كارني يدعو لانتخابات في كندا سعياً للحصول على تفويض لمواجهة ترمب

دعا رئيس الوزراء الكندي مارك كارني إلى انتخابات في 28 أبريل المقبل؛ إذ تظهر نتائج استطلاعات الرأي منافسة متقاربة بين حزبه الليبرالي وحزب المحافظين، في ظل مواجهة البلاد حرباً تجارية، واستفزازات تتعلق بالسيادة، من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
طلب كارني حل البرلمان يوم الأحد في اجتماع مع الحاكمة العامة ماري سيمون، التي تمثل رئيس الدولة الملك تشارلز الثالث، مما يعني انطلاق الانتخابات.
لم يمض على تولي كارني منصب رئيس الوزراء في كندا سوى تسعة أيام. تولى كارني البالغ من العمر 60 عاماً قيادة الحزب الليبرالي الحاكم بعد فوزه في السباق لخلافة جاستن ترودو، الذي استقال تحت ضغط من أعضاء البرلمان في حزبه.
جاء حزب المحافظين، بقيادة بيير بويليفر، في الصدارة لأكثر من عام بفارق مزدوج الأرقام؛ حيث استغل الإحباط العام بشأن تكلفة المعيشة ونقص الإسكان، وتمكن من ربط هذه المشكلات بسياسات ترودو.
لكن في الأسابيع الأخيرة، طغت رسوم ترمب وتهديداته باستخدام “القوة الاقتصادية” لجعل كندا ولاية أميركية على القضايا الأخرى، لتهيمن على السياسة الكندية، ما دفع الكنديين للاصطفاف يداً واحدة في مواجهة ذلك.
نبرة ترمب العدائية
نبرة ترمب العدائية تجاه كندا غيرت جميع الحسابات السياسية. أظهر استطلاع وطني جديد شمل 1500 ناخب أجرته شركة “أباكوس داتا”، أن المحافظين يتقدمون بفارق محدود. لكن بين الناخبين الذين يقولون إن ترمب هو القضية الرئيسية، يتقدم الليبراليون بفارق يقارب 30 نقطة، وفقاً لما قاله الرئيس التنفيذي لـ”أباكوس” ديفيد كوليتو في بيان يوم الأحد.
تأتي الرسوم التي فرضتها إدارة ترمب على المنتجات الكندية بشكل متساوٍ في الأهمية مع شكاوى تمتد من أمن الحدود إلى الإنفاق الدفاعي والوصول إلى الأسواق والبنوك الأميركية.
تجاوز العجز التجاري في السلع للولايات المتحدة مع كندا 60 مليار دولار في العام الماضي مدفوعاً بالطلب الأميركي الكبير على النفط والغاز من كندا، وهو رقم يعتبره ترمب دعماً مالياً لأشياء يرى أن الولايات المتحدة ليست بحاجة إليها.
مع تقديم كارني نفسه كخبير مالي محنك، وله باع في التعامل مع الأزمات مثل الأزمة المالية لعام 2008، نجح في إحياء آمال الليبراليين، والذين تضعهم استطلاعات الرأي في منافسة للفوز بفترة رابعة نادرة، مع فرصة للسيطرة على أغلبية المقاعد الـ343 المتاحة في مجلس العموم.
رؤية لتحفيز نمو كندا
نشأ بويليفر، البالغ من العمر 45 عاماً، في مقاطعة ألبرتا الغنية بالنفط، ووضع رؤية لكندا بتقليص حجم الحكومة بهدف تحفيز النمو، بعد زيادات الضرائب والإنفاق بالعجز في سنوات ترودو.
كما سيعمل على تقليص اللوائح لتمكين صناعة الهيدروكربونات في كندا. وُصف ترودو، وهو ابن رئيس وزراء سابق، وكارني، المصرفي السابق في “غولدمان ساكس”، بأنهما من النخبة، ويضران بالكنديين العاديين من خلال تبني “أيديولوجية عالمية متطرفة بلا حدود”.
أطلق بويليفر حملته يوم الأحد باتهام الليبراليين بإضعاف الاقتصاد، وجعله أكثر عرضة لعدوان ترمب، وتكرار وعوده بإطلاق الاستثمار التجاري. قال للصحفيين في غاتينو بمقاطعة كيبيك: “بعد العقد الليبرالي الضائع، السؤال هو ما إذا كان الكنديون يستطيعون تحمل فترة ليبرالية رابعة”.
قال بويليفر: “أعلم أن الكثير من الناس يشعرون بالقلق والغضب والتوتر، ولسبب وجيه نتيجة تهديدات ترمب غير المقبولة ضد بلدنا. أشارككم الغضب، وأشارككم القلق على مستقبلنا. لكنني أيضاً أستمد عزماً كبيراً من الشعور، بأننا يمكننا تحويل القلق والغضب إلى عمل”.
انتقد بويليفر كارني لعدم الشفافية بشأن مصالحه المالية الشخصية بعد سنوات في القطاع الخاص في أدوار تشمل رئيس مجلس إدارة شركة “بروكفيلد أسيت مانجمنت ليمتد”. كان كارني أيضاً رئيس مجلس إدارة “بلومبرغ إنك” لكنه استقال في يناير، عندما دخل العمل السياسي.
تحدي كبح الإنفاق في كندا
التحدي الذي يواجهه مارك كارني يتمثل في إظهار اختلافه عن سلفه. وقد صرّح بأن الحكومة التي يقودها “ستستثمر أكثر” مع كبح الإنفاق.
خلال أسبوعه الأول في منصبه، تخلى عن سياسات رئيس الوزراء السابق جاستن ترودو، مثل الضريبة المفروضة على الكربون على المستهلكين، والزيادة المقترحة في ضريبة الأرباح الرأسمالية. كما أمر بمراجعة العقد الخاص بمقاتلات أميركية اشترتها كندا، وزار المملكة المتحدة وفرنسا لتعزيز العلاقات مع أوروبا.
قال كارني إن الخطاب الذي يتبناه الرئيس الأميركي، والذي يصف كندا بـ”الولاية الأميركية الـ51″، “يجب أن يتوقف قبل أن نجلس إلى طاولة الحوار لمناقشة شراكتنا الأوسع” مع الولايات المتحدة.
يؤكد كل من كارني وبويليفر، زعيم حزب المحافظين، أنهما الأقدر على التفاوض مع ترمب، وتحدثا عن ضرورة تنويع علاقات كندا التجارية، بالتزامن مع إزالة الحواجز الداخلية التي تعرقل التجارة داخل البلاد. ولم ينشر أي حزب بعد برنامجاً سياسياً كاملاً.
النزعة القومية بسبب ترمب
أما “الحزب الديمقراطي الجديد”، الذي يحل ثالثاً ويتمتع تقليدياً بدعم من النقابات العمالية، فقد تراجع في استطلاعات الرأي من مستويات في أواخر خانة العشرات إلى نحو 10%، ما يبدو أنه يعكس انتقالاً في التأييد نحو “الحزب الليبرالي”.
كان زعيم الحزب، جاغميت سينغ، قد دعم حكومة ترودو عبر التصويت لصالح الميزانيات وعدد من الإجراءات المحورية الأخرى.
قد تؤدي النزعة القومية في كندا، والتي أججها تهديد ترمب، أيضاً إلى إعادة صياغة المشهد السياسي في البلاد. ففي مقاطعة كيبيك الناطقة بالفرنسية، وهي ثاني أكبر مقاطعة في كندا من حيث عدد السكان، كانت هناك مؤشرات على تصاعد الدعم للنزعة الانفصالية حتى إعادة انتخاب ترمب. والآن، فالدعم لحزب “الكتلة الكيبيكية” الانفصالي يبدو في حالة تراجع.
في المقابل، أصدرت دانييل سميث، رئيسة حكومة مقاطعة ألبرتا، قائمة بمطالب قالت إن على الحكومة الفيدرالية الاستجابة لها خلال أشهر من أجل دعم قطاع النفط، وإلا فإن البلاد ستواجه “أزمة وحدة وطنية غير مسبوقة”.