كيف فشلت “هواوي” و”أبل” في كسب المستهلكين الصينيين؟
إذا كان هناك أمر واحد يتذكر به العالم الراحل ستيف جوبز، الشريك المؤسس لشركة “أبل”، فهو قدرته الفائقة على تقديم العروض المبهرة. فقبل أن تتحول “أبل” إلى الشركة الأعلى قيمة في العالم بوقت طويل، كانت شركة صغيرة استطاعت جذب الانتباه ببراعة وإشعال حماس المستهلكين الذين كانوا يبحثون عن التميز والتمرد.
ويبدو أن شركة “هواوي تكنولوجيز” قد استلهمت هذا النهج في اختيار توقيت حدثها الكبير لطرح منتجها الجديد، حيث قررت تنظيمه يوم الثلاثاء بعد ساعات قليلة من الكلمة الرئيسية السنوية لشركة “أبل” حول هاتف “أيفون”. فقد كشفت الشركة الصينية عن هاتفها الجديد “ميت إكس تي” (Mate XT)، الذي يُعد أول هاتف ذكي في العالم مزود بشاشة ثلاثية يمكن طيها على شكل حرف “Z”.
أثارت صور التصميم الثلاثي الفريد ضجة كبيرة على الإنترنت، خاصة عند مقارنته بالترقية المتواضعة التي جاء بها جهاز “أيفون 16” الجديد، والذي كانت أبرز مميزاته هو الزر الجديد.
ولم يكن من مصلحة “أبل” أن تكون أهم ميزة تسويقية لهاتفها الجديد هي قدرات الذكاء الاصطناعي المدمجة في الجهاز التي لن يتم إطلاقها باللغة الصينية حتى العام المقبل، وتخضع لموافقة تنظيمية صعبة ومتشددة قبل أن تصل إلى هذه السوق عالية الربحية.
أدى غياب هذه الميزة الرئيسية في الصين إلى موجة من السخرية والانتقاد على وسائل التواصل الاجتماعي المحلية، حيث نشر أحد المستخدمين على موقع “ويبو” (Weibo) تعليقاً ساخراً حظي بانتشار واسع، قائلاً إن هاتف “أيفون 16” يجب أن يُباع بنصف السعر بدون هذه القدرات.
“هواوي” تغتنم الفرصة
كانت “هواوي” حكيمة في اغتنام الفرصة والتميز بابتكارات في الأجهزة في الوقت الذي يستعرض فيه معظم اللاعبين الآخرين في الصناعة تحديثات الذكاء الاصطناعي التي لم تثبت قدراتها بعد. وقد حولت سنوات من العقوبات القاسية التي تقودها الولايات المتحدة قصة عودتها إلى صورة الضحية المستضعفة وسط الوطنيين من المستهلكين الصينيين.
كشفت الشركة التي تتخذ من شنتشن مقراً لها عن هاتفها الذكي “ميت 60 برو” (Mate 60 Pro)، الذي يتميز بشريحة مصنوعة في الصين حاولت الولايات المتحدة جاهدة منع إنتاجها، وذلك خلال زيارة وزيرة التجارة الأميركية جينا رايموندو إلى البلاد العام الماضي.
لكن الظهور الأخير المبهر لهاتف “ميت إكس تي” (Mate XT) يخفي وراءه نقاط ضعف كبيرة. فسعر الهاتف يبدأ من 19999 يواناً (2800 دولار) في وقت يحجم فيه المستهلكون الصينيون عن الإنفاق.
تؤكد وسائل إعلام كثيرة على أن ملايين الأشخاص قد طلبوا هاتف “ميت إكس تي” قبل طرحه عبر موقع “هواوي” الرسمي للتجارة الإلكترونية (حتى يوم الأربعاء بلغ عدد المسجلين لشراء الهاتف 4.8 مليون شخص). لكن هذه الأرقام مضللة، فنظام الحجز لا يشترط سداد دفعة مقدمة، وهو ببساطة ينبه أولئك الذين يسجلون في الموقع إلى كيفية شراء الجهاز عند طرحه للبيع في وقت لاحق من هذا الشهر، في نفس يوم طرح هاتف “أيفون 16”.
في الوقت نفسه، يتوقع محللو “بلومبرغ إنتليجنس” أن تبلغ المبيعات مليون وحدة على أقصى تقدير. وأضاف المحللون أن سعره المرتفع وجاذبيته في السوق المستهدفة يعنيان على الأرجح أن تأثيره قد يكون أقل على قطاع الهواتف الذكية المتميزة في الصين مقارنةً بتأثير جهاز “ميت 60”.
تراجع مكانة “أبل” في الصين
لم يكشف حدث إصدار جهاز “Mate XT” عن أي معلومات حول الشريحة المستخدمة في تشغيله، مما أثار تكهنات بين المحللين بأنه لم يحدث أي تقدم تكنولوجي ملحوظ، وأن السعر المرتفع للجهاز قد لا يترجم إلى تحسينات كبيرة في الأداء.
بسبب العقوبات المفروضة، تعتمد هواتف “هواوي” الذكية المتطورة حالياً على معالجات متأخرة أجيالاً عن تلك التي تستخدمها “أبل” في هواتف “أيفون”.
من المتوقع أن تطلق “هواوي” هاتفها الرائد القادم “ميت 70” (Mate 70)، والذي يعتبر أقرب منافس لهاتف “أيفون 16″، في وقت لاحق من هذا العام، رغم أن التقارير تشير إلى أن الشركة تواجه صعوبات في إنتاج الرقائق الإلكترونية.
ومع ذلك، لا يعني ضعف “هواوي” بالضرورة نجاحاً أكبر لشركة “أبل”. فقد بدأ هاتف “أيفون” يفقد جاذبيته في السوق الصينية، حيث خرجت الشركة، التي يقع مقرها في كوبرتينو بولاية كاليفورنيا، من قائمة أكبر خمس شركات لتصنيع الهواتف الذكية في الصين، وذلك على الرغم من تقديمها لخصومات كبيرة.
سيكون من الصعب على “أبل” الحفاظ على ولاء المستهلكين في الصين عندما لا تكون التحديثات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، التي تم الترويج لها بشكل كبير، جاهزة للإطلاق في السوق الصينية.
تعاونت “أبل” مع شركة “أوبن إيه آي” (OpenAI) المطورة لتقنية “تشات جي بي تي” (ChatGPT)، ولكن هذه الخدمة محظورة في الصين، ولم تعلن الشركة حتى الآن عن شريك محلي لتجاوز هذه العقبة.
وعلى عكس التحسينات المتعلقة بالكاميرات أو الأجهزة، فإن توفير تحديثات قائمة على الذكاء الاصطناعي لتعزيز خدمات مثل تلخيص الإشعارات أو مساعدة المستخدمين في صياغة رسائل بريد إلكتروني تتماشى مع السياق اللغوي والثقافي، يمثل تحدياً جديداً ومعقداً أمام “أبل” في الصين. يأتي ذلك في وقت تواجه فيه الشركة أيضاً صعوبات تنظيمية كبيرة تفرضها بكين فيما يتعلق بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
الانفصال عن المستهلك الصيني
تحتاج “أبل” إلى تعزيز جهودها بشكل كبير في توطين الذكاء الاصطناعي إذا كانت ترغب في الحفاظ على مكانتها في ثاني أكبر اقتصاد في العالم. فقد يشعر مستخدمو “أيفون” في الصين بالإحباط من الشركة التي تركتهم خلف الركب في سباق الذكاء الاصطناعي.
في المقابل، قد يشعر هؤلاء المستهلكين أيضاً بالتهميش بسبب إطلاق “هواوي” لهاتف ذكي بسعر 2800 دولار، وذلك في ظل التحديات الاقتصادية الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد الصيني. ومع الدعم القوي من الحكومة الصينية لتطوير صناعة الهواتف الذكية المحلية، فإن “هواوي” لا تعتبر في موقف ضعيف. ورغم أن مبيعاتها شهدت انتعاشاً بفضل الشعور الوطني، إلا أن الشركة بحاجة إلى تحقيق ابتكارات تكنولوجية حقيقية إذا أرادت الحفاظ على زخمها، إذ لن تكون مجرد إصدارات تلفت الانتباه كافية. حتى الهواتف الذكية القابلة للطي ثلاث مرات قد تبدو مجرد تقنيات دعائية إذا لم تضف قيمة حقيقية للمستخدمين.
سيكون موسم العطلات المقبل اختباراً حاسماً لأداء “هواوي” في مواجهة “أبل” في سوق الهواتف الذكية عالية القيمة في الصين، وقد يكون لإطلاق سلسلة “ميت 70” تأثير ملحوظ. لكن في الوقت الحالي، قد تدفع هذه المنافسة بعض المستهلكين الصينيين إلى تأجيل شراء هواتف جديدة، واختيار الاحتفاظ بأجهزتهم الحالية لفترة أطول.
باختصار
يتناول المقال المنافسة بين شركتي “أبل” و”هواوي” في سوق الهواتف الذكية، مع التركيز على توقيت طرح هاتف “هواوي ميت إكس تي” بعد ساعات من إطلاق “أبل” لهاتف “أيفون 16”. ركزت “هواوي” على تقديم هاتف بتقنية شاشة قابلة للطي، بينما واجهت “أبل” انتقادات بسبب غياب ميزات الذكاء الاصطناعي في السوق الصينية.
“هواوي” استغلت الظروف الاقتصادية والعقوبات المفروضة لتسويق نفسها كبديل وطني، لكن ارتفاع سعر “ميت إكس تي” قد يحد من تأثيره في السوق. في المقابل، تواجه “أبل” تحديات في الحفاظ على مكانتها بسبب عدم جاهزية تقنياتها في الصين، مما يشير إلى منافسة قوية بين الشركتين في المستقبل.