كيف يرى وزير المالية السعودي العلاقة مع أميركا ومسيرة “رؤية 2030″؟
أعرب وزير المالية السعودي محمد الجدعان عن تفاؤله بقوة الاقتصاد الأميركي في ظل إدارة دونالد ترمب الجديدة، وتأثير هذه القوة على الاقتصاد العالمي، مشدداً على العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأميركية والسعودية.
الجدعان أشار في مقابلة مع “بلومبرغ” على هامش “المنتدى الاقتصادي العالمي” المنعقد في دافوس، إلى أن خطوة المملكة بزيادة استثماراتها وتجارتها مع أميركا بـ600 مليار دولار على مدار السنوات الأربع المقبلة، تمثل استمرارية للاستثمارات السعودية في أكبر اقتصاد في العالم، والتي تجاوزت 770 مليار دولار.
وفي ما يتعلق بـ”رؤية 2030″ الهادفة لتنويع الاقتصاد، رأى الجدعان أنها تسير “وفق الخطة”، منبهاً إلى أن المملكة قادرة على تمويل المشاريع الضخمة نظراً لوجود “احتياطيات مالية قوية للغاية”. ولكنه شدد أيضاً على أن البلاد حريصة على ما تنفقه، وكيفية إنفاقه، وحجم العائد على هذا الإنفاق.
اقرأ أيضاً: العلاقات الاستثمارية بين السعودية وأميركا في رسوم بيانية
بشأن الاستثمار الأجنبي المباشر، أشار الوزير إلى أن المملكة استطاعت على مدار السنوات الأربع الماضية، تحقيق أهداف استراتيجية الاستثمارات الوطنية، وهي مستمرة في هذا الأمر، معتبراً أن السعودية “تقدم فرصاً كبيرة للمستثمرين المحليين والدوليين”.
وفي ما يلي نص الحوار:
- كنا نتحدث عن الإثارة التي يشعر بها العديد من الأشخاص وقادة الصناعة في الولايات المتحدة بشأن آفاق الاقتصاد الأميركي هذا العام، لكن سؤالي هو: كيف يشعر بقية العالم حيال ذلك؟ ما رأيك في عودة ترمب وحديثه عن التعريفات الجمركية وآثارها على النمو العالمي؟
شكراً جزيلاً لاستضافتي. أعتقد أن اقتصاد أميركي قوي للغاية يعد أمراً جيداً للعالم والاقتصاد العالمي. وينطبق الأمر ذاته على الاقتصادات الكبرى الأخرى، فإذا حدث أي تعثر أو رياح معاكسة، فسيشعر العالم كله بهذا الأمر. نحن متحمسون للولايات المتحدة، والإدارة الجديدة، وللاقتصاد الأميركي.
نعتقد أن السنوات القليلة القادمة ستظهر قوة الاقتصاد الأميركي، وهو ما سيكون جيداً للعالم أجمع إذا تحقق. ولكن من الواضح أننا بحاجة إلى اليقظة، والتأكد من دعم التعاون والمؤسسات متعددة الأطراف، ولكني واثق من أن الاقتصاد الأميركي سيكون إيجابياً، كما أظهر “صندوق النقد الدولي” في تقريره الأخير، أن الولايات المتحدة في اتجاه صعودي.
- يبدو أن صاحب السمو الملكي ولي العهد السعودي أجرى مكالمة هاتفية مع ترمب أمس. هناك الكثير من التقارير التي تقول إن السعودية تخطط لاستثمار ما يصل إلى 600 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدى السنوات الأربع المقبلة. بالنسبة للأشخاص غير المطلعين على هذه الأرقام، فإنها تمثل حوالي 55% من الناتج المحلي الإجمالي السعودي. بصفتك وزيراً للمالية، فمن أين ستحصل المملكة على هذه الأموال؟
أصدرت وكالة الأنباء السعودية بياناً في هذا الشأن. لدينا علاقة قوية للغاية مع الولايات المتحدة مستمرة منذ سنوات طويلة. أعني، لدينا علاقة تمتد لأكثر من 8 عقود، وهي علاقة استراتيجية للغاية تستند إلى الاقتصاد والتجارة، وستستمر.
لدينا حالياً أكثر من 770 مليار دولار من الاستثمارات في الولايات المتحدة، لذا فهذه الخطوات ليست جديدة فعلياً. هذه الأموال مزيج من الاستثمارات والمشتريات.
اقرأ أيضاً: السعودية تسعى لزيادة استثماراتها وتجارتها مع أميركا بـ600 مليار دولار
لدينا خطط طموحة للغاية في السعودية، كما أن “رؤية 2030” تسير وفق الخطة، وعلاقتنا مع الولايات المتحدة وأوروبا والصين ستستمر في الازدهار، كجزء من عملية الإصلاح التي نقوم بها.
- أنا أفكر في الأمر من منظور التمويل، لأن هناك مشاريع ضخمة التزمت بها السعودية، وعلى مدار العام الماضي، كان هناك حديث عن إعادة تحديد الأولويات والأهداف وإعادة توجيه الأموال. كما هناك أيضاً مشاريع جديدة أعلنت عنها السعودية، مثل استضافة كأس العالم. أنفقت قطر 200 مليار دولار على استضافة المونديال. لذا فإن السؤال الذي أعتقد أنه يهم عالم الاستثمار هو: إذا كانت المملكة تخطط للاقتراض أكثر، فما مقدار العجز في الميزانية العمومية المستعدة لتحمله؟
لدينا في السعودية احتياطيات مالية قوية للغاية، ونحن حريصون جداً بشأن ما ننفقه، وكيف ننفقه، والعائد على هذا الإنفاق.
لدينا خطة واضحة للغاية، لقد انتقلنا من خطة مالية مدتها ثلاث سنوات فقط، إلى خطة طويلة الأجل، وقد انتهينا من وضع هذه الخطة العام الماضي. لذا، نعلم تماماً ما الذي سننفقه، ومن أين سنحصل على هذه الأموال، وكيف سنتأكد من أنها تساعد الاقتصاد، ولا تضغط على القطاع الخاص. إنها خطة طويلة الأجل، وكل هذه المشاريع ستندرج تحت هذا الإطار.
أعدنا معايرة ما نحتاج إلى القيام به، للتأكد من تحديد الأولويات لما من شأنه زيادة الفعالية. أردنا التأكد من أننا لا نزيد سخونة الاقتصاد، لذا قمنا بتمديد فترة بعض هذه المشاريع، لضمان تحقيق استفادة للقطاع الخاص لدينا، فإذا قمنا بالكثير من المشاريع خلال فترة زمنية قصيرة، فلن يستطيع القطاع الخاص اللحاق بالركب، بالتالي سيحدث تسرب اقتصادي ناتج عن استيراد العديد من الأشياء.
اقرأ أيضاً: S&P: المشاريع الكبرى تواصل دفع إصدارات الديون السعودية في 2025
لذلك أردنا حقاً تحقيق التوازن، وهذا ما فعلناه في الخطة طويلة الأجل. لرؤية كيف ينعكس هذا الأمر فعلياً في السعودية، يجب ملاحظة ما يحدث مع الناس في المملكة، إنهم يحتضنون هذا التغيير، وهو أمر يمكن رؤيته على أرض الواقع، إنهم جزء حقيقي من هذا التغيير. يمكنك رؤية هذه التغييرات من خلال مؤشر مديري المشتريات، وهو مرتفع للغاية.
- سأنتقل إلى السؤال عن النمو بعد لحظات، ولكنني أريد فقط أن أسأل عن التمويل. هل يمكننا أن نتوقع طرحاً إضافياً لحصة الحكومة في “أرامكو”؟
لا يوجد تمويل إضافي عما هو مخطط له في الخطة طويلة الأجل، و”أرامكو” أو غيرها من الأصول، جزء من الخطة. لا يوجد شيء آني للحديث عنه، فكل هذا جزء من خطة طويلة الأجل بدأناها في عام 2016.
- في ما يتعلق بالنمو، خفض صندوق النقد بشكل طفيف تقديراته للسعودية لهذا العام إلى 3.3%، وجزء من ذلك يعود إلى انخفاض إنتاج النفط بفعل اتفاق “أوبك+”. إلى متى تعتقد أن السعودية قادرة على الاستمرار في تخفيض الإنتاج، ومع ذلك تواصل تحقيق مستهدفها بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي غير النفطي؟
هذا في الواقع سؤال جيد جداً، وفي محله. وأعتقد أن هذه الفكرة هي تماماً وراء إطلاق “رؤية 2030” التي تهدف إلى معالجة هذه التحديات. كان اقتصاد السعودية يعتمد كلياً على سلعة واحدة، ما يعني أن تقلب أسعارها يؤثر على الاقتصاد إيجاباً أو سلباً.
اقرأ أيضاً: الخطيب: السعودية تستقبل 30 مليون سائح أجنبي في 2024
نحن نقوم بفصل الاقتصاد السعودي عن اقتصاد النفط. ويمكن رؤية ذلك بالأرقام، فهي لا تكذب. تبلغ مساهمة الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في الاقتصاد الآن حوالي 52%، كما شهد نسبة الاستثمارات الخاصة من الناتج المحلي الإجمالي تغييراً هيكلياً. من الصعب رؤية التغير السريع لاستثمارات القطاع الخاص كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في أي اقتصاد، ولكننا في السعودية نستطيع رؤية ذلك، إذ قفز من حوالي 17%، إلى 24% حالياً.
هذا تحول جدي في الاقتصاد، الاستهلاك قوي جداً، والثقة سواء من جانب المؤسسات التجارية أو المستهلك، قوية جداً هي الأخرى.
- معالي الوزير، فقط لتلخيص الأمور، كانت السعودية لفترة طويلة مكاناً يأتي إليه المستثمرون من جميع أنحاء العالم للحصول على التمويل. ما مدى نجاح المملكة في ما يتعلق بحشد هذه الأموال محلياً، وتشجيع المجتمع الدولي على الاستثمار فعلياً في المملكة؟
نقطة مهمة جداً. أركز كثيراً على الاستثمار الأجنبي المباشر، ولكنني سأتحدث في الواقع عن المتطلبات الأساسية لهذا الاستثمار. يجب التأكد من جذب المستثمرين المحليين للاستثمار في اقتصادك، لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
المستثمرون المحليون هم زملاء وأصدقاء وشركاء المستثمرين الأجانب في أماكن أخرى من العالم، وإذا لم تتمكن من إقناعهم بالاستثمار، فلن تتمكن من إقناع المستثمرين الأجانب. ونحن نحقق الأمرين. أعتقد أننا نشهد نمواً كبيراً في الاستثمارات المحلية في السعودية.
اقرأ أيضاً: وزير الاستثمار: السعودية تتخطى مستهدف ضخ الأموال باقتصادها
نشرت وزارة الاستثمار قبل بضعة أسابيع، أهداف الاستثمار الأجنبي المباشر بموجب استراتيجية الاستثمارات الوطنية السعودية، على مدى السنوات الأربع الماضية، وما تحقق.
وتمكنت المملكة في كل عام من التقدم على الهدف الموضوع، وهذا أمر مستمر. أعتقد أن السعودية تقدم فرصاً كبيرة للمستثمرين المحليين والدوليين في مساحات متعددة حيث نتمتع بميزة تنافسية.