تواجه شركة “تسلا” الأميركية تحدياً غير مسبوق في سوق السيارات الكهربائية العالمية؛ إذ أجبرتها المنافسة الصينية الشرسة على إعادة حساباتها الاستراتيجية والدخول في سباق الأسعار المنخفضة.
فقد تراجعت حصة “تسلا” السوقية في الصين من 16% عام 2020 إلى نحو 4.9% فقط في الأشهر التسعة من يناير حتى سبتمبر 2025، بينما استحوذت “بي واي دي” الصينية على 28.7% من السوق المحلية خلال الفترة ذاتها، بحسب بيانات رابطة سيارات الركاب الصينية.
كيف قلبت الشركات الصينية موازين سوق السيارات الكهربائية؟
أحدثت الشركات الصينية تحولاً جذرياً في سوق السيارات الكهربائية العالمية، مستحوذةً على ثلثي المبيعات في سبتمبر 2025 بما يعادل 1.3 مليون وحدة من أصل 2.1 مليون، بحسب بيانات نقلتها “رويترز” صادرة عن شركة “رو موشن” (Rho Motion) البريطانية المتخصصة في أبحاث السيارات الكهربائية.
اقرأ المزيد: مبيعات قياسية للسيارات الكهربائية.. 2.1 مليون في سبتمبر
يرجع ذلك إلى عاملين مهمين، وهما الإنتاج المحلي واسع النطاق والتكامل الرأسي. فشركة “بي واي دي” تنتج نحو 75% من مكونات سياراتها داخلياً، ما خفّض تكاليف التصنيع بنسبة 25% مقارنة بالمنافسين الغربيين، وفقاً لتقارير صناعية.
وبحسب صحيفة “فايننشال تايمز”، فإن تكلفة إنتاج الطراز “بي واي دي سيل” أقل بحوالي 3400 دولار من “موديل 3” الذي تنتجه “تسلا”، مما يمنح الشركة الصينية مرونة تسعيرية كبيرة ساعدتها على التوسع محلياً وعالمياً.
في تصريحات سابقة لـ”الشرق”، قال أوليفر بلانشارد، مدير الأبحاث في “ذا فوتورم غروب” (The Futurm Group)، إن “تسلا” تفقد موقعها الريادي أمام منافسة صينية متصاعدة، وسط تراجع الابتكار وتكرار التصاميم القديمة، بينما يعاني إيلون ماسك من تشتيت الانتباه بين مشاريعه الأخرى وتزايد الضغوط من قبل المستثمرين. المزيد في الفيديو أدناه.
هذا التقدم الصيني انعكس بوضوح على موقع “تسلا” في السوق، حيث تراجعت حصتها في الصين من 11% عام 2021 عندما دخلت السوق إلى 4% منتصف 2025، قبل أن ترتفع إلى 5.5% في سبتمبر، بحسب “رابطة سيارات الركاب الصينية”. وللتعامل مع هذا الوضع، قدمت “تسلا” حوافز إضافية تضمنت تمويلاً بدون فائدة ودعماً تأمينياً بقيمة 8 آلاف يوان، بحسب “بلومبرغ”.
إلى جانب “بي واي دي”، فرضت شركات ناشئة مثل “شاومي” (Xiaomi) منافسة مباشرة على “تسلا”، إذ تفوقت سيارتها “SU7” على “موديل 3” في المبيعات خلال 4 أشهر من أصل 9 أشهر منذ أبريل 2024. كما سجل طرازها “YU7” حوالي 89 ألف طلب مسبق خلال 24 ساعة من إطلاقه في يوليو 2025، وفقاً لصحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست”، توضح هذه الديناميكية كيف أن الابتكار المحلي والتكلفة المنخفضة منحا المصنعين الصينيين اليد العليا في واحدة من أكثر الأسواق تنافسية في العالم.
طالع أيضاً: إيرادات “شاومي” الصينية تقفز 31% بفضل السيارات الكهربائية
لماذا دخلت “تسلا” حرب الأسعار في الصين رغم تآكل أرباحها؟
اضطُرت “تسلا” إلى خوض حرب أسعار في السوق الصينية خلال عام 2025 للعام الثالث على التوالي، في محاولة للحفاظ على تنافسيتها في ثاني أكبر أسواقها العالمية، بعد أن تراجعت أرباحها على خلفية المنافسة المتصاعدة في مجال المركبات الكهربائية، بحسب “رويترز”.
أشارت بيانات “رابطة سيارات الركاب الصينية” إلى أن مبيعات “تسلا” في الصين بلغت نحو 432 ألف وحدة خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025، بتراجع سنوي يقارب 6%، فيما ارتفعت حصتها في سوق المركبات الكهربائية الجديدة إلى 5.5% في سبتمبر، بعد أن كانت في حدود 4.4% في أغسطس، وفقاً لتقديرات موقع “CnEVPost”.
أظهرت نتائج الشركة للربع الثاني من العام الجاري أن هامش الربح الإجمالي تراجع إلى نحو 16.3% مقارنة بـ18.3% قبل عام، فيما انخفض الهامش التشغيلي إلى 4.1% من 6.3%، وتراجع صافي الدخل بنسبة 16%، بحسب بيانات “تسلا” المنشورة في موقعها الرسمي. كما ذكرت “رويترز” أن الشركة خفّضت أسعار طرازي “موديل 3″ و”موديل Y” في الصين بنسبة تقارب 3.7% إلى 259500 يوان (نحو 35700 دولار)، وطرحت برامج تمويل خاصة لمواجهة تباطؤ الطلب.
تأتي هذه الإجراءات في ظل منافسة شرسة من شركات محلية أبرزها “بي واي دي” و”شاومي”، إذ تجاوزت مبيعات سيارة “شاومي SU7” مبيعات “موديل 3” في عدة أشهر من عام 2025، وفقاً لتقارير السوق الصينية.
اقرأ المزيد: شحنات “تسلا” تتراجع مجدداً في الصين مع اشتداد المنافسة
ما الاستراتيجيات التي تبنتها “تسلا” والشركات الصينية؟
بحسب تحليل نشره مركز “بيركلي” للأبحاث، تبنّت الشركات الصينية استراتيجية توسع عالمية مكثفة مدفوعة بفائض الإنتاج المحلي الكبير، حيث اتجهت إلى أسواق أوروبا وآسيا، واستعدت لإطلاق مصانع محلية جديدة بهدف خفض التكاليف والضرائب.
وفقاً لتقارير صناعية، أنشأت “تسلا” مصنعها “غيغافاكتوري شنغهاي” (Gigafactory Shanghai) لتلبية احتياجات السوق الصينية، وتصدير المركبات إلى الخارج، ما يتيح لها تقليص تكاليف الإنتاج وتجنب قيود الاستيراد.
بحسب تقرير صادر عن منصة “أوتوموتيف مانوفاكتشرينغ سوليوشنز” (Automotive Manufacturing Solutions)، تتبع شركة “بي واي دي” استراتيجية “التكامل الرأسي”، إذ تنتج البطاريات والمحركات داخل المجموعة نفسها، وتهدف إلى مضاعفة حجم إنتاجها العالمي إلى أكثر من أربعة ملايين وحدة خلال السنوات المقبلة.
طالع المزيد: “BYD” تتفوق على “تسلا” بمبيعات السيارات الكهربائية للفصل الرابع توالياً
ذكرت “أسوشيتد برس” أن الشركات الصينية تركز على طرح طرازات منخفضة التكلفة موجهة للفئات الواسعة من المستهلكين، من خلال خطوط إنتاج مرنة وأسعار تنافسية، ما يفرض ضغطاً متزايداً على “تسلا” لإطلاق إصدارات مبسطة من سياراتها.
كيف أثرت المنافسة الصينية على سوق السيارات الكهربائية العالمية؟
استحوذت الصين على 9 ملايين وحدة من إجمالي المبيعات العالمية للسيارات الكهربائية البالغ 14.7 مليون وحدة خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025، أي ما يعادل نحو 61% من المبيعات العالمية، بزيادة 24% على أساس سنوي، بحسب بيانات “Rho Motion”.
تعكس البيانات تسارع نمو سوق السيارات الكهربائية في الصين ما يزيد الضغط على “تسلا” التي تواجه منافسة متصاعدة في أكبر أسواقها من حيث المبيعات والتكنولوجيا والأسعار، وأجبرتها على تعديل استراتيجياتها التسعيرية والتوسع في الطرازات الاقتصادية.
وبذلك لم تكتف الشركات الصينية بزيادة حصتها من كعكة المبيعات فحسب، بل فرضت قواعد لعبة جديدة تتمثل في أسعار أدنى، ودورات منتج أسرع، وقدرة تصدير أعلى، ما يدفع المنافسين وفي مقدمتهم “تسلا” إلى إعادة النظر في التسعير وسلاسل الإمداد والأسواق التي توجّه إليها إنتاجها.
الجدول التالي يوضح حصة الشركات من مبيعات السيارات الكهربائية عالمياً (يناير – سبتمبر 2025)، إذ استحوذ المصنّعون الصينيون على 7 مراكز في قائمة العشرة الكبار من حيث المبيعات خلال هذه الفترة.
| الترتيب | الشركة | الدولة | الحصة من المبيعات عالمياً | النمو السنوي للمبيعات |
| 1 | بي واي دي | الصين | %19.9 | %37 |
| 2 | تسلا | أميركا | %7.5 | %6- |
| 3 | جيلي | الصين | %5.5 | %89 |
| 4 | ولينغ | الصين | %3.8 | %77 |
| 5 | فولكس واجن | ألمانيا | %2.9 | %87 |
| 6 | بي إم دبليو | ألمانيا | %2.8 | %15 |
| 7 | شيري | الصين | %2.4 | %14.5 |
| 8 | ليبموتور | الصين | %2.3 | %128.8 |
| 9 | لي أوتو | الصين | %2.2 | %13- |
| 10 | إكس بينغ | الصين | %2.1 | %218 |
|
المصادر: “أوتوفيستا” و “ChinaCartOps”، وبيانات الشركات
|
||||
طالع المزيد: السيارات الصينية توسع حصتها في أوروبا بطرز هجينة ميسورة التكلفة
هل تستطيع “تسلا” استعادة تفوقها في الصين؟
تواصل الشركات الصينية، أمثال “بي واي دي” و”إكس بينغ” و”شاومي” و”لي أوتو”، طرح طرز سيارات كهربائية مبتكرة بوتيرة أسرع وتكنولوجيا أدق، بل وبأسعار تنافسية تفوق قدرة “تسلا” على مجاراتها.
بالتوازي مع ذلك، تلجأ الشركة الأميركية إلى خفض الأسعار لتعزيز الطلب، الأمر الذي يؤدي إلى تآكل هوامش أرباحها بصورة حادة، بعد أن هبطت من 25%في 2022 إلى أقل من 17% في النصف الأول 2025 وفقاً لصحيفتي “أوتوموبيليتي” و”كيه آر-آسيا”.
وعلى الرغم من سلسلة التخفيضات السعرية والعروض التمويلية والفوائد الصفرية، لم تفلح “تسلا” في إيقاف نزيف حصتها داخل السوق الصينية التي تراجعت مبيعاتها بها خلال أغسطس الماضي للشهر السادس على التوالي، وفقاً لصحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست”.
مع تسارع الابتكار في السوق الصينية المحلية ووفرة الخيارات التي تجمع بين الأداء والتصميم والسعر المناسب، تبدو العودة إلى الصدارة بالنسبة لـ”تسلا” أمراً صعب المنال في المستقبل القريب.
