كماشة الغرب تحاصر بوتين بين العقوبات والمساومات.. وأسعار النفط تقفز 5%

ضربة مزدوجة شدد بها الغرب قبضته على شرايين الطاقة الروسية خلال 24 ساعة فقط، فبينما فرضت واشنطن عقوبات مباشرة على عمالقة النفط والغاز الروس، في تحول هو الأول من نوعه منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الحكم، اعتمد الاتحاد الأوروبي الحزمة الـ19 من العقوبات على الكرملين. ما ساهم في حدوث قفزة في أسعار النفط تجاوزت 5%.
التزامن بين القيود الأوروبية والأميركية ليس صدفة، حيث قال ترمب إنه لن يعاقب روسيا ما لتم تفعل أوروبا ذلك أولاً، كما ألغى قمة ثانية مرتقبة مع فلاديمير بوتين، في رسالة ضغط سياسي واقتصادي مكثفة على الرئيس الروسي.. فهل تكون هذه العقوبات القشة التي تقسم ظهر بوتين؟
سهام غربية إلى قلب روسيا
توجه العقوبات الأميركية الجديدة سهاماً مباشرة إلى جميع أصول “روسنفت” و”لوك أويل” الروسيتين، عبر حظر تعامل الشركات والأفراد الأميركيين معهما أو مع الشركات التابعة لهما. كما هددت واشنطن بعقوبات ثانوية على المؤسسات المالية الأجنبية التي تواصل تسهيل التجارة النفطية الروسية، بما في ذلك بنوك في الصين والهند وتركيا.
كما استبقت بريطانيا خطوة واشنطن بأسبوع عبر فرض عقوبات على الشركتين نفسهما وعدد من ناقلات النفط والغاز.
اقرأ المزيد: واشنطن تعاقب قطاع النفط الروسي مستهدفة “روسنفت” و”لوك أويل”
أما حزمة الاتحاد الأوروبي فنصت على حظر استيراد الغاز الطبيعي المسال الروسي بدءاً من عام 2027، وإدراج 117 سفينة من أسطول الظل الروسي ضمن القوائم السوداء. في تنسيق ثلاثي بين لندن وواشنطن وبروكسل.
تكثيف الضغوط على بوتين
تهدف الحزم الجديدة إلى تجفيف منابع تمويل الحرب عبر السيطرة على الطاقة، التي تشكل عصب الاقتصاد الروسي. فإلى جانب العقوبات المباشرة، هناك أيضاً سقف سعر النفط الروسي عند 47 دولاراً للبرميل الذي أقرته مجموعة السبع، مع توسيع القيود الأوروبية على واردات الغاز حتى التصفير الكامل بحلول 2027.
وقال ترمب للصحفين قبل إلغاء القمة مع بوتين بالأمس: “صبري نفد من المماطلة الروسية”. مضيفاً: “كلما تحدثتُ مع فلاديمير نصل إلى محادثات جيدة، ثم لا نحقق أي تقدم”، حسبما نقلته صحيفة “الغارديان” البريطانية.
اقرأ المزيد: الاتحاد الأوروبي يعتمد حزمة عقوبات جديدة تستهدف قطاع الطاقة الروسي
استهداف كبار المستوردين
تتزامن هذه العقوبات أيضاً مع الضغوط الغربية على كبار مستوردي النفط الروسي، وهما الهند والصين، حيث تتولى “روسنفت” و”لوك أويل” نحو نصف صادرات النفط الروسي الخام إلى الدولتين، وفق بلومبرغ، ما يجعل العقوبات ذات تاثير مباشر على أكبر زبائن موسكو في آسيا.
وفي الهند، توقع كبار التنفيذيين في شركات التكرير تراجع الواردات الروسية إلى مستويات تقترب من الصفر بعد القيود الأميركية الجديدة.
اقرأ المزيد: تقترب من الصفر.. العقوبات الأميركية تخنق واردات الهند من النفط الروسي
كما تساوم واشنطن نيودلهي على إتمام الصفقة التجارية مقابل التخلص من واردات النفط الروسية، وضاعفت الرسوم الجمركية المفروضة عليها إلى 50% حتى تغلق صنبور النفط الروسي.
وتشير بيانات شركة “كبلر” (Kple) إلى أن روسيا وفرت نحو 36 % من واردات الهند منذ بداية 2025، ما يجعل نيودلهي في مأزق استراتيجي لن يخرجه منها إلا الحصول على بدائل بأسعار مناسبة. وفي هذا الصدد، أشارت بلومبرغ إلى أن شركة ريلاينس الهندية بدأت بالفعل شراء مزيد من النفط من الخليج لتعويض النقص.
أما الصين، فما زالت تواصل استقبال شحنات الغاز الروسي من مشروع “آركتيك 2″ عبر ميناء بيهاي، رغم الضغوط الغربية.غير أن محللين حذروا من أن العقوبات الأميركية تهدد النظام المصرفي الصيني المرتبط بتسوية مدفوعات الخام الروسي، إذ قد ترفض بعض البنوك تمويل صفقات جديدة خشية الوقوع تحت طائلة العقوبات، وفق “رويترز”.
كما يٌتوقع أن يطرح ترمب موضوع مشتريات النفط الروسي على الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي يلتقي به في كوريا الجنوبية لاحقاً هذا الشهر.
تأثير العقوبات الجديدة
فور إعلان العقوبات الجديدة، قفز مزيج برنت بأكثر من 5% ليُتداول فوق 65 دولاراً للبرميل، كما صعد خام غرب تكساس الوسيط متجاوزاً 61 دولاراً للبرميل.
اقرأ المزيد: أسعار النفط تقفز بعد العقوبات الأميركية على أكبر منتجي روسيا
ويحذر محللون من موجة تضخم جديدة في الاقتصادات المستوردة للنفط، خصوصاً في آسيا. رغم ذلك، ترى بيوت أبحاث الطاقة أن تأثير الأسعار قد يظل مؤقتاً ما لم تُنفذ العقوبات بصرامة، خاصة في ظل نجاحها في الالتفاف على العقوبات خلال السنوات الماضية عبر الاستعانة بأسطول الظل، وفق بلومبرغ.
أوكرانيا تضرب والغرب يعاقب
ووسط عقوبات الغرب، صعدت كييف من هجماتها المسيرة ضد مواقع الطاقة الروسية. أحدثها استهداف منشأة الغاز في أورينبورغ، ما أدى إلى خفض إنتاج كازاخستان في حقل كاراشاغاناك بنحو 30 % بسبب اعتماد الحقل على البنية الروسية للمعالجة.
هذه الضربات تضيف بعداً عسكرياً جديداً للحصار الاقتصادي، إذ تستنزف قدرة روسيا على التكرير والتصدير بالتوازي مع العقوبات الغربية، ، بحسب رويترز.
هل تنهي هذه الضغوط الحرب؟
رغم قوة العقوبات الاقتصادية الجديدة -حيث تعتبر الأشد منذ اندلاع الحرب- والمساومات السياسية الموازية، إلا أن وقفها للصراع العسكري بين روسيا وأروكرانيا ما يزال في موضع شك.
وتشير “الغارديان” إلى أن ضرائب قطاع الطاقة تمثل ربع الميزانية الروسية تقريباً، وأن خنق “روسنفت” و”لوك أويل” قد يقيد قدرة موسكو فعلاً على تمويل العمليات العسكرية. غير أن خبراء مثل توماس غراهام، عضو مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، يحذرون من “الرهان المبالغ فيه” على قوة العقوبات، مؤكداً أن “الكرملين بارع في الالتفاف على القيود”.
من جهة أخرى، يواجه ترمب مأزقاً داخلياً فقد وعد في حملته بـ”خفض أسعار البنزين”، وهو ما قد يجعله يتردد في تشديد العقوبات إذا أدت إلى ارتفاع الأسعار عالمياً.
أما خارجياً، فيستمر الضغط الأوروبي لتوسيع الدعم العسكري لأوكرانيا عبر قروض قيمتها 140 مليار يورو ممولة من الأصول الروسية المجمدة.
في المقابل، يواصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الضغط للحصول على صواريخ بعيدة المدى لضرب العمق الروسي، لكن ترمب نفى عبر منصته الاجتماعية أن تكون الولايات المتحدة “قد رفعت أي قيود” على استخدام تلك الصواريج، بحسب “وول ستريت جورنال”.
خلاصة، يمكن القول إنه إذا التزمت واشنطن وبروكسل بتطبيق هذه العقوبات بحزم، مع نجاحهما في جذب الهند والصين إلى تقليص المشتريات الروسية، فقد يتحول هذا الضغط إلى كماشة اقتصادية-سياسية خانقة لبوتين. أما إذا خففت الولايات المتحدة قبضتها تجنباً لارتفاع أسعار الوقود، ونجحت روسيا في الالتفات على العقوبات، فستظل الحرب تراوح مكانها بين العقوبات والمساومات.