اخر الاخبار

فرنسا تتلقى تحذيراً جديداً بشأن أوضاعها المالية من “موديز”

خفضت وكالة “موديز ريتنغز” نظرتها المستقبلية لتصنيف فرنسا الائتماني من مستقرة إلى سلبية، في خطوة تضيف مزيداً من التحذيرات بشأن تفاقم أوضاع المالية العامة للدولة، وسط معاناة حكومة الأقلية الضعيفة لإقرار الموازنة.

أوضحت الوكالة في بيان لها يوم الجمعة أن “تغيير النظرة المستقبلية إلى سلبية يعكس تصاعد المخاطر الناتجة عن انقسام المشهد السياسي في البلاد، بما يُضعف أداء المؤسسات التشريعية الفرنسية”.

وأضافت أن “انعدام الاستقرار السياسي يهدد بعرقلة قدرة الحكومة على التعامل مع التحديات السياسية الرئيسية، مثل ارتفاع عجز الموازنة وتزايد عبء الدين والارتفاع المستدام في تكاليف الاقتراض”.

“موديز” أبقت تصنيف فرنسا عند مستوى Aa3، أي أعلى بسبع درجات من التصنيف غير المرغوب فيه، ما يضعها في مرتبة مماثلة مع كل من المملكة المتحدة وجمهورية التشيك.

فرنسا تتلقى ثالث تقييم سلبي من وكالة تصنيف ائتماني خلال أسبوعين

تكبدت فرنسا سلسلة من الانتكاسات في تصنيفاتها الائتمانية خلال الأسابيع الأخيرة، بما فيها تخفيضات من وكالات “ستاندرد آند بورز” و”فيتش” و”دي بي آر إس” (DBRS)، وسط تصاعد الاضطرابات السياسية المزمنة التي تُهدد بالتحول إلى أزمة مالية عامة.

إصلاح نظام التقاعد

أقالت الجمعية الوطنية الفرنسية رئيسي وزراء خلال العام الماضي بسبب خططهما الخاصة بالموازنة، بعدما أدت الانتخابات المبكرة إلى انقسام المجلس إلى كتلٍ سياسية متناحرة. أما رئيس الوزراء الحالي سيباستيان ليكورنو، فقد احتفظ بمنصبه فقط بعد استجابته لضغوط نواب المعارضة وتعليقه إصلاح نظام التقاعد الذي أطلقه الرئيس إيمانويل ماكرون بهدف تعزيز أوضاع المالية العامة.

حذرت “موديز” من أن استمرار تعليق الإصلاح، الذي يرفع الحد الأدنى لسن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً، لعدة سنوات إضافية سيفاقم التحديات المالية ويُضر بآفاق النمو الاقتصادي.

اقرأ أيضاً: بنك فرنسا المركزي يخفض توقعات النمو ويحذر من المخاطر السياسية

رغم تعليق إصلاح نظام التقاعد، لا يزال موقف ليكورنو هشاً، إذ يلوح الحزب الاشتراكي، الذي يعتمد عليه لضمان بقاء حكومته، بالانضمام إلى تصويتات حجب الثقة إذا لم تُبدِ الحكومة مزيداً من المرونة في موازنة 2026. وتتركز مطالبهم الرئيسية على تقليص حجم خفض الإنفاق وفرض زيادات كبيرة في الضرائب على الأثرياء والشركات الكبرى.

غموض مالي متزايد

تزايدت حالة انعدام اليقين المالي بعدما تخلى ليكورنو عن استخدام أداة دستورية تُعرف باسم “المادة 49.3″، التي كانت الحكومات السابقة تلجأ إليها لتجاوز التصويت على الموازنة عندما تفتقر إلى الأغلبية المطلقة في البرلمان.

لم يتضح بعد كيف سيتمكن المشرعون المنقسمون من التوصل إلى توافق بشأن مشروع القانون، في وقتٍ تُعد زيادات الضرائب أو تخفيضات الإنفاق غير الشعبية ضرورية لضبط العجز المالي المتفاقم.

قال ليكورنو أمام الجمعية الوطنية الفرنسية يوم الجمعة: “لم يعد من الممكن الحكم من خلال سيطرة فريق سياسي واحد فحسب، بل عبر ترسيخ نقاشٍ جاد بين مشرعين يحملون قناعات مختلفة”. وأضاف: “إنها الثورة الهادئة للبرلمان”.

العجز المالي تحت المجهر

يستهدف مشروع الموازنة الأولي الذي قدمه ليكورنو إلى البرلمان هذا الشهر خفض العجز إلى 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن بلغ 5.4% هذا العام. ومع ذلك، أوضح ليكورنو أن للنواب حرية التفاوض حول هدفٍ أوسع، شرط ألا يتجاوز العجز 5%، وأن تظل فرنسا قادرة على تحقيق هدفها طويل الأمد المتمثل في خفض العجز إلى 3% بحلول عام 2029.

أزمة ديون فرنسا تتفاقم وسط خفض “فيتش” لتصنيفها الائتماني

من جانبه، قال وزير المالية الفرنسي رولان ليسكور عقب قرار وكالة التصنيف الائتماني إن الحكومة ماضية في تنفيذ خفض “طموح” للعجز المالي بما ينسجم مع هدف 2029. وأشار إلى أن النظرة المستقبلية السلبية التي منحتها الوكالة تعكس “الحاجة الملحة” للتوصل إلى تسوية بشأن الموازنة.

قالت “موديز”: “إذا استمر العجز عن تمرير تشريعات تُعالج هذه التحديات السياسية بفاعلية سيُعدّ ذلك مؤشراً على ضعف أداء مؤسسات الدولة”. وأضافت: “في غياب موازنات تتبنى نهجاً استباقياً لاحتواء الإنفاق أو زيادة الإيرادات، ستظل عجوزات فرنسا أوسع لفترة أطول مما نتوقع حالياً”.

أشعلت التحديات السياسية والمالية التي تفاقمت منذ دعوة ماكرون إلى انتخابات في يونيو 2024 موجة بيع للأصول الفرنسية، ما رفع تكاليف الاقتراض في البلاد.

ارتفع الفارق بين عوائد السندات الفرنسية والألمانية لأجل عشر سنوات، وهو مقياس مخاطر يُراقب عن كثب، إلى 89 نقطة أساس في الأسابيع الأخيرة، بعدما كان أقل من 50 نقطة قبل الانتخابات المبكرة. وفي يوم الجمعة، أغلق الفارق عند 81 نقطة، وهو الأعلى منذ 11 يوماً.

تخفيضات متتالية تهز الثقة باقتصاد فرنسا

زاد التخفيض غير المجدول الذي أجرته وكالة “ستاندرد آند بورز” الأسبوع الماضي من الضغوط البيعية على الأصول الفرنسية، بعدما فقدت فرنسا تصنيفها الائتماني من فئة “AA” لدى الوكالات الثلاث الكبرى. وأدى ذلك إلى عمليات بيع إلزامية نفذتها صناديق استثمارية تتبع معايير استثمارية شديدة الصرامة، فيما سارعت صناديق أخرى إلى تعديل سياساتها الاستثمارية لتجنّب خفض حجم حيازاتهم.

جاء قرار “موديز” بخفض النظرة المستقبلية لفرنسا إلى “سلبية” بعد أقل من عام على تخفيضٍ مفاجئ لتصنيفها الائتماني. غير أن هذه الخطوة كانت متوقعة على نطاق واسع بين المستثمرين في ظل تنامي التحديات أمام ضبط المالية العامة وتخفيضات التصنيف الائتماني الأخيرة من وكالات أخرى.

وأوضحت “موديز” أن التصنيف الائتماني لفرنسا قد يُخفض إذا ظهرت مؤشرات جديدة على تراجع مستمر في قدرة البلاد على التعامل مع التحديات الائتمانية، وهو ما قد يتجلى في استمرار صعوبة احتواء العجز المالي أو توقف دائم أو تراجع في الإصلاحات الهيكلية، لا سيما تلك المتعلقة بنظام المعاشات التقاعدية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *