فوضى الانتخابات الأميركية قد تهدد العالم بأسره
يسود العالم قلق بالغ من حالة “المرحلة الانتقالية” مع اقتراب موعد انطلاق الانتخابات الرئاسية الأميركية في الأسبوع المقبل، إذ يترقب أصدقاء أميركا وأعداؤها من سيكون زعيم القوة العظمى، دونالد ترمب أم كامالا هاريس؟ إلى أن تُحسم هذه المسألة، لا يمكن لأي شيء أن يتحرك أو يُحل بشكل جدي. لكن ماذا لو لم تأتِ الإجابة سريعاً؟
تخيل صانعي القرار حول العالم وهم يحبسون أنفاسهم في الوقت الحالي. ففي الشرق الأوسط، الذي يقترب من شفا حرب إقليمية كبرى، يلتقي مبعوثون من إسرائيل ومصر والولايات المتحدة وقطر مرة أخرى في الدوحة لمناقشة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، لكن لا أحد يلتزم بشيء حتى يقرر الناخبون الأميركيون من سيجلس على المكتب البيضاوي في يناير.
في الكرملين، ينتظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نتائج الخامس من نوفمبر لتحديد خطواته التالية في أوكرانيا ومناطق أخرى، (وهو يؤيد فوز ترمب لكنه قلق من هذا السيناريو أيضاً).
في كوريا الشمالية، يتابع كيم جونغ أون الانتخابات باهتمام، ملوِّحاً بترسانته النووية أمام كوريا الجنوبية. من بكين إلى طهران، ومن مينسك إلى كاراكاس، ينتظر المستبدون المعادون لأميركا لمعرفة من سيكون خصمهم الجديد.
حتى حلفاء أميركا يعيشون في حالة من الجمود. فاليابان، التي عاشت توتراً بالفعل بشأن فترة رئاسية ثانية لترمب، عانت أزمة حكومية جديدة بعد انتخابات لم تسفر عن فائز حاسم للمرة الأولى منذ تسعينات القرن الماضي. الحكومة الألمانية، والتي تفصلها سنة واحدة عن الانتخابات البرلمانية، تعيش في ظل تحالف هزيل قد ينهار في أي لحظة. يتساءل حلفاء أميركا، مثل طوكيو وبرلين، عمّا إذا كانوا سيجدون صديقاً في البيت الأبيض العام المقبل، أم قومياً يفرض الرسوم الجمركية على صادراتهم ويهدد بتركهم يواجهون أعداءهم.
القلق في دول أخرى
أما الدول الأخرى، التي ليست حليفة ولا خصماً للولايات المتحدة، لكنها كانت تعتمد عليها لإرساء بعض النظام في عالم فوضوي، فهي أيضاً في حالة قلق. من جنوب المحيط الهادئ إلى أفريقيا، تشعر الدول بالضغط لتقرير انتماءاتها المستقبلية، إما أميركا أو الصين. يزداد هذا القلق في أماكن مثل مولدوفا وجورجيا، وهما تتأرجحان بين شرق تهيمن عليه روسيا، وغرب أورو-أميركي، حيث خاضتا انتخابات شهدت تدخلات واسعة من موسكو في نشر الأخبار الزائفة.
يتجلى هذا التوتر أيضاً في النظام متعدد الأطراف، المتمثل في الأمم المتحدة والمؤسسات القانونية الدولية. فقد أصبح وجود الأمم المتحدة مهدداً بفقدان دورها، خاصة إذا فاز ترمب بولاية ثانية، وهو الذي يعتبر المنظمة نادياً لـ”دعاة العولمة”. ويبدو مصيرها غامضاً تقريباً في حال فوز هاريس.
حتى إذا فاز ترمب، قد يجلب يوم 5 نوفمبر بعض الارتياح طالما أتى بنتيجة واضحة. لكن السيناريو الأسوأ يبقى محتملاً، وهو عدم الحسم، حيث تتأخر عملية انتقال السلطة المتنازع عليها لأشهر، سواء عبر المحاكم أو (لا قدر الله) من خلال النزول إلى الشوارع، مع احتمال حدوث أعمال عنف كالتي اعتادت الولايات المتحدة انتقادها في دول أخرى.
سيناريو مروع غير مسبوق
لم تشهد الولايات المتحدة ولا العالم سيناريو مروعاً كهذا. كانت انتخابات عام 2000، التي فاز فيها (جورج دبليو بوش على آل غور بفارق ضئيل وبعد الكثير من المناورات القانونية) مشهداً مشوقاً لكنه جرى في وقت كانت فيه الهيمنة الأميركية شبه مطلقة. أما انتقال السلطة المتوتر في 2020، فقد كان أكثر خطورة لكنه انتهى بعد فشل محاولة الانقلاب في 6 يناير 2021. كان النظام السياسي العالمي متذبذباً بالفعل، لكنه لم يصل إلى مرحلة الانهيار؛ إلا أن ذلك حدث مؤخراً بعد أن اجتاح بوتين أوكرانيا، وبعد أن نفذت “حماس” مجزرة ضد الإسرائيليين، وقصفت إسرائيل غزة ولبنان، فيما كثفت الصين تهديداتها ضد تايوان. والأسوأ من ذلك، بدأت روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران في تشكيل “محور” معادٍ لأميركا، وإن لم يكن تحت اسم محدد، مما أثار شبح اندلاع حرب عالمية ثالثة.
سيكون أي تنازع على انتقال السلطة في 2024 أشد خطورة. فقد أصبح الاستقطاب الداخلي والتضليل الأجنبي من الأمور المألوفة. وبلغت روسيا والصين وإيران مستوى عالياً من الدقة في نشر الدعاية ونظريات المؤامرة لإثارة الشقاق بين الأميركيين. يُتوقع أن يعزز ترمب كذبه الكبير عن انتخابات 2020 بأكاذيب أكبر، والتي ستلقى رواجاً عبر وسائل الإعلام المعادية لأميركا و”الحمقى غير الواعين” في الداخل.
حتى إذا نجت أميركا من العنف هذا الخريف والشتاء، وحتى لو وصل ترمب أو هاريس إلى المكتب البيضاوي بنتيجة كاسحة، وحتى إذا حدث توافق في السيطرة على البيت الأبيض والكونغرس بيد طرف واحد؛ ستواصل هذه “الأزمة المعرفية” الأعمق تقسيم الولايات المتحدة وهيمنة حالة من الترقب على العالم. فكما لم يحسم الأميركيون الاتفاق حول هوية الفائز في الانتخابات، يزداد عجزهم عن تحديد من هو المعتدي ومن هو الضحية في أوكرانيا، وعن تحديد المبادئ والمصالح التي تستحق جهد أميركا في الخارج، وما هو الدور المناسب الذي ينبغي على أميركا أن تؤديه على الساحة الدولية.
قال أرسطو إن “الطبيعة لا تحتمل الفراغ”، وكذلك التطورات الجيوسياسية. قد يواجه العالم فراغاً في الأشهر والسنوات المقبلة، بغض النظر عما ستسفر عنه نتائج الانتخابات الأسبوع المقبل، فالفراغ ليس في القوة فحسب، بل في الحقيقة والعقل والطموح.
الخلاصة
يناقش المقال القلق العالمي من “المرحلة الانتقالية” المرتبطة بالانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، حيث يترقب العالم—سواء من الحلفاء أو الأعداء—من سيصل إلى السلطة: دونالد ترمب أم كامالا هاريس. فعدم وضوح النتائج قد يؤدي إلى شلل في القرارات الدولية وتعميق الأزمات القائمة، مثل الصراع في أوكرانيا والتوترات في الشرق الأوسط وكوريا الشمالية.
الانتظار يُبقي الدول، سواء الحليفة أو المحايدة، في حالة من القلق والترقب حول مستقبل العلاقات والسياسات الأميركية، فيما يعتبر البعض عودة ترمب تهديداً للنظام العالمي. يُحذّر المقال من احتمال حدوث اضطرابات وعنف داخلي في أميركا في حال تأخر حسم النتائج، مشيراً إلى أن أي نزاع داخلي أميركي سيؤدي إلى فراغ في الساحة الدولية، مما قد يخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار العالمي.