التي يأتي معظمها من مدغشقر، حالياً لرسم جمركي 47%. رغم أن هذا الرسم الجمركي جرى تعليقه مؤقتاً، لكن لا أحد يستطيع الجزم بما إذا كان ترمب سيعيد فرضه بعد 90 يوماً أو سيعدله بطريقة أخرى.
زيادة الأسعار
كما أن قطاع النشر، الذي يستورد المواد الخام مثل الورق لطباعة الكتب محلياً، يستعد أيضاً لمواجهة زيادات محتملة في الأسعار، رغم الإعفاءات المفروضة على المواد التثقيفية، وهي فئة تشمل الكتب.
ما تزال الرسوم الجمركية الكندية المضادة بنسبة 25% على الورق ومنتجات لب الخشب قائمة، وتوقعت “الرابطة الأميركية لبائعي الكتب” ارتفاع أسعار الكتب بنسبة تتراوح بين 5% و10%.
كذلك، ربما يواجه أصحاب الحيوانات الأليفة ارتفاعاً في التكاليف. تتوقع “الجمعية البيطرية الطبية في جورجيا” أن تسفر الرسوم الجمركية عن نقص في الإمدادات والأدوية، ما سيرفع التكاليف على أصحاب الحيوانات الأليفة.
أما شركة “روفر” (Rover) المتخصصة في خدمات رعاية الحيوانات الأليفة، فترى أن أسعار مستلزمات العناية والوجبات الخفيفة، والقطع القابلة للمضغ، ربما تشهد ارتفاعاً. تصدرت منتجات تنظيف الحيوانات الأليفة من حيث نسبة الزيادة، حيث يُتوقع أن تصعد 183%. بشكل عام، تتوقع “روفر” في تقريرها لعام 2025 أن ترتفع تكاليف تربية الكلاب والقطط 7% و10% على الترتيب.
أما بالنسبة لمحبي ألعاب الفيديو، مثلي، فقد أصبح سعر جهاز “سويتش 2” الجديد من “نينتندو” محور اهتمام، خصوصاً بعد أن أجلت الشركة الطلبات المسبقة في الولايات المتحدة الأميركية بسبب الرسوم الجمركية. (أرجأت منذ ذلك الحين الطلبات المسبقة في كندا لنفس السبب). لم تسلم أسهم شركات الألعاب الكبرى من هذه التداعيات، بما فيها “سوني” و”كابكوم”، إذ أعرب اللاعبون عن قلقهم من أن يصبحوا عاجزين تماماً عن شراء الألعاب نتيجة للزيادات المحتملة.
الرسوم الجمركية على الصين
أصبحت الرسوم الجمركية واسعة النطاق إلى حد يصعب معه العثور على هواية لا تتأثر بها، لا سيما عند الأخذ في الاعتبار الرسوم الجمركية المفروضة بنسبة 145% على الصين، التي تُعد أكبر مورد للبضائع إلى الولايات المتحدة الأميركية.
نُشرت تقارير تتناول مصير هواة جمع الأحذية الرياضية، ولاعبي الرياضة، ومحبي الأزياء، في الوقت الذي تحاول القطاعات التكيف مع هذه الحرب التجارية.
ربما يكون ما هو أسوأ من مسألة القدرة على تحمل التكاليف، هو احتمال عدم القدرة على الوصول إلى هذه المنتجات.
يستمتع بعض الأشخاص بأنشطة ترفيهية تعتمد على قطاعات قد تواجه خطر الإغلاق، كما هو الحال مع قطاع الألعاب اللوحية وألعاب الطاولة. فقد توقعت تقارير –منها ما ورد في مجلة “فوربس”– أن يشهد هذا القطاع انخفاضاً في حجم الإصدارات، وارتفاعاً في الأسعار، وتصميماً لألعاب “أبسط وأقل من حيث المكونات الفاخرة”، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع اهتمام اللاعبين الحاليين، ويضعف فرص جذب لاعبين جدد، مما سيؤدي إلى انخفاض أكبر في المبيعات.
ولا يقتصر التأثير على البالغين فحسب. فشركات تصنيع الألعاب، ومتاجر الألعاب الصغيرة المملوكة لأفراد، تستعد هي الأخرى لتداعيات هذه الأزمة.
ويبدو أن الطريقة الوحيدة الأكيدة لتجنب دفع المزيد مقابل ممارسة هوايتك، هي التخلي عنها بالكامل.
التأثيرات السلبية
وإذا وصل الأمر إلى هذه المرحلة، فقد يؤدي ذلك إلى سلسلة من التأثيرات السلبية المتتالية.
يعتمد الأشخاص على اهتماماتهم خارج إطار العمل من أجل تحصيل المتعة، وتحسين صحتهم النفسية، وتعزيز شعورهم بالرضا العام عن الحياة.
كما أظهرت الدراسات أن الهوايات تسهم في رفع الإنتاجية في بيئة العمل وتبطئ من آثار التقدم في العمر.
لكن يصعب الاستمتاع بأي نشاط لم تعد قادراً على تحمل كلفته، سواء اعتُبر هواية أم لا. ربما كل ما تحبه هو تناول كوب من القهوة في المقهى القريب، أو دعم نوع آخر من الأعمال الصغيرة، لكن هذه المشاريع تحذر الآن من أنها تواجه زيادات في الأسعار ستصل إليك في نهاية المطاف.
تبدو هذه الرسوم الجمركية ذات تأثير شخصي إلى هذه الدرجة، لأن الأشخاص باتوا يحصون تكاليف الأشياء من حولهم، وفي كثير من الحالات، تكلفهم أيضاً أشياء لا يمكن للمال أن يشتريها.