اخر الاخبار

كيف تعاملت الصين مع الصراع بين الهند وباكستان؟

ربما لم يشمل الصراع الذي اندلع في الآونة الأخيرة بين الهند وباكستان، في إطار التوترات الممتدة بينهما، جارتهما الصين بشكل مباشر. رغم ذلك، بدا تأثير بكين واضحاً.

أسفر هجوم شنه مسلحون في 22 أبريل في إقليم كشمير المتنازع عليه عن مقتل 26 شخصاً، أغلبهم من السياح الهنود، ما أشعل فتيل نزاع امتد أربعة أيام دفع الهند وباكستان إلى حافة الحرب الشاملة، قبل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

تحافظ الصين على علاقة وثيقة مع باكستان تشمل روابط عسكرية. وقالت مجموعة بحثية تابعة لوزارة الدفاع الهندية إن بكين ساعدت إسلام آباد في إعادة تنظيم منظومات الرادار والدفاع الجوي وتغطية الأقمار الصناعية لتعزيز القدرة على رصد الأسلحة الهندية خلال الصراع الذي اندلع في الآونة الأخيرة. وهذه تقارير غير مؤكدة. وفي الوقت نفسه، دعت الصين، التي تشهد علاقتها المتوترة مع الهند تحسناً، الجارتين النوويتين إلى التهدئة.

غالباً ما يستخدم الخبراء “المثلث الاستراتيجي”، وأضلاعه الصين والهند وباكستان، في شرح الديناميات الجيوسياسية في المنطقة.

يتسم المثلث بطبيعة معقدة؛ فالصين لها حدود مع الدولتين، ومن مصلحتها الحفاظ على التوازن الاستراتيجي على حدودها. وتجمعها صداقة “متينة” مع حليفتها القديمة باكستان، بينما تخوض نزاعاً حدودياً منذ فترة طويلة مع الهند.

في الوقت نفسه، تنظر الهند إلى علاقة الصين الوثيقة مع باكستان على أنها جهد منسق للحد من نفوذها الإقليمي. فسعت إلى التصدي لنفوذ الصين المتزايد عبر بناء علاقات أمنية قوية مع الولايات المتحدة، فيما تتواصل مع حركة طالبان في أفغانستان أيضاً. رغم ذلك، شهدت العلاقات بين الصين والهند انفراجة في الآونة الأخيرة، بفضل تعزيز التجارة وإحراز تقدم في المفاوضات حول النزاع.

ما دور الصين في الصراع الذي اندلع مؤخراً بين الهند وباكستان؟

قدمت الصين نفسها على أنها وسيطة سلام بين الطرفين. وأعربت وزارة الخارجية في بكين عن قلقها الشديد من تصاعد حدة الصراع بين باكستان والهند، وحثت الطرفين على العودة إلى السعي لتسوية سياسية عبر السبل السلمية. كما عرضت أن تضطلع بدور بنّاء في حفظ السلام والاستقرار في المنطقة. 

وفي الوقت نفسه، أكّد وزير الخارجية الصيني وانغ يي في مكالمة مع نظيره الباكستاني على “الصداقة المتينة” بين الصين وباكستان، وقال إن الصين “تتفهم تماماً مخاوف باكستان الأمنية المشروعة، وتدعمها بشكل كامل في حماية سيادتها ومصالحها الأمنية”.

رغم ذلك، أشار مركز دراسات الحرب المشتركة، ومقره في نيودلهي، في مزاعم لم تتأكد صحتها، إلى أن الصين لم تكتفِ بدور المراقب خلال الصراع. وقال المركز، التابع لوزارة الدفاع الهندية، إن الصين ساعدت باكستان قبل الاشتباكات وخلالها لإعادة تنظيم منظومات الرادار والدفاع الجوي لزيادة الكفاءة في رصد مواقع انتشار القوات والأسلحة الهندية. كما زعم أن الصين ساعدت باكستان في تعديل تغطية الأقمار الصناعية فوق الهند قبيل اندلاع الاشتباكات المباشرة بين الدولتين. لم ترد وزارة الخارجية الصينية على الزعم بشكل مباشر. ولم ترد الهيئات الحكومية الباكستانية على طلبات التعليق.

ما العلاقات العسكرية بين الصين وباكستان؟

تشتري باكستان معظم أسلحتها من الصين، ومن بينها مقاتلات “جيه 10 سي” (J-10C)، التي قالت باكستان إنها استخدمتها في إسقاط عدة طائرات هندية، بما فيها طائرات “رافال” فرنسية الصنع. وإذا تأكدت صحة ذلك، فسيكون أول استخدام علني لطائرات “جيه 10 سي” في القتال.

لم تعلق الهند على مزاعم إسقاط طائراتها، بينما توخى المسؤولون الصينيون الحذر في تصريحاتهم، فقال المتحدث باسم وزارة الخارجية لين جان إنه “ليس على دراية” بتقارير عن مشاركة المقاتلات الصينية في الصراع. لكن في 17 مايو، أعلنت شبكة الإعلام الحكومية الصينية على منصات التواصل الاجتماعي أن مقاتلات “جيه 10 سي” حققت نتائج في المعركة لأول مرة، وتضمن المنشور وسماً مرتبطاً بالصراع بين الهند وباكستان.

وبينما لم يعلق مركز دراسات الحرب المشتركة على المقاتلات، قال إن أداء منظومات الدفاع الصينية كان أقل من المتوسط و”فشل بشكل ذريع” في بعض الحالات.

يُعتقد أن باكستان استخدمت صواريخ “بي إل 15” (PL-15) جو- جو الصينية، والتي عثُر عليها في الهند بعد الإسقاط المزعوم.

رغم أن استخدام باكستان الأسلحة الصينية كان متوقعاً، أوضح الخبراء أنه إذا شاركت المقاتلات الصينية فعلياً في إسقاط الطائرات الهندية، سيُعد ذلك مكسباً مهماً لباكستان والصين في قدرات القتال الجوي.

ما سر صداقة الصين المتينة مع باكستان؟

يعود تاريخ صداقة الصين مع باكستان إلى عقود، ففي 1950، بعد عام من نهاية الحرب الأهلية الصينية، وإذ رأت باكستان في الصين حليفاً محتملاً، كانت من أوائل الدول التي اعترفت رسمياً بجمهورية الصين الشعبية الجديدة، وبذلك لم تعُد تعترف بجمهورية الصين، التي انسحبت حكومتها إلى تايوان.

عندما تدهورت علاقات الجوار بين الصين والاتحاد السوفيتي في الستينيات، عززت الصين تحالفها مع باكستان، خشية حصار سوفييتي بمساعدة الهند. وفي 1963، وقعت الدولتان اتفاقية حدود أنهت نزاعاتهما الإقليمية.

 

بعد حرب على الحدود مع الهند في 1965، احتاجت باكستان إلى إعادة بناء قواتها المسلحة التي استُنزفت، وأبرمت صفقة أسلحة ضخمة مع الصين في 1966. وتشير مذكرة “بالغة السرية” صدرت عن المخابرات المركزية الأميركية في نفس العام أن الصين اعتبرت المساعدة العسكرية “ثمناً لا بد من دفعه لاستمرار علاقة مصلحة تستند بشكل كبير إلى العداء المشترك للهند”.

منذ ذلك الحين، أصبحت الصين أكبر دولة موردة للأسلحة إلى باكستان، وباتت إسلام آباد عميلاً رئيسياً لبكين. وخلال السنوات الخمس الماضية، استحوذت باكستان على 63% من صادرات الصين من الأسلحة، وتلاها صربيا بنسبة 6.8%، ثم تايلندا بنسبة 4.6%، بحسب بيانات صادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI).

كما ازدهرت العلاقات في ظل “الحزام والطريق”، المبادرة الرئيسية التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ، وضخت مليارات الدولارات في تمويل مشاريع البنية التحتية في باكستان، وخُصص جزء منها لإنشاء الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان الذي يشمل طريقاً سريعاً وشبكة سكك حديدية. ويبدأ الممر في غرب الصين ويمتد عبر باكستان حتى ميناء جوادر في المياه العميقة في بحر العرب، ما سيتيح للصين طريقاً أكثر سرعة ومباشرة إلى واردات النفط القادمة من الشرق الأوسط.

 

إلا أن هجمات إرهابية متفرقة كشفت عن تصدعات في العلاقة؛ فـ”جيش تحرير بلوشستان”، وهو تنظيم مسلح في إقليم بلوشستان المضطرب غربي البلاد، استهدف وقتل مواطنين صينيين خلال السنوات الماضية، وأعلن مسؤوليته عن تفجير انتحاري استهدف قافلة سيارات تنقل مواطنين صينيين خارج مطار كراتشي في أكتوبر 2024، ما أسفر عن مقتل عاملين صينيين وإصابة ثمانية أشخاص.

كيف تسير علاقة الصين مع الهند؟

تجمع بين الصين والهند مصالح اقتصادية مشتركة، لكنهما انخرطتا في منافسة استراتيجية، وبينهما صراع طويل مستمر.

خاض الطرفان في 1962 حرباً قصيرة على منطقتين حدوديتين متنازع عليهما، واحدة في شمال الهند قرب كشمير، والأخرى في الشرق على امتداد ما يُعرف اليوم باسم ولاية أروناشال براديش الهندية. ورغم أن الصين حققت مكاسب ملموسة على الأرض، يستمر النزاع بين الدولتين على الحدود، وأدت الحرب إلى خلاف متواصل حتى الآن.

تصاعدت التوترات مرة، وهدأت في أخرى على مر السنين، وفي 2020، أدت المناوشات إلى أول اشتباكات دامية منذ أربعة عقود، قُتل فيها نحو 20 جندياً هندياً وعدداً غير معروف من القوات الصينية.

 

بعد اشتباكات 2020، حظرت الهند مئات تطبيقات وخدمات الهواتف الصينية، من بينها “تيك توك” و”وي تشات”، وخفضت تأشيرات رحلات العمل وفرضت قيوداً إضافية على الاستثمارات القادمة من الصين.

كما فرضت نيودلهي قيوداً على واردات الأجهزة الإلكترونية، مثل الحواسيب المحمولة واللوحية، التي يُرجح أن تؤثر على الصين بشكل أكبر من أي دولة أخرى. ورفض المسؤولون الهنود عرضاً من “بي واي دي” الصينية في 2023 لبناء مصنع للسيارات الكهربائية بتكلفة مليار دولار، بذريعة مخاوف مرتبطة بالأمن القومي.

من جهتها، تشعر الصين أيضاً بالقلق من علاقات الهند الأمنية مع الولايات المتحدة، إذ أُعيد تفعيل “الحوار الأمني الرباعي” (The Quad)، وهو إطار عمل أمني يجمع الهند والولايات المتحدة وأستراليا، في 2021 بسبب مخاوف من نفوذ الصين المتزايد في المنطقة. وكشفت “بلومبرغ” سابقاً أن الجيش الهندي درس خيارات الدعم المحتمل للولايات المتحدة في حالة شن حرب على تايوان، التي تقول حكومة الصين إنها جزء من أراضيها.

لكن ظهرت دلائل على انفراج بين الدولتين، فعيّنت الصين سفيراً جديداً في الهند في مايو 2024، في إشارة إلى سعيها إلى عودة العلاقات إلى طبيعتها. وفي يوليو، صرح وزيرا خارجية الدولتين أن النزاع الحدودي لا يصب في مصلحة أي من الطرفين، ووافقا على عقد مزيد من المفاوضات.

 

كما اتفقت بكين ونيودلهي في وقت سابق من العام على استئناف الرحلات الجوية المباشرة وتسهيل إجراءات الحصول على التأشيرة، وسيُستأنف المزار السنوي للمواطنين الهنود إلى الجبال والبحيرات المقدسة في التبت في موعد قريب بعد وقفه منذ خمس سنوات.

5) ماذا ستحقق الصين والهند من تحسين العلاقة بينهما؟

تحسين العلاقات من مصلحة الدولتين معاً؛ فالصين أحد أكبر شركاء الهند التجاريين، إذ اقترب حجم التجارة بين البلدين من 140 مليار دولار العام الماضي، وارتفعت التجارة الثنائية بمتوسط 9.5% ما بين عامي 2016 و2023. وتعتمد الهند على الصين في مجموعة كبيرة من السلع والبضائع المُصنّعة، فضلاً عن مكونات ومواد خام تحتاجها المصانع، بما فيها تلك التي تنتج الهواتف الذكية والسيارات والسلع الاستهلاكية والأجهزة الإلكترونية الأخرى.

بلغ عجز الميزان التجاري مع الصين أكثر من 103 مليارات دولار، ما يجعله أكبر عجز في التجارة الثنائية بين كل الشركاء التجاريين. ولطالما سعت الصين إلى زيادة إمكانية وصول بضائعها إلى السوق في الهند بشكل أكبر، رغم فرض نيودلهي قيود منذ سنوات على بعض منتجات التكنولوجيا الصينية، ومن بينها تطبيقات مثل “تيك توك”.

تسعى الهند إلى الاستفادة من انتقال المصنعين العالميين بعيداً عن الصين، وتُعد القرارات التي اتخذتها شركة “أبل” في الآونة الأخيرة برفع إنتاج هاتف “أيفون” في الهند نصراً مبكراً لنيودلهي. رغم ذلك، لم يتضح مدى استفادة الهند بعد، بالأخص بعد انتقاد إدارة الرئيس دونالد ترمب “أبل” في الآونة الأخيرة لاختيارها الهند موقعاً لرفع الإنتاج.

في المقابل، تسعى الصين إلى علاقات أكثر ودية مع الدول الأخرى لتتمكن من التركيز على نمو اقتصادها.

كذلك، فالدولتان عضوتان في مجموعة “بريكس”، وهي منظمة غير رسمية تضم 10 قوى اقتصادية ناشئة- وتتنافسان على قيادة ما يشار إليه في معظم الأوقات باسم “الجنوب العالمي”، وهي مجموعة من الدول التي كانت خاضعة للاستعمار، والنامية في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا بشكل رئيسي.

وبينما هدأت التوترات بشأن التجارة والنزاع الحدودي بين الهند والصين في الآونة الأخيرة، لا تزال العلاقات متوترة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *