في الولايات المتحدة هل يعاني الرجل أكثر من المرأة بسبب العزوبة؟

منذ فترة وجيزة كنت أتجاذب أطراف حديثٍ يتناول مستقبل ثراء الأفراد، ولا غرابة في اختيار هذا الموضوع لأنني خبيرة اقتصاد، وكان مما طُرح مقاربة قديمة إلى حد أنني ظننتها تعود إلى عام 1982 ومفادها أنه ينبغي لمجتمع أميركا أن يعاود وصم العزوبة.
كان رد فعلي الأولي كعزباء يكتنفه الحنق، لكن بعد هنيهة تبادر لي أنها فكرة ليست بالغة السوء.
لم يعد الأميركيون يتزوجون بنفس القدر الذي عرفه ماضيهم، وهذا يعكس في بعض النواحي مجتمعاً أكثر تحرراً مكّن الناس أن يعيشوا وفق أهوائهم دون أن يتعرضوا لتقييم اجتماعي. لكن ارتفاع معدلات العزوبة، ولا أحسب بينهم العزاب المتساكنين، يكبد الأفراد أعباءً ماديةً.
الوصمة أم التكاليف
ربما كانت الوصمة التي تصاحب العزوبة مفيدةً بقدر ما. شخصياً، إن توجب علي تجشم بعض التكاليف المترتبة على العزوبة، فإنني أفضل الاستنكار الاجتماعي على تحميلي أعباءً مادية. وقد تكون الوصمة أكثر فعالية من ناحية التكلفة.
لكنني أستبق السردية. إن السؤال عمّا إذا كان يجب وصم العزوبة وكيفية ذلك، يعتمد على سبب عزوف مزيد من الناس عن الزواج في المقام الأول.
إختيارات زواج ترفع دخلك، ما هي؟
تقول إحدى النظريات الشائعة إن إعجاب النساء بالرجال انحسر بعدما أدت الثورة على العرف الاجتماعي المتعلق بالمرأة والرجل، والتحول إلى اقتصاد أكثر توجهاً نحو الخدمات إلى نهوض مكانة النساء: فهن اليوم يتمتعن بمزيد من التعليم ومزيد من الوظائف ذات الأجر الجيد، في حين يعاني كثير من الرجال في الاقتصاد الجديد. تقول النظرية إن النساء يجدن هؤلاء الرجال غير جذابين، وينظرن إلى العزوبة كبديل أفضل.
اتفاق اضطرار
لكن رغم أن فقدان الرجال لجاذبيتهم قد يكون صحيحاً في كثير من الأحيان، إلا أنه ليس سبباً كافياً لعدم الزواج. لقد أصبح الزواج أقل شيوعاً لأن وصمة العار المرتبطة بعدم الزواج تتآكل، وسبب تلاشيها أن طبيعة الزواج تغيرت مع تغير الاقتصاد.
في أغلب فترات التاريخ البشري، كان الزواج اتفاقاً اقتصادياً واجتماعياً ضرورياً، خاصة لناحية النساء. كان العالم محفوفاً بالمخاطر؛ وكانت شبكات الأمان ضئيلة أو معدومة، وكان الناس أكثر عرضة للموت في سن مبكرة. كما كانت فرص العمل المتاحة للنساء على وجه الخصوص قليلة وكانت طرق تحسين أوضاعهن الاجتماعية محدودةً. وكان العثور على شريك هو أفضل وسيلة تحوط، ومن هنا جاءت الوصمة الملازمة للعزوبة.
الزواج ليس دائماً القرار الأفضل اقتصادياً.. وهذه هي الأسباب
لننظر إلى حال فرنسا بين الحربين العالميتين. لقد فقدت فرنسا نحو خمس الذكور الشباب في الحرب العالمية الأولى، وهذا يعني أن عدد الرجال المتاحين للزواج قلّ. مع ذلك ارتفعت معدلات الزواج بعد الحرب وظلت مرتفعة طيلة العقد التالي.
تُظهِر الأبحاث أن النساء الفرنسيات عمدن للزواج برجال ربما لم يكنّ ليفكرن بهم لولا ذلك، أي رجال خارج نطاقهن العمري المفضل أو أجانب أو ممن لم يكونوا في الأوقات العادية “قادرين على المنافسة” في سوق الزواج وكذلك مطلقين ومترملين. في ذلك الوقت، كانت العواقب الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على عدم الزواج أسوأ. لذا قبلن لأنهن كنّ مضطرات.
انتفاء الأسباب
الآن لم تعد النساء مضطرات للتقبل، فليست آفاقهن الاقتصادية أعلى فحسب، بل لا توجد وصمة تلازم العنوسة أو الأمهات غير المتزوجات، حتى لو كان الأمر مكلفاً مادياً. الآن أصبح متوقعاً أن يكون الشريك متساوياً فكرياً واجتماعياً وعاطفياً. وأصبح الزواج الانتقائي، أي الزواج من شخص من نفس المستوى الاقتصادي والتعليمي، هو القاعدة.
ما تزال معظم النساء الحاصلات على تعليم جامعي يتزوجن، وتجد بينهم من يتزوجن رجالاً لا يحملون شهادات جامعية. وبات انحدار معدلات الزواج أوضح بين الرجال والنساء الأميركيين ممن لا يحملون شهادات جامعية.
من بعض النواحي، كل هذه التطورات إيجابية. فالنساء لديهن مزيد من الخيارات، مثل انتظار زواج جيد أوالتخارج من الزواجات السيئة، وأصبحن أشد تمكيناً، ويمكنهن الزواج بشخص أقرب لأن يكون من أقرانهن، وهو ما قد يجعل زواجهن مرضياً أكثر. قد يفسر هذا سبب انخفاض معدلات الطلاق وكذلك معدلات الزواج.
دراسة تظهر أن العزّاب أقل دخلاً من المتزوجين
لكن هناك تبعات مادية يتكبدها المجتمع الذي يقل فيه الزواج. فالزواج الانتقائي قد يعني زيجات أفضل لمن يتزوجون، لكنه يؤدي أيضاً إلى تفاقم التفاوت الاقتصادي ويحمل أسوأ عواقب ذلك الأفقر بين الناس، الذين أصبحوا الآن أقل ميلاً إلى الزواج ويكافحون أكثر من حيث الاعتماد على دخل واحد. قد يفسر انخفاض الزواج أيضاً بعض التراجع في الخصوبة، فيما تحتاج الولايات المتحدة إلى مزيد من الناس.
ربما تكتسب وصمة العزوف عن الزواج أهميةً حتى عندما تكون الحاجة الاقتصادية والاجتماعية إلى الزواج أدنى. في الوقت نفسه، أقشعر من فكرة أن اختياراتي ستكون موصومة، أو أنني سأشعر بضغوط تدفعني لأن أتزوج شخصاً لا أتوافق معه، حتى لو كنت أفرض تكلفة على المجتمع. وفي حين أن شيئاً من وصمة قد لا يكون أمراً سيئاً، إلا أن هناك حداً لذلك.
لن تكون هناك أي فائدة اقتصادية من العودة إلى الأيام التي شعرت فيها النساء بأنهن مجبرات على الدخول في زيجات مروعة أو البقاء فيها.
كل هذا يثير التساؤل حول ما إذا كان ممكناً أن تكون الوصمة المجتمعية قابلة للضبط على هذا النحو. في نهاية المطاف، لم تسفر “الزيجات التعويضية” في فرنسا بين الحربين العالميتين عن مزيد من الطلاق. لكن ما الخيار الذي كان متاحاً لتلك النسوة؟