اخر الاخبار

غرف “تيرورغرام” لليمين المتطرف تشن الحرب على شبكة الكهرباء الأميركية

سمع قاطنو حي هادئ ببلدة كارتاج في ولاية نورث كارولينا دوياً ست مرات قبل دقائق من حلول الساعة الثامنة من ليل 3 ديسمبر 2022. وقال مايكل كامبل، وهو أحد سكان المنطقة الواقعة في مقاطعة مور، إن الصوت أجفله فانحنى فجأة كمن يلوذ بساتر، فيما أخبر شاهد الشرطة أنه ظن أن ما سمعه كان فرقعة ألعاب نارية. لكن تبين أن الدوي أحدثه إطلاق نار من بندقية على محطة كهرباء فرعية قرب منزل كامبل.

تتكون المحطة، التي تديرها شركة “ديوك إنيرجي” (Duke Energy)، من معدات تحول الكهرباء إلى مستويات جهد مختلفة عند سريانها إلى المنطقة قبل توجيهها إلى المنازل. 

أصابت طلقات الرصاص مشعاع تبريد في محول كهربائي، وهو جهاز تقني حساس جداً لا يدرك أهميته على الأرجح إلا العاملون بشركات المرافق. جاء في تقارير الشرطة أن “كمية ضخمة” من الزيت تسربت من المحطة، وأشارت التحقيقات اللاحقة إلى جماعة يمينية محلية، وإلى أن الهجوم كان حلقة في سلسلة هجمات أو خطط لهجمات على البنية الأساسية للكهرباء. 

بحلول الثامنة وعشر دقائق عم الظلام بلدة كارتاج، وبعد دقائق صدح جرس إنذار على بعد 16 كيلومتراً في محطة فرعية تابعة للشركة تحجبها عن الأنظار أشجار الصنوبر الباسقة.

عندما انطلق منسوبو الشركة استجابةً للإنذار، وجدوا أن مجهولاً أطلق الرصاص على مشعاع تبريد المحول الكهربائي في تلك المحطة أيضاً. وعثرت الشرطة على فوارغ الطلقات منثورة على الأرض في موقع الحادث، ووجدت أن شخصاً قد مزق إطارات شاحنات الخدمة بالجوار. 

صُممت المحطتان الفرعيتان بحيث تدعم إحداهما الأخرى لتحافظ على استمرار الخدمة إن تعطلت واحدة منهما. لقد منع تعطيلهما معاً الشركة من تحويل إمدادات الكهرباء، وقالت الشرطة إن الواقعتين كانتا شطرين من هجوم منسق. 

حيثيات هجوم مقاطعة مور

عانت نحو 45 ألف أسرة وشركة انقطاع الكهرباء لأربعة أيام، وقد ضغط ذلك على متاجر البقالة بالمنطقة وعلى خدمات الطوارئ المحلية. وقد توفيت كارين زوانيلي عن 87 عاماً في الساعات التي تلت إطلاق النار حين توقف جهاز الأكسجين الذي تستخدمه بمجرد انقطاع التيار الكهربائي، واعتبر مكتب الفحص الطبي في نورث كارولينا وفاتها جريمة قتل. 

ما يزال مرتكبو الهجوم على مرافق “ديوك إنيرجي” في مقاطعة مور مجهولين، إلا أن مسؤولين عن إنفاذ القانون وخبراء آخرين يعتقدون أن الهجوم كان حلقة في تفشي نزعة بين متطرفين من أقصى اليمين لاستهداف البنية الأساسية للكهرباء كمحاولة لإشاعة الفوضى. 

يأمل أشد هؤلاء المخربين طموحاً بأن يحدثوا انهياراً مجتمعياً يفضي للإطاحة بحكومة الولايات المتحدة عبر العنف، وفقاً لباحثين يرصدون مجتمعات اليمين المتطرف.

لطالما كان تخريب شبكة الكهرباء هاجساً لدى المتطرفين اليمينيين، وقد تآمروا لشنّ هذه الهجمات على مدى سنوات عديدة، وتلقى مسعاهم دفعة قوية في الآونة الأخيرة من مواقع على الإنترنت مثل “تيرورغرام”، وهي شبكة لا مركزية من قنوات على منصة التواصل الاجتماعي “تيلغرام”، ويحرض مستخدموها عبر العالم على تعبيرات عنيفة عن قناعتهم بسمو العرق الأبيض.

يحرض بعض مستخدمي “تيرورغرام” بعضهم بعضاً، ويظهر في أحد الميمات المنتشرة رسم لإنسان يرمي زجاجة حارقة على معدات كهربائية. كما استغل أشخاص هذا المنتدى في أعمال الشغب الأخيرة المناهضة للهجرة في بريطانيا، إذ حرضوا الناس هناك على الاشتباك مع الشرطة.

في يونيو 2022، أي قبل أشهر من إطلاق النار في مقاطعة مور، بدأ مستخدمون في المنتدى يقدمون دعماً عملياً أتى على شكل وثيقة من 261 صفحة بعنوان “إعادة ضبط شامل”، فيها توجيهات دقيقة عن كيفية استخدام الأسلحة الآلية والمتفجرات وبالونات ميلار لإحداث انقطاع في التيار الكهربائي. أحد الاقتراحات التي وردت في الوثيقة كان إطلاق النار من أسلحة نارية عالية الكفاءة على محولات محطات الكهرباء الفرعية.

فرنسا تعتقل رئيس “تيلغرام” 

قالت “تيلغرام” في بيان إنها تحظر الدعوات الصريحة للعنف عبر المنصة، وإن مشرفيها يراقبون أقسامها العامة ويعتمدون على الذكاء الاصطناعي والتقارير التي يتقدم بها المستخدمون لتحري المحتوى الذي ينتهك أحكام الشركة وإزالته.

في 24 أغسطس، قبضت فرنسا على بافيل دوروف، الرئيس التنفيذي للشركة، واحتجزته على خلفية الاشتباه بأنه لم يتخذ خطوات لمنع الاستخدام الإجرامي لمنصة “تيلغرام”، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية. قالت الشركة في اليوم التالي عبر منشور على موقع “إكس”، المعروف سابقاً باسم “تويتر”، إنها تلتزم بالقوانين الأوروبية. وكتبت: “إن الادعاء بأن المنصة أو مالكها يتحملان مسؤولية إساءة استخدامها هو ضرب من الهراء”. 

تصاعدت الهجمات على مرافق الكهرباء في الآونة الأخيرة. وأبلغت شركات الكهرباء عن 185 هجوماً أو تهديداً بأفعال ضد البنية التحتية للشبكة في 2023، أي أكثر من ضعف ما سُجّل في 2021، وفقاً لمؤسسة “نورث أميركان ريلايابيليتي” (North American Reliability)، وهي مجموعة تتبع المخاطر التي تتعرض لها المرافق في القطاع. 

خطط متطرفون لقطع التيار الكهربائي في المحطات الفرعية قرب مواقع احتجاجات حركة “حياة السود مهمة”، وفقاً لما ورد في سجلات محكمة، وخطط آخرون لضرب محطات الطاقة الكهرومائية وغيرها من البنى التحتية الحيوية. منذ 2022، وجهت الشرطة اتهامات لمشتبه بهم تتعلق بمخططات لمهاجمة منشآت الطاقة في إيداهو وميريلاند وأوهايو. 

إن هذا الإرهاب المحلي مثال على أن انحراف فكر مجموعات على الإنترنت قد يتحول إلى تهديدات في العالم الحقيقي. وقد أصدرت وزارة الأمن الداخلي الأميركية سلسلة نشرات عامة عن التطرف العنصري بين البيض، ويطلب المشرعون مزيداً من المعلومات عن التهديدات التي تتعرض لها شبكة الكهرباء. 

قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي للكونغرس في ديسمبر إن أكبر تهديد إرهابي للولايات المتحدة ينبع من أفراد وخلايا صغيرة تحضّ على التطرف عبر الإنترنت ثم تستخدم الأسلحة التي تقع في متناولهم لمهاجمة أهداف مكشوفة أمنياً.

الانتخابات وتصاعد الهجمات

 تزداد حدة التهديدات ضد البنية التحتية الحيوية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وفقاً لمسؤول كبير في أجهزة إنفاذ القانون الأميركية يتتبع هذا النشاط، وقد طلب عدم ذكر اسمه لأنه تحدث إلى بلومبرغ بيزنسويك دون تصريح. يتوقع نصف الناخبين في الولايات المتأرجحة وقوع أعمال عنف عند دنو موعد انتخابات نوفمبر، وفقاً لاستطلاع من شركة “مورنينغ كونسالت” لصالح “بلومبرغ نيوز” صدر في مايو.

وقال كريستوفر غولدسميث، مؤسس معهد “تاسك فورس بتلر”، الذي لا يهدف إلى الربح وقوامه مجموعة من المحاربين القدامى أعمالهم مكرسة لمكافحة التطرف، إن استراتيجية قطع التيار الكهربائي قد تؤثر على مواقع التصويت أو على التصديق على الانتخابات، و”إن حدثاً مثل الهجوم على الشبكة قبل أو أثناء أو بعد الانتخابات قد يؤدي إلى قدر لا يصدق من الفوضى السياسية”.

يحذر باحثون من أن أصحاب نظريات المؤامرة على الإنترنت قد ينتهزون أيضاً فرصة أي انقطاع يتزامن مع الانتخابات لمزيد من تقويض الثقة بمنظومات الانتخاب. والت كاثرين كينيلي، مديرة تحليل التهديدات والوقاية في “معهد الحوار الاستراتيجي”، وهو مركز أبحاث يتتبع التطرف إن “السنوات الأربع الماضية شهدت مزيداً من المؤامرات التي تركز على العمل على المستويين المحلي والإقليمي”.

في مقاطعة مور، أظهر تحليل أولي لأغلفة الطلقات أن الرصاص المستخدم في تعطيل كلتا المحطتين الفرعيتين أُطلق من سلاح واحد، وهو بندقية من طراز (AR-15). وقد استخرج المحققون مقطعاً مصوراً من كاميرا مراقبة تابعة لشركة تخزين محلية ظهرت فيه شاحنة بيضاء تتحرك دخولاً وخروجاً من المنطقة في غضون دقائق من إطلاق النار، وكان هذا دليلاً واعداً لكنه لم يفض للقبض على أحد.

“مواطنون من أجل الحرية في مور” 

تشير مذكرات التفتيش إلى أن الأمر تطلب بضعة أيام فقط من المحققين لتحديد مشتبه بهم مرتبطين بمجموعة يمينية تُدعى “مواطنون من أجل الحرية في مقاطعة مور”. كان أعضاء من المجموعة، التي كانت ضالعة في الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير، قد تذمروا عبر الإنترنت بشأن عرض فني لرجال يمثلون شخصيات نسائية كان مقرراً أن يبدأ في نفس وقت الهجوم تقريباً. ذكر شهود أن المجموعة وضعت خطةً لتعطيل المحطات الفرعية في المنطقة. (لم يتوقف العرض الفني بعد الحادثة، فقد أدى المشاركون أغاني بيونسيه في الظلام).

استجوب عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي رجلاً قال إنه استخلص أن منظمة “مواطنون من أجل الحرية في مقاطعة مور” قد وضعت خطة لمهاجمة شبكة الكهرباء، لكنه أبلغ الشرطة أنه ظن أن الخطة أُلغيت.

بيّنت الشرطة في مذكرة تفتيش أن المسلحين كانوا على “معرفة وثيقة بالمحطات الفرعية وهي تفوق بكثير ما يعرفه العامة”. وقد حددت  الشرطة مشتبهاً به عمل عن قرب في محولات المحطات الفرعية أثناء عمله في شركة كهرباء أخرى، وقد أخبر أصدقاؤه عن صلاته بمجموعة “مواطنين من أجل الحرية” في مقاطعة مور.

خلصت مذكرة منفصلة إلى أن هاتف زوجة المشتبه به كان متصلاً ببرج خلوي تابع لشركة (AT&T) يقع قرب إحدى المحولات الفرعية التي عُطلت، وكان ذلك في وقت قريب من لحظة الهجوم.

لكن لم يُقبض على أي شخص رغم مرور نحو عامين على الحادثة. رفض مكتب مأمور مقاطعة مور التعليق لصالح إعداد هذا التقرير بحجة أن التحقيقات ما تزال قائمة. ولم تستجب مجموعة “مواطنون من أجل الحرية في مقاطعة مور” لطلب تعليق.

بعد أسابيع من الهجوم في مقاطعة مور، قال مكتب التحقيقات الفيدرالي إن شخصين مشتبه بهما هاجما أربع محطات كهرباء فرعية صباح يوم عيد الميلاد في واشنطن، فانقطع التيار الكهربائي جراء ذلك عن حوالي 7000 ساكن. 

في 2022، أقر ثلاثة رجال بالضلوع في التخطيط لشن هجمات على عدة محطات فرعية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، على أمل أن يطلقوا شرارة حرب عرقية. في يونيو من هذا العام، حُكم بالسجن على ثلاثة آخرين لهم روابط بمنتدى على الإنترنت مخصص للنازيين الجدد وأنصار قناعة تفوق العرق الأبيض اسمه “أيرون مارش” (Iron March) بسبب مخطط مشابه يستهدف البنية التحتية في منطقة الشمال الغربي.

مؤامرة يناير 2023

في مؤامرة أخرى تعود إلى يناير 2023 ووردت تفاصيلها في سجلات محكمة، زُعم أن رجلاً يُدعى براندون رَسل، وهو مستخدم سابق آخر لمنتدى “أيرون مارش” اليميني المتطرف على الإنترنت، خطط مع شريكة له لإطلاق النار على عدة محطات لتوليد الكهرباء في مختلف أنحاء بالتيمور. 

تزعم الوثائق أن رَسل وسارة بيث كلندانيل تراسلا في سلسلة دردشات عبر الإنترنت وتشاركا خرائط عامة للبنية التحتية للشبكة في أنحاء الولايات المتحدة، كانت قد وُزعت على نطاق واسع عبر قنوات “تيرورغرام”، بغرض العثور على “حلقة” من المحطات حول منطقة بالتيمور.

 كما درس المتهمان مقاطع هندسية مصورة تشرح الهجوم الذي وقع في مقاطعة مور، وقررا ضرورة “تدمير هذه الأجهزة، وليس الاكتفاء بتسريب زيتها”، وفقاً لسجلات المحكمة. 

دفع رَسل، الذي تقرر انعقاد محاكمته في نوفمبر، بالبراءة، فيما اعترفت كلندانيل بضلوعها وتواجه عقوبة سجن قد تبلغ 20 عاماً، ويُنتظر أن يُحكم عليها في سبتمبر.

سارعت شركات كهرباء منها “ديوك إنيرجي” لتحصين مرافقها. وقد أشركت مؤسسة “نورث أميركان ريلايابيليتي” أخيراً أكثر من 250 شخصاً في محاكاة حالة طوارئ لتقييم قدرات الشبكة واعتماديتها، وقالت وزارة الطاقة في يناير إنها ستخصص 70 مليون دولار لتعزيز أمن الشبكة.

لكن الدفاع عن الشبكة ضد هجمات كهذه صعب، ويحذر باحثون من أن الاستقطاب الحزبي المفرط في فترة الانتخابات من شأنه أن يلهم مزيداً من المتطرفين. قال بن ديكر، مؤسس “ميميتيكا” ورئيسها التنفيذي، وهي شركة متخصصة في تحري التهديد: “هذا هو الوقت الذي تنتعش فيه مجتمعات اليمين المتطرف وتبدأ بالتركيز أكثر على الإنترنت. فهذا سيدعم قضيتهم الأساسية حتماً، وهم يحاولون إقناع المنضمين الجدد إليهم بالتحرك”.

في يونيو، تسبب إطلاق نار في منشأة تابعة لشركة “ديوك إنيرجي” في دورهام بولاية نورث كارولينا بانقطاع التيار الكهربائي عن مئات الزبائن، وقد أُصيب محول كهربائي بطلق ناري تسبب بتسرب بطيء للزيت، تماماً كالذي وقع في مقاطعة مور وكما وصفت وثائق “تيرورغرام”. وما يزال التحقيق مفتوحاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *