اخر الاخبار

لماذا أصبح تخزين الغاز في أوروبا مصدر قلق متزايد؟

أصبحت مخزونات الغاز الطبيعي في أوروبا مؤشراً رئيسياً منذ أن تسببت الحرب في أوكرانيا في انخفاض حاد في الإمدادات الروسية إلى المنطقة.

يُعد نظام تخزين الغاز في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر شبكة في العالم بعد الولايات المتحدة، ويلعب دوراً متزايد الأهمية كحاجز صد ضد صدمات العرض وارتفاع الأسعار.

وعندما قيدت موسكو تدفقات الغاز عبر خطوط الأنابيب، تمكن الاتحاد الأوروبي من تفادي أزمة الإمدادات خلال الشتاء عبر خفض استهلاكه العام، وتعزيز وارداته من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وقطر وحتى روسيا نفسها.

لكن الضغوط قد تتصاعد في عام 2025. فقد أدت الظروف المناخية القاسية إلى استهلاك أوروبا لاحتياطياتها من الغاز بوتيرة أسرع، كما أن التقلبات الموسمية في الأسعار جعلت إعادة ملء المخزونات خلال الصيف أقل جدوى من الناحية الاقتصادية.

وررغم أن مخاوف التجار بشأن الإمدادات بدأت تتراجع، إلا أن حالة عدم اليقين في السوق لا تزال قائمة، ما يبقيهم في حالة ترقب.

إذا تم التوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا، فقد يؤدي ذلك إلى استئناف نقل الغاز عبر هذا المسار إلى أوروبا. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيعود إلى استيراد الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب الروسية. ومن غير المرجح أن يوافق التكتل على التخلي عن سيطرته على أمن الطاقة لصالح موسكو.

إلى أي مدى تعتمد أوروبا على تخزين الغاز؟

تعتمد أوروبا على مخزوناتها من الغاز خلال الشتاء، حيث يتضاعف متوسط الاستهلاك مع ارتفاع الطلب على التدفئة. ورغم أن مزودي الغاز في القارة، من النرويج والجزائر إلى قطر والولايات المتحدة، يعملون عادةً على تعزيز إنتاجهم إلى الحد الأقصى، إلا أن ذلك لا يكفي لتلبية الطلب المتزايد.

ونتيجة لذلك، يغطي الغاز المخزن حوالي 30% من احتياجات الاتحاد الأوروبي اليومية خلال الشتاء. وقد تتجاوز هذه النسبة 50% في الأيام الأشد برودة، خاصة إذا كانت سرعة الرياح منخفضة، وتراجع إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة.

كانت هذه النسبة أعلى خلال فترات اضطرابات الإمدادات الحادة، مثل نزاعات الغاز بين روسيا وأوكرانيا خلال موجات البرد القارس في عامي 2006 و2009.

ماذا يحدث خلال فصل الصيف؟

ينعكس المشهد خلال الصيف، حيث ينخفض الطلب اليومي على الغاز. ولا يزال استهلاك أجهزة التكييف للطاقة في أوروبا أقل نسبياً مقارنة بالولايات المتحدة أو آسيا. ورغم أن منتجي الوقود يستغلون هذا الموسم لإجراء أعمال صيانة وإصلاح، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج العالمي، إلا أن الإمدادات في أوروبا غالباً ما تشهد فائضاً يمكن تخزينه في مواقع التخزين الجوفية.

يعتمد حجم المخزون الفعلي على أسعار الغاز وعلى مستوى الطلب في مناطق أخرى، مثل آسيا وأميركا اللاتينية. وقد أصبحت أوروبا أكثر تأثراً بديناميكيات سوق الغاز العالمية بشكل كبير، منذ أن خفضت روسيا إمداداتها الكبيرة إلى المنطقة في عام 2022.

كيف أثرت أزمة الطاقة على سياسة تخزين الغاز؟

دفعت أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية، الاتحاد الأوروبي إلى تبني أهداف مُلزمة لمستويات تخزين الغاز عبر دول التكتل منذ عام 2022، وذلك لضمان أمن الإمدادات.

وبموجب هذه القواعد، يجب أن تصل مخزونات الغاز إلى 90% على الأقل بحلول الأول من نوفمبر، مع تحديد أهداف مرحلية يجب تحقيقها خلال فبراير ومايو ويوليو وسبتمبر. وتختلف هذه الأهداف بين الدول الأعضاء بناءً على سعة التخزين المتاحة لديها، ومستويات استهلاكها.

وفي فبراير 2025، أخفقت بعض الدول في تحقيق الأهداف المحددة. ورغم أن الاتحاد الأوروبي لم يفرض حتى الآن أي عقوبات على الدول التي لم تلتزم بالمستويات المحددة، إلا أن لوائحه تنص على أن “الانحراف الكبير والمستمر” عن هذه الأهداف قد يدفع المفوضية الأوروبية إلى اتخاذ إجراءات لضمان عدم تعريض أمن إمدادات الغاز للخطر.

ما تأثير أي اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا؟

في بداية العام الحالي، انتهى اتفاق دام خمسة أعوام سمح بعبور الغاز الروسي عبر أوكرانيا إلى أوروبا. وقبل انتهاء الاتفاق، كان هذا المسار يمثل أقل من 5% من احتياجات أوروبا من الغاز، انخفاضاً من أكثر من 15% عند بدء العمل به.

ومع ذلك، لم توقف موسكو تدفقات الغاز بالكامل إلى المنطقة، حيث لا يزال الغاز الروسي يتدفق عبر خط أنابيب “ترك ستريم” عبر تركيا.

إذا نجح الرئيس الأميركي دونالد ترمب في التوسط لإبرام اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا، فمن المحتمل إحياء اتفاقية العبور. لكن من الصعب تصور عودة أوروبا إلى استيراد نفس مستويات الغاز الروسي التي كانت سائدة قبل اندلاع الحرب.

على مدى الأعوام التي تلت الحرب الأوكرانية، أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقيات مع موردين أخرين للغاز، ويبدو أنه عازم على عدم العودة إلى نفس مستوى اعتماده السابق على موسكو.

ووفقاً لاستراتيجية “أر إي باور إي يو” (REPowerEU)، يهدف الاتحاد إلى التخلص التدريجي من اعتماده على الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2027.

وفي غضون ذلك، من المقرر أن تقترح المفوضية الأوروبية تمديد أهداف تخزين الغاز حتى عام 2027، وهو ما سيتطلب مناقشات داخل البرلمان الأوروبي وبين ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الاتحاد الأوروبي، حيث سيكون لكل دولة الحق في اقتراح تعديلات للمساعدة في صياغة الشكل النهائي للقانون.

وتستعد الحكومات الوطنية لاستغلال هذه الفرصة للمطالبة بقدر أكبر من المرونة، حيث قد تسعى بعض الدول إلى شروط أكثر تساهلاً.

لماذا تثير مستويات تخزين الغاز في أوروبا المخاوف؟

شهدت مخزونات الغاز في الاتحاد الأوروبي انخفاضاً سريعاً خلال موسم التدفئة 2024-2025. فقد أدى الطقس الأكثر برودة مقارنة بالعام السابق، إلى جانب انخفاض عدد الأيام العاصفة، إلى زيادة الطلب على الغاز، وإجبار الدول على السحب من مخزوناتها.

ومع توقف إمدادات الغاز الروسي عبر أوكرانيا، بلغت نسبة امتلاء مخزونات الكتلة 44% فقط بحلول منتصف فبراير، وهو مستوى أقل بكثير من 65% المسجل في العام السابق، وأدنى نسبة لهذا التوقيت منذ أزمة الطاقة في عام 2022.

ورغم عدم وجود خطر وشيك من نفاد الغاز، تتركز المخاوف حول قدرة أوروبا على إعادة ملء مخزوناتها بالوتيرة اللازمة، لضمان الاستعداد لفصل الشتاء المقبل.

ويبحث المسؤولون في جميع أنحاء الكتلة عن حلول لتحقيق أهداف التخزين، حيث دفعت إيطاليا باتجاه البدء المبكر في عمليات التخزين، بينما ناقشت ألمانيا تقديم إعانات لدعم إعادة تعبئة المخزونات.

انعكس القلق بشأن إعادة ملء مخزونات الغاز في أوروبا على الأسواق، حيث أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار العقود الصيفية، ما دفع الأسعار الفورية إلى أعلى مستوياتها منذ عامين في 10 فبراير.

وأدى ذلك إلى استمرار ارتفاع فواتير الطاقة، مما فاقم الأعباء على الأسر والشركات الأوروبية، في وقت عادت فيه مخاطر الركود إلى الواجهة، خاصة في دول مثل ألمانيا والمملكة المتحدة.

ولا يُتوقع أن تشهد الإمدادات أي تحسن في المستقبل القريب، حيث يُتوقع أن تظل السوق مشددة خلال عام 2025 بسبب التأخيرات التي واجهتها العديد من مشاريع الإنتاج الجديدة.

كما أن مستوى المنافسة التي ستواجهها أوروبا للحصول على شحنات الغاز الطبيعي المسال سيعتمد على مدى تعافي الاقتصاد الصيني، وإعادة تشغيل المفاعلات النووية في اليابان، والظروف الجوية في شمال آسيا التي تؤثر على احتياجات التدفئة والتبريد.

كيف تؤثر أسعار الغاز؟

تُعد الفجوة بين أسعار عقود الغاز الصيفية والشتوية عاملاً رئيسياً في تحديد مدى الجدوى الاقتصادية لتخزين الغاز استعداداً للشتاء المقبل. فعادةً ما يستفيد المشترون من انخفاض الأسعار في الصيف لتخزين الغاز، واستخدامه في الشتاء أو بيعه لتحقيق أرباح.

إلا أن شراء الغاز لصيف 2025 أصبح أكثر تكلفة مقارنة بشرائه للشتاء القادم. ففي يناير، بلغ الفارق السعري أعلى مستوى له منذ ثلاثة أعوام، وظل مرتفعاً عند حوالي 2.5 يورو لكل ميغاواط في الساعة (ما يعادل 2.6 دولار لكل ميغاواط في الساعة) بحلول 20 فبراير.

وعند ذروة هذا الفارق (الفرق بين تكلفة شراء الغاز خلال الصيف وبيعه في الشتاء)، تسبب في عجز تجاوز 3 مليارات يورو بالنسبة للكمية التي تحتاجها أوروبا لتخزين ما يكفي للوصول إلى هدف 90% من السعة التخزينية، وفقاً لتقديرات “بلومبرغ إنتليجنس”. وتمثل هذه الفجوة خسائر محتملة لشركات الطاقة والتجار، وحتى بعض المستهلكين الذين يخزنون الغاز، مثل مجموعة “فيتول” (Vitol Group) و”شل” (Shell Plc) و”آر دبليو إي” (RWE AG).

هل يمكن للحكومات فرض شراء الغاز للتخزين؟

تنص لوائح الاتحاد الأوروبي على أن الحكومات يحق لها التدخل، إذا فشلت الجهات الفاعلة في السوق في ملء مخزوناتها في الوقت المناسب، وذلك عبر تكليف كيانات خاضعة لسلطتها بشراء الغاز.

تمتلك بعض الدول الأعضاء، مثل إيطاليا والنمسا، احتياطيات استراتيجية من الغاز تخضع لسيطرة الدولة، ولا يتم تداولها في السوق. ووفقاً لشبكة مشغلي أنظمة نقل الغاز في أوروبا، تغطي احتياطيات الدولة نحو 11% في المتوسط من إجمالي سعة التخزين في الكتلة.

ورغم أن  تدخل الحكومة يعزز أمن الإمدادات، إلا أنه قد يؤدي إلى اختلالات في الأسعار. ويخشى التجار من أن تؤدي عمليات الشراء الإلزامية إلى زيادة المنافسة على إمدادات الغاز بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، كما حدث في عام 2022.

كيف يتم تخزين الغاز في أوروبا؟

يتم ضغط الغاز وضخه في مرافق التخزين ليظل محفوظاً حتى الحاجة إليه. وغالباً ما تندمج منشآت التخزين في أوروبا مع البيئة المحيطة، حيث لا يظهر منها سوى رؤوس الآبار أو محطات الضخ، بينما تمتد تحت الأرض عبر حقول غاز مستنفدة أو كهوف ملحية أو طبقات مائية جوفية توفر بيئة مغلقة وآمنة للتخزين.

وتمتد المساحة الجوفية لبعض مواقع التخزين، مثل منشأة “ريدن” (Rheden) في ألمانيا، وهي واحدة من أكبر منشآت التخزين في أوروبا، لما يعادل أكثر من 900 ملعب كرة قدم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *