اخر الاخبار

قصف العقول.. لماذا تستهدف إسرائيل وإيران المراكز العلمية في قلب الحرب؟

في خضم التصعيد العسكري المتبادل بين إسرائيل وإيران، لم تعد ساحات المعركة تقتصر على الجبهات التقليدية، بل امتدت إلى ما هو أبعد من ذلك لتشمل العقول والمعرفة. فمنشآت بحثية، وجامعات، ومراكز تطوير تكنولوجي باتت في مرمى النيران، في مشهد يعكس تحوّلاً خطيراً في طبيعة الصراعات الحديثة، حيث لا تُستهدف فقط الجيوش والأسلحة، بل أيضاً مراكز إنتاج الأفكار والابتكار.

هذا الاستهداف المتعمد للمؤسسات العلمية يثير تساؤلات جوهرية حول: لماذا تُدرج المراكز البحثية ضمن الأهداف العسكرية؟ وهل باتت المعرفة سلاحاً يُخشى تأثيره أكثر من الصواريخ؟ في هذا التقرير، نرصد الدوافع الخفية وراء قصف “العقول”، وندرس كيف أصبحت الحرب بين إسرائيل وإيران ساحة لتصفية الحسابات في ميدان العلم والتكنولوجيا.

1) متى بدأ استهداف إسرائيل وإيران للعقول؟

تاريخ البدء الفعلي ليس واضحاً بالتحديد، لكن خلال السنوات الماضية، هاجمت إسرائيل منشآت إيرانية لكنها كانت غالباً هجمات سيبرانية وليست عسكرية، سعياً إلى عرقلة تقدم برنامج طهران النووي ومنعها من رفع مستويات التخصيب، ففي عام 2010، تم إدخال برنامج فيروس خبيث معقد يحمل الاسم المشفر “ستو إكس نت” سراً، إلى أجهزة الكمبيوتر التي تتحكم في أجهزة الطرد المركزي الإيرانية لتخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز، واتهمت طهران تل أبيب حينها بالوقوف وراء ذلك الهجوم. وكانت النتيجة إحداث فوضى والتسبب في خروج أجهزة الطرد المركزي عن نطاق السيطرة وإعادة برنامج التخصيب إلى الوراء لسنوات.

كما اتهمت إيران إسرائيل عدة مرات باغتيال علماء نوويين، مثل محسن فخري زاده الذي يوصف بأنه “العقل المدبر” للبرنامج النووي الإيراني الذي لقي مصرعه أواخر نوفمبر 2020، رغم عدم إعلان تل أبيب مسؤوليتها.

وأفادت صحيفة “جيروزاليم بوست” بأن إسرائيل قصفت في ساعة مبكرة من صباح الأربعاء جامعة الإمام الحسين في طهران، الخاضعة لعقوبات أميركية منذ 2012 لارتباطها بالحرس الثوري وانخراطها في بحوث متعلقة بالطاقة النووية، والصواريخ، والأسلحة الكيماوية، والأبحاث العسكرية.

وفي سابقة هي الأولى من نوعها، استهدفت إيران معهد “وايزمان” للعلوم في تل أبيب، وهو أحد أبرز المراكز البحثية في إسرائيل، خلال هجوم بالصواريخ البالستية والمسيرات شنته فجر الأحد الماضي بالتنسيق مع جماعة الحوثي في اليمن، ما أسفر عن أضرار مادية.

ويهدف قصف المنشآت البحثية والعلمية إلى الحفاظ على التفوق التقني، وعرقلة التقدم التكنولوجي والبحثي عند الطرف الآخر، إذ يعني ذلك تطوير أسلحة ومعدات عسكرية لها الأفضلية في أرض المعركة.

2) من أشهر العلماء الذين تم اتهام إسرائيل وإيران باستهدافهم؟

هناك مجموعة من العلماء الإيرانيين الذين تم اتهام إسرائيل باغتيالهم قبل وأثناء الحرب وفقاً لتقارير إعلامية وبيانات رسمية، وأشهرهم:
محسن فخري زاده – نوفمبر 2020: يُعد الاسم الأشهر في البرنامج النووي الإيراني، وكان يشغل منصب رئيس منظمة الأبحاث والابتكار الدفاعي بوزارة الدفاع. اغتيل في ضواحي طهران في عملية معقدة اتُّهمت إسرائيل بالوقوف خلفها باستخدام مدفع رشاش يتم التحكم فيه عن بُعد.

مصطفى أحمدي روشن – يناير 2012: كان عالماً نووياً ومشرفًا على منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم. اغتيل عبر تفجير قنبلة لاصقة وُضعت في سيارته وسط طهران.

داريوش رضائي نجاد – يوليو 2011: أستاذ فيزياء بجامعة طهران. أُطلق عليه الرصاص أمام منزله في عملية اغتيال نُسبت إلى جهاز “الموساد”.

مسعود علي محمدي – يناير 2010: أستاذ فيزياء الجسيمات بجامعة طهران. قُتل بانفجار دراجة نارية مفخخة قرب منزله، وكان من أوائل العلماء الذين استُهدفوا في سلسلة اغتيالات ممنهجة.

مجيد شهرياري – نوفمبر 2010: كان منخرطًا في أبحاث متقدمة في تخصيب اليورانيوم. اغتيل عبر قنبلة مغناطيسية زُرعت في سيارته.

الدكتور أحمدرضا زلفيغاري دارياني: المختص في الفيزياء النووية والهندسة الإشعاعية، وكان أستاذاً بجامعة شهيد بهشتي في طهران. وقُتل خلال الضربة الجوية الإسرائيلية على طهران بتاريخ 13 يونيو، ويُعتقد أنه كان مرتبطًا بأبحاث في مجالات الطاقة النووية الحساسة.
والدكتور محمد مهدي طهرانشي: وهو مختص في فيزياء الجسيمات والليزر، وكان رئيس جامعة آزاد الإسلامية – طهران. وأفادت تقارير بأنه قُتل في إحدى الغارات التي استهدفت منشآت أكاديمية على أطراف العاصمة، ويُعرف بعلاقاته مع منظومة الأبحاث العسكرية.
 
علماء إسرائيليون أو شخصيات بحثية تم اتهام إيران باغتيالهم (وفق تقارير إسرائيلية):
رغم أن طهران لم تتبنَّ رسمياً اغتيالات ضد علماء إسرائيليين، فإن الأجهزة الأمنية في إسرائيل أعلنت مراراً إحباط محاولات إيرانية لاستهداف خبراء أمنيين وعلماء في الخارج، خصوصًا في قبرص، وتركيا، وكولومبيا، وجورجيا.

ومن أبرز الأسماء التي كانت مستهدفة، أودي أفينيري – عالم سابق في الصناعات العسكرية، حيث ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” في 2023 أنه كان هدفاً لخلايا مدعومة من الحرس الثوري، لكن تمت حمايته قبل تنفيذ الهجوم في أوروبا.

ومسؤولون في الصناعات الجوية والفضائية الإسرائيلية (IAI) و”رافائيل”، حيث تشير تقارير إلى أن إيران سعت إلى تصفية مهندسين ومطوري برمجيات يعملون على أنظمة الدفاع والطائرات المسيرة، لكن دون تحديد أسماء.

3) ما هي المراكز العلمية المستهدفة؟ وأين تقع؟

ركزت الغارات الإسرائيلية على المنشآت النووية الرئيسية: نطنز، وأصفهان، التي تضم مركزاً للتكنولوجيا والأبحاث النووية، في أصفهان، وفوردو قرب مدينة قم شمال إيران، ومفاعل أراك للماء الثقيل غرب البلاد. كما استهدفت مقر منظمة الأبحاث والابتكار الدفاعي في طهران. فضلاً عن ذلك، اغتالت إسرائيل 9 علماء نوويين إيرانيين خلال الغارات الأولى.

في المقابل، يشكل استهداف إيران لمعهد “وايزمان”، الذي يقع في مدينة رحوفوت جنوب تل أبيب، فجر الأحد أول هجوم من نوعه تشنه طهران على مركز بحثي مدني، رغم علاقته الوطيدة بالجيش. واستهدفت الصواريخ الإيرانية أيضاً معهد إسرائيل للتكنولوجيا “تخنيون” (Technion) في حيفا.

4) هل هناك مراكز أخرى لا تزال على رادار الحرب الإيرانية الإسرائيلية؟

في ظل استمرار التصعيد، تبرز عدة مراكز علمية أخرى كأهداف محتملة للطرفين. فمن الجانب الإيراني، يُرجّح أن تضع إسرائيل منشأة بارشين العسكرية جنوب شرق طهران على قائمة أهدافها، إلى جانب محاولاتها المستمرة لاختراق مركز فوردو لتخصيب الوقود، الذي يعد أحد أبرز المنشآت النووية الإيرانية وأكثرها حساسية، ويقع قرب مدينة قم، جنوب العاصمة طهران، داخل منطقة جبلية تُعد من بين أكثر المواقع تحصيناً في إيران، ومركز الأبحاث النووية في بوشهر، وجامعة “شريف” للتكنولوجيا التي تُعد حاضنة لنخبة العلماء النوويين، وجامعة “أمير كبير” ذات التخصصات الدقيقة، ومراكز أبحاث الفضاء في سمنان، التي تُستخدم لتطوير الصواريخ الباليستية والأقمار الصناعية.

أما في الجانب الإسرائيلي، فقد تواجه منشآت شديدة الحساسية تهديدات جديدة، وعلى رأسها مفاعل ديمونا النووي في صحراء النقب، الذي يُعد حجر الأساس في البرنامج النووي الإسرائيلي غير المُعلن. كما تُعد جامعة تل أبيب، ومعهد هرتسليا متعدد التخصصات، ومراكز العلوم الدقيقة والذكاء الاصطناعي، أهدافًا محتملة بالنظر إلى دورها في رفد الجيش الإسرائيلي بالتكنولوجيا المتقدمة.

5) كيف تدعم هذه المراكز القوة العسكرية للبلدين؟

تؤدي مراكز العلوم والتكنولوجيا دوراً محورياً في كلا الدولتين، سواء في وقت السلم أو الحرب. فمعهد “وايزمان”، على سبيل المثال، يُعد جزءاً من البنية التحتية للأمن القومي الإسرائيلي بفضل دوره المحوري في دعم الجيش عبر الأبحاث والتكنولوجيا المتقدمة، إذ يسهم في تطوير الأنظمة العسكرية المعقدة، بما يشمل الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وتوجيه المعركة، وتقنيات الطائرات المسيرة، والأنظمة ذاتية التشغيل، كما يطور المعهد عمليات تشفير الرموز والاتصالات العسكرية في البيئات المعادية.

ويجري المعهد أيضاً أبحاثاً في استخدامات الطاقة النووية، والكيمياء والأحياء، والفيزياء والرياضيات، وفقاً للوكالة.

على الجانب الآخر، يشير تقرير صدر في 2023 عن مركز أبحاث وتحليل الاستخبارات (CERA)، التابع لشركة “إكسوفيرا” (Exovera)، إلى إبرام الحرس الثوري الإيراني اتفاقيات مع عدد من أبرز مجمعات ومراكز العلوم والتكنولوجيا المدنية، فوقع مذكرة تفاهم مع مجمع التكنولوجيا في جامعة سمنان للاستثمار في شركات التكنولوجيا في المجمع، ووافقت مؤسسة البحث العلمي والتكنولوجيا التابعة له في مقاطعة مركزي على تعزيز التعاون مع مجمع أراك للعلوم والتكنولوجيا.

وإضافة إلى المنشآت المدنية، يُدير الحرس الثوري مجمعاته للعلوم والتكنولوجيا أو حاضنات الأعمال، التي توفر منتجات مدنية وعسكرية، مثل مركز التكنولوجيا بجامعة الإمام الحسين في طهران، التي تعرضت للقصف الأربعاء، الذي يوفر الدعم في البحث والتطوير للأغراض الدفاعية والمدنية، فضلاً عن مجمع الإمام الحسين للصناعات القائمة على المعرفة في أصفهان، التابع للقوات البرية في الحرس الثوري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *