لماذا بيع طائرات F-35 الأميركية للسعودية مسألة شائكة؟

بقلم: بول والاس
ثبُتَ أن العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قوية إلى درجة أن رئيس الولايات المتحدة صرّح بأنه سيوافق على بيع الطائرة المقاتلة الأميركية الأكثر تطوراً إلى المملكة.
ومن المتوقع أن تحظى محاولة الرياض لشراء طائرات “إف-35” (F-35) بدفعة يوم الثلاثاء، عندما يزور ولي العهد البيت الأبيض. ومن المنتظر أن يوقع الطرفان عدة اتفاقيات اقتصادية ودفاعية، بما في ذلك صفقة محتملة لطائرات “إف-35″، بحسب ما أفادت به وكالة “بلومبرغ”.
قد يؤدي بيع طائرات “إف-35” للسعودية إلى تغيير ميزان القوى العسكرية في الشرق الأوسط، مع تداعيات محتملة على إسرائيل، التي تسعى حكومتها للحفاظ على تفوق عسكري نوعي على جيرانها، وهو تفوق تكرّسه القوانين الأميركية.
ما هي طائرة “إف-35” ولماذا تريدها السعودية؟
تُعدُّ طائرة “إف-35” الشبح إحدى أكثر الطائرات القتالية تطوراً في العالم. وغالباً ما يُطلق عليها لقب “قائد السماء” بفضل قدرتها على جمع المعلومات الاستخباراتية ومشاركتها مع الوحدات البرية والسفن والطائرات الأخرى، إضافة إلى قيادتها للهجمات بمساعدة أسراب من الطائرات المسيّرة.
وتتميز هذه الطائرة بقدرتها على تنفيذ ضربات طويلة المدى، وتتخصص في تحديد وتدمير أنظمة الدفاع الجوي المعقدة التابعة للعدو، تمهيداً لحملة قصف أو هجوم بري. وقد استُخدمت طائرات “إف-35” في البحث عن أهداف تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، كما شاركت في هجمات إسرائيلية على إيران خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً في يونيو.
تُصنّع الطائرة شركة “لوكهيد مارتن” (Lockheed Martin)، وقد تم تطويرها بالتعاون مع المملكة المتحدة، وإيطاليا، وهولندا، وكندا، والدنمارك، والنرويج، وأستراليا، وجميعها التزمت بشرائها. وتُعتبر النسخة الأغلى ثمناً منها هي “إف-35 بي” الخاصة بالبحرية، والتي تتميز بقدرتها على الإقلاع والهبوط العمودي، وتبلغ تكلفة الطائرة الواحدة منها أكثر من 100 مليون دولار.
وتسعى العديد من الدول للحصول على طائرة “إف-35”. ويريد ولي العهد السعودي هذه الطائرات من أجل تعزيز أمن المملكة في ظل تهديدات من دول مثل إيران وميليشيات منتشرة في أنحاء الشرق الأوسط. ويرى الأمير محمد بن سلمان أن توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة -بما في ذلك شراء طائرات “إف-35” وعقد اتفاقية دفاع متبادل مشابهة لتلك المبرمة مع قطر- أمر حاسم لتحقيق “رؤية 2030″، خطته الطموحة لتنويع اقتصاد المملكة بعيداً عن النفط، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز مكانة السعودية في الذكاء الاصطناعي ومراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.
ما الذي يتطلبه الأمر للحصول على موافقة أميركية؟
لا تبيع الولايات المتحدة طائرات “إف-35” إلا لأقرب حلفائها العسكريين، نظراً لحساسية التكنولوجيا المستخدمة فيها. ويمكن للكونغرس أن يعرقل إصدار تراخيص التصدير حتى لو وافق الرئيس عليها، إذ يبدي العديد من أعضاء الكونغرس حذراً شديداً من المساس بتفوق إسرائيل العسكري، وهي حليف رئيسي للولايات المتحدة.
تُعدُّ إسرائيل الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك طائرات “إف-35″، ووفقاً للقانون الأميركي، يجب على واشنطن ضمان الحفاظ على ما يُعرف بـ”التفوق العسكري النوعي” لإسرائيل على الدول الأخرى في المنطقة.
كيف تنظر إسرائيل إلى احتمال شراء السعودية لطائرات “إف-35″؟
من المعروف أن المسؤولين الإسرائيليين متوجسون من فكرة حصول السعودية -التي لا تعترف رسمياً بإسرائيل- على طائرات “إف-35″، خشية أن يُقلّص ذلك من تفوق إسرائيل العسكري.
وتزداد أهمية التفوق الجوي بالنسبة لإسرائيل بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023. فقد دخلت إسرائيل في صراعات مع وكلاء مدعومين من إيران، بمن فيهم “حزب الله” في لبنان، و”الحوثيون” في اليمن، بالإضافة إلى إيران نفسها. وفي كل هذه الجبهات، حصلت إسرائيل بسرعة على تفوق جوي، ويرجع ذلك جزئياً إلى استخدامها طائرات “إف-35” لتدمير دفاعات العدو الجوية.
من جانبه، حاول السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، يحيئيل لايتر، التقليل من أهمية المخاوف بشأن صفقة محتملة لطائرات “إف-35” بين الولايات المتحدة والسعودية، أو بشأن صفقات أخرى لبيع أسلحة أميركية لدول عربية.
واعتبر لايتر بمقابلة مع صحيفة “جيروزاليم بوست” نُشرت في 13 نوفمبر، أنه “لا توجد مؤشرات على أن التفوق النوعي لإسرائيل سيكون في خطر”.
هل يمكن للولايات المتحدة إرضاء كل من إسرائيل والسعودية؟
يرى رئيس أركان سلاح الجو الإسرائيلي الأسبق، إيتان بن إلياهو، في حديث إلى محطة إذاعية في تل أبيب، أن صفقة طائرات “إف-35” للسعودية “ستغير ميزان القوى في الشرق الأوسط”. لكنه أضاف أن الأمر سيستغرق ما لا يقل عن أربع سنوات لتسلُّم السعودية هذه الطائرات، وخلال هذه الفترة قد تتمكن إسرائيل من الحفاظ على تفوقها في ميدان القتال من خلال الحصول على أسلحة متطورة جديدة من الولايات المتحدة.
قد تكون إسرائيل أكثر استعداداً لقبول شراء السعودية لطائرات “إف-35” إذا وافقت الرياض على تطبيع العلاقات الدبلوماسية. لكن من غير المرجح أن يحدث ذلك في المستقبل القريب، إذ يطالب محمد بن سلمان بإحراز تقدم تجاه إقامة دولة فلسطينية، وهو أمر ازداد ابتعاده عن الواقع بعد هجمات 7 أكتوبر.
وتشير التجارب السابقة إلى مدى سهولة تعثُّر بيع الأسلحة الأميركية المتطورة بسبب المخاوف الأمنية. فقد حاولت الإمارات العربية المتحدة شراء طائرات إف-35 قبل عدة سنوات، وكان يُعتقد أن الاعتراف بإسرائيل عام 2020 سيسهم في تسهيل الصفقة. لكنها ألغت خطة الشراء البالغة قيمتها 23 مليار دولار بعد عام، قائلةً إن أولوياتها قد تغيّرت. وكان مسؤولو الدولة غير سعيدين ببطء الإجراءات الأميركية للحصول على الموافقة.
وماذا عن المخاطر الأمنية؟
جانب آخر بالغ الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة يتمثل في حماية تكنولوجيا طائرة “إف-35”. فقد استبعدت واشنطن تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، من برنامج “إف-35” عام 2019 بعدما قررت أنقرة شراء نظام دفاع صاروخي روسي بدلاً من نظام “باتريوت” الأميركي الصنع. وكان المسؤولون الأميركيون يخشون من أن يؤدي تحليق طائرات “إف-35” جنباً إلى جنب مع نظام “إس-400” الروسي إلى تمكين المهندسين العسكريين الروس من معرفة كيفية التغلب على أنظمة الطائرة.
ورغم أن السعودية تعتبر واشنطن حليفها الأول، إلا أنها تُعمّق في الوقت نفسه علاقاتها مع الصين، التي تُعدّ الخصم الجيوسياسي الرئيسي للولايات المتحدة. ويثير هذا قلق بعض المسؤولين الأميركيين، الذين يخشون من أن تنتهي تكنولوجيا عسكرية أميركية متطورة في يد الصين نتيجة لذلك.
خلال مقابلة مع تلفزيون “بلومبرغ”، تطرّق نائب الرئيس الأميركي الأسبق، مايك بنس، إلى قرار الرئيس دونالد ترمب بيع طائرات “إف-35” للسعودية، وزيارة ولي العهد إلى البيت الأبيض، والعلاقات الأميركية مع الصين. كما تناول إلى سياسة الرسوم الجمركية الأميركية وآفاق وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا.
وأضاف بنس أنه يشعر بالقلق من بيع طائرات “إف-35” للسعودية أو “لأي دولة لا يمكنها أن تضمن للولايات المتحدة أن التكنولوجيا والتطورات العظيمة التي حققناها في طائرة “إف-35″ لن تقع في أيدي دول معادية لمصالحنا”.
ومن المرجح أن تأتي طائرات “إف-35” التي تُباع للسعودية مزوّدة بقيود برمجية تجعلها أقل قدرة من تلك التي يستخدمها الجيش الأميركي. وأشار رئيس سلاح الجو الإسرائيلي السابق، إلياهو، إلى مثال سابق لصفقة بيع طائرات إف-15 الأميركية للسعودية، حيث تم “تحييد” بعض أنظمتها بعد مشاورات أميركية مع الإسرائيليين.



