اخر الاخبار

كيف تستطيع البطاريات الكبيرة منع انقطاع الكهرباء في الصيف؟

في أي عام آخر، كان من الممكن أن يشكل يوم 14 مايو أزمة طاقة في ولاية تكساس الأميركية.

ففي ذلك اليوم، ارتفعت درجات الحرارة إلى مستويات موسمية غير مسبوقة منذ أكثر من قرن، حيث بلغت 92 درجة فهرنهايت في دالاس، و95 درجة في هيوستن، و104 درجات في لاريدو. وكانت أجهزة التكييف تعمل بأقصى طاقتها، وارتفع الطلب على الكهرباء، بينما كان العديد من المولدات العاملة بالغاز الطبيعي خارج الخدمة بسبب أعمال الصيانة اللازمة استعداداً لفصل الصيف.

لكن أحوال الولاية كلها كانت على ما يرام في هذا اليوم، وذلك لأن شركات ناشئة قضت الأشهر السابقة في إنشاء بطاريات ضخمة لتخزين الكهرباء. وعندما بلغ الطلب على الكهرباء ذروته حوالي الساعة 4:30 عصراً، كانت الطاقة المتجددة تغطي ما يقارب نصف الأحمال على شبكة الكهرباء، بحسب منصة تحليلات الطاقة “غريد ستاتس دوت آي أو” (GridStatus.IO). ومع غروب الشمس، تولت البطاريات التي خزنت الطاقة خلال النهار تلبية 8% من الطلب، مما حافظ على استمرارية تدفق الكهرباء.

قال أندرو جيليغان، مدير الاستراتيجية التجارية لدى شركة “فلوينس إنرجي” (Fluence Energy)، وهي شركة مطورة للبطاريات وتمتلك ثلاثة مواقع تخزين في تكساس: “البطاريات أثبتت كفاءتها في التعامل مع مثل هذه الأحداث. لقد تحسنت الأوضاع كثيراً عما كانت عليه قبل عامين”.

بطاريات ضخمة تدعم شبكة الكهرباء

تواجه الولايات المتحدة صيفاً مليئاً بالتحديات على صعيد الطاقة، إذ يفاقم تغير المناخ موجات الحر، بالتزامن مع بدء تشغيل مراكز بيانات جديدة ومناجم لتعدين العملات المشفرة. لكن هذه الفجوات في الإمدادات يقابلها استخدام بطاريات ضخمة داخل شبكة الكهرباء.

فعلى مدار سنوات، ظلت أميركا، وبالأخص منطقة حزام الشمس، مصدراً غنياً بالطاقة المتجددة. والآن، بات بمقدور شركات المرافق تخزين كميات كبيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وإعادة ضخها في الشبكة على مدار الساعة.

خلال الأشهر الـ12 حتى أبريل، وهي أحدث البيانات المتاحة، قفزت سعة تخزين الكهرباء في الولايات المتحدة من نحو 18 غيغاواط إلى 25 غيغاواط، بزيادة 41%، بحسب تحليل أجرته “بلومبرغ غرين” استناداً إلى بيانات فيدرالية. وفي ولاية أريزونا، ارتفع النطاق الترددي للبطاريات ثلاث مرات تقريباً، بينما اقتربت من الضعف في تكساس.

وفي مساء يوم 8 أبريل، ساهمت البطاريات في أكثر من 11% من الكهرباء المولدة في تكساس، وهو رقم قياسي جديد. 

كهرباء خالية من الانبعاثات

إذا تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق هدف إدارة الرئيس السابق جو بايدن بتوليد كهرباء خالية من الانبعاثات بحلول عام 2035، أو حتى الاقتراب منه، فإن البطاريات ستلعب دوراً محورياً في ذلك التحول. فالكهرباء الناتجة عن مصادر الطاقة المتجددة باتت تسجل أرقاماً قياسية جديدة كل بضعة أيام، وبلغت في مارس وحده نحو ثلث إجمالي إنتاج الكهرباء في البلاد. وتُعد البطاريات وسيلة لضمان إيصال الكهرباء المولدة في التوقيت الأنسب، أو على الأقل منع هدرها.

وأوضح جان روزناو، رئيس برنامج الطاقة في معهد التغير البيئي التابع لجامعة أوكسفورد، أن البطاريات ستؤدي إلى خفض أسعار الكهرباء، وتسريع وتيرة إغلاق المحطات المعتمدة على الوقود الأحفوري، فضلاً عن تعطيل خطط بناء محطات جديدة.

وأضاف روزناو: “قبل عشرين عاماً، كانت العقبة الرئيسية أمام الطاقة المتجددة هي كلفتها المرتفعة. أما اليوم، أصبحت أقل تكلفة بكثير، لكن التحدي بات في القدرة على مواءمة العرض مع الطلب. ومن أجل ذلك، يُعد تخزين الكهرباء عبر البطاريات بوضوح أحد أفضل الأدوات المتاحة”.

مخاوف انقطاع الكهرباء

دائماً ما يشكل الصيف فترة عصيبة بالنسبة لشبكات الكهرباء وشركات المرافق، إذ يتطلب التبريد كهرباء أكثر من التدفئة، ومع تسارع تغير المناخ، يزداد اعتماد الأميركيين على أجهزة التكييف. وبحسب “بلومبرغ إن إي إف”، ارتفع عدد أيام التبريد السنوية، وهو مؤشر على استخدام مكيفات الهواء، بنسبة 17% مقارنة بمتوسط الفترة بين عامي 1990 و1999.

وقد شهد الصيف الماضي رابع أعلى مستوى حرارة مُسجل في تاريخ أميركا الشمالية، ويتوقع خبراء الأرصاد الجوية صيفاً مماثلاً هذا العام.

في هذا السياق، أوضحت كارين ماكينون، أستاذة إحصاءات تغير المناخ في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، أن “ارتفاع درجات الحرارة يُعد من أكثر الأعراض وضوحاً لتغير المناخ”. وأضافت أن “حتى التغيرات الطفيفة في درجات الحرارة، بفارق بضع درجات فقط، قد تجعل الصيف يبدو أكثر تطرفاً بشكل كبير”.

نتيجة لذلك، تواجه ثلاث من شبكات الكهرباء الرئيسية الست في القارة خطر انقطاع التيار الكهربائي هذا الصيف، بحسب “نورث أميركان إليكتريك ريلايابيليتي” (North American Electric Reliability)، وهي مؤسسة غير ربحية مقرها واشنطن العاصمة.

يعيش 104 ملايين أميركي، أي ما يقارب واحداً من كل ثلاثة أشخاص، في مناطق معرضة لانقطاع الكهرباء نتيجة موجات الحر الشديد وارتفاع الطلب، إلا أن “نورث أميركان إليكتريك ريلايابيليتي” تشير إلى أن الخطر كان سيصبح أكبر بكثير لولا استخدام البطاريات الجديدة ضمن شبكة الكهرباء.

البطاريات تخفف الأزمة

فعلى سبيل المثال، خفضت “نورث أميركان إليكتريك ريلايابيليتي” تقديراتها لاحتمال وقوع طارئ كهربائي في تكساس هذا الصيف من نحو 15% قبل عدة أشهر إلى 3.6% فقط، بفضل التوسع في القدرات التخزينية للبطاريات. وفي المقابل، تتوقع المؤسسة أن تسهم البطاريات في تغطية نحو ربع ذروة الطلب على الكهرباء في كاليفورنيا خلال الأشهر المقبلة.

وأوضح كريس ماكيساك، الرئيس التنفيذي لشركة “فولمارك إنرجي” (Fullmark Energy)، التي تبني موقعين لتخزين الكهرباء في تكساس: “الاعتمادية تعني القدرة على الاستجابة للتغيرات المفاجئة في الشبكة. وعندما يتعلق الأمر بالاستجابة، فلا شيء يتفوق على تخزين البطاريات”.

أدرك أصحاب المنازل أهمية هذه التقنية، وبدأوا بتركيب أنظمة بطاريات صغيرة لضمان استمرار الإضاءة وتجنب فواتير الكهرباء المرتفعة خلال ساعات الذروة. ونمت سعة تخزين الكهرباء في المنازل بنسبة 64% خلال العام الماضي، وهو ما ساهم أيضاً في خفض ذروة الطلب خلال الصيف واستقرار شبكة الكهرباء.

في الصيف الماضي، لم تُسجل أي انقطاعات كبيرة للكهرباء على مستوى الولايات المتحدة، وهو ما اعتبرته وزارة الطاقة الأميركية إنجازاً يُعزى بشكل رئيسي إلى توليد الكهرباء من كل من الطاقة الشمسية وأنظمة التخزين.

وأوضح المسؤولون عن تشغيل شبكة الكهرباء في تكساس أن البطاريات لعبت دوراً حيوياً أيضاً في خفض الأسعار، لا سيما خلال فصل الصيف، متوقعين تضاعف قدرة التخزين في الولاية ثلاث مرات خلال السنوات الخمس المقبلة.

نمو متسارع في قدرات تخزين الطاقة

لا تزال تقنيات تخزين الكهرباء في مراحلها الأولى. ففي عام 2024، لم تتجاوز مساهمة أنظمة التخزين 2% من إجمالي القدرة الكهربائية في الولايات المتحدة، إلا أن النمو يتسارع بوتيرة لافتة. وتتوقع “بلومبرغ إن إي إف” أن تتضاعف سعة تخزين البطاريات على مستوى المرافق العامة هذا العام، بغض النظر عن مدى نجاح إدارة دونالد ترمب في تقليص الحوافز الخضراء، وذلك بإضافة نحو 18 غيغاواط من السعة الجديدة.

وتفضل شركات المرافق والمطورون إنشاء مجموعات من البطاريات لأنها غالباً ما تكون خياراً اقتصادياً لتعزيز قدرة شبكة الكهرباء، عبر توسيع نطاق الاستفادة من الكهرباء المولدة مسبقاً. وبلغ متوسط تكلفة أنظمة التخزين الثابتة في عام 2024 حوالي 125 دولاراً لكل كيلوواط/ساعة، بانخفاض 19% عن عام 2023، بحسب “بلومبرغ إن إي إف”.

بطاريات أكثر كفاءة ومرونة

كما أن أنظمة التخزين أصبحت أكثر مرونة. فقد كانت البطاريات الصناعية قبل عقد تفرغ طاقتها بالكامل في غضون 30 دقيقة أو أقل. أما اليوم، فيمكن للنظام المتوسط أن ينتج الطاقة الكهربائية لمدة أربع ساعات متواصلة، وبعض الأنظمة مصممة لتعمل حتى ثماني ساعات في الدورة الواحدة. وهذا يعني أنها قادرة على التدخل بشكل أكثر تكراراً وتستمر في العمل لفترات أطول، وليس فقط خلال فترات الذروة القصيرة في الصباح والمساء.

يقول روزناو، من معهد التغير البيئي، إن البطاريات الضخمة تشهد نمواً وأصبحت ميسورة التكلفة بدرجة تكفي لتسريع وتيرة تبنيها.

وأضاف أن “تخزين الكهرباء اليوم يشبه تماماً مرحلة الطاقة الشمسية قبل نحو عشر سنوات. هذا هو الانطباع الذي أشعر به. إنه أمر مذهل”.

مع تطور ثورة البطاريات، يقول روزناو إن الناس سيدفعون فواتير كهرباء أقل، وستتراجع معدلات انقطاع التيار، وستتمكن أكبر القطاعات المستهلكة للطاقة، بما فيها مراكز البيانات العاملة بالذكاء الاصطناعي، من العمل بكفاءة مع تقليل الانبعاثات.

ومع ذلك، قد تبدأ العوائد في التناقص. فأنظمة التخزين تعتمد على تخزين الكهرباء عندما تكون رخيصة وبيعها عندما ترتفع أسعار الكهرباء. لكن مع توسع قدرات التخزين، تصبح فرص الربح من هذا الفرق السعري أقل.

ويشير ماكيساك، من “فولمارك إنرجي”، إلى أن المسؤولين التنفيذين بشركات البطاريات أصبحوا أكثر دقة في تحديد ما يتم بناؤه وأين.

وأوضح: “انتهى سباق الكمية. في هذه المرحلة، قلة قليلة منا تسعى لزيادة عدد النقاط على الخريطة”.

علاوة على ذلك، من المرجح أن تؤدي الرسوم الجمركية الفيدرالية الأخيرة إلى رفع تكلفة مشاريع البطاريات الكبيرة بنسبة تتراوح بين 12% إلى 50%، وذلك بحسب مدى ارتفاع هذه الرسوم ومدة سريانها، وفقاً لتقديرات شركة “وود ماكينزي” (Woods Mackenzie).

وعلى الرغم من بدء تشغيل مصانع البطاريات الأميركية، إلا أن “وود ماكينزي” تشير إلى أن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً قبل أن تتمكن الإمدادات المحلية من تلبية أكثر من جزء ضئيل من الطلب في السوق الأميركية.

مشروع البطاريات الكبرى

كما أن خطة الإنفاق التي يروج لها ترمب تُهدد أيضاً بخنق مشاريع البطاريات الكبرى والطاقة الخضراء.

وفي هذا السياق، توجه صباح باياتلي، الرئيس التنفيذي لشركة “أو سي أي إندستريز” (OCI Industries) المتخصصة في تطوير مشاريع الطاقة الشمسية والتخزين بالبطاريات، إلى العاصمة واشنطن هذا الأسبوع لحث أعضاء مجلس الشيوخ على الحفاظ على الحوافز التي ينص عليها قانون خفض التضخم، أو على الأقل تقليصها تدريجياً.

وقال باياتلي: “إذا أُقر مشروع القانون الضخم والجميل كما هو، فسيشكل ضربة فورية لصناعة الطاقة الشمسية”.

ربما يكون من السهل على باياتلي إثبات وجهة نظره بعد صيف من الحر العارم وانقطاعات الكهرباء، لكن ما تم بناؤه بالفعل من مشاريع الطاقة الشمسية وأنظمة التخزين قد يمنع حدوث مثل هذه السيناريوهات.

ويُقر ماكيساك، من “فولمارك إنرجي”، بأن معظم الناس والشركات لن يدركوا حجم الدور الذي ستلعبه الطاقة المتجددة والبطاريات في استقرار الشبكة خلال الأشهر المقبلة. وأوضح أن الخرائط التي تُظهر تفادي الكوارث بفضل هذه التقنيات لا تُحدث الأثر المطلوب.

وقال: “من الأسهل الحديث عن الأمر عند انقطاع الكهرباء، لكن حينها تكون حياة الناس على المحك”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *